ايماسك : نداءات العلمانية.. أبوظبي تتعثر بين سياستها الخارجية والداخلية

ايماسك : نداءات العلمانية.. أبوظبي تتعثر بين سياستها الخارجية والداخلية

قال معهد ستراتفور الأمريكي للدراسات والبحوث الأمنية والمخابراتية إن السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة أثار الاستنكار والاستغراب خلال مقابلة أجريت مؤخرا مع "تشارلي روز"، وبالحديث عن مشكلة دول المقاطعة مع قطر، حيث قال إنها مشكلة فلسفية أكثر من كونها خلافا دبلوماسيا.

مضيفاً: "إذا سألت دولة الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين عن نوع الشرق الأوسط الذي تريد أن تراه بعد عشر سنوات، فإن هذه الدول تريد حكومات علمانية قوية ومستقرة ومزدهرة ولذلك هم يعارضون قطر"، ولكن مع وجود التاريخ القريب للسعوديين والإماراتيين، فإن حديث «العتيبة" عن دولة علمانية يبدو مخادعا، إلم يكن عكس التيَّار، فبالنسبة للغالبية العظمى من الإماراتيين والسعوديين فقد غرست تعاليم الإسلام خلال سنوات تكوينهم.

ووجهت لكلمات السفير انتقادات حادة من السعودية، وقد اعتبرت الأميرة « فهدة » - ابنة الراحل الملك فهد - تعليقات «العتيبة» مناهضة للمملكة وللإسلام.

وأضاف المعهد "وبطبيعة الحال، لم تكن كلمات العتيبة مخصصة لجمهور سعودي، بل كانت مصممة خصيصا لمشاهدي البرنامج الأمريكي.

وقد أصبحت العلاقات القوية مع واشنطن مركزية بالنسبة لابوظبي في مساعيها إلى تخطي السلطة خارج مجلس التعاون الخليجي. وبصفته سفيرا لدى الولايات المتحدة، كان العتيبة يحاول توطيد تلك العلاقات، مطالبا بالتفكير الغربي لإقناع المشاهدين الأميركيين بالشرعية السياسية لبلاده. لكن في الواقع، لا يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة إلا أن تدفع شعورا لمفهوم العلمانية دون المساس بشرعيتها في الوطن".

مخاطر العلمانية على الإمارات

ويشكل القانون الشرعي أساسا في المجتمع الإماراتي. وعلاوة على ذلك، فإن الحفاظ عليه ضروري لضمان الاستقرار والتماسك الاجتماعيين.

ويعتمد البلد، الذي يعاني حجمه الجغرافي الصغير من تنوعه القبلي، على الدين لتوحيد سكانه. ينشد النشيد الوطني الإماراتي السند الذي لا ينفصم على الإسلام في الخط، "لقد عشت لأمة دينها الإسلام الذي هو دليل القرآن". إن إدخال عناصر علمانية في النظام السياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة من شأنه أن يزعج التوازن في مجتمع البلاد. وعلاوة على ذلك، وكما يوحي رد الأميرة السعودية على مقابلة العتيبة، فإن مجرد ذكر العلمانية يمكن أن يلهم الغضب.

 

ومن شأن فرض العلمانية أيضا أن يزرع بذور المشاركة السياسية في البلاد. تسير العلمانية والديمقراطية جنبا إلى جنب حيث تقام الحكومات بناءً على الموافقة الشعبية، بالمقابل فإنه تحدد مسؤوليات وواجبات المواطن. أما بالنسبة للنظام الإماراتي، فإن الوعي السياسي يمثل مشكلة. يحصل القادة ي قسطا كبيرا من الولاء السكان. الحكومة تفرض رقابة صارمة على مواطنيها وتستخدم اليد الثقيلة عند التعامل مع المعارضة. في عام 2017، اتهم التقرير العالمي ل هيومن رايتس ووتش السلطات في البلاد "بالاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء معاملة المحتجزين".

وعلى الرغم من مركزية الإسلام في المجتمع الإماراتي، إلا أن قادة البلاد حرصوا على تعميق دور العلمانية في الحكومة. فعلى سبيل المثال، نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في تنفيذ قطاع الخدمة العامة العلماني، وهو إنجاز دفع قادتها إلى التفاخر بالنظام السياسي التطلعي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن سياستها الخارجية تقوم على ثلاثة مبادئ: الحكمة والتوازن والمزاج. كانت أبوظبي قادرة على اختبار هذه الإستراتيجية العملية خلال انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، عندما بدأت الحركات الإسلامية تكتسب زخما في جميع أنحاء المنطقة.

وقد شكلت جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت في نهاية المطاف إلى السلطة في مصر، تهديدا وجوديا محتملة للنظام الإماراتي، مما دفع القادة إلى العمل.

وقد اتخذت أبوظبي خطوات عدوانية للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أنها لا تتمتع إلا بقدر ضئيل من التأييد الشعبي في الإمارات العربية المتحدة، وقامت بإخماد التغيير السياسي في المنطقة.

ومع ذلك، فإن تعزيز الاعتدال الديني واعتناق العلمانية أمران مختلفان. وفي الواقع، لوحظ عموما أن الإسلام يتسامح دينياً قبل صعود نسخته الأصولية - وهو اتجاه لا يعني بأي حال الاعتراف بالعلمانية. وقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دورا رائدا في توطيد دعائم السلام الدولي منذ تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان السلطة في عام 1971. وقفت ضد تهديد التطرف الإسلامي في السنوات الفاصلة أيضا. في الوقت نفسه، على الرغم من ذلك، خصصت البلاد 600 مليون دولار لبناء مسجد كبير في أبو ظبي، وهو مشروع بالكاد يجسد العلمانية.

تشير العلمانية التي وصفها العتيبة مؤخرا إلى نظام لا يمكن للأحزاب والقادة فيه استخدام الدين كوسيلة لتحقيق أغراض سياسية مثل الإطاحة بالحكومة القائمة. كما يفهم السفير الإماراتي بوضوح الاختلافات بين سياسات بلاده الداخلية والخارجية. وأصدر بيانه عن العلمانية وليس في الإمارات ولكن في بلد أجنبي حيث يتوقع جمهوره المحلي خطابا سياسيا مختلفا عما اعتاده المواطنون الإماراتيون. ومن جهة أخرى، فإن القادة في أبو ظبي لم يذكروا حتى العلمانية عبوراً.

 

 إن الإمارات العربية المتحدة لا تتطلع إلى نظام علماني، كما أنها ليست قادرة على الوصول إلى نظام واحد في ظل النموذج الحالي للحكم. ولولا السرعة التي التقطت بها قناة "الجزيرة" هذه اللفظة الدعائية، لكان تصريح "العتيبة" مر دون أن يلاحظه أحد.

الكاتب