الدولي للعدالة .. أوقفوا الاختفاء القسري في الإمارات

الدولي للعدالة .. أوقفوا الاختفاء القسري في الإمارات

بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري ، نشر المركز الدولي للعدالة وحقوق الانسان عبر موقعه بيانا يدين به الانتهاكات الصارخة واستمرار الحجز التعسفي والاخفاء القسري للمعتقلين المدنيين في الامارات  .

وجاء في البيان .. يصادف يوم 30 أغسطس من كل عام اليوم العالمي للاختفاء القسري وذلك بعد أن أقرته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في عام 2010 لما في هذه الممارسة من انتهاك لحقوق الإنسان وإهدار لكرامته وأدميته وحقه في الوجود والحرية.

وقد دأب جهاز أمن الدولة بدولة الإمارات في السنوات الأخيرة على اعتقال الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين على خلفية انتقادهم لسياسة الحكومة أو إمضائهم على عريضة الإصلاح ومن هؤلاء من تحصل على جوائز حقوقية مثل المحامي والأكاديمي د.محمد الركن الذي تحصّل على جائزة لودوفيك تراريو لحقوق الإنسان لسنة 2017 وأحمد منصور الذي تحصّل على جائزة مارتن إينالز للمدافعين عن حقوق الإنسان لسنة 2015 .

ويتعمّد جهاز أمن الدولة مداهمة منازلهم دون الاستظهار بإذن قضائي واقتيادهم معصوبي الأعين (وعلى مرأى ومسمع من أطفالهم وزوجاتهم) إلى مقار احتجاز سريّة بما يجعل المعتقلين في وضع الاختفاء القسري ويزيد من مخاطر تعرّضهم للتعذيب ولسوء المعاملة .

وهو ما حصل أخيرا مع الناشط الحقوقي أحمد منصور والذي اعتقل من قبل جهاز أمن الدولة يوم 20 مارس 2017 على الساعة الثالثة فجرا بعد مداهمة منزله بدبي وتفتيش كلّ غرفه وجميع محتوياتها بما فيها غرف الأطفال وتمّ اقتياده بعدها إلى مكان غير معلوم وذلك على خلفية تدويناته على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي ودفاعه عن الناشطين الحقوقيين.

كما تعمّدت سلطات دولة الإمارات نقل الأكاديمي والخبير الاقتصادي د.ناصر بن غيث من سجن الرزين إلى مكان غير معلوم بداية شهر أغسطس 2017 ورفضت إخطار عائلته بمقر احتجازه الجديد فتدخّل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان ببيان في 21 أغسطس 2017 يطالب فيه سلطات دولة الإمارات بالكشف عن مكان احتجازه وحمّل دولة الإمارات المسؤولية عن احتجازه دون أن يؤمّن له الضمانات المخوّلة للمحتجزين طبقا للمعايير الدولية.

وتمنع سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة عن المعتقلين  في أغلب الحالات الحقّ في إشعار الأهل بوقوع القبض عليهم وفي زيارتهم والتراسل معهم والحقّ في الاتصال الفوري بمحام والتشاور معه على إنفراد و الحقّ في الاتصال بطبيب وفي طلب إجراء فحص طبي وهو ما مثّل خرقا لالتزام سلطات أي دولة بكفالة حجز المعتقلين في أماكن معترف بها رسميا  وكفالة حفظ أسماء الأشخاص المسؤولين عن احتجازهم في سجلات يتاح الاطلاع عليها وإثبات وقت ومكان الاستجوابات مشفوعة بأسماء الحاضرين فيها وإتاحة وصول الأطباء والمحامين وأفراد الأسرة إلى المحتجزين .   

 ولقد تواترت إفادات لمعتقلين سابقين عن تعرّضهم للاختفاء القسري بمقرات احتجاز سريّة يقوم على حراستها حراس نيباليون عهدت لهم مهمة انتزاع اعترافات بضرب المعتقلين وصعقهم بالكهرباء وتعليقهم وتقييدهم باستعمال السلاسل وحرمانهم من النوم والنوم على الأرض.

فأفاد كمال الضراط الحامل للجنسيتين الليبية والأمريكية تعرّضه للإيقاف من قبل جهاز أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة واعتقاله بمركز إيقاف سريّ وحرم لأشهر من حقه في ملاقاة محاميه وزيارة أهله وأخضع للتعذيب وسوء المعاملة كالضرب والسب والشتم والتهديد بالكرسي الكهربائي والنوم على الأرض.

كما أفاد محمد العرادي وهو ليبي ومقيم رسميا بدولة الإمارات لمدة 23 سنة والذي قضّى مائة يوم ( 100 ) بمركز احتجاز سري بلا نوافذ قياسه حوالي 3 أمتار × 3 أمتار بتعرّضه لجلسات استجواب متعددة في الأسابيع الأولى، وهو معصوب العينين طوال الوقت وضرب بخراطيم مطاطية على جميع أنحاء جسده وأخضع للبرد الشديد كما أجبر على الوقوف عدة أيام بشكل متواصل وتمّ ربطه إلى كرسي كهربائي وأفرجت السلطات الإماراتية عنه دون توجيه أي تهمة إليه ولم يرَ محام أو يتلقَى المساعدة القنصلية من السفارة الليبية في أي وقت أثناء احتجازه .

ولقد وثّقت الرسائل التي تسربت من السجون الإماراتية وخطّها سجناء ما يعرف بقضية " إمارات 94 " صنوف الإنتهاكات التي طالتعهم ومنها الاختفاء القسري.

تكتّم الإمارات على مكان تواجد مراكز الاحتجاز السريّة

وتتكتم دولة الإمارات على أمكنة تواجد مقار احتجاز المعتقلين من الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين ولقد بلغ إلى علم المركز أنّ أشهر مقر احتجاز سري يقع في المبنى الرئيسي لجهاز أمن الدولة حيث لا يستطيع أحد الدخول له أو الوصول إليه سوى العاملين في هذا المبنى ويقع في إمارة أبوظبي على شارع الخليج العربي ويبعد عن مطار أبوظبي الدولي حوالي ربع ساعة بالسيارة ، وتتم فيه أغلب الانتهاكات والتعذيب الذي يتعرض له المعتقلون قبل المحاكمات ، والغرف فيه انفرادية والحراسة فيه من الجنسية النيبالية التي تقوم بنقل السجين من زنزانته الانفرادية لغرف التحقيق أو التعذيب أو لدورات المياه ، وحركة المعتقل بين هذه الأماكن تكون وهو معصوب العينين ومقيد اليدين والرجلين.

وأكّدت تقارير حقوقية انتهاك سلطات دولة الإمارات للحق في عدم التعرّض للاختفاء القسري ومن هذه التقارير نجد تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، غابرييلا نول حين زيارتها لدولة الإمارات سنة 2014 والتي أكّدت تلقيها أثناء زيارتها معلومات وأدلة ذات مصداقية تفيد بتعرّض كثير ممن أُلقي عليهم القبض من دون أمر توقيف ونُقلوا إلى أماكن احتجاز غير رسمية، للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، لأغراض منها انتزاع اعترافات بالذنب أو شهادات ضد محتجَزين آخرين.

  شهادات تحت التهديد

تعمّدت سلطات دولة الإمارات في الأشهر الأخيرة توظيف معتقلين سياسيين من أجل تبرئة دولة الإمارات مما ينسب لها من انتهاك لحقوق الإنسان وحط من كرامة المعتقلين وهو ما حصل مع المعتقل السياسي عبد الرحمن بن صبيح والذي ظهر على تلفزيون أبو ظبي في 14 جويلية 2017 لينفي تعرّضه للاختطاف وللاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة المهينة والمحاكمة الجائرة.

كما فعلت سلطات دولة الإمارات بالمثل مع المعتقل عيسى بن خليفة السويدي ضمن القضية المعروفة ب" إمارات 94 " والذي ظهر على قناة دبي في 18 أوت 2017 ليفيد بالمعاملة الحسنة التي لقيها في السجن ولإدانة دولة أخرى.

ولم تقدّم سلطات دولة الإمارات أيّة إيضاحات بخصوص إخراج المعتقلين من سجنهما وإظهارهما في الإعلام وما إذا كان ذلك بأمر من النيابة العامة المشرفة على السجون أم بتعليمات من السلطة السياسية علما وأنّ المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان لم يعثر على مادة من مواد القانون الاتحادي بشأن المنشآت العقابية يجيز إظهار سجين ليدلي باعترافات على شاشة التلفزيون.

ويؤكد المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان أنّ إدلاء سجينين سياسيين باعترافات على قنوات تلفزية يمثل انتهاكا جديدا لحقوق الإنسان ويرجح المركز تعرضهما للضغط والتهديد والتخويف من أجل تقديم هذه الشهادات المفبركة على شاشة التلفزيون.       

تركيز وإدارة دولة الإمارات لسجون سريّة داخل اليمن

تواترت الإفادات على تورّط دولة الإمارات في تركيز سجون سريّة وإدارة مراكز احتجاز سرية داخل دولة اليمن اتخذتها كمقار لاعتقال وتعذيب المحتجزين في النزاع المسلح الدائر على الأراضي اليمنية.

ووثقت بعض التقارير وجود ما يزيد عن ثمانية عشر مركز احتجاز سري موجودة بجنوب اليمن تقع تحت إدارة الإماراتيين تقع فيها جرائم الاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة وهو ما شكل انتهاكا لحقوق الإنسان المضمونة بالمواثيق الدولية كما شكل جريمة حرب وانتهاكا جسيما على معنى مواد اتفاقية جينيف وبروتوكولاتها الإضافية.

دولة الإمارات لم تنضم للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري   

لا تزال حكومة الإمارات تراوح مكانها في مسألة التوقيع على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري خلافا لما تعهّدت به حين الاستعراض الدوري أمام مجلس حقوق الإنسان سنة 2013.

كما لم تنضم للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة والتي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2002 ولازالت تتحفظ على بند الشكاوى في اتفاقية مناهضة التعذيب مما يحرم العديد من الضحايا من فرص التظلم واسترجاع الحقوق. إذ أعلنت سلطات دولة الإمارات أنّها لا تعترف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب كما أكدت أنها ليست معنية بالتسوية عن طريق التحكيم بينها وبين غيرها من الدول فيما يتعلّق بتفسير هذه الاتفاقية أو تنفيذها.

ويضاف إلى ذلك عدم مصادقة دولة الإمارات على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

القضاء الإماراتي والإفلات من المساءلة

تفتقد دولة الإمارات لقضاء ونيابة يعملان طبق مبادئ الأمم المتحدة ذات الصلة وأهمها الاستقلالية والحياد والنزاهة ويضمنان حماية المواطنين من كل اعتداء ينال من حرمتهم الجسدية والأدبية ويوفران للضحايا الحق في الانتصاف وفي جبر الضرر ولم تهتم سلطات دولة الإمارات القضائية بما أثاره النشطاء السياسيون والحقوقيون والمدونون أثناء محاكمتهم من تعرّضهم للاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة ولم تبادر بالتحري حول هذه الادعاءات لتعيين المسؤولين عن ذلك وبغاية إنصاف الضحايا كما لم تباشر النيابة العامة إجراء تفتيش على مراكز الاحتجاز منعا لكل انتهاك يطال كرامة المحتجزين وهو ما يقيم الدليل على تبعية القضاء والنيابة العامة لجهاز أمن الدولة وللسلطة التنفيذية عموما.

هذا فضلا عن ملاحقة سلطات دولة الإمارات قضائيا لكل من يكشف عن وجود تعذيب واختفاء قسري على معنى القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون العقوبات الإماراتي.

غياب هيئة وطنية لحقوق الإنسان طبق مبادئ باريس

تعهّدت دولة الإمارات حين الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان سنة 2013 بتركيز الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان طبقا لمقتضيات مبادئ باريس ذات استقلالية وبصلاحيات عالية تهتم بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها وبرصد كلّ الخروقات لحقوق الإنسان وتتبع وتوثيق ومراقبة وزيارة الأماكن التي يشتبه أو يحتمل أن يكون فيها حقوق عرضة للانتهاكات وتلقي الشكاوى المتعلّقة بحقوق الإنسان ودراستها وإحالتها إلى جهات الاختصاص ومتابعتها مع تبصير الشاكين بالإجراءات الواجبة الإتباع ومساعدتهم على اتخاذها والمعاونة في تسويتها مع الجهات المعنية.

غير أنّها لم تف بما تعهّدت به ، وإلى حدّ هذا التاريخ لا نجد بدولة الإمارات العربية المتحدة مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان موافقة لمبادئ باريس وتحفظ للمعتقلين كرامتهم وآدميتهم وتمنع ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة وإخفائهم قسريا.

التوصيات

يطالب المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان كل من المقرر الأممي الخاص المعني بالتعذيب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي والمقرر الأممي المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان والمقرر الأممي الخاص المعني باستقلال القضاء والمحاماة بالتدخل العاجل لدى سلطات دولة الإمارات ومطالبتها بزيارة المحتجزين وعائلاتهم من الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين والإعلان عن مراكز الاحتجاز داخل دولة الإمارات وداخل اليمن والكفّ عن انتهاك حقوق الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين وتخويلهم حق الانتصاف وجبر ضررهم وإعادة تأهيلهم ورد الاعتبار لهم.   

كما يدعو المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجينيف سلطات الإمارات العربية المتحدة إلى:

الإفراج دون تأخير عن كلّ الذين تحتجزهم دولة الإمارات في سجونها وفي غيرها من مراكز الاحتجاز من الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين والكفّ عن انتهاك حقوقهم في الأمان الشخصي وحرية الرأي والتعبير والضمير والعقيدة والحق في التنظم والتجمع السلمي وفي محاكمة عادلة ومعاملة كريمة تحفظ آدميتهم.

فتح تحقيق سريع وجاد ومن قبل جهة مستقلة بخصوص ادعاءات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز الإماراتية والتي نالت من كرامتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية ومحاسبة كلّ من يثبت تورطه في ذلك للحيلولة دون إفلاتهم من المساءلة والعقاب ومنعا لتكرارها وتمكين الضحايا من حقّهم في الانتصاف وجبر ضررهم والعمل على تأهيلهم وردّ الاعتبار لهم.

تركيز مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفقاً للمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية (مبادئ باريس) يناط بعهدتها زيارة مركز الاحتجاز بشكل مستقل وفجائي ودون سابق إخطار ورصد الانتهاكات التي تطال المحتجزين والتحقيق حولها وإحالة المسؤولين عن الانتهاكات أمام قضاء مستقل ونزيه ومحايد.

التعجيل بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري وعدم التحفظ على أي مادة من موادها.

السماح للمقررين الأمميين الخاصين وفرق العمل الأممية والمنظمات الحقوقية الدولية بزيارة مراكز الاحتجاز الإماراتية لمعاينة مدى احترام سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة للمعايير الدولية ذات الصلة وعدم نيلها من كرامة المحتجزين.

التعجيل بتنفيذ دولة الإمارات وقبل الاستعراض دوري سنة 2018 للتوصيات التي التزمت بها حين الاستعراض الدوري لحقوق الإنسان سنة 2013

الكاتب