التطبيع بكل أشكاله وألوانه ،، خيانة لا مبرر لها إلا الذل والهوان!!

التطبيع بكل أشكاله وألوانه ،، خيانة لا مبرر لها إلا الذل والهوان!!

أصبحت دول الخليج أو ما يسميها الاحتلال الصهيوني (دول الاعتدال العربي) محور اهتمام إسرائيل، حين صار يتفاخر بالتطبيع معها في كل المجالات ويعتبر ذلك أهم إنجازاته ونجاحاته السياسية، ففي كل يوم نسمع مسئولي الكيان الصهيوني يتباهون ويمدحون ارتفاع سقف العلاقات بينهم وبين "دول الاعتدال"، ارتفاع فاق سقف توقعاتهم بحد ذاته، بظهوره للعلن بعد الكتمان لسنوات طوال، وتعدد مجالاته لتشمل السياسة والاقتصاد والعسكرية وحتى الفن والرياضة!.

وتتصدر الإمارات مع المملكة السعودية مشهد التطبيع مع بني صهيون، بيْد أنَّ الفارق بين الجارتيْن الخليجيتيْن هو العلَانية والتقادم والتسابق نحو التطبيع مع إسرائيل من الإمارات عن نظيرتها المملكة.

ويبدو أن التطبيع العسكري بين الطرفين صار علناً وجليًا في العلاقات الإسرائيلية الإماراتية، وكأن الرضا الصهيوني بات مهمة وطنية لأبو ظبي بقيادة محمد بن زايد، بعد أن قطع بالإمارات أشواطًا طويلة في التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني غير مكترث بالرسميات، بناء على توجيهات أمريكية، ودخل التطبيع بين أبو ظبي و"تل أبيب" مرحلة جديدة، حيث باتت الأولى تتخندق مع الأخيرة في معاداتها لبعض الدول العربية والإسلامية الرافضة لتطبيق المخططات (الصهيوأمريكية) في المنطقة.
وانقلبت الآية رأسًا على عقب، فبدلًا من أن تتسلح الدول العربية وتتوحد من أجل مواجهة إسرائيل، أصبحت إسرائيل هي نفسها مصدر الأسلحة لهذه الدول والشريك العسكري والاستخباراتي المفضّل!.

ومن خلال إجراء مناورتين عسكريتين مشتركتين بين سلاح الجو التابع للطرفين، كانت الأولى في أغسطس 2016م، وحملت عنوان (RED FLAG)، بالتدريب الجوي الدولي في قاعدة “نيليس” الجوية في ولاية نيفادا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب سلاح الجو الباكستاني، وهو التدريب الذي اعتبره الاحتلال الصهيوني حينها (أكبر وأفضل محاكاة للحرب في العالم).
والثانية في مارس 2017م، حين أُقيمت مناورة بعنوان (إنيوخوس2017)، واشترك فيها سلاح الجو الإماراتي إلى جانب نظيره الإسرائيلي والأمريكي والإيطالي في اليونان، وعدَّها الاحتلال الصهيوني حينها (أمرًا استثنائيًا على اعتبار أن أبو ظبي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب)، الأمر الذي أزاح اللثام تمامًا عن الوجه المفضوح للإمارات بين السرّ والعلن!.
وقد حرص العديد من مسئولي الإمارات على خطب ودّ الكيان الصهيوني، فظهر ذلك في تصريحات وكيل وزارة الدفاع الإماراتي "عبد الله محمد الهاشمي" حول العلاقات الإسرائيلية العربية، قال فيها: (إنَّ إسرائيل حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وكذلك الإمارات لذلك فإن الإمارات لن تقاتل حليفًا لأمريكا، إنما تقف معها في نفس الجبهة)، وأكد الهاشمي في مقابلة أجراها على هامش معرض دبي للطيران: (إن بلادنا لن تقاتل إسرائيل طالما يوجد أخ أكبر مشترك وهو الولايات المتحدة، التي ستقول لنا كفى أيها الأصدقاء لا تتقاتلوا، لذلك فإننا لن نصل إلى حرب ضد إسرائيل، لن نذهب إلى حرب ضد حليف لواشنطن، بل سنحارب في نفس الجبهة، فعدوهم وعدونا واحد، تمامًا كما فعلنا في أفغانستان عندما كانت القوات البرية الأمريكية تحت غطاء جوي من الطائرات الإماراتية!).
وأضاف (من يعتقد أن امتلاك الإمارات لطائرات من طراز "F35 " يمثل تهديدًا لإسرائيل سيكون فاقدًا للمنطق السليم، فالخلافات بين العرب وإسرائيل انتهت منذ حرب عام 1967 ولا أحد يرغب بالقتال).

ولم تجد تصريحاته رفضاً أو استنكاراً من القيادة العليا، خاصة بعد تدخل الإمارات عسكرياً في حرب اليمن، وفي ليبيا، بما يثبت أن الأسلحة فقط لقتال غير إسرائيل، والمسلمين تحديداً!.

وعلى الرغم من أن الحديث عن صفقات الأسلحة الإسرائيلية لدول عربية يبقى طي الكتمان من قبل الطرفين لاعتبارات تتعلق بنشر معلومات سرية من شأنها الإضرار بمصالح إسرائيل وحلفائها، فإن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت قبل أشهر عن بعض هذه الصفقات، حيث كشف تقرير للقناة الثانية الإسرائيلية، في ديسمبر 2017م، أنَّ إسرائيل باعت أنظمة دفاع صاروخي وأجهزة للحرب الإلكترونية للإمارات، وأكدت أنَّ بعام 2009م، طلبت تلَّ أبيب الحصول على أذون لتوريد مكونات لطائرات بدون طيار للإمارات، وخوذات طيارين وأنظمة التزود بالوقود جوًا ورادارات أرضية ومكونات لطائرات مقاتلة وأنظمة لعرقلة إطلاق صواريخ، وأنظمة رادار جوية وأنظمة التصوير الحراري، ومعدات حرب إلكترونية.

ثم كشف موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنَّ الإمارات تبني السفن الحربية الإسرائيلية لصالح الشركة الألمانية "تيسنكروف"، وأكدت الصحيفة أن السفن الحربية من نوع (ساعر 6)، التي قامت إسرائيل بشرائها عام 2015 من الشركة الألمانية، يجري بناؤها من قبل شركة في أبو ظبي اسمها (أبو ظبي مار) يديرها رجل أعمال لبناني "إسكندر صفا".
التفاخر الإسرائيلي باللهاث العربي للتطبيع:
بينما كان الفلسطينيون يندبون حظهم في ذكرى مئوية "وعد بلفور"، ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ليقول بفخر أمام رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي": (إنَّ دولًا عربية كثيرة أصبحت تعتبر إسرائيل حليفًا حيويًّا وليست عدوًا، والخبر السار بأن الآخرين (الدول العربية) يتجمعون حول إسرائيل بشكل لم يحدث في السابق، إنه أمر لم أتوقعه أبدًا في حياتي!).

هذه الثقة ولغة الفخر لم تكن حصريةً بشخص "نتنياهو" فقط، وإنما لعامة الإسرائيليين، فقد نُشرت نتائج استطلاع أجراه معهد "متفيم" الإسرائيلي، ليظهر أنَّ (غالبية الإسرائيليين يدعمون السياسة الخارجية الإسرائيلية باهتمامها الكبير للعلاقات الإسرائيلية العربية والتطبيع مع الدول المعتدلة، للدفع بعملية السلام وتحقيق الأمن للمواطن اليهودي).

2017  هو عام التطبيع العلني بين الإمارات وإسرائيل:
صرّحت باحثة إسرائيلية زارت الإمارات قبل أشهر أنَّ: (الإمارات منطقة خالية من المواجهات، لذلك تتصرف وكأنها الأخت الكبرى المسئولة في المنطقة التي تسود فيها الفوضى)، وأضافت: (تحدثتُ باللغة الإنجليزية تحديدًا، بسبب المعطيات الديموغرافية الخاصة في الدولة، التي تتضمن تشكيلة واسعة من القوميات، فالإنجليزية هي اللغة المشتركة بين الجميع. كان عليّ التحدث بالعربية أحيانًا).
ولم تكن هذه الباحثة هي الإسرائيلية الوحيدة التي زارت الإمارات حديثاً، فقد نشر إسرائيليان صورًا لهما بالزي المحلي في الإمارات، ذهبا لتأمين تبرع بسيارتيْ إسعاف لصالح شبكة خدمات إنقاذ إسرائيلية!.
كما شهد التطبيع ظهورًا علنيًّا لفريق رياضي إسرائيلي شارك في بطولة الجودو ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ، واكتفت السلطات الإماراتية بشرط منع الرموز القومية الإسرائيلية (كرفع العلم الإسرائيلي، وإنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي) وذلك لـدوافع أمنية، وحدث شيءٌ لم يكنْ في حسبان القيادة حين رفض لاعب الجودو الإماراتي (رشاد المشجري) مصافحة منافسه الإسرائيلي، ومنع رفع العلم الإسرائيلي مع أعلام الدول الثلاث الحاصلة على المراكز الأولى، فتعهدت السلطات اﻹﻣﺎﺭﺍتية بالاعتذار ورفع العلم وعزف النشيد في ﺍﻟﻌﺎﻡ المقبل، كما سارع رئيس اتحاد الجودو الإماراتي "محمد بن ثعلوب" لتهنئة نظيره الإسرائيلي بالنتائج التي حققها اللاعبون الإسرائيليون في نسخة 2017م.
ثم كشفت وثائق "موقع ويكيليكس" أنّ الإمارات استقبلت فريق الجودو الإسرائيلي بالتزامن مع اغتيال "محمود المبحوح" القيادي بحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في فندق البستان بدبي.

لكن إحدى أبرز الخطوات التطبيعية بين الإمارات وإسرائيل، تتمثل في افتتاح (ممثلية إسرائيلية) في أبو ظبي عام 2015م، ضمن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهو العام الذي صوتت فيه الإمارات بالموافقة على عضوية إسرائيل في لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة.

وأوضحت الوثائق والتقارير أنّ المسئولين الإسرائيليين والإماراتيين يتبادلون الزيارات السرية، كان آخرها ما أكدته صحيفة "هآرتس الإسرائيلية" بأنَّ "نتنياهو" اجتمع سرًّا، مع وزير الخارجية الإماراتي (عبد الله بن زايد) في سبتمبر 2012م، بواسطة سفير الإمارات في واشنطن، وتحديدًا في فندق "ريجنسي" في نيويورك، واللقاء جاء على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: (تمَّ إدخال "ابن زايد والعتيبة" إلى الفندق بشكل سري جدًا، عن طريق موقف سيارات تحت الأرض، ثم صعدا بالمصعد الخاص بالخدمات إلى الجناح الذي يقيم فيه "نتنياهو").

ولا يمكن تجاهل العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، التي منها ما كشفه موقع "ميدل إيست آي" عن استيراد شركة "مستقبل الإمارات"، التي يملك الشيخ (منصور بن زايد آل نهيان) ما لا يقل عن 40% منها، مع الشركة الأردنية "حجازي وغوشة"، الماشية من أستراليا وأمريكا ثم تسليمها إلى إسرائيل عبر "ميناء إيلات"، وتُعتَبر الشركة الإماراتية من أكبر موردي اللحوم للسوق الإسرائيلية، وقد اتخذت الإمارات في علاقتها الاقتصادية مع إسرائيل منحى خطيرًا كشف عنه في شهر مايو 2016م، تحت غطاء تجارة العقارات حين تورطت الإمارات بواسطة "محمد دحلان" القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني (فتح)، في مشروع لتهويد مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، وذلك عبر شراء منازل من الفلسطينيين وممتلكات عقارية، ثم نقل ملكيتها إلى مستوطنين يهود.

دوافع الإمارات المتعددة من وراء الهرولة للتطبيع:

للإمارات أسبابها الخاصة في اللهاث خلف إسرائيل، نذكر منها:
1*محاولة الاستقرار في المنطقة ومنع الزعزعة القطرية/ فقد اجتمع مسئولون إماراتيون على رأسهم قائد القوات المسلحة الإماراتية "محمد بن زايد" مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الموالية لإسرائيل، وسفير الإمارات في واشنطن "يوسف العتيبة" مع "دينيس روس" المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط سابقاً، لبحث (آلية معاقبة قطر)، بسبب دعمها للحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل (بي دي إس).
2*الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية/ بما في ذلك برامج المراقبة، يتم تقاسمها مع السعودية والإمارات، الأمر الذي أكده وزير الطاقة الإسرائيلية "يوفال شتاينيتز"، بعدما زار (أبو ظبي) لفتح مُمثّلية دبلوماسية إسرائيلية، قائلاً: (لقد طوّرت إسرائيل تكنولوجيا حديثة متطورة جداً، تسمح لنا باكتشاف المؤامرات الإرهابية مُسبقًا، إنَّ ذلك يُمكِّننا من مساعدة الحكومات العربية المعتدلة على حماية نفسها).
كما قدمت في عام 2014م، شركات الأمن والتكنولوجيا المرتبطة بإسرائيل المساعدة التكنولوجية للإمارات، حين وقَّعت شركة (فيرينت سيستمز (Verint Systemsالمتخصصة في الأمن الإلكتروني عقدًا مع الإمارات بقيمة أكثر من 100 مليون دولار، لشراء آلاف الكاميرات والمجسات الإلكترونية المتخصصة في قراءة لوحات ترخيص السيارات، كما أنه وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية فإن شركة ((NSO Technologies Ltd الإسرائيلية، باعت برنامجها الخاص بالمراقبة إلى الإمارات، ويقدر ما اشترتْه الإمارات من خدمات أمنية بقيمة 6 مليارات دولار بين أعوام 2007 و2015م.

3*ملف إيران/ كانت إيران حاضرة بوصفها مبررًا للعلاقات التطبيعية بين إسرائيل ودول الخليج، حتى أن "نتنياهو" قال في مركز أبحاث بلندن: (العرب يلتفون حولنا بشكل لم أكن أتوقعه في حياتي، وإسرائيل تبذل جهودًا كبيرة لتشكيل تحالف مع دول سنية ضد إيران، إنَّ الخطر الذي تشكله إيران على جيرانها في الشرق الأوسط سيدفعهم إلى إقامة تحالفات كان من غير الممكن تخيلها).

ولم يقتصر التعاون في المجال العسكري على هذا المناورات؛ بل كانت الإمارات أهم دول الخليج التي اشترت أسلحةً وأنظمةً عسكريةً من إسرائيل، فاشترت أنظمة دفاع صاروخي، وأجهزة للحرب الإلكترونية.

وكشفت تسريبات السفير الإماراتي في واشنطن "العتيبة" أنّ اهتمام دول الخليج وتحديداً الإمارات بنظام القبة الحديدية بدأ في وقت أبكر من ذلك بكثير، فقد تبادل "العتيبة" رسائل مع الجنرال الإسرائيلي "عوزي روبين" بعد شهر واحد من الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2012م، الذي أكد أنَّ (الدول العربية باستطاعتها الاستفادة من المنظومة لتأمين نفسها في مواجهة الهجمات الإيرانية المحتملة!).
4*الثورات المضادة/ رغبة الإمارات في صد ثورات الربيع العربي من أهم أهداف التطبيع مع إسرائيل، ويبين تقرير "ميدل إيست مونيتور" البريطاني أنَّ (الإمارات أرادت الارتباط بمراكز بحث أمريكية مناصرة لإسرائيل، وفتح قنوات اتصال خلفية بهدف إخماد الثورات الشعبية، والدفع بالدعاية الموجهة نحو اتخاذ مواقف معادية لمنظمات الإسلام السياسي)، وتكشف مراسلات العتيبة عن (رغبة إماراتية في تطبيع سريع للعلاقات مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لصالح تل أبيب في واشنطن).
5*التسوية الإقليمية/ وهو المشروع القائم على أساس التطبيع الكامل والعلني بين إسرائيل والعرب، وهو ما تريده إسرائيل، خاصة بعد الأزمات الخليجية، بل ترمي إسرائيل لأكثر من ذلك برغبتها في نزع إقرار عربي كامل أنَّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية لم يعد مصدرًا من مصادر "عدم الاستقرار" في المنطقة، وإنما هو حق رسمي لها!.
......

الكاتب