باحث بريطاني .. السعودية لا تعرف ماذا تريده في اليمن وتوجهاتها تدار من قبل أبوظبي

باحث بريطاني .. السعودية لا تعرف ماذا تريده في اليمن وتوجهاتها تدار من قبل أبوظبي

أكد الباحث البريطاني نيل بارتريك، في مقال تحليلي نشره مركز “كارنيغي” الأمريكي للسلام الدولي أن السعودية لا تعرف ماذا تريد في اليمن، معتبراً أن الإمارات هي من تدير توجهات السعودية وفق ما يخدم سياسات أبوظبي.

وشدد المحرر والمساهم الأساسي في كتاب “السياسة الخارجية السعودية: النزاع والتعاون”، أن الاستراتيجية المتخبطة للسعودية سمحت بوجود دولة في حالة انهيار على حدودها الجنوبية مما أثر على الأمن القومي السعودي بطريقة مباشرة.

المقاربة غير المتماسكة التي تعتمدها السعودية في المسألة اليمنية، والتي تعكس استعداداً من جانبها للقبول بأن تكون جارتها الجنوبية ضعيفة، تسمح للإمارات العربية المتحدة بتحريك الرماد وإثارة المشكلات.

واعتبر أنه بما أن الإمارات لم تتأثر مباشرة سمح هذا الوضع لها بالتلاعب استراتيجيا على كل من السعودية والحوثيين.

وأشار أنه بدلا من كل هذا الدمار والصواريخ الحوثية داخل العمق السعودي ربما كان أولى للسعودية استخدام سلاحها المعتاد الا وهو الريال والوهابية لكسب ولاء وتعاون القبائل المتقبلة للسلفية.

المقاربة غير المتماسكة التي تعتمدها السعودية في اليمن تسمح للإمارات بالتلاعب بها وبالحوثيين وتحريك الرماد وإثارة المشكلات

وفي مقاله الذي عنونه “السعودية لا تعرف ما تريد” قال الكاتب أن السعودية لم تعلم تعرف ماذا تريد في اليمن.  فالحرب الدائرة هناك منذ أربعة أعوام شُنَّت لكبح الحوثيين وإعادتهم إلى معاقلهم شمال البلاد، وإعادة تثبيت قيادة يمنية متعاوِنة (عموماً) في صنعاء.

غير أن السعوديين عالقون، بمشاركة الإمارات، في ممارسة مدمّرة وتعود بنتائج عكسية على المستوى السياسي عبر شنّ هجمات جوية مقرونة بالسياسة السعودية الأكثر تقليدية القائمة على دفع الأموال في محاولة لكسب الأصدقاء، لكنهم لم يحققوا سوى نجاحاً متفاوتاً في التأثير في الأشخاص.

وترى انه قد يكون من الأجدى بالسعوديين التركيز حصراً على أسلوبهم المثبَت، ولو كان غير ناجح كما هو معلوم، باستخدام الأموال والوهّابية الرسمية في مسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في اليمن، إلى زمنٍ كانت فيه القبائل والأشخاص المعرَّضون للجنوح نحو السلفية، متعاونين إلى درجة ما. لكنهم يتمسّكون تمسّكاً أعمى بحرب جوية فاشلة تشّجع الحوثيين على إطلاق الصواريخ باتجاه العمق السعودي.

وأشار الكاتب أنه في العام 2015 راود السعوديون خوفٌ استراتيجي من أن تقدُّم الحوثيين داخل اليمن يعود بالفائدة على إيران، الأمر الذي تحوّل إلى واقع شديد الوضوح: لقد زادت إيران إلى حد كبير مساعداتها للقوة الحوثية التي أصبحت عميقة التجذّر في إدارة مناطق أساسية شمال البلاد، منها صنعاء. من الواضح أن الإماراتيين الذين يُقيم معهم السعوديون تحالفاً في اليمن قوامه ما لا يريده الطرفان أكثر منه ما يفعلانه معاً، يخططون لاستكمال الترتيبات الآيلة إلى تسهيل انهيار الدولة اليمنية.

وأكد الباحث أن الإمارات العربية المتحدة تدعم علناً الانفصاليين الجنوبيين وتعارض عدوهم، الرئيس اليمني الإسمي المدعوم من السعودية، عبد ربه منصور هادي.

وفي آذار/مارس 2019، هاجم اثنان من وزرائه السعي الإماراتي إلى إقامة دولة في جنوب اليمن (أو العديد من الدويلات الجنوبية)؛ ووجّه هادي نفسه انتقادات إلى الإمارات لأنها تتصرف كـ”محتل” من خلال العمل على إنشاء قوات موالية لها وللانفصاليين والسيطرة على جزيرة سقطرى.

 

يشمل حلفاء السعودية في اليمن السلفيين الذين يُبدي الإماراتيون ازدراءهم الواضح لهم، لكنهم ممثّلون جيداً في أوساط حلفائهم الجنوبيين؛ وحزب “الإصلاح” الذي يُشكّل نسخة قبلية يمنية عن الإخوان المسلمين، والذي لا يمكن للإمارات القبول به.

غير أن الإصلاح وحليفه الأساسي، علي محسن الأحمر المدعوم من السعودية والذي يشغل منصب نائب الرئيس هادي، قد يُقرّرأن مهاجمة الانفصاليين الجنوبيين بما يُرجّع صدى الحرب الأهلية اليمنية للعام 1994، ويؤدّي إلى تأليب الحلفاء السعوديين على الحلفاء الإماراتيين، كما حصل في كانون الثاني/يناير 2018 عندما خاضوا قتالاً فيما بينهم للسيطرة على مطار عدن.

ويذكر الباحث أنه في محافظة المهرة التي تقع في أقصى شرق البلاد، تسعى السعودية والإمارات إلى إضعاف التأثير الذي تمارسه سلطنة عمان وما يُحكى عن تسهيلها لمرور الأسلحة إلى الحوثيين، وذلك عبر دعم عناصر محليين مختلفين.

في هذا الإطار، استأنفت السعودية محاولاتها غير المدروسة في مناطق أخرى في البلاد لتشجيع الحماسة الأيديولوجية الوهّابية في ممارسة تسببت بارتدادات عكسية قبل نحو عقدٍ من الزمن في صعدة معقل الحوثيين.

ويشير الكاتب إلى السعوديين، ومنذ ثمانية عشر شهراً، يسعون للسيطرة على الحدود بين المهرة وسلطنة عمان وعلى مطار المحافظة ومنشآت الميناء البحري، فيما تركّز الإمارات على السعي إلى ضم هذه المحافظة المتمايزة جداً والتي تربطها علاقة صداقة نسبياً بسلطنة عمان، إلى خططها الانفصالية في جنوب اليمن.

وربما يعمد السعوديون إلى تسهيل تدخّل الآخرين في تفكّك الدولة اليمنية، أو السماح به في إطار مخطط كبير لفرض سيطرتهم على الأروقة البرية نحو بحر العرب. غير أن عجز اليمن المثبَت عن إدارة دولة مركزية ومتماسكة قد يؤدّي على الأرجح إلى سيطرة السعودية على بعض الأراضي بحكم الأمر الواقع أو إلى نشوء دويلة تدور في فلكها في الجنوب، في حال أرادت الرياض ذلك.

ويرى الباحث أن المرحلة الأولى من اتفاق السلام في الحديدة، والذي لا يتقيّد به الحوثيون والقوى المدعومة من الإمارات كما يجب، ليس له علاقة بالحسابات (أو سوء الحسابات) الاستراتيجية السعودية أو السياسية الإماراتية في النزاع اليمني، بل إنها مرتبطة إلى حد كبير بالصورة التي يحاول هذان البلدان بثّها رداً على الحلفاء الغربيين المربَكين.

ويؤكد في الأخير أن غياب التماسك في المقاربة السعودية للمسألة اليمنية مردّه جزئياً إلى التقليد الذي دأبت عليه السعودية التي لا مشكلة لديها في القبول بضعف الدولة اليمنية باعتباره الثمن المقبول حفاظاً على أمن المملكة. إنما من الواضح أن ذلك لم يعد مجدياً: فقد تسبّب انهيار الدولة اليمنية بتفاقم مشكلات الأمن القومي التي تعاني منها السعودية، في حين أن الإمارات، التي طالتها فقط التداعيات غير المباشرة لهذه المسائل، تُحرّك الرماد الاستراتيجي بما يعود بالضرر على السعودية واليمن على السواء.

وتمثل المواجهة بين الشارع اليمني والإمارات مرحلة متقدمة من أزمة الوجود الإماراتي والممارسات ذات الطابع الاستعماري المتهور، خصوصاً بعدما أصرّت أبوظبي على إنشاء وإدارة تشكيلات عسكرية خارجة عن سلطة الشرعية اليمنية، فضلاً عن عملها على تقويض سلطات الشرعية في مقابل دعم الانفصاليين.

وكانت مجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية اعتبرت في تقرير لها العام الماضي   أن التحالف السعودي الإماراتي أضعف مما يبدو عليه في ظل وجود كثير من نقاط الخلاف خاصة ما يتعلق بالملف اليمني مشيرة إلى اختلاف الرياض وأبوظبي في تشخيص التهديدات الإقليمية، بالنظر إلى أن الأولى تتبنى «أجندة سنية»، فيما تتولى الأخرى «أجندة علمانية»، قدمت المجلة اليمن، كمثال، زاعمة أن السعودية نظرت إلى قيام «حكومة شيعية في اليمن» على أيدي ميليشيات الحوثيين بوصفه «تهديداً مباشراً لأمنها القومي»،

فيما لا تتورع أبوظبي عن دعم أطراف «شيعية» محسوبة على إيران، طالما أن ذلك يخدم جهود تعزيز الاستقرار في اليمن، وفي الوقت عينه، ترفض تدخلات طهران المزعزعة للاستقرار في دول الشرق الأوسط، موضحة أن الخلافات الإماراتية السعودية على الساحة اليمنية تتمحور حول ماهية التهديد الذي تمثله الجماعات والشخصيات «الشيعية»، التنظيمات الدينية المتطرفة، إلى جانب الخلاف على تحديد الطرف الذي يمثل «الشرعية السياسية» في اليمن.

وذهبت المجلة إلى أن المملكة العربية السعودية ترى في الرئيس عبد ربه منصور هادي، الرئيس الشرعي للبلاد، وفي حزب «الإصلاح»، «طرفاً سياسياً شرعياً»، يفيدها في المعركة مع «المتمردين الحوثيين»، في حين لا تشاطر الإمارات العربية المتحدة جارتها الخليجية الرأي، بحيث ركزت جهودها على «الحد من تأثير الجماعات الشيعية والسنية (المتطرفة) على حد سواء»على حد وصف المجلة، إذ ساعدت الرياض ضد «الحوثيين» من خلال نشر قوات تابعة لها في جنوب اليمن، ووقفت إلى جانب الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، في مواجهته العسكرية ضد «حزب الإصلاح» حيث تسعى أبوظبي لإقصاء حزب الإصلاح عن المشهد السياسي بدعوى انتماءه فكريا لجماعة الإخوان المسلمين رغم ما تشكله هذه السياسة الإماراتية لتهديد للنسيج الاجتماعي في اليمن.

وشرحت المجلة أن الرغبة التي تبديها الإمارات العربية المتحدة لاستخدام القوة ضد كتائب المقاومة التابعة لـ«حزب الإصلاح»، المدعومة سعودياً، «يؤكد التزامها دعم القوى العلمانية في اليمن» بمعزل عن انتماءاتها الطائفية، لافتة إلى أن رهان أبوظبي في الفترة الماضية على إعادة الرئيس صالح إلى السلطة في البلاد، انطوى على رغبتها في «إعادة ترسيخ (نظام) سلطوي علماني» يعيد الاستقرار إلى ربوع اليمن الذي مزقته الحرب.

الكاتب