محاولات الإمارات للتأثير على الإتحاد الأوروبي وتبييض سجلها الحقوقي ترتطم بالواقع المؤلم

محاولات الإمارات للتأثير على الإتحاد الأوروبي وتبييض سجلها الحقوقي ترتطم بالواقع المؤلم

تسعى الإمارات في شتى المجالات من أجل تبييض سجلها الحقوقي وخاصة في حربها على اليمن من خلال التأثير على المؤسسات الحقوقية والبرلمان الأوروبي ولكن الواقع المؤلم التي تنتهجه الدولة يبدو أنه فشل في اقناع الإتحاد الأوربي.

والسؤال المطروح: كيف فشلت تلك المساعي:

نظمت الإمارات العربية المتحدة، في التاسع من كانون الثاني/ يناير، معرضًا في البرلمان الأوروبي، تطرقت من خلاله إلى أنشطتها في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، في إطار تلميع صورتها على الصعيد الدولي. وقبل افتتاح المعرض من قبل رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، عُقدت ندوة مشتركة ترأستها رئيسة المجلس الوطني الاتحادي أمل القبيسي، وعضو البرلمان الأوروبي أنطونيو لوبيز-إستوريز وايت، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية-الإماراتية.

في الواقع، يعد هذا الحدث أكثر من مجرد محاولة للمشاركة في مناقشة موضوعية حول السياسات المتبعة من قبل دولة الإمارات والترويج لها، بل هو جزء من حملة الضغط السياسي الإماراتي في أوروبا. وما يجعل هذا الحدث مختلفا عما سبقه هو الطريقة المعتمدة، فبدلا من مهاجمة خصومها على غرار قطر وإيران وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين، قدّم الحدث جدول أعمال إيجابي قائم على تقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة مثل اليمن وأفغانستان والصومال، وحتى في أوروبا من خلال تمويل مخيمات اللاجئين في اليونان.

ليس من قبيل الصدفة أن يتطرق تاجاني في خطابه إلى إدارة الهجرة باعتبارها من التحديات الرئيسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي. ويعتبر التركيز على احتياجات الاتحاد الأوروبي في هذا المجال الحساس طريقة فعالة على المدى الطويل، مقارنة بمهاجمة المنافسين الإقليميين، خاصة عندما تُلقي هذا الخطاب امرأة تتحدث الإنجليزية بطلاقة مثل أمل القبيسي؛ وهو خطاب من شأنه أن يبعث الرسالة المناسبة للجمهور الأوروبي. ولكن ذلك لا ينفي حدود نجاح حملة العلاقات العامة الإماراتية، مهما بدت جيدة ومتطورة.

مما لا شك فيه أن مكان الاجتماع أثار بعض التساؤلات، نظرا لاختيار "مجموعة الصداقة" البرلمانية-الإماراتية عوضا عن هيئة رسمية تابعة للبرلمان الأوروبي من قبيل لجنة الشؤون الخارجية أو وفد العلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية. وعلى الرغم من أنه لا يحق لمجموعات الصداقة أن تتحدث باسم البرلمان الأوروبي، إلا أنه غالبا ما تستغلها الأنظمة الاستبدادية لترسيخ موقعها في البرلمان الأوروبي لممارسة الضغط وجمع الأصوات، ما يعني في هذه الحالة أن مجموعة الصداقة الإماراتية هي الناطق باسم أبوظبي.

لقد أدرجت هذه المجموعة السفارة الإماراتية في بروكسل ضمن بيانات الاتصال الخاصة بها على موقعها الإلكتروني، فحُذف الموقع منذ ذلك الحين، ولكن لا تزال لقطات الشاشة التي توثقه ذلك متوفرة. وتجدر الإشارة إلى أن الأسئلة المرتبطة بهذا الشأن قد مُنعت من الطرح خلال هذا الحدث، ولكن صورة الإمارات العربية المتحدة كقوة إنسانية عظمى تقوّضها الحقائق القاسية على أرض الواقع.

خلال هذا الحدث، أطنب مفوض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، كريستوس ستيليانيدس، في الإشادة "بالقيم المشتركة" التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والإمارات. في الأثناء، خسر الناشط الإماراتي المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور حقه في الاستئناف على حكم السجن لمدة 10 سنوات بسبب ممارسته لحقه في حرية التعبير، إلى جانب الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي لم يسترجع حريته إلا مؤخراً، بعد أن أمضى خمسة أشهر في الحبس الانفرادي بتهمة التجسس التي لفقت له بسبب الأبحاث التي كان يجريها

وتجدر الإشارة إلى أنه تم توثيق هذه الإساءات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان في تقرير جديد نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" بعنوان "الإمارات: ظلم وتعصب وقمع، محاكمات غير عادلة في البلاد وجرائم حرب محتملة في اليمن". وفي الحقيقة، هناك فجوة كبرى بين خطابات الإمارات والإجراءات التي تتبعها؛ فهي تدعم المهاجرين واللاجئين خارج حدودها، بينما تعامل العمال المهاجرين داخلها بقسوة حتى مقارنة مع دول الخليج الأخرى.

وفي حين أن قطر التي ستستضيف كأس العالم لكرة القدم سنة 2022 قد عملت على إضافة بعض التحسينات (ولا زالت في حاجة إلى المزيد)، يتعرض العمال المهاجرون في الإمارات للاستغلال المجحف حيث يعملون في ظروف قاسية لأكثر من 12 ساعة في اليوم، إلى جانب افتكاك رواتبهم وجوازات سفرهم من قبل أرباب عملهم، وتعرضهم للعديد من الانتهاكات الأخرى، وذلك وفقا لمنظمة الأمم المتحدة.

لقد تضمن العرض التقديمي أرقاما مثيرة للإعجاب تشير إلى أن إجمالي المساعدات الأجنبية الإماراتية بين سنة 2013 و2017 يعادل 32 مليار دولار، بيد أن مفهوم "المساعدة الأجنبية" يختلف عن مفهوم "المساعدة الإنمائية" أو "الإنسانية". فالمساعدة الأجنبية تشمل أي نوع من المساعدة المقدمة إلى حكومة أجنبية، بينما تُحسب المساعدة الإنمائية وفقا لمعايير رسمية صارمة وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويندرج الجزء الأكبر من المساعدات الأجنبية لدولة الإمارات، أي ما يقارب 50 بالمائة، ضمن فئة "مساعدة البرامج العامة" غير المعلن عنها التي قد تشمل الدعم العسكري والأمني.

إن مصر أكبر دولة تتلقى المساعدات الإماراتية بحصة بلغت 16.75 مليار دولار. كما دعمت الإمارات الانقلاب العسكري في مصر سنة 2013، الذي أطاح بحكومة محمد مرسي المنتخبة ديمقراطيا، واستبدلها بالنظام القمعي لعبد الفتاح السيسي. وحفاظا على مصداقيتها، يتعين على أبوظبي أن تتعامل مع المزاعم التي تشير إلى أن بعض أموال الإعانات الإنسانية قد خصصت في الواقع لدعم الديكتاتورية العسكرية في مصر.

تتمثل استراتيجية اللوبي الإماراتي في الترويج لصورة المجتمع الإماراتي الحديث والمتحرر اجتماعيا، على عكس خصوم الإمارات "الإسلاميين" الإقليميين. وفي هذا الصدد، إن أفضل محفز لإقناع الجماهير الغربية بكل ذلك هو تسليط الضوء على التقدم الذي تعمل عليه الإمارات في مجال حقوق المرأة. وخلال هذا الحدث الذي نظم في بروكسل، أعلنت الإمارات عن تخصيص 50 بالمائة من مقاعد البرلمان للنساء خلال الانتخابات البرلمانية الحرة الإماراتية للسنة المقبلة.

في المقابل، تم تجاهل بعض المعطيات التي تفيد بأن حكام الإمارات السبع هم الذين سيعيّنون نصف أعضاء المجلس الجديد. وفي حال فشلت النساء في الفوز بهذه النسبة، فمن المرجح أن النسب ستلفّق لتحقيق الصورة المرجوة. وحتى في حال فوز النساء بنصف نسبة المقاعد، فمن غير المتوقع أن تكون هذه الانتخابات نزيهة وتنافسية، ذلك أن البرلمان في حد ذاته لا يتمتع بثقل حقيقي في الإمارات.

في الحقيقة، تهدف هذه الأحداث إلى ترسيخ قيمة الأعضاء الذين يعملون على الصفقات الإماراتية بدلاً من استقطاب أعضاء جدد. وليس اللوبي الإماراتي حديث العهد بالنسبة لهذه الدولة، ولكنه مع ذلك فشل في ثني البرلمان الأوروبي عن تبني قرار الإفراج عن أحمد منصور في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفرض عقوبات على المسؤولين الإماراتيين المتورطين في قضايا انتهاك حقوق الإنسان، وفرض حظر على الاتحاد الأوروبي على مستوى تصدير معدات أمنية إلى الإمارات التي يمكن استخدامها لقمع الشعب، بما في ذلك تكنولوجيا مراقبة الإنترنت.

بناء على ذلك، لا يستطيع اللوبي الإماراتي منع الدعوات التي تطالب دول الاتحاد الأوروبي بوقف بيع الأسلحة إلى الإمارات والسعودية بموجب القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي بشأن الوضع في اليمن، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ نظرا لأن هذه مواقف البرلمان الأوروبي الرسمية وليست بيانات مجموعة الصداقة. كما أن تحسن صورة الإمارات لدى الاتحاد الأوروبي رهين الإصلاح الحقيقي، مثل وضع حد للقمع الداخلي والتدخل العنيف في اليمن، عوضا عن اللجوء إلى حملات دعائية منمقة في البرلمان الأوروبي.

الكاتب