هل أنت سعيد في الإمارات؟

هل أنت سعيد في الإمارات؟

جاسم راشد الشامسي
 

في عام ٢٠١٢م، دُشّن المؤشر العالمي للسعادة بناء على اقتراح مملكة "بوتان"، وعبر إنشاء جهاز مستقل تابع للأمم المتحدة سُمّي شبكة حلول التنمية المستدامة" SDSN"، وتعمل هذه الشبكة بصفة مستقلة لتحديد مستويات السعادة لعدد ١٥٨ دولة عبر مؤشرات مادية بحتة، دون التطرق إلى مؤشرات حيوية أخرى كالحريات والعدالة وحقوق الإنسان، لذا يبذل المسؤولون الإماراتيون كل الجهود لضمان أن تكون الإمارات ضمن العشر الأوائل في عام ٢٠٢١م.

من أهم المؤشرات التي يستند عليها التقرير السنوي: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدول، ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية، ومتوسط أعمار السكان، ومستويات الفساد، مع تجاهل التقرير لقضايا الاستبداد والكرامة البشرية.

ومما يثير أن تتجاهل المنظمة العالمية قضايا الاستبداد والحريات وحقوق البشر، مع أنها السبب الرئيس لفقدان السعادة لدى البشر، والشعور بالإحباط والتخلف!

التقرير الذي تظلله معايير مادية لم يتجاهل الاستنتاجات التالية، وإن لم يستخدمها في تقييم حالات الدول:

١- الثروة والغنى لهما دور كبير في سعادة البشر، لكن تأثيرهما محدود، ذلك لأن قضايا حرية الإنسان وتقليص الفساد والدعم المجتمعي أكثر فاعلية في إسعاد البشر.

٢- إن العمل الخاص والتجارة الحرة أكثر سعادة للبشر من العمل لدى الحكومات.

٣- ليس شرطًا أن تزداد معدلات السعادة بارتفاع مستويات معيشة الفرد، ذلك لأن الإحصاءات أشارت إلى أن معدلات السعادة في أمريكا ظلت تراوح مكانها خلال خمسين سنة، بالرغم من ارتفاع مستويات المعيشة.

٤- مستوى الثقة لدى الشعب له علاقة بمستوى الرضا والسعادة، فكلما ازدادت معدلات ثقة الشعب بالوضع العام في الدولة زادت معدلات السعادة.

٥- الصحة الذهنية والاستقرار الذهني لهما علاقة طردية بمعدلات السعادة.

٦- المتزوجون أكثر سعادة من العزّاب. 

٧- النساء أكثر سعادة من الرجال.

بغض النظر عما ذكر أعلاه نالت سويسرا الصدارة في معدلات السعادة، واحتلت الإمارات المركز العشرين، فهل يشير هذا إلى حقيقة مشاعر شعب الإمارات في ظل غياب المراكز البحثية المستقلة ومراكز الاستطلاعات الشفافة، وخاصة إذا علمنا أن سويسرا استأنست بمراكز مستقلة استطلعت مستوى سعادة شعبها؟

من حقي أن أتساءل: لماذا تتجاهل المنظمات الأممية الربط بين مستويات السعادة، ومعدلات الاستبداد، وحقوق الإنسان والحريات وقضايا الرأي، والمشاركة السياسية، والاحتقان المجتمعي، وغياب العدالة والنزاهة، وغياب المراكز البحثية المستقلة والتي تستخلص توجهات الشارع؟

السعادة هي أعلى معايير الصحة النفسية وهي الهدف الأسمى لكل إنسان، فقد يضحي الإنسان ببعضه من أجل نيل حريته وسعادته، كما أن التسامح هو خُلق يتمثل في قبول الآخر واحترام مشاعر ورغبات ومعتقدات الآخرين، وإن كانت تخالف توجهاتنا الفكرية والعقدية والسياسية.

هل من الممكن أن تكون الإمارات دولة متسامحة ويحظى سكانها بالسعادة والعسكر يحكمون أنفاس البشر؟.. هل من الممكن أن تنشأ وزارتان للسعادة والتسامح والحكومة تعتقل المئات من المظلومين وتهجر بشكل غير قانوني مئات من البشر؟

هل من الممكن أن يكون شعب الإمارات سعيدًا، بينما لا يحق له التعبير عن مشاعره في قضايا دولته، فضلًا عن خشيته من التواصل مع أقاربه المخالفين لسياسات الدولة؟

هل يمكن لدولة تقطع أرحام مجتمعها أن ترسم السعادة على وجه شعبها؟!.. هل يمكن لدولة تعتقل النساء قسريًا ودون محاكمة أن ترسم الرضى على قلب شعبها؟.. أم هل يمكن أن يشعر الأب بالسعادة من هذه السلطة قبل وفاته وبعد وفاته، في ظل حرمانه من التواصل مع ابنه المعتقل؟!

هل تتحقق السعادة في ظل التطبيق الخاطئ للتنمية المستدامة؟، ذلك أنه تصدر قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية للفت الانتباه وتَصدّر الآخرين دون الالتفات إلى حاجة الوطن، مما يخفض من معدلات سعادة الشعب والأجيال القادمة.

للأسف سلطات الإمارات آمنت بمركزها العشرين، فعينت أول وزيرة للسعادة في العالم وزادت بوزيرة للتسامح!، وكأنها أرادت من ذلك أن تقتفي أثر المملكة الصغيرة بوتان الواقعة في شرق جبال الهمالايا، والتي اشتهرت بالموازنة بين ثقافتها وتقاليدها القديمة وعمليات التحديث عبر استخدام مؤشر السعادة القومية، بينما امتنعت سلطات الإمارات عن الاقتداء بانتخاباتها الحرة، وتقديرها لهويتها وتراثها، وتحولها في عام ١٩٩٩من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية!، وتدشينها انتخابات ديمقراطية حرة عام ٢٠٠٨، ورفع القيود عن الإعلام والصحافة، وحق البرلمان المنتخب في مساءلة الملك!!

السعادة في نظر مسؤولي الإمارات تختلف تمامًا عن السعادة التي أنتجتها عقول الفلاسفة والمفكرين، فالسعادة عندهم أن يكون الزعيم الرقم واحد والشعب بلا رقم، وأن يمارس الزعيم هواياته ولو كانت بانتهاك حقوق البشر، وأن يؤمّن ذاك المستبد جوانبه ولو على حساب أمن الوطن.

كيف يمارس السعادة ذلك المسؤول والظلم والفساد يستشريان في عروق دولته، وحرائر الوطن ومفكريه قابعون في معتقلات مجهولة؟، وأخفى المؤشر العالمي للسعادة الحقيقة حينما ادعى أن شعب الإمارات سعيد، بينما هو يعاني من الترهيب والعنف، وأبناؤه بين مهجّر أو معتقل أو منزوع الجنسية.

يقيني أن مستبدي الإمارات فقدوا السعادة الحقيقة بظلمهم للإنسان على الصعيد المحلي والعربي، ولذا فهم يخفون تعاستهم بمؤشرات غربية عالمية تعتمد مؤشرات مادية لإسعاد البشر.

معلومات موثقة أعرضها بين يدي خبراء شبكة حلول التنمية المستدامة علها تراجع مؤشراتهم، فحصيلة سعادة شعب الإمارات: ما لا يقل عن ٢٠٤ معتقلين سياسيين، و٦٩ معارضًا سياسيًا محكوم عليهم ما بين ٣ و١٥ سنة دون أدلة!، وثلاث مواطنات اعتقلن قسريًا منذ شهور، وشبكات إلكترونية وبشرية للتجسس على المواطنين، ومئات التحقيقات الشهرية يتعرض لها سكان الإمارات، ومئات من قرارات الإهانة والإبعاد القسري للعرب والأجانب، دون تقديم مبررات الاعتقال والإبعاد! ونسبة الإعلام الحر ومراكز الاستطلاعات الشعبية (0 %)!

من المعلوم أن كل شعب يحقق سعادته وفق معاييره الثقافية والفكرية، وأن شعب سويسرا عبر عن حقيقة سعادته عبر استطلاعات ميدانية قامت بها مراكز مستقلة حرة، بينما في الإمارات كيف لنا أن نقيّم مستوى سعادة شعب الإمارات وسلطات الإمارات تغلق مكاتب منظمات حقوق الانسان، وتحتكر الإعلام، بل وتطلعات ورغبات وحرية الإنسان. 

لا أدري كيف يمكن أن يشعر المواطن الإماراتي بالسعادة ومعايير التكيف النفسي والاجتماعي منهارة؟، كما وأن الاحتقان الذي يتعرض له مجتمع الإمارات، مشابه إلى حد بعيد مع ما كانت تعانيه مجتمعات سوريا وليبيا وتونس ما قبل ثورات الربيع العربي.

ذكر العلامة الإمام الغزالي أبوحامد الغزالي في كتابه الفريد "كيمياء السعادة": تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء: "قوة الغضب، قوة الشهوة، قوة العلم"، فهو بهذا يلخص المعدل الحقيقي لسعادة المجتمع، ذلك بأن السلطات هناك ارتفع معدل غضبها من معارضيها فتحولت إلى الجموح والعنف، وزادت شهوة الاستبداد لديها فطففت وظلمت وفَجَرت في تعاملها مع خصومها، وارتفعت معدلات جهلها بحيوية وأهمية مفاهيم الحريات والرأي الآخر والمشاركة السياسية فضَلّت عبر انتخابات مضلِّلة، وازداد ضلالها عبر اختطاف سمعة الإمارات وأمنها القومي، فهل شعب الإمارات سعيد في ظل هذا الجموح والظلم والاختطاف؟!

الكاتب