تقرير: كيف أجهضت الإمارات الثورة الليبية ؟
ما بين دعم انقلاب خشن بشكل مستتر إلى دعم انقلاب ناعم تقوده وسائل إعلام محلية، والهيمنة على شخصيات نافذة بالأمم المتحدة، تتشكل أركان الأخطبوط الإماراتي للهيمنة على مفاصل الدولة الليبية، كإحدى مناطق النفوذ الإماراتي، وإحدى ساحات معاركها الممتدة ضد ثورات الربيع العربي والإسلاميين ومعاقلهم.
السؤال المهم الذي طرحه موقع "شؤون خليجية" في تقريره: إلى أي مدى تخدم التحركات الإماراتية مخطط سيناريو الفوضى الخلاقة وتقسيم دول المنطقة، عبر الحروب الأهلية الممنهجة والتدخل العسكري الأجنبي، وهل تخضع التدخلات الإماراتية الخارجية إلى رقابة شعبية، في ظل ارتفاع حجم الإنفاق الإماراتي في حربها ضد الثورات ودعمها للثورات المضادة ورموزها وأجهزتها، وبخاصة عقب تصاعد أزمة انهيار أسعار النفط؟
أخطبوط أبوظبي الإعلامي يسيطر على 70 % من الإعلام الليبي
السيطرة على الوعي الجمعي ووسائل الإعلام المحلية تعد أحد أبرز أدوات الإمارات في التغلغل، للهيمنة على الرأي العام الداخلي والحشد ضد الإسلاميين وشيطنتهم، ودعم قوى الثورة المضادة، وكشف تقرير نشره موقع "الإمارات 71"، أنه لم يكن الاتهام الذي وجهه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، لأبوظبي مطلع العام الجاري، من سيطرتها على جزء كبير المؤسسات المصرية: جامعات ومراكز بحوث و وسائل إعلام وإعلاميين، اتهامًا يتيمًا أو سياسة مصادفة، وإنما هو نهج يقوم به جهاز أمن الدولة للسيطرة على الإعلام العربي عامة، وإعلام بلاد ثورات الربيع العربي خاصة.
ورصدت دراسة إعلامية أعدها إعلاميون ليبيون أن أبوظبي تسيطر على 7 وسائل إعلامية ليبية، وعدد 4 صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنفقت أبوظبي عليها نحو 74 مليون دولار، وتمثلت الوسائل الإعلامية، ببوابة الوسط، راديو الوس fm، صحيفة ليبيا الحدث، بوابة إفريقيا الإخبارية، قناة 218، قناة ليبيا 24، وقناة ليبيا روحها الوطن ."H D"
بوابة وراديو الوسط الإخبارية: يملك الليبرالي المعارض لنظام القذافي محمود شمام هاتين الوسيلتين الإعلاميتين، ويديرهما من القاهرة بتمويل إماراتي كامل، وقد تم تمويلها حتى الآن بنحو 5 ملايين دولار.
صحيفة ليبيا الحدث: يملكها الإعلامي محمود الحسان، فبعد فشل عملية الكرامة الانقلابية بقيادة حفتر، أسس الحسان صحيفة الحدث الإخبارية وتعمل من العاصمة التونسية، وجزء من تموليها من هيئة الإعلام الليبية وإدارة الإعلام الخارجي التابعتين لبرلمان طبرق، فيما تولت أبوظبي الإنفاق عليها بما يقدر 800 ألف دولار أمريكي.
بوابة إفريقيا الإخبارية: يملكها الإعلامي الليبي عبدالباسط بن هامل، وهو أيضًا مؤسسها ورئيس تحرير البوابة وتنطلق من القاهرة. يعبر عن أنصار القذافي بعد مقتل الأخير، وأبوظبي بدأت تمويل البوابة منذ الربع الأخير عام 2013، حيت تم إنفاق نحو 2.2 مليون دولار أمريكي حتى الآن، مارس 2016.
قناة 218 TV: تملكها الإعلامية الليبية هدى السرار، وقد أسستها بالكامل من أموال أبوظبي، وتعتبر القناة من أكثر القنوات الليبية قدرة مالية ورواتب موظفين. وقد تم إنفاق نحو 32.7 مليون دولار أمريكي حتى الآن.
قناة ليبيا 24: يملكها الإعلامي الليبي عبدالسلام المشري، وتعمل من العاصمة البريطانية لندن، والمشري كان المدير التنفيذي لشركة الغد الإعلامية الذراع الإعلامية لمشروع "سيف الاسلام القذافي الإصلاحي"، المعروف بليبيا الغد، وهو من أنصار نظام القذافي، وسياسية القناة مؤيدة لنظام القذافي، وتعتبر ثورة الشعب الليبي مؤامرة غربية، وأُسست بتمويل إماراتي كامل بلغ 7.9 مليون دولار أمريكي .
قناة ليبيا روحها الوطن "H D": يملكها عارف النايض سفير ليبيا في الإمارات، ورئيس مؤسسة "كلام"، ويمتلك شركة تقنية معلومات، وتقول الدراسة إن النايض معروف عنه بتبعيته المباشرة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وقد تأسست قناة ليبيا روحها الوطن "hd " بتمويل إماراتي كامل، حيت أنفق عليها حتى الآن 25.6 مليون دولار أمريكي.
بين انقلاب ناعم وانقلاب خشن
تمثل السيطرة على الإعلام قوة تقود لانقلاب ناعم، إلا أن الإمارات حاولت مبكرًا وسرًا دعم انقلاب عسكري خشن في ليبيا، فقد قامت الإمارات بدور محوري في إفشال الثورة الليبية، بهدف إقصاء الإسلاميين الذين صعد دورهم بعد الإطاحة بالقذافي، حيث أعادت تمكين رموز نظام القذافي مرة أخرى، وعلى رأسهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي قاد محاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة طرابلس.
وأكد مصدر عسكري في عملية فجر ليبيا، أن غرفة عمليات حفتر في المنطقة الغربية بالزنتان يديرها ضباط إماراتيون بشكل مباشر، بحسب تصريح خاص لـ"عربي21" في 23 إبريل 2015، وشنت الإمارات في أغسطس 2014، ضربات جوية سرية على الفصائل الإسلامية في ليبيا بدعم مصري، وفي مارس 2015 أكد تقرير للأمم المتحدة، أن الإمارات ومصر تخرقان حظر تصدير السلاح إلى ليبيا المفروض منذ الإطاحة بالقذافي قبل ثلاث سنوات، عبر تهريب سلاح إلى حكومة طبرق. كما زار حفتر أبو ظبي في إبريل 2015، لزيادة الدعم المالي والعسكري الإماراتي.
يرى مراقبون أن الإمارات سعت في السنوات الأخيرة، إلى تسويق نفسها لدى واشنطن ولندن والأمم المتحدة كشريك أساسي في مواجهة الإرهاب وداعش، ودعمت الانقلاب المصري ونظام السيسي والانقلاب في ليبيا، بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لتسويق نفسها لدى الغرب بقدرتها على إعادة رسم التوازنات الإقليمية وخارطتها السياسية، بما يخدم المصالح الغربية الدولية، تحت شعار محاربتها للإسلام السياسي المعتدل.
الحرب الأهلية
هل يعد "برنارد ليون"، المبعوث الأممي، أحد أدوات الإمارات لتدمير الثورة الليبية وتحويلها لحرب أهلية ممتدة؟ تساؤل أثاره اتهام صحيفة "الغارديان" البريطانية، الإمارات باستخدام ليبيا ساحة حرب بالوكالة ضد الإسلاميين، حيث عرضت على المبعوث الأممي برنارد ليون، راتبًا يوميًا مقداره ألف جنيه إسترليني، وتقول "الغارديان" في تقرير أعده رانديب راميشن، إن المبعوث الأممي سيحصل على راتب شهري مقداره 35 ألف جنيه إسترليني لتدريب الدبلوماسيين الإماراتيين، ودعم السياسة الخارجية الإماراتية.
وأشار "راميشن" إلى أن المبعوث الأممي لليبيا ووزير الخارجية الإسباني السابق "ليون"، قضى الصيف وهو يتفاوض حول وظيفة في دولة خليجية– يقصد الإمارات– تدعم طرفًا في الحرب الدائرة في ليبيا، التي يقوم بالتوسط بين أطراف النزاع فيها.
حرب ضد الإسلاميين
ونقل التقرير عن محللين قولهم: إن الحرب الأهلية الليبية تتغذى من التنافس الخارجي. مشيرين إلى أن مصر والإمارات تستخدمان البلد ساحة حرب ضد الإسلاميين، الذين يزعم أنهم يتلقون دعمًا من تركيا وقطر، وأفاد بأن الدولة الليبية تحولت إلى ساحة حرب أهلية يشارك فيها ما يقرب من 1600 فصيل مسلح، تعمل في بلد لا يتجاوز تعداد سكانه 6 ملايين نسمة. ويدعم كل فصيل منها جماعة أو جماعتين سياسيتين، المؤتمر الوطني الذي يمثل الإسلاميين ومجلس نواب طبرق.
تدخل عسكري أجنبي بذريعة داعش
تشير مؤشرات متصاعدة على قرب تدخل عسكري أجنبي وشيك في ليبيا، لم يتبلور بوضوح وأطرافه ومهامها وأجندتها، ولكن ذريعته الواضحة هي فزاعة داعش، فقد لاحظ متابعون للشأن الليبي أن نشاطًا عسكريًا ملحوظًا قام به تنظيم داعش في ليبيا، العمليات الإرهابية للتنظيم خلقت فرصة كبيرة للقاهرة وأبوظبي لإعادة مواقفهم من العملية السياسية في ليبيا، كونهما يصران على أن المشكلة في ليبيا هي مشكلة إرهابية، وأن العالم مطالب بمحاربة الإرهاب، وكونهما من الدول التي تقدم نفسها على أنها تحارب الإرهاب، فقد برز لها دور دبلوماسي حتى الآن، وعسكري من خلال التدخل الأمريكي الجديد.
يقول الخبير العسكري المصري اللواء طلعت مسلم، لـ"العربي الجديد" في 22 فبراير 2016، حول التنسيق مع الدول التي ترغب في التدخّل عسكرياً، مثل مصر وإيطاليا والإمارات، إن من حق دول الجوار البحث عن مصلحتها في هدوء الأوضاع هناك، وحماية أمنها القومي، خصوصاً أن ليبيا تأوي عناصر إرهابية من مختلف الجنسيات، وفق مسلم. ويعتبر أن "ليبيا باتت نقطة ارتكاز قوية لداعش في الشمال الإفريقي، ولا بد من التخلّص من تلك العناصر..".