وجهة نظر في مسبار الأمل

وجهة نظر في مسبار الأمل

في دولة المؤسسات يعتبر أي مشروع عام أو قضية عامة تخص الدولة والمجتمع هي محل نقاش وانتقاد ولا تنفذ إلا بعد موافقة البرلمانات المنتخبة التي تمثل شعوبها بعد تمحيصها وإشباعها نقداً سواء على المستوى البرلماني أو على المستوى العلمي الأكاديمي أو على المستوى الشعبي عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن الطبيعي أن يكون هناك من يخالف هذه المشروعات وينتقدها حتى بعد تنفيذها وهناك من يؤيدها، ولا تنفذ المشروعات إلا إذا حصلت على موافقة الأغلبية، لنأخذ على سبيل المثال الحروب التي تخوضها الولايات لمتحدة الأمريكية حيث أنها تجد معارضة وانتقادات حادة رغم موافقة الكونغرس عليها وحتى بعد انتهائها، وقد تصل هذه الانتقادات إلى حد المطالبة بمحاكمة منفذي المشروع خصوصا إذا كانت النتائج سلبية على المجتمع والدولة، وهذا لا ينطبق على الحروب فقط ولكنه يعم كافة المشروعات سواء كانت علمية أو بيئية أو اقتصادية أو شكلية رغم بساطتها إلا أنها تظل قابلة للنقاش والمداولة، ومن أشهر القضايا البسيطة في بريطانيا قضية تغيير أسم برج "بيغ بين" إلى برج إليزابيث في 2012م والذي لم يتم إلا بعد موافقة البرلمان والأمثلة على ذلك كثيرة.

بهذه المقدمة التي توضح ما هو واضح ندخل إلى القضايا الهامة والمصيرية التي تنفذ في دولة الإمارات عبر السلطة التي تمارس مكارثية ضد كل من يمارس حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه في مثل هذه القضايا، ومن منطلق واجبي كمواطن إماراتي أستطيع التعبير عن رأيي بعيداً عن القمع الأمني الذي تمارسه السلطة ضد مواطني الإمارات سأناقش مشروع مسبار الأمل من ناحية علمية بأسلوب هادئ بعيداً عن الخطاب العاطفي المؤيد أو المعارض لمثل هذا المشروع، وأتمنى أن أجد رد علمي لمؤيد أو مخالف للمشروع حتى نعيش جو طبيعي من الاختلاف في وجهات النظر بعيداً عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه السلطة عبرة أذرعها الإعلامية والأمنية، خصوصا ونحن نعيش في دولة تغيب عنها المؤسسات وتسيس القضايا بشكل غير مقبول.

السؤال الذي يطرح دائما لماذا تتصيد أخطاء الحكومة ولا تذكر إنجازاتها؟

في الحقيقة لست بحاجة لتصيد الأخطاء فنظراً لغياب المؤسسات ونتيجة لحكم الفرد الذي تتمتع به السلطة في الإمارات فإن الأخطاء لا تعد ولا تحصى وهذا أمر طبيعي، لأن الأساسات التي يقوم عليها النظام غير سليمة فإن المخرجات ستكون كذلك غير سليمة، أما الإنجازات فمن يقرر أن هذا يعد إنجاز أو لا هو النقد العلمي والموضوعي للمشروع فمتى ما تحقق بشكل سليم وخضع للتقييم العلمي فحينها يمكننا أن نقول أن هذا إنجاز يمكن التصفيق له وللسلطة التي قامت به.

تقييمي لمشروع مسبار الأمل

بنظرة فاحصة لمشروع مسبار الأمل الذي مولته الإمارات بعد الاطلاع على الموقع الخاص به والاطلاع على الأهداف المرجوة منه استخلص عدة نقاط مهمة هي التي تجعلني غير متفائل من هذا المشروع وغيره من المشاريع المشابهة وذلك استناداً لتجارب سابقة ولو كان هناك مساحة من الحرية في الإمارات لشاركنا أصحاب التجارب مواطن الخلل التي واجهت المشاريع التي التحقوا بها ولم يكتب لها النجاح المطلوب رغم أنهم بذلوا فيها الغالي والنفيس ثم أوقفت هذه المشاريع أو سلمت لأجانب لإداراتها بعد أن بناها أبناء الإمارات، ومن هذه النقاط:

أولا: عدم وجود بنية مؤسسية حقيقية:

كإماراتي يسعدني ويسرني أن أرى أبناء وطني يتسابقون لطلب العلم في كافة المجالات ومنها مجال الفضاء وهو أمر يبعث بالفخر والاعتزاز، ولكن أخشى في الوقت ذاته أن يتم استخدامهم لتسويق مشاريع وهمية تقتل أحلامهم وطموحاتهم نتيجة لغياب العمل المؤسسي الذي يستند إلى دراسات علمية دقيقة وخطط استراتيجية واعدة، وهذا هو أحد أسباب التأخر العلمي والتقني الذي تعاني منه الدول العربية بشكل عام والإمارات بشكل خاص، فالمشاريع مهما كانت ناجحة ومهما كان المنتمين لها مخلصين في عملهم ومبدعين في نشاطهم إلا أنها تظل مشاريع فردية مرتبطة بأفراد بمجرد رحيلهم أو تغير مزاجهم واهتماماتهم تنتهي المشاريع وتهمل، لذلك قبل القيام بمثل مشروع مسبار الأمل وغيره من المشاريع التي تكلف الملايين والمليارات من ميزانية الدولة يجب أن يتم اصلاح المؤسسات في الدولة بداية بمؤسسات الحكم والتشريع التي تثبت مدى جدوى هذه المشاريع وتعرضها للتصويت الخاص أو العام، وتضمن استمراريتها وميزانياتها الحقيقية، وانتهاءاً بالمؤسسات العلمية والأكاديمية التي تثبت القيمة العلمية والأكاديمية ومواطن الخلل والقصور، وبغير هذا الاصلاح ستظل هذه المشاريع عبارة عن ظاهرة صوتية تخفت كلما ذهبت عنها الأضواء والاهتمامات من المسؤولين.

ثانيا: عدم وجود بنية علمية وأكاديمية:

عندما تطلق دول مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مسبار لاكتشاف المريخ فإنها دول تتملك بنية علمية وأكاديمية تراكمية وصلبة تجعل استفادتها من المسبار بشكل كامل وخاص، ولكن في حالة الإمارات التي لاتزال في بداية تكوين مشروعها للفضاء فإنها بحاجة لبناء البنية العلمية والأكاديمية والبحثية أولا وبعد ذلك تنطلق لمثل هذا المشروع بكوادرها العلمية المؤهلة، أما في وضعها الحالي فإنها ليست سوى ممول لهذا المشروع الذي انتجته ثلاث جامعات أمريكية وهو ما يجعل عوائد المشروع العلمية تذهب لمنتجي المشروع بالدرجة الأولى بحيث لا تستفيد منه الإمارات إلا الاسم والسمعة، فليس الإنجاز في دفع أموال من الريع النفطي وشراء مشروع مثل مشروع مسبار الأمل أو في بناء برج مثل برج خليفة أو في شراء طائرات F35، ولكن الإنجاز الحقيقي يكون حين تصنع بنية علمية وكوادر تصنع لك المسبار وتبني لك البرج وتأسس لك المشاريع وتديرها بشكل كامل، لذلك قبل اطلاق مثل هذه المشاريع يجب تكوين بنية علمية وأكاديمية مؤسسية وصلبة وتأهيل الكوادر العلمية من أبناء الوطن ولا حرج أن يستعينوا بالخبراء في حالات خاصة وضيقة بحيث لا يكونوا هم أصحاب المشروع وإنما داعمين تنتهي عقودهم بمجرد تأهيل الكفاءات العلمية المحلية.

ثالثا: عدم وجود بنية اقتصادية وصناعية صلبة:

تشير التقارير الاقتصادية إلى أن دول الخليج ومنها دولة الإمارات لازالت تعتمد بشكل أساسي على الريع النفطي الذي يعتبر المحرك الأساسي للأنشطة الاقتصادية في الدولة، مع غياب شبه تام للقطاع الصناعي الذي تعتمد عليه مثل هذه المشاريع، وبالرغم من مرور خمسين عاماً على اكتشاف النفط إلا أنها لازالت تعاني من فشل تنموي بالرغم من العوائد المالية الضخمة التي كانت تدر عليها في السنوات الماضية، وكما تشير التقارير إلى فشل وفساد في القطاع التعليمي والصحي وفي قطاع الإنتاج الحقيقي والصناعي بشكل أساسي وطغيان القطاع العقاري وقيادته لعربة الاقتصاد، لذلك يظل التساؤل قائماً عن جدوى مثل هذا المشروع في ظل غياب القطاع الصناعي والانتاجي وفي ظل اقتصاد ريعي هش بمجرد انقطاع التمويل الريعي قد تقف وتتجمد الحياة فيه بشكل شبه كامل، لذلك فالأولى هو الاستثمار في قطاع الإنتاج الصناعي وإيجاد مصادر دخل مختلفة وذلك يأتي في مرتبة متقدمة على اكتشاف المريخ الذي يمكن الوصول إليه بشكل طبيعي دون تجاوز المراحل والقفز لتحقيق إنجازات بلا أسس علمية واضحة.

ختاماً فإن هذه الإصلاحات والتغيرات ضرورية ومهمة لنجاح وتقدم الدول، فالدول لا تتقدم بتبذير الأموال وإنما تتقدم بتحقيق إصلاحات حقيقية يكون الشعب هو أساسها وإلا فإن أي مشروع لم يخضع لنقد علمي وأكاديمي، ولم يحصل على موافقة شعبية عبر برلمانات منتخبة تملك صلاحياتها، ولم يبنى بشكل تراكمي علمي بأيدي محلية، ولم يدعمه اقتصاد ثابت ومتين فإن مستقبله مبهم وأقصى فائدة ترجى منه هي الصيت والسمعة الإعلامية، أما الفائدة الحقيقية فإنها ستذهب لمن يملك مؤسسات ويملك بنية علمية واقتصادية متينة.

الكاتب