لغز تفخيخ الحياة المدنية

لغز تفخيخ الحياة المدنية

المحرر السياسي إيماسك

تملك منظمات المجتمع المدني في الإمارات لغزّ، مُخجل، فأغلبها على ارتباط التأسيس بالحكومة أو بجهاز أمن الدولة، بما في ذلك جمعية حقوق الإنسان الإماراتية، وهي الجمعية التي دائماً ما تظهر صورة جهاز أمن الدولة بصورة "الوطنية" و "الاعتناء بحقوق المواطنين" و"السكان"، وهي التي لا تجرؤ أن تنتقد أحداً إلا معارضي القمع المتحدين لتغول الجهاز في مؤسسات البلاد وتفخيخ "المدنية" الإماراتية.

 

ظهر أحد رموز هذه الجمعية في لقاء مع تلفزيون العربية يوم انتشار الحكم على امرأة عربية بالترحيل من البلاد وتغريمها 41 ألف دولار لأنها قامت بتفتيش هاتف زوجها!، ولم يستطع تبرير هذه الجريمة الغريبة الذي ينتجها قانون الجرائم الالكترونية، فقط تحدث أن الرجل والمرأة سواسية لدى "المشرع الإماراتي" ولو قام زوج بتفتيش هاتف زوجته سيتم الحكم عليه بنفس الطريقة، هذا الرجل الذي ظهر مرتبكاً دعا المرأة أن "تشكر الله لأنه لم يتم سجنها بسبب ذلك".

 

ليس غريباً أن يتم الحكم بهذه الطريقة، فقانون الجرائم الالكترونية -سيء السمعة- الذي جرى استخدامه ضد الناشطين والحقوقيين والمواطنين المعبرين عن آرائهم هو ينعكس فعلاً على باقي شرائح المجتمع، فسبق أن حكم على إماراتية بالغرامة بسبب أنها شتمت أحدهم عبر واتس آب، وتحاكم رجلاً سخر من المجلس الوطني على واتساب أيضاً، وكثير من هذه القصص الغريبة إلى جانب قانون مكافحة الإرهاب الذي يستخدم بعباراته الفضفاضة في إلقاء القبض على من يذكر كلمه "داعش" ، حتى أن عربياً كتب كلمة "راعش" بـحرف "الراء" على قائمة طعام، وهو لقب يطلق عليه في بلده، وفوراً تحرك الجهاز الأمني وتمت محاكمته.

 

لا يقتصر الأمر على كل تلك الحكايات التي تكتب في روايات "كان يا مكان"، وفي سلاسل "أدب الخرافة" لكن وللأسف حقيقة في الإمارات بحقيقتها المجردة التي تخشى سكانها وأكثر ما يخشاه جهازها الأمني مواطنوها الذين يستعيدون تاريخهم المشرق مع الآباء المؤسسين ليعيدوا قراءة النهج مقارنة بمتوقعات المستقبل، الذي يبدو مخيفاً وغريباً كغرائبية التصرفات.

 

تنبع تلك التصرفات والأحكام من رؤية استشارية أمنية، فهؤلاء المستشارون المهيمنون على الدولة وقراراتها هم حجر الزاوية في الابتعاد عن القضايا الوطنية، والقضايا الإنسانية الملّحة، لصالح الإماراتيين وسكان الدولة من الوافدين، فاستشاراتهم تخدم مصالح بقاءهم وامتصاص ثروة الإمارات التي لا يخضع المال العام بها للرقابة والمحاسبة من قبل ممثلين حقيقيين عن الشعب، وهنا تكمن خلل المشكلة في تلك القرارات الغريبة من المحاكمات، ويكمن الخلل الأكبر في تعريض مستقبل الدولة للخطر، فعداء الشعوب العربية على أشده، ومواجهة المثقفين والأكاديميين وشريحة واسعة داخل الإمارات أشد ضراوة، وفق نظرية "إما بقاء الجهاز الأمني يتوسع.. أو الطوفان" وهي نظرية أثبت التاريخ سقوطها وبقدر الانتهاكات والقمع يكون ذلك السقوط لمن يعملون تحت مظلتها.

 

ليست تلك الأخطاء والوقائع، تصرفات عبثية يقوم بها أشخاص من فهمهم للقوانين، فيبدو بتكرار الأحكام أنها طريقة مدروسة -كلًّ الدراسة- من أجل عدة أمور تهدف من خلالها لتخويف المجتمع من "الإصلاح" وربط أي دعوات "إصلاحية" بالإرهاب والدمار وإسقاط أي خطوة نحو العمل من أجل وقف الانحرافات على أنها تهديد لأمن الدولة وسعي لإسقاط نظام الحكم، فيما في الحقيقة هو إسقاط لتلك النظرية العقيمة، ودعوة من أجل وقف عبث هؤلاء المستشارين الذين يخدمون مصالحهم ويضعون الإمارات في مهّب الريح.

 

الأمر الآخر تعكس تلك المحاكات للمحاكمات إيصال رسالة للمجتمع أن الإرهاب -المصطنع- يشمل كل شيء ولن يتم استثناء أحد منه، سواءً تلك التي تتجسس على هاتف زوجها أو الذي يميل لقبه في بلاده إلى اسم "راعش" أو حتى السخرية من لاعب فريق كرة قدم، فكلها مُجرمّة أمنياً، وأي قضية يمكن اختلاقها في لحظات بمجرد النظر في هاتفك أو ملامح وجهك، وهو ما يدفعك إلى الحيرة كلياً وتضطر في النهاية للبحث عن أي رجل مسؤول في جهاز الأمن من أجل التقرب إليه حتى لا تبدو كمن يحاول "إسقاط نظام" الحكم، ويتم إحكام القبضة الأمنية، ويستمر الجهاز في تبرير رفضه الإصلاح بحماية أمن المواطن الذي لا يرى إرهاباً إلا من "جهاز الأمن" ولا يعتبر "إسقاط النظام والقانون" إلا على أيدي جهاز أمن فقد الضمير الوطني والأخلاقي وهو ما أحجبه رؤية الحقيقة الناصعة أنه لا "يمكن حجب ضوء ونور الحقيقة والحرية"؛ مهما طال الزمن أو "قصر".

 

هنا يكمن أيضاً لغز منظمات الإمارات المدنية التي لا تُذكر إلا من خلال فعاليات الوفاء للانقلابات في مصر، وليبيا، وتدعم توجه المستشارين الأمنيين ضد أمن المواطن والإنسان في الإمارات، وهو لغز محلول على دراية بما يفعل لكنه أيضاً يخشى انتقام جهاز الأمن، وقد يشبه محاكمات على تلك الشاكلة من السجن والتعذيب في قضايا تتقطر الغرابة والسذاجة والتوحش منها.

الكاتب