ما بين «ثريا الدحلان» و«إمبراطورية الثريا» الأمنية .. وما علاقة الإمارات ؟!

ما بين «ثريا الدحلان» و«إمبراطورية الثريا» الأمنية .. وما علاقة الإمارات ؟!

واصل موقع "الأخبار" الفلسطيني كشفه لتفاصيل خطيرة تتعلق بالدور الذي تلعبه الإمارات في محاصرة المسجد الأقصى تحديداً، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، من خلال عدد من الشخصيات المشبوهة على رأسها محمد دحلان مستشار محمد بن زايد.
وبعد أن أكد الموقع في تقرير نشرته "شؤون إماراتية" تورط المال الإماراتي في عمليات شراء العقارات من المقدسيين وإعادة بيعها للمستوطنين الصهاينة، والإشارة إلى دور شركة الثريا الإماراتية التي يقودها دحلان وآخرين في هذه العملية، فتح "الأخبار" كشف حساب مفصل بخصوص هذه الشركة وتشعباتها العديدة ودورها الغامض في المنطقة، ونحن بدورنا في شؤون إماراتية ننشر لكم هذا التقرير كاملاً: 
تبدو معظم الشركات الأمنية والاستشارية العاملة في العالم، أو الشرق الأوسط، كمؤسسات لا كيان لها، خاصة أنه لا يقودك البحث والتدقيق في أعمالها وتراخيصها وملكيتها إلى أجوبة شافية، بل إلى مزيد من الأسئلة. لكن آلية عمل هذه الشركات، ومنها "الثريا"، التي ورد اسمها ضمن التحقيق الخاص بتسريب عقارات في القدس، محكومة بالنفوذ السياسي والأمني الذي يوفره أصحابها في بلدان النشاط، وهذا يؤمن لنا ما يشبه «فلتراً» تستطيع به ربط المعلومات المتوافرة مع خريطة النفوذ السياسي، للحصول على بعض الاستنتاجات

يقودنا البحث عن «الثريا للاستشارات والبحوث» في إمارة أبو ظبي، التي ورد اسمها في عقود البيع ضمن ملفات التحقيق عن بيع عقارات في القدس (الوثيقة الرابعة)، إلى شركتين: الأولى تحمل اسم «الثريا للاستشارات الإدارية والأمنية والتدريب ذ.م.م»، وهي شركة رخّصت لمدة عام من أيار 2008 حتى أيار 2009، ويختلف اسمها عن المنصوص في اتفاقية شراء العقار. لكن النتيجة الثانية تأتي مطابقة للاسم، وهي «الثريا للاستشارات والبحوث ذ.م.م ــ أبحاث» التي سُجّلت رخصتها في إمارة أبو ظبي كشركة إماراتية محدودة المسؤولية في تاريخ 26-6-2011، وتنتهي في 31-5-2016 (رقم العضوية: 566813). لكن الرخصة لا تشير إلى عدد الموظفين ورأس المال التأسيسي، فقد أهمل الرقمان واستبدلا صفراً. كذلك تخلو الوثيقة من الموقع أو البريد الإلكتروني للشركة، الذي لن يصادفها الباحث عبر «غوغل»، شأنها شأن عدد من شركات الأبحاث «الأمنية».

تسجيلا " الثريا" في أبو ظبي

 

التسجيل الأول لـ"الثريا" في أبو ظبي

 

التسجيل الثاني لشركة "الثريا"


نشاطات «الثريا» في أبو ظبي، المعلنة، تنحصر في تنظيم عدد من المؤتمرات واللقاءات في عدة عواصم أوروبية، تركزت عناوينها حول قضايا أمنية تخص الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، أبرزها الإرهاب وتطورات ثورات الربيع العربي وما رافقها من تغيرات على المنطقة، تارة تحت اسم مركز الثريا، وأخرى باختصار "أبحاث". روما وبروكسل وجامعة السوربون الفرنسية مؤخراً، استضافت عدداً من مؤتمرات «الثريا» بالتعاون مع عدد من المراكز البحثية والأمنية الأوروبية والخليجية، كـ"المنتدى الخليجي المتوسطي" و"اللجنة الإيطالية ــ الأطلسية"، وضمت مسؤولين كبارا على المستوى العربي والدولي. نذكر منها على سبيل المثال: مؤتمر «ليبيا ومستقبل الأمن في المتوسط» في روما، و«استراتيجيات مكافحة الإرهاب: التحديات والآفاق» في مقر "حلف شمال الأطلسي" في بروكسل، ومؤخراً «خمس سنوات من الربيع العربي: التبعات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، كيف نواجه التهديد الإرهاب العالمي؟» في جامعة السوربون – باريس.
لكن الغريب ليس هنا، لأنه تطغى خلال البحث عن تفاصيل «الثريا» ونشاطها، نتائج متعلقة بشركة تحمل الاسم نفسه خارج الإمارات، وتعمل من العاصمة القبرصية، نيقوسيا. الأخيرة التي يرأس مجلس إدارتها العقيد الأميركي السابق، «الميجور» في سلاح الجو الأميركي، ميشال بايانو، مسجلة في قبرص في الشهر الثامن من عام 2014؟

أحد تسجيلات "الثريا" في قبرص


وهي أحد أفرع «الثريا القابضة»، التي يبدو أنها نتجت على إرث «الثريا للأبحاث»، وتضم أيضاً كلاً من «الثريا للخدمات الأمنية ـ ليبيا» و«الثريا للأمن والخدمات ـ مصر» إلى جانب «الثريا للاستشارات ـ أوروبا» و«أكاديمية الثريا» و«الثريا للدعم»، فضلاً عن شركة «آيس ـ سيرف24» لتكنولوجيا التتبع، و«إيفنت برو» لتنظيم المناسبات. 

مجموعة شركات "الثريا" القابضة


تتوزع مقرات «الثريا» القبرصية، وفق موقعها الالكتروني ما بين قبرص وسلوفاكيا ومصر وليبيا والإمارات، بينما يغطي نشاطها «أكثر من مئة دولة حول العالم»، ضمنها بلدان الشرق الأوسط. وتؤمن شركة «الدراسات» خدمات متعددة في سوريا والعراق ولبنان واليمن وتركيا والأردن ومصر وتونس وليبيا، تتمثل في الحماية الأمنية ومرافقة الشخصيات وتأمين التتبع والمراقبة الالكترونية والمعلومات الاستخبارية، وصولاً إلى المشاركة في عمليات إخلاء شخصيات مهمة أو مرافقة شحنات مهمة. كما تؤمن الشركة من مقرها في قبرص، الخبراء والمعدات الالكترونية وتعمل مع فرق محلية مدربة على إتمام هذا النوع من العمليات.

أماكن عمل "الثريا" القبرصية


وكان لافتا أنه يندرج تحت قائمة عملائها عدد من السفارات الأجنبية وشركات التنقيب والمنظمات غير الحكومية، خاصة العاملة في بلدان تشهد اضطرابات أمنية كليبيا والعراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تعمل شركتان من فروعها في مصر، هما «الثريا للدراسات» و«الثريا للأمن والخدمات ــ فرع مصر» (اقرأ موضوع الثريا المصرية في موقعنا)، وتضم عدداً من الموظفين الأمنيين والإداريين، تمتاز غالبيتهم بخلفيتهم الأمنية والعسكرية. أحد هؤلاء مدير مشروع أمن معمل الطاقة التابع لشركة «سيمينز» في مشروع العاصمة الجديدة، وهو أحد المهندسين السابقين ضمن سلاح الجو المصري بين عامي 1992 و2011، وكان يعمل خلال آخر ثلاثة منها ضمن قيادة القوى الجوية (خالد عمر، من حسابه على لينكد ان).
في العراق أيضاً، مدير عمليات الشركة في العراق يملك خبرة تزيد على عشرين عاماً في الميدان العسكري، منها ثلاث سنوات في قوات العمليات الخاصة العراقية خلال حرب 1987 (بسام البدري، من حسابه على لينكد ان).
كذلك تشغل أفرع الشركة عددا من المهمات الحساسة حول العالم، منها تدريب قوات الشرطة العراقية والأفغانية وتدريب قوات «سوات» الأميركية الخاصة، والشرطة الكولومبية. أيضا في مصر، تعمل الشركة في الحماية الأمنية لمنشآت ضمن قناة السويس الجديدة، وأخرى في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، كذلك في حماية السفارات وشركات التنقيب، وحماية الشخصيات الأجنبية المهمة خلال زياراتها، مثل تكليف الشركة حماية وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خلال زيارته إلى القاهرة.

"الثريا ــ مصر" تستعرض من ضمن إنجازاتها تأمين تنقل جون كيري في القاهرة


قد يبدو تطابق الاسم بين الشركتين عرضياً، ولكنه يفتح المجال لأسئلة حول التشابه في طبيعة النشاطات وأماكن النفوذ، وذلك على ضوء عدد من النقاط: 
ــ تستضيف مؤتمرات «الثريا» الإماراتية، عدداً مهماً من الشخصيات العربية والأوروبية، وفي ظل عملية شراء العقار المقدسي والتنازل عنه إلى "الثريا"، يبرز من بين الأسماء الحاضرة دائما، محمد دحلان، الذي هو على صلة كبيرة أصلا بالمشتري ــ الوسيط (فادي السلامين). ودحلان هو رئيس "جهاز الأمن الوقائي" الفلسطيني السابق، ومستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للشؤون الأمنية. و"أبو فادي" أيضا صاحب علاقات متينة مع أجهزة الاستخبارات الغربية والمتهم بالتنسيق المباشر مع الجانب الإسرائيلي، ومارس عددا من النشاطات في بلدان شرق أوروبا ولعب خلال السنوات الأخيرة دوراً مهماً عبر منصبه الأمني، في تنفيذ سياسات الإمارات المعلنة منها والمخفية تجاه دول المنطقة، خاصة في بلدان مثل مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي صارت ملعب دحلان الرئيسي.

مشاركة محمد حلان في مؤتمر "الناتو" عبر "أبحاث"


ووفق مصادر خاصة، فإن «الثريا» التي اشترت العقار هي المقر الذي يعمل فيه بصورة يومية دحلان، بل يسجل أحيانا ردوده على جمهوره عبر صفحته على "فايسبوك" من هذا المقر. لكن هذا ليس مهما، فـ"الثريا ــ أبحاث" هناك تعمل كأداة مكملة للمؤسسات الإعلامية والاقتصادية التي يستخدمها لتعزيز سياسات أبو ظبي في المنطقة والعالم. كما أن غياب الموقع الالكتروني وصفحات وسائل التواصل الاجتماعية لـ«الثريا» تدفع إلى التدقيق في البحث، ليتضح أن شركة مصرية «كليك سولوشنس»، عملت على تصميم الموقع الإلكتروني غير المنشور للشركة، وكذلك تصميم شعار «الثريا». وبالتدقيق أكثر، تبين أن «كليك» كانت قد عملت بصورة مقرّبة من حملة دعم السيسي الانتخابية، وعدد من المؤسسات الإعلامية المقربة من السلطة المصرية.

موقع "ثريا ــ أبحاث" كعرض للتصميم لكنه لم ينشر على الويب

 

شركة "كليك" للتصميم


ــ في المقابل، يُظهر تاريخ «الثريا» القبرصية أن نشاطها تطوّر في مصر بالتزامن مع وصول السيسي إلى الحكم، أي أن الشركتين (الثريا أبو ظبي وقبرص)، وأيضا "كليك"، كل نشاطها في مصر لم يتطور إلا قبل عامين، ومن مندوحة القول الإشارة إلى طبيعة العلاقة بين دحلان والسيسي. و"الثريا" القبرصية هي الأخرى قريبة من السلطة المصرية، وتكفي معرفة التسهيلات التي تأخذها عبر النظر إلى حجم وحساسية المشاريع التي تتولى أعمال حمايتها وأمنها، في ظل اعتمادها على كادر إداري من خلفية أمنية وعسكرية يمكنّها من نسج تلك العلاقة "الطيبة" (مثال على مصطفى عمر).
كما يظهر أن مديرة أحد أفرع الشركة «ايفنت برو» (التابعة للثريا هولدنج)، وقريبة رئيس مجلس إدارتها، كانت تعمل ضمن أهم المنتجعات السياحية في شرم الشيخ مديرة للتسويق، وهو موقع يسمح أيضاً بضمان ذهاب عقود الحماية والأمن للمنشآت والشخصيات إلى جهة محددة، ويتيح علاقات جيدة مع أصحاب القرار في الدولة والجيش والمخابرات.
ــ اعتمدت «الثريا» القبرصية خلال تطور عملها في البلدان الجديدة التي تدخلها على أسماء مختلفة عن اسمها الحقيقي، وكذلك شعارات (logo) مغايرة أو قريبة لها، دون إعلان الارتباط بالشركة الأم، ثم تعود لتتبنى تلك الشركة كفرع يعمل رسميا لها.
ــ مثلما بدت رخصة «الثريا» الإماراتية مبهمة بخلوها من رأس المال وعدد الموظفين، ووجود ترخيص قبل سنوات تحت اسم معدل وعنوان مختلف، يوضح البحث في التراخيص القبرصية، أن «الثريا» قدمت ثلاث رخص في نيقوسيا، إحداها علامة تجارية عالمية حصرية، وذلك تحت مسميات مختلفة وعناوين مختلفة في العاصمة القبرصية، تقع كلها في محيط جغرافي ضيق، بل لا تتجاوز مدة التنقل بين العنوانين المعلنين، خمس دقائق مشياً على الأقدام. كذلك يبدو وجود عدد من الشركات الفرعية وهمياً، ولا يتعدى كونه واجهة لتبني مشاريع قيد العمل تحت مسميات أخرى في بعض البلدان، مثل «أكاديمية الثريا» و«الثريا الأوروبية».

تسجيل "الثريا" في قبرص عبر ثلاث تسجيلات

 

المسافة بين مقرات "الثريا" في قبرص


وبما أن "الثريا"، كاسم شهير في الوطن العربي لا يتردد سوى لنطاقين شهيرين: الأول هو شركة "الثريا" للاتصالات في الإمارات، وهي بالتأكيد ليس لها علاقة بموضوع بحثنا، فإن النطاق الثاني، "الثريا" الأمنية، التي تدور في دوائر محمد دحلان، الشخص نفسه الذي يقضي دوامه اليومي في "الثريا" أبو ظبي، والشخص ذاته الذي يرتبط بعلاقة وثيقة بفادي السلامين صاحب المعاملات الخاصة بالبيع والشراء في القدس ثم التنازل لـ"الثريا"، هي التي تعنينا.
وإلى الآن، لا شيء ينفي أن تكون هذه "الثريا" هي "الثريا" نفسها، من أبو ظبي إلى قبرص، ودول عملها كافة، على أن تكون الإماراتية محصورة النشاطات في تنظيم مؤتمرات وتقديم أبحاث، لأن أحدا ما في أبو ظبي يرفض أن يتلوث اسم الإمارة مباشرة في نشاطات "الثريا" الكبيرة، التي أحسنت اختيار قبرص مكانا ملائما قانونيا وأمنيا لعملها، وهي الخطوة نفسها التي تعلّم دحلان من تجاربه أن يفعلها، بعد تجربته مع شركات أخرى كان اسمه حاضرا فيها، وليس صعبا على "الرئيس أبو فادي" إيجاد أسماء "كبش فداء".

الكاتب