كيف تحولت العلاقات التركية الإماراتية من العداء إلى التقارب وما هو مستقبلها؟

كيف تحولت العلاقات التركية الإماراتية من العداء إلى التقارب وما هو مستقبلها؟

شهدت العلاقات التركية الإماراتية تحوّلاً سريعاً منذ كشفت أبوظبي عن إعادة ضبط سياستها الخارجية، في سبتمبر/أيلول الماضي، متعهدةً بالتخلّي عن الصراعات السياسية وإعادة التركيز على الاقتصاد، ومستهدفةً بذلك استثمار 150 مليار دولار عبر علاقات أعمق مع الاقتصادات سريعة النمو مثل تركيا.

 

ووقَّعت تركيا والإمارات، مساء الإثنين 14 فبراير/شباط، 13 اتفاقية تشمل مجالات الاستثمار، والدفاع، والنقل، والصحة، والزراعة ضمن زيارة رسمية للرئيس رجب طيب أردوغان لأبوظبي، فيما أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، حرص بلاده على "تعزيز الشراكة مع تركيا خلال الفترة المقبلة".

 

ويأتي هذا التحول ضمن توجهات سياسية أوسع نطاقاً شهدت تغلُّب الخصوم السابقين في الشرق الأوسط على خلافاتهم العنيفة أحياناً، بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. وبعد عقدٍ كامل من سياسة التدخل الإماراتية التي كبّدت البلاد فرصاً ضائعة بمليارات الدولارات انتصر نموذج دبي الذي يُركّز على الأعمال التجارية، كما يقول تقرير سابق لوكالة بلومبرغ الأمريكية.

 

يُعزى تطور العلاقات التركية – الإماراتية نحو التقارب إلى ظروف خاصة كما يصفها تقرير لوكالة الأناضول. ففي ظل الظروف الحالية، يفسر الكثيرون ذلك بالتركيز على الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها تركيا. إن البعد الاقتصادي بالطبع مهم لكلا البلدين في تغيير العلاقات، لكنه أيضاً ليس السبب الرئيسي في هذا التقارب.

 

ولا يمكن قراءة التوتر بين القوى الإقليمية في الماضي، والحراك الحالي للتقارب بشكل مستقل عن الوضع السياسي الدولي. لقد فسّر العديد من البلدان الإقليمية، "الربيع العربي" الذي ظهر في المنطقة منذ عام 2011، من منظوره الخاص. فعلى سبيل المثال، نظراً لأن تركيا وقطر لديهما منظور مماثل بشأن القضايا والتعاون الإقليمي، فقد تعمقت علاقاتهما الثنائية بوتيرة سريعة. ومع ذلك، اختلفت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن تركيا وقطر، حيث رأتا في ذلك التغيير مصدر تهديد محتمل لهما.

 

كما أن تغيير السلطة في مصر عام 2011، جعل دول الخليج تراه تهديداً لها باستثناء قطر. وكان هذا هو السبب الرئيسي وراء تعرض هذه الدول، التي اتخذت موقفاً دفاعياً، للتوترات ليس فقط مع تركيا، ولكن أيضاً مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية خلال نفس الفترة.

 

وعلى الرغم من عدم وجود صراع ساخن مباشر بين القوى الإقليمية، كانت هناك خلافات جدية في العديد من القضايا. ففي بعض المناطق، خاصة في ليبيا، اتخذت تركيا والإمارات مواقف مختلفة تماماً.

 

فيما خلقت لامبالاة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تجاه الأزمات في الشرق الأوسط، منطقة صراع للقوى الإقليمية. من ناحية أخرى، اتبع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سياسة حول من خلالها قناعة دول الخليج بتهديد التغيير لها، إلى مكاسب اقتصادية.

 

وأدت سياسات الفاعلين الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي ركزت على الاستفادة من الأزمة الإقليمية، علاوةً على فشل المؤسسات الدولية في منع الصراعات، إلى إطالة وتعميق ديناميكية الصراع في المنطقة، والتركيز على البعد الأمني والتهديدي من مسار التغيير فيها.

 

كما تسببت التهديدات الأمنية في خسائر اقتصادية. على سبيل المثال، ارتفع حجم التجارة بين تركيا والإمارات، إلى 15 مليار دولار في عام 2017، لكنه انخفض إلى 7 مليارات دولار في العام التالي. على الرغم من تكبدها خسائر فادحة، لم يكن من السهل على العديد من دول المنطقة تغيير الدفة.

 

 

وأدى فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، وتشتت انتباه الولايات المتحدة وروسيا، الناشطتين في أزمات الشرق الأوسط، إلى فتح مجال للحراك بين دول المنطقة.

وأسفرت ديناميكيات الصراع الإقليمي عما يقرب من صفر مكاسب، وخسائر كبيرة ملأت هوامش الصراع، وهذا هو أساس الحراك نحو إعادة التطبيع بين القوى الإقليمية، كما تقول الأناضول.

 

الإمارات كانت من الدول التي تحركت بسرعة في المرحلة الجديدة. أولاً، تم اتخاذ خطوات نحو التطبيع مع قطر وإيران. وفي الوقت نفسه، بدأت دبلوماسية الباب الخلفي مع تركيا. كما نرى وضعاً مماثلاً بالنسبة للبلدان الأخرى.

 

 

ترتبط الزيارة الرسمية لمحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي -المحرك الرئيسي للسياسة الإماراتية- إلى تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ارتباطاً مباشراً بالسياسة الدولية، وهي علامة على فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين.

 

وهنا لا يمكن تفسير هذا التقارب فقط من الناحية الاقتصادية، رغم أن الاستثمارات التي يُنتظر أن تقوم بها أبوظبي في تركيا تهمها في ضوء سياستها الاقتصادية الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط، والاتفاقات الموقعة خلال زيارة بن زايد هي أيضاً مؤشر مهم على ذلك.

 

ويكثر الجدال حول مستقبل تطبيع العلاقات بين أنقرة وأبوظبي ومدى ثباته واستمراريته. ويأتي على رأس ما يشغل الرأي العام العالمي، انعكاس تلك العلاقات الاقتصادية على القضايا السياسية والأمنية من عدمه.

 

ليس من السهل الإجابة عن تلك التساؤلات، لكن يمكن القول إن دول المنطقة "ستحظى باستقلالية ومبادرة أكثر"، في ظل التحولات الجارية في المحاور، بين أمريكا والصين، وروسيا والناتو، وأوروبا وروسيا.

 

ويُشار هنا إلى مقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل زيارته للإمارات التي قال فيها: "حان وقت اتخاذ المبادرة"، بالإضافة إلى الدعوات التي تقوم بها الدول الأخرى في هذا الاتجاه من الأبواب الخلفية، للعمل على التغيير.

 

وبالنظر إلى الإرادة السياسية الواضحة للاتجاه نحو التقارب بين تركيا والإمارات، فلن يكون مفاجئاً انعكاس ذلك التقارب على الملفات الأخرى. ولهذا، ليس من الضروري تفكيك كافة الأزمات بين تركيا والإمارات.

 

على سبيل المثال، يمكن للخلاف في الملف الليبي أن يستمر. ولا يعني ذلك عدم زيادة التعاون الاقتصادي، وانعكاسه على الملفات السياسية والأمنية. وحين ننظر من الناحية الاقتصادية، يمكن توقيع اتفاقيات إضافية علاوةً على الاتفاقيات الموقعة في هذا الإطار.

 

وإذا لعبت تركيا دوراً محورياً في الوصول لأوروبا تجارياً، فسوف يزيد ذلك من حجم التجارة بين البلدين. كما أن التواجد الإماراتي في السواحل الإفريقية يمكن أن يزيد القنوات الاقتصادية لتركيا الممتدة في المنطقة.

ورغم أن القضايا الأمنية سوف تتشكّل بناءً على توازنات حساسة، يمكن التقدم بخطوات متفرقة في هذه المساحة. وسوف ترغب الإمارات أيضاً في الاستفادة من التقدم التركي في قطاع الصناعات الدفاعية.

 

ولن يكون مفاجئاً إذا رغبت الإمارات في الاستثمار في هذا القطاع أو شراء معدات وأسلحة وعلى رأسها الطائرات المسيرة. ولهذا، ليس من الضروري تشكيل رؤية أمنية مشتركة بين تركيا والإمارات، وباختصار فإن التقدم بخطوات في الملف الأمني، سوف يرتبط بما ستتشكل عليه ديناميكيات الوضع الإقليمي.

الكاتب