إنسايد أرابيا: ماذا وراء تغير سياسة الإمارات في الشرق الأوسط؟

إنسايد أرابيا: ماذا وراء تغير سياسة الإمارات في الشرق الأوسط؟

تعد الإمارات من أكثر الفاعلين نشاطاً وتدخلاً في الشرق الأوسط كما تجلى في الحرب الأهلية في اليمن، والصراع الليبي، وحصار قطر. كما ارتبطت الإمارات بالإطاحة بالرئيس المصري المنتخب "محمد مرسي" والأزمة السياسية في تونس.

 

ويقف خلف قوة الإمارات التركيز الجديد على القوة العسكرية الذي تبناه ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد". وعلى عكس الدول المجاورة، أمر "بن زايد" بعدم شغل الرتب العسكرية العالية على أساس الانتماء القبلي، بل على أساس الجدارة.

 

ولتعزيز الجيش، أدخل "محمد بن زايد" التجنيد الإجباري في عام 2014. وبعد أن تدرب كطيار مقاتل في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية في بريطانيا، أدخل "بن زايد" أساليب تدريب غربية وتشاركية وعملية في القوات المسلحة في البلاد.

 

وعلى عكس الماضي، فإن معظم القوات المقاتلة والطيارين اليوم هم إماراتيون بينما معظم المدربين والفنيين من الأجانب. وبالرغم أنه يتم الاستعانة بعدد كبير من المرتزقة في المهام اللوجستية، فإن نسبة الأجانب في الجيش أقل بكثير مما كانت عليه في السابق.

 

وبفضل مبيعات النفط بمليارات الدولارات، اشترت الإمارت أحدث الدبابات والطائرات المقاتلة والقنابل الدقيقة والصواريخ. وإلى جانب دول الخليج الأخرى، تعد الإمارات الآن من بين أفضل العملاء للأسلحة الغربية ومعدات المراقبة الإسرائيلية.

 

ومع تحول حرب اليمن إلى ما يشبه حرب استنزاف باهظة الثمن، سحبت الإمارات قواتها البرية من اليمن، فيما واصلت مشاركتها من خلال ألوية "العمالقة" التي دربتها، والتي دفعت الحوثيين للخروج من محافظة شبوة وتتجه شمالاً نحو منطقة مأرب الاستراتيجية.

 

ولكن الدمار في اليمن كشف حدود القوات المسلحة الإماراتية كما أثبت التدخل في ليبيا فشله حيث نجحت حكومة طرابلس، بمساعدة تركيا، في ردع هجوم "حفتر" على العاصمة في عام 2020. كما فشل الحصار الذي فرضته أبوظبي على قطر في يونيو/حزيران 2017. ويبدو أن "بن زايد" أدرك هذه القيود واضطر إلى إعادة النظر في مشاريعه الخارجية. 

 

لذلك ليس من المستغرب أن تبدأ الإمارات في تحويل تركيزها إلى الدبلوماسية والاستراتيجية السياسية والابتعاد عن التدخل العسكري. وتبدو الإمارات الآن حريصة على إعادة تشكيل صورتها كجهة بناء جسور في السياسة الإقليمية والتحوط من رهاناتها مع تقليص الولايات المتحدة لالتزاماتها في الشرق الأوسط.

 

من جهتها، تسعى تركيا جاهدة للخروج من الصندوق السياسي والأيديولوجي الذي حوصرت فيه منذ بداية الانتفاضات العربية. كما تأمل في تقليل التكلفة الاقتصادية لنشاطها الجيوسياسي في أوقات الضائقة المالية في الداخل.

 

وخصصت الإمارات مؤخرًا صندوقًا بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في تركيا ووقعت عدة اتفاقيات مهمة مع أنقرة. وبسبب انخفاض قيمة الليرة التركية، أصبحت الأصول التركية حاليًا أرخص بكثير مما كانت عليه قبل عام، ومن المرجح أن تحقق الاستثمارات الإماراتية عوائد كبيرة في المستقبل. أيضًا، بالرغم من كل الاضطرابات في العلاقات بين أبوظبي وأنقرة، تعد الإمارات بالفعل أكبر شريك تجاري لتركيا في الخليج، مما يجعل المنطق الاقتصادي حاضرا بقوة في العلاقات بين البلدين.

 

ويأتي الحوار التركي الإماراتي في ظل مناخ من التقارب العام في الشرق الأوسط. وفي حين أنه من غير الواقعي توقع حل البلدين لجميع الخلافات على الفور، يمكن للمصالح الاقتصادية المشتركة أن تشجع المفاوضات حول العديد من الأزمات الإقليمية.

 

من الناحية الجيوسياسية، فإن الضغوط العسكرية التي تعرض لها كلا الجانبين في السنوات الأخيرة ساهمت في تهيئة الأجواء للحوار. وكان كلاهما واثقًا جدًا من سياسته الخارجية العدوانية وكانا على طرفي نقيض في العديد من النزاعات، من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، ولكن هذه النزاعات طالت، وزاد العبء السياسي والاقتصادي الناجم عنها بشكل مطرد.

 

وقد يكون تراجع الالتزام الأمريكي بالمنطقة عاملاً آخر أدى إلى تغيير الإمارات لاستراتيجيتها للتجه إلى التقارب مع تركيا كشريك محتمل. ومثل السعودية، سعت الإمارات لملء الفراغ الناتج بحلفاء جدد، بما في ذلك إسرائيل، والتي كانت بلا شك أكبر مقامرة لـ"بن زايد".

 

في هذه الأثناء، احتاج الرئيس "رجب طيب أردوغان" بشكل عاجل إلى الخروج من العزلة الإقليمية والأزمة الاقتصادية لذلك كان التوجه لإصلاح العلاقات مع الإمارات منطقيا لأنها قادرة على تزويد بلاده باستثمارات كبيرة وقروض ميسرة.

 

أخيرًا، يعكس التقارب بين "بن زايد" و"أردوغان" الوضع المتغير في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. وترى الإمارات أن إيران هي الخصم الأكبر بسبب دعمها المستمر للحوثيين المسؤولين عن الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الأخيرة على أبوظبي.

 

على أي حال، أثبتت الإمارات نفسها كلاعب مهم في المنطقة وهي اليوم تدرك بلا شك كيف يمكنها الاستفادة بشكل أفضل من الجغرافيا السياسية ودولارات النفط بدلاً من القوة العسكرية لتحقيق مصلحتها الخاصة.

الكاتب