صاندي تايمز: أمريكا تحاول تغيير المواقف “المحايدة” لدول كالإمارات والسعودية من غزو أوكرانيا

صاندي تايمز: أمريكا تحاول تغيير المواقف “المحايدة” لدول كالإمارات والسعودية من غزو أوكرانيا

نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا أعده غريغ كارلستون، قال فيه إن الولايات المتحدة تحاول تغيير مواقف حلفائها “المحايدة” من الحرب الأوكرانية، التي أجبرت أكبر دبلوماسي أمريكي في الأسبوع الماضي على القيام بمهمة دبلوماسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

فبعد لقاء في وارسو مع وزير الخارجية الأوكراني، قطع أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، أكثر من ألفي ميل جنوبا للضغط  ومصافحة أيدي مسؤولي حلفاء تلعب دولهم دورا في تشكيل النزاع. وكانت أول زيارة له إلى إسرائيل لحضور لقاء غير مسبوق مع وزراء خارجية عرب في صحراء النقب، ثم سافر بلينكن إلى العاصمة المغربية، الرباط، حيث التقى مع ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد الذي استقبله في قصر يملكه هناك.

 

وقالت الصحيفة إن سباق بلينكن في الشرق الأوسط، كان علامة على الطريقة التي غيّر فيها غزو روسيا لأوكرانيا المواقف السياسية في المنطقة. فعلى خلاف الدول الغربية وحلفاء أمريكا في آسيا، وقفت دول المنطقة بمن فيها إسرائيل موقف المحايد من الغزو الروسي لأوكرانيا في شهر شباط/ فبراير. ورفضت دول الخليج زيادة معدلات النفط للمساعدة في تخفيض أسعاره المرتفعة بشكل متزايد. وحاولت دول الخليج وغيرها تجنب الوقوف على الجانب المعادي لفلاديمير بوتين.

 

ويبدو أنها كانت تريد إرسال رسالة إلى أمريكا التي أصبحت بنظرها حليفا لا يعتمد عليه. وتريد واشنطن من حلفائها اختيار جانب في النزاع، ولكن ربما انتهى بهم الأمر إلى عدم اختيار أي طرف.

 

حاولت دول الخليج وغيرها تجنب الوقوف على الجانب المعادي لفلاديمير بوتين. ويبدو أنها كانت تريد إرسال رسالة إلى أمريكا التي أصبحت بنظرها حليفا لا يعتمد عليه

 

وقد انقسم العالم أثناء الحرب الباردة، حيث دعمت ملكيات الخليج الولايات المتحدة، أما الجمهوريات فقد دعمت الإتحاد السوفييتي السابق. وانتهى الأمر بأمريكا لأن تصبح القوة العظمى بعد انهيار الحرب الباردة، ووعدت بحماية دول الخليج من المعتدين، ومنح إسرائيل الدعم الدبلوماسي وأحدث السلاح. إلا أن كل الأطراف تشعر الآن بأن أمريكا تخلت عنها.

 

ولو شعرت أمريكا بخيبة أمل من حلفائها لعدم دعم موقفها في الحرب الأوكرانية، فإن شركاءها في المنطقة لديهم قائمة قديمة من التظلمات. وعبّرت إسرائيل ودول الخليج عن غضبها من محاولة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التوصل إلى اتفاقية مع إيران للحد من برنامجها النووي. وعندما استُهدفت المنشآت النفطية السعودية في عام 2019 بصواريخ وطائرات مصنعة في إيران، لم تحرك واشنطن ساكنا.

 

ولم تتحسن الأمور في ظل إدارة جو بايدن، الذي يرفض التحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأثارت استراتيجيته “التوجه نحو آسيا” مخاوف حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وأنه يجب عليها الدفاع عن نفسها. كل هذا فتح المجال أمام روسيا لتأكيد نفسها، وفعلت هذا بطريقة درامية عندما حمت بشار الأسد، ديكتاتور سوريا من الانهيار، بالإضافة إلى فتح قنوات اتصال مع حلفاء أمريكا.

 

وفي عام 2017، قام الملك سلمان بأول زيارة رسمية لملك سعودي إلى موسكو استمرت أربعة أيام. ووقّعت مصر، ثالث أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية، عددا من الصفقات مع روسيا لشراء طائرات وأنظمة دفاعية. وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو موسكو أكثر من مرة، وعقد علاقة صداقة مع بوتين.

 

كل هذا لم يحول روسيا إلى أكبر شريك في المنطقة ولا لأكبر مزود للأسلحة. ولكنها تمنح شيئا لا تستطيع أمريكا منحه، فهي تسمح لإسرائيل بالقيام بغارات جوية على مواقع تابعة لإيران أو وكلائها في سوريا والتي تقوم بتنسيقها مع روسيا. وهناك توافق تكتيكي بين الطرفين، تتسامح روسيا مع الهجمات طالما تجنبت الغارات المناطق التي نُشرت فيها القوات الروسية.

 

وعندما سئل المسؤولون الإسرائيليون عن سبب ترددهم في دعم الموقف الأمريكي في أوكرانيا، ردوا بأن هذا قد يغضب روسيا التي ستمنعهم من شن الغارات، وربما مساعدة الأسد وتعزيز دفاعاته، بشكل يفتح المجال أمام وجود ميليشيات على الحدود، وهو أمر غير مرغوب من إسرائيل.

 

عندما سئل المسؤولون الإسرائيليون عن سبب ترددهم في دعم الموقف الأمريكي في أوكرانيا، ردوا بأن هذا قد يغضب روسيا التي ستمنعهم من شن غارات على سوريا

 

وبالنسبة لدول الخليج، فالنفط عامل مهم. فالسعودية وروسيا مشتركتان في “أوبك+” وهو تحالف بين منتجي النفط. وآخر مرة دخلت فيها السعودية في حرب مع روسيا كانت عام 2020، مما أدى إلى انهيار أسعار النفط، ولكن هذه المرة، فلبلدان راغبان بعدم تكرار تلك الحرب.

 

وربما نظر القادة الأمريكيون والأوروبيون إلى زيادة أسعار النفط على أنه مسؤولية، أما دول المنطقة فالحرب تمثل لهم فرصة للحصول على موارد مالية تقوي خزائنهم. وربما تركت الحرب آثارا إيجابية على اقتصاد بعض الدول، ويتوقع أن تتحول دبي إلى قاعدة للأثرياء الروس الفارين من البلد المحاصر. وتلقى المصرفيون وسماسرة العقارات مكالمات من زبائن محتملين.

 

ورغم حالة الإحباط التي تشعر بها الدول العربية من أمريكا، فهي تشعر أن روسيا ليست بديلا. وهناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكين المتمركزين في دول الخليج. ونشرت أمريكا أساطيلها في المعابر البحرية بالخليج. ولم تكن روسيا راغبة بلعب هذا الدور، إلا أن سجلها البائس في الحرب لا يؤهلها للعب دور الحامي.

 

وتقول الصحيفة إن المداعبات مع روسيا لم يقصد منها سوى الحصول على تنازلات من واشنطن. وعلى رأس القائمة، الحصول على مساعدات لوقف صواريخ ومسيرات الحوثيين في اليمن. وتتعرض السعودية للهجمات كل أسبوع تقريبا. وفي الشهر الماضي ضرب الحوثيون مصفاة نفط في جدة، قبل ساعات من بداية سباق السيارات “فورمولا وان”، وتعرضت كذلك الإمارات لهجمات صاروخية في كانون الثاني/ يناير.

 

ويقول الإماراتيون إن رد أمريكا على الهجمات لم يكن مناسبا،. وعندما زار قائد القيادة المركزية الإمارات، رفض ولي عهد أبو ظبي مقابلته، وعبّر عن غضبه من زيارة مسؤول أمريكي بعد ثلاثة أسابيع من الهجوم. ومن المفهوم أن أمريكا لا تريد التورط في حرب اليمن الكارثية، لكن قادة الخليج لا يريدون القيام بمهمة أمريكا.

 

ونقلت الصحيفة عن مسؤول خليجي قوله: “نحن متعبون من أمريكا التي تتصل بنا كلما احتاجت شيئا”. ولو لم تكن أمريكا أو روسيا قادرة على حل مشاكل دول الخليج، فإنها بحثت عن طرق لحلها بنفسها، في إشارة للتعاون الأمني والدفاعي الذي تم تنسيقه مع إسرائيل في لقاء النقب. وفي الشهر الماضي، استقبلت أبو ظبي أول زيارة لبشار الأسد منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011. وقضى بوتين سنوات لإنهاء صورة أمريكا كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، إلا أن غزوه لأوكرانيا قد يسرع هذه العملية، أو يدفعها للبحث عن طريق آخر.

الكاتب