الدولي للعدالة يسلط الضوء على التعذيب بدولة الإمارات العربية المتحدة
بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، أصدر المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان تقريراً تفصيلياً تناول فيه أحوال المعتقلين في السجون الإماراتية العلنية والسرية، وحالات التعذيب الوحشي التي يتعرضون لها، كجزء من الانتهاكات الحقوقية المتزايدة في الدولة.
السياق السياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة
تفاقمت بدولة الإمارات العربية المتحدة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان ولحرياته الأساسية المكفولة بمقتضى العهود الدولية والإعلانات الحقوقية وزادت الملاحقات والمحاكمات للمعارضين والناشطين الحقوقيين بعد موجة الثورات العربية والتي شكّلت ما يعرف " بالربيع العربي " والتي رفعت شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وتحركّت دولة الإمارات العربية المتحدة واعتقلت عدد من المعارضين والنشطاء الحقوقيين بعد إمضائهم لعرائض إصلاح ومخاطبة القائمين على حكم دولة الإمارات بضرورة إجراء إصلاحات وتركيز حوكمة رشيدة والتمكين للحقوق والحريات.
ومن هذه المخاطبات نجد العريضة المؤرخة في 03 مارس 2011 والتي خاطب الموقّعون أسفلها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد رافعين له أشواقهم وتطلعاتهم من أجل انتخاب جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي من قبل كافة المواطنين كما هو حال الدول الديمقراطية حول العالم وتعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس الوطني الاتحادي بما يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.
وتعرّض بعدها عدد من الموقّعين ومن بينهم جامعيون ومحامون وخبراء ونساء إلى الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والمحاكمات الظالمة التي منعت عن المتهمين الضمانات الضرورية للدفاع عن أنفسهم وتمّ تجريد الكثير منهم من الجنسية الإماراتية.
كما تعرّضوا للتعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة والمعاملة المهينة وأخّرت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة عن قصد تقديمهم للمحاكمة وهو ما مثّل انتهاكا لحقّ كلّ شخص في أن يحصل بدون تأخير على محاكمة عادلة وعلنية.
كما واجهت عائلاتهم عديد الانتهاكات التي طالت حقّهم في السفر وفي زيارة أبنائهم المعتقلين وحقهم في الوظيفة وفيهم من جرّد من جنسيته ليصبح بدون أيّة جنسية أو ما يعرف " بالبدون " وحرم فوق ذلك من حقّه في التظلم إداريا وقضائيا ضد قرار سحب الجنسية.
فعائلة عبد الرزاق الصديق على سبيل المثال تمّ استدعاؤهم إلى مركز الشرطة وسحبت منهم جميع الوثائق الثبوتية لينقلبوا من مواطنين إماراتيين إلى أجانب دون جنسية.
وتعمّدت دولة الإمارات العربية المتحدة محاكمة المعارضين والناشطين الحقوقيين بتهم ملفقة وبجرائم مفتوحة ومبهمة وبموجب قوانين فضفاضة تنقصها الدقة المفروضة في القوانين وخاصة الزجرية منها ومن هذه القوانين نجد القانون الاتحادي رقم 2 الصادر عام 2003 بشأن جهاز أمن الدولة والمرسوم الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية وهي قوانين تأكّد خروجها عن مبدأ سيادة القانون وخرقها لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وإساءة استخدامها من قبل سلطات الإمارات والتعسّف في تأويل مقتضياتها بما يشدّد على المتهمين من المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان .
الإطار القانوني بدولة الإمارات العربية المتحدة الخاص بالتعذيب
بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مواد دستورها إلى حظر التعذيب وتخصيص مواد دستورية من أجل حماية الحرمة الجسدية والأدبيّة فلقد منعت مثلا ضمن المادة 26 من الدستور أن " يعرّض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة " كما حجّرت المادة 28 من الدستور:" إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا.. «
إلاّ أنّ دسترة حظر التعذيب والمعاملة الحاطة من الكرامة وتجريم إيذاء المتهم جسمانيا ومعنويا لم يحثّ سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة على التبكير بالانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1984 بل نجدها وقد تأخّرت كثيرا فلم تصبح دولة الإمارات العربية المتحدة عضوة في اتفاقية التعذيب إلاّ في 19 جويلية 2012 غير أنّ الإمارات ترفض إلى حدّ هذا التاريخ الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب .
صادقت بشكل متأخر دولة الإمارات العربية المتحدة على اتفاقية مناهضة التعذيب في 19 جويلية 2012 بعد أن تعهّدت بذلك أمام مجلس حقوق الإنسان سنة 2008 ، غير أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة لم تصادق إلى حدّ هذا التاريخ على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2002 ودخل حيّز النفاذ في جوان 2006 والذي أوجد اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وخصّها بتسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدّعون أﻧﻬمضحايا لانتهاك على يد دولة طرف في الاتفاقية . وعندئذ تنظر اللجنة في هذه البلاغات طبق مبادئ السريّة والنزاهة وعدم الانتقائية والشمولية والموضوعية.
كما دعا البرتوكول الإختياري الدول إلى تركيز آليات وطنية للتوقي من التعذيب تتولى " على نحو منتظم، بدراسة معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في أماكن الاحتجاز على النحو المحدد في المادة 4 بغية القيام، إذا لزم الأمر، بتعزيز حمايتهم من التعذيب ومن ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. تقديم توصيات إلى السلطات المعنية بغرض تحسين معاملة وأوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم ومنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، مع مراعاة المعايير ذات الصلة التي وضعتها الأمم المتحدة. تقديم اقتراحات وملاحظات تتعلق بالتشريعات القائمة أو بمشاريع القوانين."
واختارت دولة الإمارات العربية المتحدة عدم الانضمام إلى البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب حتى لا تجد نفسها ملزمة باستقبال اللجنة الفرعية لمنع التعذيب للتحقيق حول شكاوى التعذيب وإساءة المعاملة وحتى لا تكون ملزمة وطبقا للمادة 17 بتركيز آلية وطنية للوقاية من التعذيب في غضون فترة أقصاها سنة من تاريخ الإنضمام.
ورغم مصادقة دولة الإمارات العربية المتحدة على اتفاقية مناهضة التعذيب منذ 19 يوليو 2012 غير أنها لم تلتزم بأحكام الاتفاقية في سنّ قوانين متطابقة مع مقتضياتها ويتضح لنا جليا عدم التطابق في مستوى تعريف جريمة التعذيب.
اكتفت دولة الإمارات العربية المتحدة بتجريم ومعاقبة كلّ موظف عام استعمل التعذيب أو القوّة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها أو لكتمان أمر من الأمور وذلك ضمن الفصل 242 من قانون العقوبات الإماراتي وهو ما يجعله تعريفا دون التعريف الذي تضمنته اتفاقية مناهضة التعذيب.
فلقد أكّدت المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب أنّه يقصد بالتعذيب:
أي عمل ينتج عنه ألم شديد أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول منه على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنّه ارتكبههو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أي كان نوعه. أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرّف بصفته الرسمية.
والمقارنة بين تعريف قانون العقوبات الإماراتي لجريمة التعذيب ومواد اتفاقية مناهضة التعذيب تظهر اختيار سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة للتضييق في تعريف جريمة التعذيب والانحياز إلى تعريف لا يستوعب جميع عناصر التعريف الأممي للتعذيب وخلوّ التعريف الاماراتي من الإشارة إلى مبدأ مسؤولية القيادة وهو ما من شأنه أن يساهم في إفلات المعذّبين والمشاركين والمحرّضين لهم من المحاسبة والمعاقبة وأن يوفّر ملاذات آمنة للمنتهكين لكرامة الضحايا ولحرمتهم الجسدية والأدبية.
وبالرغم من تدخّل الدستور الإماراتي بمواده ومنها المادة 26 و28 من أجل حظر التعذيب ومنع إيذاء المتهم جسمانيا ومعنويا إلاّ أننا لم نجد ضمن القوانين الإمارتية مجموعة المبادئ الخاصة بحظر التعذيب وسوء المعاملة.
وحيث وفضلا عن ذلك فمن المهم الإشارة إلى عدم انضمام سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة إلى عديد الصكوك والعهود الدولية وهو ما يقيم الدليل على عدم وجود رغبة سياسية لدى حكام الإمارات على توفير جميع الضمانات الضرورية لمنع التعذيب وتأمين الكرامة والأمان الشخصي للمعتقلين.
7. غياب هيئة وطنية لحقوق الإنسان طبق مبادئ باريس للتوقي من التعذيب
سبق لدولة الإمارات العربية المتحدة حين الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان سنة 2012 أن تعهّدت بتركيز الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان طبقا لمقتضيات مبادئ باريس إلاّ أنّها لم تفي بما تعهّدت به وإلى حدّ هذا التاريخ لا نجد بدولة الإمارات العربية المتحدة مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ذات استقلالية وبصلاحيات عالية تهتم بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها وبرصد كلّ الخروقات لحقوق الإنسان وبتتبّع وتوثيق ومراقبة وزيارة الأماكن التي يشتبه أو يحتمل أن يكون فيها حقوق عرضة للانتهاكات وتلقي الشكاوى المتعلّقة بحقوق الإنسان ودراستها وإحالتها إلى جهات الاختصاص ومتابعتها مع تبصير الشاكين بالإجراءات الواجبة الإتباع ومساعدتهم على اتخاذها والمعاونة في تسويتها مع الجهات المعنية.
ومن المعلوم اضطلاع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي تمتثل للمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية والمعروفة باسم مبادئ باريس، بدور حاسم في تعزيز ورصد التنفيذ الفعال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان على الصعيد الوطني وضمان المعاملة التي تحفظ للمعتقلين كرامتهم وآدميتهم وتمنع ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة.
ممارسة التعذيب وسوء المعاملة في مراكز وسجون دولة الإمارات العربية المتحدة: التعذيب يستنطق والآلام تجيب
اجتمعت العهود الدولية والإعلانات الحقوقية على الحظر المطلق للتعذيب زمن الحرب وزمن السلم وأن لا استثناء لذلك وأنّ الحقّ في عدم التعرض للتعذيب حقّ راسخ في القانون الدولي.
ولقد أكّدت المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب أنّه:
" لا يجوز التذرع بأيّة ظروف استثنائية أيا كانت سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب ".
ورغم مصادقة دولة الإمارات العربية المتحدة على اتفاقية مناهضة التعذيب إلاّ أنّ حالة حقوق الإنسان هي على غير ما تقرر باتفاقية مناهضة التعذيب وغير ذلك من الصكوك والمواثيق الدولية التي تمنع انتهاك الحرمة الجسدية والنفسية للمعتقلين وتدافع عن كرامتهم وعن أمانهم الشخصي.
فلقد بلغت للمركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان معلومات متضافرة ومتواترة وذات مصداقية وردت عليه من داخل دولة الإمارات العربية المتحدة ومن خارجها تفيد تعرّض المعتقلين من المعارضين والناشطين الحقوقيين إلى التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة علىأيدي جهاز امن الدولة والقائمين على السجون.
فلقد سلّطت دولة الإمارات العربية المتحدة على المعتقلين ضمن قضية " الإمارات 5 " وقضية " الإمارات 94 " وغيرها من القضايا التعذيب وسوء المعاملة وغير ذلك من الانتهاكات التي نالت من حقوقهم الأساسية بعد أن ادّعت عليهم باطلا بالسعي إلى قلب هيئة النظام وتهديد أمن الدولة وسلامتها بل وفيهم من اعتقلته سلطات الإمارات من أجل تغريدات على حسابه على التويتر.
وسبق للمركز أن كشف عن بعض أسماء الموظفين الذين يمارسون التعذيب ويسيئون معاملة المعتقلين من جهاز أمن الدولة ومن القائمين على السجون ومراكز الإيقاف ومن هذه الأسماء الشرطي المسمى أحمد عبد الله بسجن الرزين والذي عمد بمعية أكثر من ثلاثين جندي بتقييد المعتقلين من الأرجل والأيدي من الخلف بقيود حديدية وهو ما آلمهم وأوجعهم وترك ضررا وأثرا على أيديهم وأرجلهم وقام بعدها بإجلاسهم وهم مقيدون بساحة العنبر في وقت الظهيرة وعلى رؤوسهم أشعة الشمس الحارقة وهم فوق ذلك صائمون ثمّ انطلق الشرطي أحمد عبد الله رفقة باقي الجنود بتفتيش أمتعة المعتقلين وقام بقصد الإساءة والتشفي ببعثرة أمتعة المعتقلين وعصر الشامبو والمعجون على أرضيات الغرف والرمي بالكراسي الموجودة على مرأى ومسمع منهم .
نجد من ضمن وسائل التعذيب وضروب إساءة المعاملة:
ولقد وثّقت رسائل خطيّة لمعتقلين من المعارضين والناشطين الحقوقيين قاموا بتسريبها إلى خارج المعتقلات سرا كلّ ضروب التعذيب والإهانة وإساءة المعاملة التي مورست ضدّهم وتسببت لهم في عديد الأضرار الجسمانية والمعنوية ومن هذه الرسائل الخطيّة نجد رسائل خطّها المعتقلون ضمن القضية المعروفة " إمارات 94 " فلقد عدّدت الرسائل التي خطّها د.أحمد يوسف بوعتابة الزعابي وعلى عبد الله مهدي صالح وعبد الرحيم الزعنوني وعبد الرحيم عبد الله نقي وعبد السلام المرزوقي وعبد الله عبد القادر الهاجري وغيرهم أساليب التعذيب وإساءة المعاملة التي سلّطتها عليهم سلطات الإمارات العربية المتحدة والتي نالت من آمانهم الشخصي ومن كرامتهم ومن حرمتهم الجسمانية والمعنوية .
التعذيب يطال الجامعي والمحامي والناشط الحقوقي د.محمد الركن
يذكر مثلا د.محمد الركن حينما تكفّل بالدفاع عن نفسه وعن غيره من المعتقلين ضمن القضيّة المعروفة ب " 94 إمارات" تعرّضهم لجميع أنواع التعذيب وإساءة المعاملة والتي تواصلت حتى سجن الرزين الصحراوي ويصرّح "ليس هينا أن تعصب أعيننا ونمدّ أيدينا من تحت باب الحمام عراة نستجدي الصابون " .
التعذيب يطال الخبير الإقتصادي د.ناصر بن غيث
اعتقل د.ناصر بن غيث من أجل تغريدات على حسابه على التويتر وجدت فيها سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة تعديّا بالقول على دولة أجنبية ونشر أخبار زائفة حول قيادات دولة الإمارات وسياساتها والتخابر مع أحزاب محظورة مثل حزب الإصلاح وحزب الأمة .
وتعرّض د.ناصر بن غيث للتعذيب كالضرب والإهانة وبقي لأشهر في مراكز إيقاف سريّة وحرم من حقّه في الاتصال بمحاميه وبأهله .
وتعمّدت سلطات دولة الإمارات نقله إلى سجن الصدر، سجن سيئ السمعة، وهو من أكثر السجون وساخة، يكتظ بالموقوفين الذين ينتظرون ترحيلهم إلى بلدانهم.
ولقد تشكى د.ناصر بن غيث لقضاء دائرة امن الدولة من التعذيب الذي طاله ومن إيداعه سجن الصدر ومن منعه من الاتصال بمحاميه وبأهله إلاّ أنّ شيئا لم يتغيّر .
التعذيب وسوء المعاملة يطال المواطن الليبي / الكندي سليم العرّادي
وقد قامت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة باعتقاله في مراكز إيقاف سريّة وتعرّض داخلها للضرب والصعق بالكهرباء والتعليق والتقييد باستعمال سلاسل والحرمان من النوم والنوم على الأرض وتحت تكييف عال ودون غطاء أو فراش كما وضع في حبس إنفرادي طيلة مدة إيقافه بلا نوافذ ولا تهوئة ولا تزيد مساحته عن 3 أمتار X 3 أمتار.
ويستعمل الحبس الانفرادي كأداة للضغط على المعتقلين وأسلوبا للتنكيل بهم ويمثّل من ثمّة انتهاكا لحقوق الإنسان لقسوته ولا إنسانيته وترتفع بين المعتقلين المعزولين نسبة الإصابة بالاكتئاب والقلق، والصعوبة في التركيز وتنشأ لديهم اضطرابات في الهوية وفقدان الشعور بالاتجاه، وأحيانا رهاب اللقاء بأشخاص آخرين
التعذيب وسوء المعاملة يطال محمد عرادي
محمد العرادي (51 عاما)، وهو ليبي كان مقيما رسميا في الإمارات لمدة 23 عاما، اعتقل في دبي يوم 28 أغسطس/آب 2014 من قبل قوات أمن الذين عصبوا عينيه وكبّلوه بأرضية سيارة رباعية الدفع واقتادوه إلى مركز احتجاز ووضعوه في زنزانة بلا نوافذ قياسها حوالي 3 أمتار × 3 أمتار.
وقضى محمد العرادي أكثر من 100 يوما محتجزا في هذا المقر وتعرض لجلسات استجواب متعددة في الأسابيع الأولى، وهو معصوب العينين طوال الوقت. وضربوه بخراطيم مطاطية في جميع أنحاء جسده، بما في ذلك باطن وأعلى قدميه؛ أغرقوه بالماء وأخضعوه للبرد الشديد؛ أجبروه على الوقوف عدة أيام بشكل متواصل؛ هددوه بالاغتصاب؛ وربطوه إلى كرسي كهربائي وكان في الأثناء يستمع إلى أصوات تعذيب غيره طوال الوقت. وسمع شقيقه سليم يصرخ.
وأفرجت بعدها السلطات الإماراتية عن محمد العرادي دون توجيه أي تهمة إليه في 25 ديسمبر/كانون الاول ولم يرَ محام أو يتلقَ المساعدة القنصلية من السفارة الليبية في أي وقت أثناء احتجازه.
التعذيب وسوء المعاملة يطال كمال الضراط
يحمل كمال الضراط الجنسيتين الليبية والأمريكية، تعرّض بدوره للإيقاف من قبل جهاز أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة وتمّ اعتقاله بمراكز إيقاف سريّة وحرم لأشهر من حقه في ملاقاة محاميه وزيارة أهله وأخضع للتعذيب وسوء المعاملة كالضرب والسب والشتم والتهديد بالكرسي الكهربائي والنوم على الأرض.
وزادت نتيجة ذلك آلا لام ظهره فهو يعاني من مشاكل سابقة في العمود الفقري وصار نتيجة التعذيب وسوء المعاملة يسير بانحناء شديد وفقد شعره والكثير من وزنه.
التعذيب يطال عشرات البريطانيين
من البريطانيين الذين تمّ اعتقالهم بدولة الإمارات العربية المتحدة ووقع عليهم تعذيب وسوء معاملة نجد ثلاثة بريطانيين اعتقلوا في 2013 لحيازتهم كمية من الحشيش الاصطناعية بينما كانوا في عطلة في دبي :جرانت كاميرون، وسونيت جيريح وتشارلز ويليامز وتابع "ورايت.
وتعرض المعتقلون الثلاثة للصعق بالصدمات الكهربائية والضرب وكانت» مسدسات" رجال الأمن الإماراتي مصوبة على رؤوسهم خلال الأشهر السبعة التي كانوا محتجزين فيها دون محاكمة وأكرهوا على الإمضاء على وثائق محررة باللغة العربية دون أن يتبيّنوا محتواها.
كما أفاد كل من أحمد زيدان، 22 عاما، وهو طالب من بيركشاير، وحسنين علي، 34 عاما، من لندن كانت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة قد ألقت القبض عليهما بتهمة حيازة المخدرات تعرضهما للتعرية وتهديديهم بالاغتصاب من أجل الاعتراف بجريمة سُجن عليها 9 سنوات.
وأفادت تحقيقات صحفية خضوع المعتقلين الأجانب في الإمارات للصدمات الكهربائية والضرب بالعصي في مكان يسمى "حلبة الملاكمة" وأحيانا يتم تعليقهم بسلاسل.
شملت المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة عائلات المعتقلين بتركهم عند بوابات السجون لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة وتفتيشهم تفتيشا جسديا مهينا في مخالفة صريحة لاتفاقية مناهضة التعذيب ولمجموعة مبادئ الاحتجاز والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
ولقد سبق للمركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان أن عبّر من خلال بياناته الإعلامية وتحركاته عن شجبه لترك عائلات المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان المعتقلين عند بوابة سجن الرزين بشكل متعمّد لساعات طويلة تحت الشمس وتفتيشهم بشكل مهين والتأخر في جلب أبنائهم للزيارة.
تأكّد المركز من وجود تعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة وممارسته بشكل متعمّد ومقصود وعلى مرأى ومسمع من حكام دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مطالعته لعديد التقارير التي وثّقت التعذيب وإساءة معاملة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن هذه التقارير نجد تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، غابرييلا نول:"
52- تلقّت المقررة الخاصة في إثناء زيارتها معلومات وأدلة ذات مصداقية تفيد بتعرّض كثير ممن أُلقي عليهم القبض من دون أمر توقيف ونُقلوا إلى أماكن احتجاز غير رسمية، للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، لأغراض منها انتزاع اعترافات بالذنب أو شهادات ضد محتجَزين آخرين. ووردت شهادات متسقة عن أشكال التعذيب وسوء المعاملة التالية: الحرمان من ضوء النهار، والتعرّض لإضاءة كهربائية ساطعة على مدار اليوم، وتعصيب العينين والتهديد، والاحتجاز في زنزانات صغيرة جداً من دون نوافذ أو مرحاض، والإجبار على طلب الإذن وخلع الملابس من أجل الذهاب إلى المرحاض، والتعرّض لدرجات حرارة شديدة، والضرب، واقتلاع الأظافر ونتف اللحى، والإبقاء تحت تأثير المخدرات، والاعتداءات الجنسية والتهديدات بارتكابها، والإهانات."
كما شخّصت تقارير لمنظمة العفو الدولية ولمنظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات المهتمة بما يقع بدولة الإمارات العربية المتحدة من انتهاكات حالات تعذيب وسوء معاملة لمعارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومن جنسيات إماراتية وأخرى أجنبية.
تحتجز دولة الإمارات العربية المتحدة المعارضين والناشطين الحقوقيين لغرض استنطاقهم في مراكز حجز سريّة حتى يتيسرّ تعذيبهم وإهانتهم والحطّ من كرامتهم.
وتتكتم السلطات عن مواقع مراكز الاحتجاز ومقرات الاعتقال وتقود إليها الموقوفين وهم معصوبي الأعين منعا للتعرّف على مكان تواجدها وهو ما يجعل المعتقلين في وضع الاختفاء القسري ويزيد في مخاطر تعرّضهم للتعذيب.
ويقصد بالاختفاءالقسري “طبقا للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري : " الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون".
ولقد سبق للمركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجينيف أن أصدر عديد البيانات التي تناولت المخفيين قسرا داخل مراكز اعتقال سريّة بدولة الإمارات العربية المتحدة ومن هذه البيانات البيان الذي تعلّق بإخفاء سلطات الإمارات لأشقاء موزة العبدولي ورفضها الكشف عن مكان اعتقالهم.
وتمنع سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة عن المعتقلين:
- الحقّ في إشعار الأهل بوقوع القبض عليهم وفي زيارتهم والتراسل معهم.
- الحقّ في الاتصال الفوري بمحام والتشاور معه على انفراد.
- الحقّ في الاتصال بطبيب وفي طلب إجراء فحص طبي.
وهو ما يمثل خرقا لالتزام سلطات أي دولة بكفالة حجز المعتقلين في أماكن معترف بها رسميا وكفالة حفظ أسماء الأشخاص المسؤولين عن احتجازهم في سجلات يتاح الاطلاع عليها وإثبات وقت ومكان الاستجوابات مشفوعة بأسماء الحاضرين فيها وإتاحة وصول الأطباء والمحامين وأفراد الأسرة إلى المحتجزين.
وتناولت مجموعة المبادئ المتعلّقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرّضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والتي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1988،بالتفصيل المستفيض جميع حقوق المحتجزين.
ولقد وجد المعتقلون بدولة الإمارات العربية المتحدة من أجل رأيهم أو نشاطهم الحقوقي أنفسهم محرومين من جميع الحقوق والضمانات الدنيا التي أقرتها الأمم المتحدة للمحتجزين فمنهم من مكث في مراكز احتجاز سرية لأشهر وفي حبس إنفرادي دون أن يتمكّن من الاتصال بأهله أو بمحاميه كما حرم من حقّه في العلاج بعد تعذيبه وإساءة معاملته ومنع عنه الحقّ في التشكي ورفعه مظلمته للسلط ذات النظر كما شقيت العائلات وهي تسأل السلطات عن مكان احتجاز أبنائها وتتردّد لأشهر على جهات إدارية وقضائية ولا تجد من يخبرها عن مكان احتجاز أبنائها .
ولازالت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة ترفض الكشف عن جميع مراكز الإيقاف والاحتفاظ برغم المطالبات الدولية والحقوقية كما لا زالت ترفض فتحها أمام المنظمات والجمعيات الحقوقية من أجل معاينة ظروف الإيداع ومحافظتها على كرامة المعتقلين وآدميتهم والتحقق من تطابقها مع المعايير النموذجيّة الدنيا لمعاملة السجناء.
ورغم تعهّد دولة الإمارات العربية المتحدة حين الاستعراض الدوري الشامل المقدّم لمجلس حقوق الإنسان سنة 2012 بتعزيز تعاونها مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان إلاّ أنّها لم تسمح إلى الآن بزيارة المقرر الخاص الأممي المعني بالتعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاانسانية والمهينة لدولة الإمارات العربية المتحدة وهو ما يمثّل إخلالا بالالتزامات والتعهدات التي قطعتها دولة الإمارات العربية المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان.
كما تشكل سلبية دولة الإمارات في تعاطيها مع المخاطبات الدولية دليلا على تعمّدها التغطية على ما تسلطّه من انتهاكات على المعارضين والناشطين الحقوقيين وإخفاء التجاوزات.
رغم تقديم ضحايا التعذيب لشكاوى وتظلمات لسلطات دولة الإمارات العربية المتحدة بتعرّضهم لانتهاكات طالت حرمتهم الجسدية والمعنوية من أمنيين وموظفي سجون ومساندتهم من قبل منظمات حقوقية دولية ومقررين أمميين إلاّ أنّ سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة لم تحرص على التحري حول مصداقية ادعاءات التعذيب ولم تتعقّب المنتهكين ولم تحرص على إعادة الاعتبار للضحايا وجبر ضررهم .
ولقد أكّدت إتفاقية مناهضة التعذيب و بروتوكول إسطنبول على التزام الدول بالتحقيق حول إدعاءات التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاانسانية والمهينة فطبقا للفقرة 79 من برتوكول إسطنبول: " يجـب على الدول أن تكفل التحقيق فورا وبفعالية في شكاوى وبلاغات التعذيب أو غيره من أشكال إسـاءة المعاملة. وحتى عندما لا توجد شكوى صريحة مقدمة ينبغي إجراء التحقيق إذا توفرت دلائل أخرى على احـتمال وقـوع تعذيب أو إساءة معاملة. ولا بد أن يكون من يسند إليهم التحقيق، علاوة على استقلالهم عن المشتبه في ارتكابهم الأفعال وعن الجهة التي يعمل هؤلاء لحسابها، من الأفراد المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة. ويجب أن يتاح لهم الاطلاع على التحقيقات التي أجراها خبراء نزهاء من الأطباء أو غيرهم، وأن يخوَّلوا سلطة التكليف بإجراء تحقيقات من هذا القبيل. والأساليب التي تستخدم في إجراء التحقيقات يجب أن ترقى إلى أرفع المستويات المهنية ويجب أن تعلَن نتائجها."
كما أكّد برتوكول إسطنبول على أنّ المبادئ الأساسية لأي تحقيق جاد في دعاوى التعذيب والتي هي محلّ وفاق عام بين ذوي الخبرة في تقصي التعذيب من الأفراد والمنظمات:
وعلى اللجنة فيما بعد أن تصـدر تقريرا علنيا في غضون فترة معقولة من الزمن وأن يتضمن كحد أدنى، معلومات عما يلي :
- نطاق التحقيق وولاية اللجنة
- الإجراءات والأساليب المتبعة في تقييم الأدلة
- قائمة بأسماء وأعمار ونوع جنس كل من أدلوا بالشهادة باستثناء من تكتم هويتهم حماية لهم أو من يكون الاستماع إلى شهادتهم قد تم في جلسات سرية
- بيان المستندات التي تلقتها اللجنة كأدلة
- الأحداث المحددة التي وقعت
- الأدلة التي بني عليها إثبات وقوعها
- القانون الذي اعتمدته اللجنة
- النتائج التي توصلت إليها اللجنة بناء على القانون المنطبق والوقائع المثبتة
- توصيات مبنية على النتائج التي خلصت إليها اللجنة.
إلاّ أنّه لم يسبق للإمارتيين وللمدافعين عن حقوق الإنسان على وجه الخصوص أن سمعوا بتشكيل سلطات دولة الإماراتالعربية المتحدة للجنة تحقيق مستقلّة وذات حرفية وكفاءة عالية ومشهود لها بالنزاهة للتحري حول جرائم التعذيب وغير ذلك من سوء المعاملة التي يجترحها موظفوها.
ولم يحدث أن أعلنت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة عن اتخاذ إجراءات تأديبية كالإعفاء أو الإقالة أو إجراءات قضائية ضد موظفين وضدّ كلّ من حرّضهم وحثّهم أو أمرهم بتعذيب معتقلين .
كما لم يسمع الإماراتيون عن رعاية ضحايا التعذيب من قبل سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة والاستجابة لحاجياتهم وعرض التعويض والجبر الكاملين لهم، بما في ذلك التعويض المالي العادل والكافي وتوفير وسائل الرعاية الطبية والتأهيل وتوفير المشورة القانونية.
كما لم يحصل أن تعاونت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة وانفتحت على جماعات الدفاع عن حقوق الضحايا حرصا على تبادل المعلومات معها فيما يتعلق بالتعذيب في إطار ما يعرف بالمقاربة التشاركية أو المقاربة الاستيعابية.
الإهمال القضائي لادعاءات التعذيب وسوء المعاملة: الإفلات من العقاب والتواطؤ القضائي
يقع على القضاة بوصفهم أصحاب القول الفصل في إقامة العدل دور خاص في حماية حقوق المواطنين والمعايير الدولية تلقي واجبا أخلاقيا على القضاة يملي عليهم ضمان حماية حقوق الأفراد طبق مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية ويقع على أعضاء النيابة العامة بالمثل واجب أخلاقي يملي عليهم التحقيق في جريمة التعذيب التي يرتكبها موظفون عموميون والملاحقة القضائية لمرتكبيها فالمادة 15 من مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة تقرر أن على أعضاء النيابة العامة إيلاء "الاهتمام الواجب للملاحقات القضائية المتصلة بالجرائم التي يرتكبها موظفون عموميون، ولا سيما ما يتعلق منها بالفساد، وإساءة استعمال السلطة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وغير ذلك من الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي".
إلاّ أنّنا لا نجد في دولة الإمارات العربية قضاء ونيابة عامة يحظيان بثقة الإماراتيين ويعملان طبق مبادئ الأمم المتحدة ذات الصلة وأهمها الاستقلالية والحياد والنزاهة ويوفران لمن يعرض عليهم كلّ ضمانات المحاكمة العادلة.
فلقد نبّهت المقررة الأممية الخاصة باستقلال القضاء والمحاماة في تقريرها الذي حرّرته على إثر زيارتها لدولة الإمارات العربية المتحدة من 27 يناير حتى 5 فبراير من سنة 2014 إلى سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء وإلى ضغط جهاز أمن الدولة على القضاة وإلى التركيبة غير القضائية في غالبيتها للمجلس القضائي الأعلى وإلى تعيين القضاة بمرسوم رئاسي في غياب معايير واضحة وموضوعية وشفافة في اختيار القضاة، ولا سيما فيما يتعلق بالمؤهلات والنزاهة والقدرة والكفاءة وإلى انتداب قضاة من غير مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة مع إمكانية فصلهم في أي وقت .
كما عاينت المقررة الأممية الخاصة باستقلال القضاء والمحاماة نقص ضمانات المحاكمة العادلة خاصة من قبل دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا والتي تصدر أحكاما نهائية لا تقبل الطعن بأي وجه من الوجوه في خرق صريح لمبدأ التقاضي على درجتين.
وهو ما جعل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان لا يتوقع من قضاء بكلّ هذه الهنات والعيوب والواقع تحت سيطرة السلطة التنفيذية وفي خدمتها تحقيقا قضائيا جاد حول دعاوى التعذيب التي يتقدّم بها ضحايا التعذيب ولا ينتظر منه الكشف عن الجناة عملا بمبدأ مسؤولية القيادة وتسليط عقوبات رادعة لهم وتغريمهم بالتعويضات الكفيلة بجبر ضرر الضحايا.
ولقد اشتكى الناشطون الحقوقيون والمحالون من المعتقلين على دائرة امن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا من عدم اكتراث القضاء الإماراتي لدفوعاتهم بتعرّضهم للتعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة ورفض التحري حول إدعاءات التعذيب وندب أطباء شرعيين ونفسيين لفحص المتضررين ومعاينة آثار التعذيب وتأمين حماية لضحايا التعذيب والمبلغين والشهود من كل تهديد أو تخويف.
وبدل استبعاد قضاء دائرة أمن الدولة للاعترافات التي انتزعت بفعل التعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة طبقا لمقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب نجده على العكس من ذلك يعتمد مثل هذه الاعترافات المعيبة ويكتفي بها من أجل إدانة المتهمين.
كما لم تبادر النيابة العامة بمعالجة الشكاوى الصادرة عن المعتقلين بتعرّضهم للتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتفاظ والإيقاف بالسرعة والفورية المطلوبة ولم تحترم النيابة العامة مبدأ عدم جواز تولي الجهة التي باشرت إجراءات اتهام الشخص التحقيق في شكوى تعرضه للتعذيب أو إساءة المعاملة عملا باتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكول اسطنبول لتقصي وتوثيق حالات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية.
ولم يتنقل القضاة من أعضاء النيابة العامة وغيرهم من القضاة لمراكز الاحتجاز والإيقاف دون سابق إخطار وإجراء المعاينات والتفتيشات وحجز ما هو ضروري للفصل في شكاوى وبلاغات التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ولم تصدر من ثمّة عن قضاء دولة الإمارات العربية المتحدة أحكام قضائية تقضي بإدانة موظفين من أجل جرائم التعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة وتغريمهم لفائدة ضحايا التعذيب كما لم تصدر أحكاما قضائية بتبرئة متهمين بعد التحقّق من تعذيبهم وإساءة معاملتهم.
توصيات
وحيال انتهاكات سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة لحقوق الإنسان وإخضاع المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة في تعدى صارخ على الحرمة الجسدية والنفسية يهم المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجينيف أن يلحّ على: