نمط التدين الاماراتي يستهوي السعودية للقضاء على نموذج هيئة المعروف
خاص - شؤون إماراتية
غانم حميد
أحد ميادين التنافس بين الامارات ودول خليجية أخرى، منذ انهيار الربيع العربي هو مجال "التدين"، حيث سعت الإمارات لتطويع الدين في سياستها الخارجية، وبدأت رحلتها بإنشاء "مجلس حكماء المسلمين"، لمنافسه "هيئة علماء المسلمين" القطرية التي يقودها الشيخ القرضاوي، وصولاً لما أسمته صحف عالمية "العلامة التجارية للتدين الاماراتي"، القائم على فكرة أمريكية هي إحياء التصوف.
حيث سعت الامارات في سياق محاربتها للتيار الاسلامي وجماعة الاخوان تحديدا بعد الانقلاب على صعود التيارات الإسلامية للحكم عقب ثورات الربيع العربي، لخلق نماذج مشاريع تدين مستقلة عن نمط التدين الخليجي والسعودي تحديدا.
وظهرت انتقادات منها لنمطي التدين السلفي الوهابي السعودي، والنمط الإخواني المعتدل، وسعت بالمقابل لتدشين نمط تدين حكومي رسمي على غرار المؤسسات الرسمية التي تأتمر بأوامر الحكومات ولا تعارضها.
وشهدت المراحل الاولي من الثورة المضادة ضد ثورات الربيع العربي، تغاضيا إماراتيا عن الهجوم علي نمط التدين السعودي، بسبب التحالف السعودي الإماراتيـ وقصر انشطتها المعادية على النشاط الديني لجماعة الاخوان وتشويهها وتصويرها بمظهر الخيانة وأنها حركات سياسية تتدثر بالدين، حسبما زعمت.
ومع ظهور الخلافات بين أبوظبي والرياض في التحركات السياسية المختلفة بدأت الامارات تستهدف نمط التدين السعودي، قبل أن تنقلب السعودية نفسها، على هذا النمط الوهابي، مع صعود الامير محمد ابن سلمان وخطته (رؤية 2030) التي تسعي لتقديم سعودية أكثر حداثة للغرب كي يسهل تدفق الاستثمارات الاجنبية.
وبعدما قامت الإمارات باستقطاب رموز الاسلامية مثل عبد الله بن بيه، وشيخ الأزهر أحمد الطيب لتشكيل هيئة منافسة لهيئة علماء المسلمين بزعامة القرضاوي التي تمثل نموذج التدين الاسلامي المعتدل الذي تصفه بانه (إخواني)، تحمل اسم مجلس حكماء المسلمين، بدأ "تسييس الدين" عبر خطوات أخري، لمواجهة الحركات الإسلامية.
حيث استغلت الامارات المال في استقطاب مجموعة من الدعاة الجدد المنتمين إلى النسق الصوفي، لدعم نمطها الديني الخاص القائم على التصوف ودعمهم ونشرهم اعلاميا لسحب البساط من رموز التيار الإسلامي الذين سيطروا على الساحات الدعوية.
حيث يتبني النهج الاماراتي النمط الصوفي القائم على تمجيد الحكام وعدم الخروج عنهم والتركيز على التراث والفقه الإسلامي التقليدي، واختارتهم ممن تبنوا وجهة النظر الإماراتية حيال أحداث الربيع العربي والمعادين لتيارات الإسلام السياسي.
تلاقي التدين الاماراتي مع السعودي
الجديد هو استقطاب الامارات رموز دعوية ضد نمط التدين السعودي الوهابي السلفي، أبرزهم الفلسطيني (عدنان إبراهيم) الذي هاجم هيئة كبار العلماء المسلمين بالسعودية في برنامج "صحوة" الذي ترعاه الامارات.
وكانت هيئة كبار العلماء قد نشرت عبر صفحتها الخاصة على تويتر تحذيراً مما يقدمه الداعية الفلسطيني عدنان إبراهيم عبر برنامج "صحوة" الذي يبث على قناة "روتانا خليجية"، ووصفته بـ "الضلالات التي تتضمن تناقضات وسبّاً للصحابة".
وأثار "إبراهيم" جدلا كبيرا بعد تصريحه بان الموسيقى من الطيبات، واعتبر أن من لا يستمع إلى الموسيقى لديه مشكلة في إنسانيته، وأكد أن تحريم الموسيقى أمر خلافي بين علماء المسلمين.
والغريب أن يظهر إبراهيم في رمضان 2016 ضمن برنامج "صحوة" على قناة “روتانا” الممولة سعوديًا، ما يشير لأن نمط التدين الاماراتي بات يستهوي السعودية، وقادتها الجدد، للقضاء على نموذج "هيئة المعروف"، وتحجيم هيئة كبار العلماء، خاصة في اعقاب تحجيم دور هيئة المعروف في رؤية 2030، والاستعداد للتخلص منها نهائيا.
أما ساحة النزال فهي الفضائيات، التي لم تعد فقط تروج لرموز هذا النمط من التدين المعتدل الصوفي، وإنما تروج لأشكال من الحداثة تخالف التدين العام.
ولوحظ في هذا الصدد أيضا استضافة قناة (الإخبارية) السعودية الداعية المجنس إماراتيًا، وسيم يوسف، خطيب جامع الشيخ زايد الكبير، رغم انه اتهم دعاة سعوديين أنهم مقربين من فكر جماعة الإخوان المسلمين ويدعمون الإرهاب.
أيضا عُرض برنامج على قناة (إم بي سي) وصف أبرز الدعاة السعوديين بأنهم "دعاة على أبواب شق الصف، بعضهم يدعو للفتنة، والآخر يدعو للفوضى باسم الجهاد"، في سياق الحملة على نمط التدين السعودي وتبني النمط الاماراتي.
ولا يمكن تصور أن يتم الدفع بمثل هذه الوجوه إلى الشاشة السعودية دون أن يكون وراء هذا "قرار سياسي"، ضمن رؤية 2030 يستهدف تحجيم هيئة النهي عن المنكر والامر بالمعروف وكذا رموز في هيئة كبار العلماء لا يرضيها نمط التدين الصوفي الجديد.
حملة إماراتية محاربة الإسلام السياسي
وفي فبراير 2015 كشف "جيمس دورسي"، الكاتب البريطاني الخبير في شئون الشرق الأوسط، أن دولة الإمارات شرعت في حملة عالمية جديدة لتسويق ما أسماه "علامتها التجارية من الاستبداد"، وتحقيق القبول العالمي لتعريفها الاستبدادي للإرهاب الذي يشمل كل شيء، ويرتكز على اعتبار "الإسلام السياسي" عنيفا ويجب حظره.
قال "دورسي" في تقرير نشره بموقع Your Middle East بعنوان: "الإمارات تشرع حملة عالمية جديدة لتسويق علامتها التجارية من الاستبداد.."الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" تشيد بسجلات حقوق الإنسان بدولة الإمارات المثيرة للجدل"، أن الإمارات تسعي عبر هذه الشبكة الحقوقية – المدعومة من الإمارات - لتوسيع وبسط نفوذها الإقليمي عبر "القوة الناعمة"، وتحقيق القبول العالمي بتعريفها الاستبدادي للإرهاب الذي تقصد به الإسلام السياسي.
والشبكة العالمية للحقوق والتنمية GNRD، التي يوجد مقرها في مدينة "ستافنغر" النرويجية ولها مكاتب إقليمية في الأردن، وبلجيكا، والإمارات العربية المتحدة، وإسبانيا، وسويسرا ودول أخرى، هي منظمة حقوقية مدعومة من الإمارات، وتعتبر الإمارات – بحسب تقارير أخيره لها – "نموذجا لاحترام حقوق الإنسان"، كما وصفت انتخابات الرئاسة المصرية، التي فاز فيها السيسي بأنها "عملية فريدة للتحول الديمقراطي"، رغم ما شابها من تجاوزات بحسب تقارير حقوقية عالمية.
ويقول "جيمس دورسي": أن الإمارات تنافس بجهودها الخاصة بإظهار الإسلام السياسي كتيار عنيف، نهج قطر المؤيدة للإسلاميين.
ويضيف: "أن الإمارات تستخدم أيضا شبكة من المنظمات غير الحكومية التي تتلقي تمويلا ماليا منها، مثل مجلس حكماء المسلمين، وهو مجلس ديني لتقديم تفسير هادئ للإسلام، وتقوم بمحاولة فاشلة للتوسط لإنهاء الأزمة السياسية في اليمن، بمساعدة من الرئيس السابق للجمعية اليمنية لكرة القدم".
ويقول الكاتب "جيمس دورسي" أنه بالإضافة إلى استغلال الإمارات للشبكة العالمية للحقوق والتنمية، في تسويق مواقف دولية باسمها، فهيا دعمت العام الماضي تأسيس مجلس حكماء المسلمين (MCE) لتعزز قبول المسلمين السنة بالطاعة للحاكم، وذلك في مواجهة اتحاد علماء المسلمين الذي يقوده الشيخ القرضاوي الذي كان عضوا بجماعة الإخوان ومقره الدوحة.
نمط الصوفية الامريكي
وهناك اهتمام أمريكي بدعم التصوف في العالم الاسلامي، ولعبت سفارات أمريكا في مصر والمغرب ودول اخري دورا في دعم الزوايا والمهرجانات الصوفية واشتهر سفير امريكي سابق (ريتشاردوني) بحضور الموالد الصوفية في مصر.
وأضحت الصوفية مدخلا أساسيا ضمن الاستراتيجية الأمريكية في إطار التعاطي مع العالم الإسلامي، لذلك سعت الولايات المتحدة وما زالت، إلى تشجيع ودعم الصوفية باعتبارها واحدة من أهم وسائل التصدي للجماعات الإسلامية، كل ذلك بناء على توصيات وتقارير العديد من المراكز البحثية ودراسات العديد من الخبراء الأمريكيين.
وتدعم الامارات نمط الصوفية هذا الذي تنتهجه ايضا سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع العالم الاسلامي.
وفي تقريره المقدم للإدارة الأمريكية، بشأن التعامل مع "الإسلاميين" أو العالم الإسلامي، طرح مركز دراسات "راند RAND" البحثي التابعة للقوات الجوية الأمريكية في مارس 2007 فكرة بناء ما أسماه "شبكات مسلمة معتدلة Building Moderate Muslim Networks.
ودعا لتصنيف "المعتدل" أو مقياس هذا "الاعتدال" بأنه الشخص أو الجهة التي لا تؤمن بالشريعة الإسلامية، وتتبنى الدعوة العلمانية، وتتبنى الأفكار الدينية التقليدية، بمعني أن يصلي المسلم مثلا ويزكي ويصوم، ولكنه لا يؤمن بالشريعة ويعيش على الطريقة الغربية، فيصاحب الفتيات مثلا خارج إطار الزواج!
ويحدد التقرير بدقة، صفات هؤلاء المسلمين "المعتدلين" المطلوب التعاون معهم، بالمواصفات الأمريكية، بأنهم "الليبراليون والعلمانيون الموالون للغرب"، و"الذين لا يؤمنون بالشريعة الإسلامية"، ويطرح مقياسا أمريكيا من عشرة نقاط ليقيس بمقتضاه كل شخص هل هو "معتدل" أم لا؟!.