د.عبد الخالق عبد الله .. سجين رأي في رحلة ممتعة عاد منها عبدا

د.عبد الخالق عبد الله .. سجين رأي في رحلة ممتعة عاد منها عبدا

خاص شؤون إماراتية

 

الحكمة تقول : تنتهي حريتك عندما تمس يدك الممدودة أنف رجل آخر ..!

تجبرني تلك الحكمة لأقارن بينها وبين ما حدث مع الدكتور عبد الخالق عبد الله ، عندما اختار إنهاء حريته بتغريداته الأخيرة والتي مست على ما يبدو الخطوط الحمراء الممنوع عنه اجتيازها .

تغريدة بتاريخ 15 يونيو كتب فيها " ليت لدينا في إمارات التسامح، حرية تعبير وحرية صحافة، وحرية تجمع، وحريات سياسية، كما لدينا حرية معتقد وحرية تجارة وحرية شخصية وحريات اجتماعية " .

ربما كانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير ، ودفعت جهاز أمن الدولة لاعتقاله لترسيم حدود الانتقاد المسموح له بها .

تلك التغريدة كانت آخر ماغرد به الدكتور عبد الخالق عبد الله ليعود من جديد لمنصته المحبوبة " تويتر " ، لتدفع بالكثر من الناشطين والمتابعين بطرح الأسئلة عن سر اختفاء الدكتور عن منصته ، كونه لم يعتاد منه أن يغيب ويثير الجدل بتغريداته المستمرة .

بعد الغياب المثير للدكتور تفاجأ المتابعين بتغريدة للمركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان ، كتب فيها بأن الدكتور عبد الخالق عبد الله معتقل منذ 15 يونيو لدى جهاز أمن الدولة بسبب تغريداته الأخيرة .

خبر اجتاح صفحات تويتر بين معارض وبين فرح وبين مشكك لمصداقية الخير حتى جاء التأكيد من منظمة العفو الدولية حيث كتبت على صفحتها تغريدة مقتضبة قالت فيها " بأن خبرا سيئا ورد من الإمارات يفيد باعتقال الدكتور عبد الخالق عبد الله .. ونخشى أن يكون سجين رأي .

عبد الخالق عبد الله " الأكاديمي "       

عمل الدكتور عبد الخالق عبدالله أستاذاً مشاركاً في قسم العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة ومستشار وحدة الدراسات في جريدة الخليج والمشرف العام على التقرير الاستراتيجي الخليجي.

ويحمل شهادة الدكتوراه من جامعة جورج تاون في واشنطن في السياسة المقارنة، ودرجة الماجستير من الجامعة الأمريكية في واشنطن في الفلسفة السياسية ، وهو عضو مؤسس وفاعل في العديد من الجمعيات المهنية والثقافية والتطوعية الإماراتية والخليجية والعربية.

وللدكتور عبدالله اهتمامات بحثية بقضايا الأمن والتحولات السياسية في الخليج العربي، بالإضافة إلى كتابات متنوعة حول قضايا فكرية وسياسية وعربية وعالمية معاصرة ، كما أصدرت له العديد من الكتب باللغتين الانجليزية والعربية ، وصولا إلى توديعه للحياة الأكاديمية ليصبح " متقاعدا " ، وليختار موقع التواصل الاجتماعي " تويتر " كنافذة بديله لنشر أفكار ورؤيته .

النافذة البديلة للدكتور لم تكن سهلة ، فقد واجه العديد من المعارضين لأفكاره وتوجهاته كما وجد العديد من المحتفين به .

موقف الدكتور من معتقلي الرأي

يعرف عن الدكتور موقفه المعارض لعمل جمعية الإصلاح ورجالها المعتقلين في سجون محمد بن زايد بما يعرف بقضية (94) ، متهما إياهم بالعمل تحت مظلة التنظيم السري في الإمارات ، ولديهم تواصل مع قيادة جماعة الإخوان المسلمين ، جازما بأن في ذلك تجاوز لقوانين الدولة .

وطالما نشر تغريداته المسيئة للمعتقلين واصفا إياهم بالخونة على حد تعبيره ، ومبررا بأن المعتقلين في سجون محمد بن زايد ليسوا " سجناء رأي " ، ولا يوجد في المعتقلات الإماراتية أي سجين رأي .

كما كان مصرا على أن ما يقوم به جهاز أمن الدولة من ملاحقة مستمرة للناشطين ، هدفه إبقاء الإمارات في أمن وأمان بعيدا عن تلك الفئة التي تحاول قلب الحكم على حد تعبيره . 

كما قال بأن دعوة الإصلاح على العين والراس لكن حولها البعض إلى فرع للإخوان في الإمارات أي تنظيم سياسي سري مخالف للقانون”، على حد تعبيره. وأردف، “أعرف بعضهم وهم زملاء، حبهم للإمارات يوازي حب أي مواطن آخر لكنهم خالفوا القانون، معربا عن ثقته “بالقضاء في الإمارات الذي قال كلمته" .

تغير في المواقف .. حسب الحاجة أم تهديد

ورغم تغريدات عبد الله ضد جمعية الإصلاح وضد نشطاء الرأي ، إلا انه لوحظ عليه تغير المواقف في مناسبات عدة ، ففي احد التغريدات أنه طالب، بما طالب به المعتقلون في قضية ال”94 ، وبتغريدة أخرى بتاريخ (21|6/2015)، ناشد القيادة الإماراتية بالعفو عن معتقلي الرأي والمعارضين، وطالب بتخفيف “التحفز الأمني”، وأثنى على معتقلي الرأي ووصفهم “بالمحبين لأوطانهم وقياداتهم "  .

ولم تدم تلك التغريدة طويلا على حسابه ليفاجئ المتابعين بأن عبد الله قام بحذفها من حسابه ، مما دفع بعض المراقبين لقول بان عبد الله تعرض إلى ضغوط أمنية أو جهات وشخصيات تنفيذية دفعته للتراجع عن هذه المواقف ، وربما قد تكون تجديدا لالتزامه أمام الجهات التي تضغط عليه ترهيبا أو ترغيبا، في حين ذهب مراقبون آخرون إلى اعتبار أن “عبد الله” قد يكون يعبر في تغريداته المتناقضة عن صراع بين مراكز قوى في الأجهزة الأمنية والتنفيذية ، ما يجعل بورصة المواقف تهبط وتصعد تبعا لمواقع هذه المراكز التي يغلب عليها طابع الصراع عادة .

عودة إلى انتقاد السلطة في الإمارات

ليعود عبد الله من جديد لإطلاق تغريداته المثيرة ففي الفترة الأخيرة، ازدادت انتقادات عبدالله للأوضاع الداخلية في الإمارات، وأهمها الملف الحقوقي، حيث قال في تغريدة له 2 يناير 2017: «أزعجني تقرير منظمة العفو الدولية، أهم منظمة حقوقية دولية، عن وضع الحريات وحقوق الإنسان وسجناء الرأي في الإمارات 2016. أتمنى أن يُقرأ (التقرير) بحرص وطني»، ما وجه نقدا علنيا لأولاد زايد على احتضان الشخصية الفلسطينية المثيرة للجدل محمد دحلان.

وطالب «عبد الله»، في تغريدات له، بإجراء مزيد من الإصلاحات السياسية في الإمارات، واعتبر أن المجلس الوطني «السلطة التشريعية في البلاد»، لا بد أن تمنح بعض الصلاحيات حتى تتواكب مع المرحلة الراهنة، وهي المطالب التي اعتبرها البعض مشابهة لتلك التي طالب بها مثقفون قبل 5 سنوات، وتسببت في اعتقال عدد كبير منهم، وتوجيه تهم متعلقة بزعزعة أمن البلاد لهم.

انتقاد حليف الإمارات " السيسي "

كما هاجم بتغريداته عبد الفتاح السيسي حيث كتب: «خلف الأبواب المغلقة في العواصم الخليجية يتصاعد يوما بعد يوم شعور الإحباط تجاه أداء النظام في مصر، وتحوله لعبء سياسي ومالي يصعب تحمله طويلاً».

وطالب عبد الفتاح السيسي ألا يتقدم وألا يشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2018؛ وقال ردًا على تقرير مجلة «الإيكونومست» الشهير والذي عنونته بـ«خراب مصر»: «تم دعمه بعشرات المليارات ولكن دون أي تقدم يحدث في مصر بل على العكس فإن البنك المركزي المصري اقترض صباح هذا اليوم من صندوق النقد الدولي»

انتهاء الحرية وتجربة جديدة في المعتقل

وصولا إلى تغريدته الأخيرة يوم 15 يونيو عندما غرد قائلا " " ليت لدينا في إمارات التسامح، حرية تعبير وحرية صحافة، وحرية تجمع، وحريات سياسية، كما لدينا حرية معتقد وحرية تجارة وحرية شخصية وحريات اجتماعية " .

والتي رأى بها الكثير من المراقبين والناشطين سببا في نفاذ صبر محمد بن زايد ليصدر أمرا باعتقاله .

مواقف تجاه اعتقال عبد الله

أثار خبر اعتقال العبدالله موجه هائلة على صفحات تويتر ، فرأينا من فرح باعتقاله وكان معظمهم من المصريين الغاضبين من تغريداته على السيسي .

وجاء لنشطاء الرأي مشاعر أخرى ، فكانت معظم الردود ترفض بشكل قاطع اعتقال الدكتور من أجل تغريداته معلنين تضامنهم معه برغم اختلافهم معه في الرأي .

فكتبت صفحة معتقلي الرأي على تويتر " نعلن تضامنا التام مع الدكتور عبد الخالق عبدالله فرغم الاختلافات بالرأي إلا إننا ضد سياسة الملاحقات الأمنية ضد حرية الرأي .

كما أكد الناشط الحقوقي أحمد منصور رفضه لاعتقال الدكتور عبد الخالق مضيفا في تغريدة له " ما الذي يمكن قوله لتبرير اعتقال عبد الخالق عبد الله؟ بالتأكيد تهمة من لا تهمة له (تنظيم سري، إرهاب، إخونجي) لن تنفع في حالة الدكتور عبد الخالق .

كما غرد ناشطون سعوديون معلقين عن رفضهم لاعتقال الدكتور بالرغم من تعدياته الأخيرة على النظام السعودي ، مؤكدين أن حرية الرأي حق مكفول للجميع ولا يمكن معالجتها بالاعتقال .

كما رفض ناشطون وحقوقيون داعمين للمعتقلين الإماراتيين ، اعتقال الدكتور مطالبين بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي في الإمارات .

عودة الدكتور عبد الله للتغريد

ليعود الدكتور عبد الخالق عبد لله للتغريد مجددا بتاريخ 26 يونيو بتغريدة مثيرة كتب فيها " أعود بعد انقطاع 10 أيام كنت خلالها في رحلة مفاجئة، وممتعة، ومفيدة للغاية "
 
 
وقال عبد الخالق عبد الله إن “هذه الرحلة ستكون بداية مرحلة جديدة من التواصل مع المتابعين الكرام.. شكرا لدعواتكم" .

ليرى الناشطون والمراقبون فيها تأكيدا على اعتقاله في الأيام التي غاب فيها عن صفحات تويتر ، مطالبين الدكتور بالتحلي بالشجاعة ، وكتابة ما حصل معه بدءا من اعتقاله وانتهاء بالإفراج عنه .

وتأتي تلك التغريدة لتطرح مزيدا من التساؤلات عما يقصده الدكتور من كلماته والتي أرى فيها الكثير من المعاني والتي أراد الدكتور أن يوصلها لمتابعيه ، ولكن بطريقة أخرى .

فهل سننتظر من الدكتور مزيدا من الانتقاد لسياسات محمد بن زايد ، أم أنه قد وقع على تعهد بعدم تخطي الخطوط الحمراء والتي ربما قد رسمت له ؟ .

الكاتب