ديفيد هيرست .. أبوظبي لعبت دورا مهما في إحداث انقلاب في السعودية

ديفيد هيرست .. أبوظبي لعبت دورا مهما في إحداث انقلاب في السعودية

في مقال مطول للكاتب البريطاني الشهير " ديفيد هيرست " اتهم فيه أبوظبي بلعب دور كبير في إحداث "انقلاب" في السعودية لصالح محمد بن سلمان على حساب محمد بن نايف .

وقال ، يحتاج أي أمير سعودي إلى رضا ثلاثة مصادر للقوة حتى يصبح ملكًا، وهي من حيث الأهمية: الولايات المتحدة الأمريكية، والعائلة الحاكمة السعودية والشعب السعودي، بالرغم من أن الأخير يأتي في ذيل أي حسابات تذكر.

كان ذلك هو حال كل واحد من ملوك السعودية منذ الرابع عشر من فبراير (شباط) 1945 عندما التقى فرانكلين دي روزفيلت مع مؤسس المملكة الملك عبد العزيز على سطح مياه البحيرة المرة الكبرى في مصر.

عندما توفي الملك عبد الله في الثالث والعشرين من يانير (كانون الثاني) 2015 وارتقى أخوه غير الشقيق سلمان إلى العرش، لم يكن ابنه محمد يحوز على كثير. نعم، لقد كان وزير دولة ومستشارًا لوالده، ولكنه كان نكرة في واشنطن، ولما يتجاوز عمره التاسعة والعشرين عاما. كان فتى غرًا.

حينها بدأ المشهد الأول من الفصول الأربعة لأوبرا تنصيب محمد بن سلمان على عرش المملكة.

المشهد الأول: النضح الملكي

 يُبق الملك سلمان أيا من فضلات الملك عبد الله داخل الديوان، بل نضحها جميعا، مبتدئًا بالساعد الأيمن للملك الراحل خالد التويجري رئيس الديوان والحارس المؤتمن عليه.

حل محل التويجري الشاب محمد الذي كان في ذلك الوقت أصغر وزير دفاع في العالم. وثبت سلمان شقيقه الأمير مقرن وليًا للعهد ونصب ابن شقيقه محمد بن نايف وليًا لولي العهد.

كان سقوط التويجري خبرا سيئًا لرجل الإمارات القوي محمد بن زايد، فالاثنان معًا هما اللذان مولا ورتبا الانقلاب العسكري الذي أتى بعبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر، وهؤلاء الثلاثة جمع بينهم ووحدهم اعتقادهم بأن جماعة الإخوان المسلمين، وليس إيران، هي التي شكلت الخطر الوجودي عليهم.

ما لبث التحالف ما بين الدولتين أن تكبد خسارة إضافية بسبب ما حدث بعد شهور قليلة في أواخر شهر أبريل (نيسان) 2015، وهو ما يمكن أن يعتبر المشهد الثاني في هذه الأوبرا.

المشهد الثاني: صعود الأبن

طرد الملك سلمان أخاه الأمير مقرن من منصبه كولي للعهد، مستبدلًا به ابن شقيقه، محمد بن نايف، ونصب ابنه المفضل، محمد بن سلمان، وليًا لولي العهد. كان محمد قد صُور وهو يقبل يد ابن عمه الذي يكبره سنًا، محمد بن نايف، ولكن لم يلبث طويلًا حتى تعلم كيف يعضها.

وكانت تغييرات جوهرية قد حصلت لموقع ولي العهد حينما قرر الملك إلغاء الديوان الملكي لولي العهد، فحتى تلك اللحظة كان للملك ديوانه وحاشيته ولولي العهد ديوانه وحاشيته. وبعد إلغاء ديوان ولي العهد لم يبق لمحمد بن نايف سوى وزارة الداخلية التي تشكل الآن قاعدة نفوذه الوحيدة.

يضمر محمد بن نايف في نفسه ضغينة تجاه محمد بن زايد الذي كان قد شبه والده الراحل نايف بن عبد العزيز بالقرد. أضف إلى ذلك أن محمد بن نايف كانت لديه حظوة خاصة في واشنطن، بل كان يعتبر رجل واشنطن في المملكة العربية السعودية. ثم ما لبثت الأمور سريعاً بدت مبشرة للقوى الإقليمية التي وقفت بالمرصاد للإماراتيين، وبالذات للنظامين التركي والقطري الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين.

ولكن ما كان من محمد بن زايد إلا أن لعق جراحه وانتظر زمانه. في هذه الأثناء فكر محمد بن زايد في طريقة لاستعادة حظوته لدى الديوان الملكي والولوج إليه من خلال باب آخر، وهو الباب الذي يملك مفتاحه محمد بن سلمان. وكانت حسبة محمد بن زايد تتلخص في أن له عدوا مشتركا مع محمد بن سلمان. فطالما أن محمد بن نايف ظل في موقعه وليا للعهد فسيشكل عقبة كأداء في طريق ابن عمه محمد بن سلمان.

في البداية لم ترض واشنطن عن أداء محمد بن سلمان كوزير للدفاع ولم تعجبها تصرفاته، فقد شن حربا شاملة على الحوثيين في اليمن بينما كان الأمير متعب وزير الحرس الوطني خارج البلاد. تشكل انطباع عن وزير الدفاع الشاب بأنه متعجرف. ويذكر أنه اختفى في إجازة في جزر المالديف بينما كان وزير دفاع باراك أوباما آش كارتر يبحث عنه لأيام ويحاول الوصول إليه دون جدوى.

وبحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، أصدرت وكالة الاستخبارات الألمانية بي إن دي مذكرة من صفحة ونصف، غير معتادة في صراحتها ووضوحها، تصف الأمير محمد بن سلمان بأنه مقامر طائش بيده سلطات هائلة.

تحرك محمد بن زايد بسرعة البرق، ورتب لأحد كبار الإعلاميين السعوديين من أصحاب النفوذ والحظوة، بعد أن صب ملايين الدولارات في حساباته المصرفية، حتى يقوم بدور الوسيط بينه وبين محمد بن سلمان. وانطلاقًا من تجربته الشخصية، نصح محمد بن زايد محمد بن سلمان بالتحرك العاجل.

وكما نشر في حينه في موقع «ميدل إيست آي»، أخبر محمد بن زياد محمد بن سلمان بأن عليه أن ينهي حكم الوهابية في المملكة، وأن يتقرب من إسرائيل.

ووعد محمد بن زايد محمد بن سلمان بأن يقوم شخصيًا بما يلزم حتى يفتح له قناة اتصال مع واشنطن، ولكن عليه أولًا أن يصبح معروفًا عنه أنه لاعب قائم بذاته.

فما كان من محمد بن سلمان، إلا أن دشن أكبر برنامج خصخصة عرفته البلاد حتى تلك اللحظة. وتم تنظيم حملة علاقات عامة للترويج للأمير الشاب لدى المحافل الغربية وبلغة يفهمها الغربيون ويقدرونها، حيث صُور محمد بن سلمان على أنه سياسي يريد الإصلاح على عجل، على نمط المجموعة التي شكلت جمعية تركيا الفتاة في مطلع القرن العشرين.

توالت المقالات المبرزة له بعد أول مقابلة له مع مجلة «الإيكونوميست»، وكان الساذج ثوماس فريدمان الذي يكتب في صحيفة النيويورك تايمز واحدًا ممن بلعوا – ليس فقط الطعم – بل حتى الصنارة والخيط والثقالة.

كتب فريدمان يقول في مقاله الذي أشبه ما يكون بسيرة لأحد القديسين: لقد قضيت أمسية مع محمد بن سلمان داخل مكتبه، وقد أجهدني بما قاله لي. بحماسة منقطعة النظير، كشف لي بالتفصيل عن خططه. مشاريعه الرئيسة عبارة عن لوحة لحكومة إنترنيت، تعرض من خلالها بشفافية تامة أهداف كل واحدة من الوزارات، مع مؤشر للأداء الشهري، وذلك أن كل واحد من الوزراء سيكون في موضع المحاسبة والمساءلة. تتلخص فكرته في جعل البلاد بأسرها تشارك في أداء الحكومة. يقول لك الوزراء: منذ أن وصل محمد، صارت القرارات التي كان اتخاذها يستغرق عامين تتخذ في أسبوعين.

خطا محمد على طريق المجددين، ولكنه في نفس الوقت مجازف من الطراز الأول، لم تكن أكبر مجازفة يتخذها حينما دشن «رؤية 2030» تتمثل في وعده بتخصيص خمسة بالمائة من شركة النفط المملوكة للدولة «آرامكو»، ولا حتى في تقليص نفوذ «الشرطة الدينية» (هيئة الأمر بالمعروف)، بل كانت إلغاء البدلات التي كان عامة موظفي القطاع العام يتقاضونها والتي تشكل ما نسبته 20 إلى 30 بالمائة من رواتبهم.

ونظرًا لأن هذه المجموعة تشكل ما يقرب من ثلثي القوى العاملة في البلاد فقد انتشرت التمتمة بالسخط والامتعاض بين عامة الناس. ولم يقتصر الأمر على الهمس، بل سرعان ما تجاوزه.

في تلك الأثناء كان محمد بن زايد منهمكًا بجد في فتح خط ساخن مع واشنطن. وكانت العديد من العلاقات التجارية قد أقيمت ما بين دولة الإمارات العربية المتحدة وترامب، وكانت إحداها تلك التي نشأت من خلال رجل أعمال العقارات الملياردير حسين سجواني الذي شارك ترامب في مشروع ملعب غولف اسمه أكويا بالقرب من دبي.

قال سجواني في تصريح لمجلة «فوربس»: «أبرمنا صفقة مع ترامب كمؤسسة. فهم يعرفون كيف تدار ملاعب الغولف. وننأى بأنفسنا عن السياسية». ظن سجواني أن أمور العمل «البيزنيس» ستمضي كالمعتاد حتى بعد أن أصبح شريكه الأمريكي رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن في يناير (كانون الثاني) الماضي كشف ترامب النقاب عن أنه رفض قبول صفقة بملياري دولار من صديقه في دبي، وقال: «لم أكن مضطرا لرفضها، لأنه وكما تعلمون، أنا لدي وضع (عدم تعارض) لأنني الرئيس. من الجميل أن يكون لديك ذلك، ولكنني لا أرغب في استغلال أي شيء».

قبل شهر من تنصيب ترامب، طار محمد بن زايد سرًا إلى نيويورك، مخالفًا البروتوكول المعمول به، وذلك بعدم إخبار باراك أوباما، الذي كان رئيس الولايات المتحدة حينها. علم موظفو البيت الأبيض بالزيارة فقط حينما رأوا اسم محمد بن زايد في قائمة ركاب إحدى الرحلات. وحسبما أوردته صحيفة الواشنطن بوست، فقد التقى محمد بن زايد أثناء تلك الزيارة بمستشاري ترامب المقربين منه مثل مايكل فلين وجاريد كوشنر وستيفين بانون.

كان الهدف الأول والأساسي لمحمد بن زايد هو عرض خدماته على عائلة ترامب. وفعلًا، فقد رتب شقيق محمد بن زايد، مستشار الأمن القومي في دولة الإمارات العربية المتحدة، اجتماعاً في سيشيلز بين مؤسس شركة بلاكووتر، إريك برنس، وشخصية روسية مقربة من فلاديمير بوتين. وكانت الفكرة من ذلك هي إقامة خط اتصال عبر قناة خلفية بين موسكو ودونالد ترامب الذي كان حينها الرئيس المنتخب، وذلك بحسب ما زعمته صحيفة الواشنطن بوست.

إلا أن الاجتماع حقق هدفًا آخر، ألا وهو تمكين محمد بن زايد ليكون رجل ترامب (والضامن لسياساته) في منطقة الخليج. حينما التقى ترامب أخيرًا بمحمد بن سلمان في البيت الأبيض في شهر مارس (آذار)، وُصف الاجتماع بأنه كان «نقطة تحول»، وحينها استغل ترامب الفرصة ليعلن بأنه قرر إعادة الروابط مع المملكة بعد أن أهدرها أوباما بسياسته التي استهدفت التقارب مع إيران. إلا أن مجرد اللقاء بمحمد بن سلمان كان ذا دلالة أكبر مما جرى أثناء اللقاء من محادثات، وذلك أن ترامب كان يرى حينها وكأنه يتحدث مع الملك القادم.

حينما رد جيمز ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، الزيارة وتوجه إلى الرياض نهاية الأسبوع الماضي، التقى بكل من الملك سلمان وابنه محمد. أما محمد بن نايف، رجل واشنطن السابق في المملكة، فقد كان غائبًا تمامًا عن المشهد.

المشهد الثالث: مراسيم الفصل

وهنا يأتي المشهد الثالث. حيث أصدر الملك سلمان يوم السبت الماضي أربعين مرسومًا، كان أهمها على الإطلاق هو ذلك المرسوم الذي استهدف استعادة شعبية محمد بن سلمان من خلال إعادة البدلات المادية لموظفي القطاع العام ولأفراد القوات المسلحة التي كانت «رؤية 2030″» قد اقتطعتها منهم. ومن عجائب الدهر أن يسند الفضل في عودتها إلى محمد بن سلمان، بالرغم من أنه هو الذي أمر بحرمانهم منها بادئ ذي بدء. لعل المقصود من ذلك هو المضي قدمًا نحو المزيد من تقليص دور ابن عمه محمد بن نايف.

في المراسيم الأخرى، ورد النص على تعيين شقيق محمد بن سلمان الأصغر، واسمه خالد، سفيرًا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من أن خبرته الوحيدة في الدبلوماسية الدولية لا تتجاوز قيادة طائرة «الإف 16» بوصفه طيارًا حربيًا. من المثير للغرابة أن نفس رزمة المراسيم تضمنت طرد أحد الوزراء من عمله والتحقيق معه؛ لأنه وظف أحد أبنائه. من الواضح أن هذه القاعدة لا تنطبق على آل سعود.

كما عُين شقيق محمد بن سلمان الآخر، وهو الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير دولة لشؤون الطاقة، كما صدر الأمر بتعيين فرد آخر من أفراد العائلة القريبين من محمد بن سلمان، ابن أخيه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، نائباً لحاكم المنطقة الشرقية المعروفة بثرائها النفطي، علمًا بأن حاكم تلك المنطقة هو سعود بن نايف، شقيق محمد بن نايف، الأمر الذي يعني أن تنصيب هذا الأمير نائبًا للحاكم يأتي بمثابة تضييق للخناق على رقبة ولي العهد.

واشتملت المراسيم كذلك على تعيين عشرات آخرين من أعضاء العائلة الحاكمة في مناصب مهمة (في المناطق الإدارية للمملكة)، وكل ذلك بهدف تعزيز موقف محمد بن سلمان داخل العائلة وتمكينه من إحكام قبضته عليها.

وبذلك تكون قد أنجزت الشروط الثلاثة، فقد تحقق الوصول إلى واشنطن، وتم شراء ولاء العائلة، وأدخلت السعادة إلى قلوب عامة الناس. ولكن، وبالرغم من كل ذلك، يظل محمد بن نايف عقبة في طريق محمد بن سلمان.

ومن هنا تأتي بعد ذلك المراسيم المتعلقة بالجيش والأمن الداخلي. نصت المراسيم على إقالة الفريق عيد الشلوي من منصبه كقائد للجيش، وذلك على الرغم من أنه ضابط محترف، ليحل محله نائبه الأمير فهد بن تركي، والذي «تصادف» أن زار أبوظبي مؤخرًا لإطلاع محمد بن زايد على آخر تطورات الحرب في اليمن.

إلا أن المرسوم المهم الذي شكل انقلابًا ناعمًا على محمد بن نايف لم يكن له أدنى علاقة باليمن. إنه المرسوم الخاص بإنشاء مركز للأمن القومي تحت إشراف الديوان الملكي. ستكون هذه المؤسسة هي المنافس المباشر لوزارة الداخلية التي يرأسها ابن عمه محمد بن نايف. المثير في الأمر أن الكيان الجديد يخضع للديوان الملكي بشكل مباشر، والديوان يديره ويتحكم به محمد بن سلمان.

عندما اضطر محمد بن سلمان إلى الاستقالة (اسمًا) من رئاسة الديوان الملكي؛ ليصبح وليًا لولي العهد، حرص على أن يترك خلفه من يضمن من خلاله الاستمرار في التحكم بمقاليد الأمور. ذلك الرجل هو سعود القحطاني، والذي سرعان ما اكتسب شهرة بأنه التويجري رقم 2.

إلا أن الكاتب السعودي تركي الروقي، مؤسس صحيفة «الوئام»، اتهم القحطاني بأنه يتصرف كما لو كان «صنارة إنترنت» ويشن الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد أهداف معينة ولترهيب المخالفين.

وزعم الروقي أن القحطاني يملك جيشًا من المخترقين «الهاكرز»، وأنه يستهدف المواقع بالتهكير والتشهير وتشويه سمعة الكثير من المواطنين.

ومضى الروقي في ادعائه قائًلا: «لقد تمادى الرجل كثيرًا، وذهب ضحيته الكثير من شباب البلد، وتسبب في توتير العلاقة بين صناع القرار وأبناء الشعب، وامتهن حصانة ورزانة المؤسسات الحكومية ورجال الدولة».

ما من شك في أن عددا من الأصوات السعودية البارزة تم إسكاتها، مثل جمال خاشقجي، الذي يعتبر واحدا من أهم المحللين السياسيين، ومن داخل المؤسسة الحاكمة نفسها.

المشهد الرابع: الإطاحة بالبيت من الداخل

وما أدراك ما المشهد الرابع؟ ما نزال بانتظار معرفة المصير الذي ينتظر ولي العهد محمد بن نايف. فإدارة ترامب تتجاهله، ويتم استثناؤه من حضور الاجتماعات المهمة، وبات كل النفوذ الآن في قبضة ابن عمه.

هل هي نهاية اللعبة ونهاية المباراة؟

هكذا يبدو الأمر. فقد عاد إلى السلطة ذلك المحور القديم المناهض للثورة (والتغيير في العالم العربي)، بإضافة وجه جديد، ألا وهو وجه محمد بن سلمان. يتواجد في معيته وجهان آخران، هما محمد بن زايد والرئيس المصري السيسي، والذي ظهر في الرياض نهاية الأسبوع الماضي ليقبل الأيادي ويعتذر عما بدر منه. أما إدارة ترامب الغرة فتقف خلف كل واحد منهم وتدعمهم دعما كاملًا بمباركة من إسرائيل.

لقد عاد كل شيء إلى حيث كان في عهد الملك عبد الله. حينما تكلم الملك سلمان مع ترامب حرص على أن يبين له أن أسامة بن لادن كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين (في تحريض واضح».

ولكن .. وبالرغم من كل ذلك .. ثمة فرق واحد صغير

لقد تغير الشعب العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. لقد نزفت دماؤهم، وتهدمت بيوتهم، وخسروا أفراد عائلاتهم، وضاعت وظائفهم، وتلاشت حريتهم. ويقبع اليوم الآلاف منهم في السجون، بينما غرق الآلاف في مياه البحر المتوسط، وشرد الملايين منهم من ديارهم. لم يعودوا يشعرون بالهيبة تجاه المستبدين من حكامهم ولا تجاه ما يرتع فيه هؤلاء من ثروة وما يتنعمون به من امتيازات. وباتوا على استعداد تام للقتال في سبيل الحصول على أبسط حقوقهم الإنسانية.

أما آل سعود، بكل ما يحاك في ديوانهم من حبائل، وباندماج عبد الله في سلمان ثم في محمد بن سلمان، فلم يتغيروا. يعتمد الوصول إلى السلطة على شجرة العائلة، وثمة فرق كبير بين أن تكون أخًا شقيقًا أو أخًا غير شقيق.

ما تزال الحقائب الوزارية تورث من الآباء إلى الأبناء تماما مثل البضائع والمواشي. ومازال المحترفون وأصحاب المهارات يستبعدون ليحتل مواقعهم الموالون. وتستمر العائلة في تركيز السلطات كافة في يدي رجل واحد، وتستمر في ارتكاب الأخطاء الجسيمة في اليمن وفي سوريا، وتظل، بكل ثروتها التي يصعب على المرء تصور حجمها «بيتًا من ورق".

الكاتب