محمود الجيدة .. طبيب قطري يروى تفاصيل تعذيبه في الإمارات

محمود الجيدة .. طبيب قطري يروى تفاصيل تعذيبه في الإمارات

للمرة الأولى، يكشف الطبيب القطري محمود الجيدة الستار عن مزاعم تعرضه للتعذيب في السجون الإماراتية، بعد أن اعتقلته السلطات في مطار دبي خلال عودته من تايلاند إلى بلاده، على إثر "مشكلة سياسية" بين الدوحة وأبو ظبي.

وفي مقابلة حصرية مع موقع ميدل إشيست آي البريطاني اليوم الثلاثاء، يشرح محمود كيف تعرض للضرب المبرح على أماكن متفرقة من جسده، فضلاً عن التعذيب النفسي والعقلي، والذي وصل حد دس المخدرات في الماء الذي يشربه

ولأهمية ما ورد في مقابلة الجيدة، فإن "الإمارات71" ينشرها كاملة لتضمنها معلومات بحاجة للتأكيد من مصادر مستقلة.

في بيته بالدوحة، وفي جو مُكيف لطيف بعيد عن حرارة الصيف القائظة، بدأ محمود الجيدة حديثه واصفاً محنته التي استمرت عامين، والتي وقع فيها بين رحى صراع دول الخليج على السلطة الإقليمية، فقد عانى من التعذيب والعزل والترهيب العقلي على يد السلطات في دبي.

يعمل الجيدة طبيباً في شركة قطر للبترول، وقد اُعتقل في دبي في شهر فبراير من عام 2013 أثناء عودته من زيارة شقيقه في تايلاند، والذي كان يعاني من سكتة دماغية. فقد علم أن زوجته لابد أن تخضع لعملية جراحية في البحرين، ما اضطره للعودة سريعاً إلى الخليج للاطمئنان عليها.

وأثناء مروره على مطار دبي خلال رحلته الطويلة، ذهب إلى صلاة المغرب في المسجد. وعند عودته إلى المطار، أوقفه ضباط أمن المطار في إدارة مراقبة الهجرة.

بعد التحري عنه واستجوابه، طُلب من جيدة التوجه إلى مركز الشرطة للتوقيع على بعض وثائق تحقيق السلطات معه.

قال الجيدة "قلت لهم لا، لن أذهب إلى أي مكان، أريد سفارة بلدي أن تتحدث معهم، وأريد محامياً".
وأضاف "قال لي مسؤول المطار: حسناً، أنت على حق، فلتأت معنا إلى قسم الشرطة، وسوف نسمح لك بالتواصل مع سفارة بلدك هناك".

نُقل الجيدة إلى سيارة، حيث فوجئ بيديه مصفدتين وعينيه معصوبتين. ثم أُخذ إلى مبنى في مكان مجهول، حيث أُجبر على تغيير ثوبه التقليدي، وارتداء البيجامة.

اقتيد بعد ذلك إلى آخر الممر، معصوب العينين مرة أخرى، ومن ثم خضع من جديد للعديد من الاستجوابات، تتمحور معظمها حول الحكومة القطرية، وعلاقتها بالإخوان المسلمين، وحركة المقاومة الإسلامية حماس.

يقول الجيدة "بدأ المُحقق بسؤالي، لماذا تتدخل قطر في كل شيء؟".

"قلت له لا أعلم، لا أستطيع الإجابة على ذلك. فلتسأل الحكومة القطرية".

سُئل الجيدة أيضاً عن مدى معرفته برجل إماراتي يعيش في الإمارات العربية المتحدة. فاعترف الجيدة بأنه قابل ذلك الرجل، إلا أنه لا يعرفه بصفة شخصية. ولم يرد الجيدة أن يفصح عن هوية هذا الرجل الإماراتي.

وأضاف الجيدة "قلت لهم بعد ذلك، إنني لا أعرفه. فجاءتني صفعة مباغتة على وجهي. صُدمت من ذلك. فلم أتعرض لمثل هذه الصفعة منذ أن كنت طفلاً".

سأله الحراس بعد ذلك ما إن كان أحضر أموالاً إلى الإمارات، متهمينه بإحضار 100 ألف درهم، أي حوالي 27 ألف دولار.

"قلت لهم، لم أُحضر أية أموال. ومن ثم بدأوا يضربونني بالعصي".

تعرض الجيدة لعمليات ضرب متكررة من قبل الحراس، ما تسبب في حدوث كدمات متعددة في ظهره ورقبته ورجليه. وعلى مدار الأيام الثلاثة التالية، ظل الجيدة حبيس زنزانة صغيرة، بالإضافة إلى الاستجواب المتكرر، دون نوم.

في مرحلة ما، يقول الجيدة إنه أُعطي مياهاً مُخدرة، ما جعله "يضحك دون سبب"، وأصبح كثير الكلام.

وقال موقع ميدل إيست آي إنهم قد حاولوا التواصل مع السلطات الإماراتية للتعليق على ادعاءات الجيدة، إلا أنهم لم يستجيبوا حتى نشر المقابلة.

تعرض الجيدة أيضاً للكم في البطن، ما تسبب له في آلام داخلية، كما ضربه الحراس على باطن قدميه بالعصي لمدة دقائق كل فترة.

قال الجيدة إن الحراس هددوه بالتعذيب بالكهرباء، وبخلع أظافره، وبدفن جسده حتى عنقه في الرمال.

وأضاف إن "الحراس قالوا لي، لا تقلق، نحن مصرح لنا فعل أي شيء، حتى إن اقتضى الأمر قتلك".

وقالوا "سوف نقتلك، ولن يعرف عنك أحد أي شيء. لدينا قبر مخصص لك، سوف نقتلك، ولن يعرف أحد بذلك".

حملة القضاء على الإخوان المسلمين

قضى الجيدة ستة أسابيع في مركز اعتقال سري دون الاتصال بأي من أفراد عائلته، أو محاميه، أو ممثله. اضطر الجيدة تحت وطأة التعذيب البدني، إعطاء الحراس عدداً من الأسماء الوهمية، بادعاء انتمائهم للإخوان المسلمين وحركة حماس، بما في ذلك جاره الفلسطيني الذي مات قبل عدة سنوات.

في نفس الوقت، كانت السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة تشن حملة كبيرة على مؤيدي "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي". 

تُعد جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي منظمة قانونية في دولة الإمارات منذ عام 1974، ولطالما حذرت دولة الإمارات العربية المتحدة من تنامي نفوذ التوجهات الإسلامية في المنطقة، والترويج لصعود بديل ديمقراطي ليبرالي من أجل التأسيس لحكمها المطلق.

في مارس من عام 2013، خضع 94 شخصاً يُرجح انتمائهم جميعاً إلى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي إلى المحاكمة في أبو ظبي، وُجهت لهم اتهامات ببناء شبكة سرية للتخطيط لتنفيذ انقلاب في الإمارات.

من جانبها، لطالما قالت جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي بأنها تأمل أن ترى تحول الإمارات إلى دولة ديمقراطية، وإتاحة مجال أكبر لأنشطة الأحزاب السياسية.

اعتقد الجيدة أن اعتقاله كان بسبب هذه الحملة المناهضة للإخوان المسلمين، على الرغم من أنه مواطن لدولة مجاورة.

يقول الجيدة "أعتقد أن الإمارات تريد جر منطقة الخليج بأسرها إلى هذه المشكلة". وأضاف "إنهم يريدون إرسال رسالة إلى دول مجلس التعاون الخليجي مفادها: يجب أن تسيروا على دربنا في كل ما نفعل".

حافظت دولة قطر على علاقاتها الوثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن دعمها العلني والمادي للرئيس المصري المدعوم من الإخوان المسلمين، محمد مرسي، ما عمق الخلاف بينها وبين دولة الإمارات وغيرها من دول الخليج.

يقيم قادة حركة حماس أيضاً في الدوحة، على الرغم من حفاظ قطر على قنوات الاتصال مفتوحةً نسبياً مع إسرائيل.

أنكر الجيدة أي علاقة له بجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، أو بجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من إقراره بأنه كان من المعجبين بهم، وبمُنظرهم الشيخ يوسف القرضاوي، والذي يقيم في الدوحة أيضاً.

يقول الجيدة "أنا شخص متدين وصاحب توجه إسلامي، أحب الشيخ يوسف القرضاوي بالفعل، وأحب كتبه، ولكن لا تربطني به أي علاقة".

ويضيف "إنني أعرفه، فهو شخص مشهور، من الذي لا يعرفه؟ لقد رأيته، وحضرت العديد من محاضراته. لكنني لم أزره أبداً، ولم تكن لي علاقة به إطلاقاً، ولم أتلق توجيهات منه كما يزعمون".

في النهاية، قال الجيدة أنه "نُسي"، واستمر اعتقاله في مقر الاحتجاز لستة أسابيع دون استجواب.

بعد مرور الأسابيع الست، نُقل الجيدة إلى مقر النيابة العامة، حيث سُمح له أخيراً بمقابلة السفير القطري، واثنين من أبنائه، حسن وعبد الرحمن.

على الرغم من سعادته البالغة برؤية عائلته، وتلقيه تطمينات من السفير القطري، أعيد إلى زنزانته مرة أخرى بعد 10 دقائق من انتهاء هذه الزيارة.

قضى الجيدة قرابة الثمانية أشهر في مركز الاعتقال قبل عرضه على المحكمة. خلال تلك الفترة، تبنت منظمة العفو الدولية حالة الجيدة "كسجين ضمير". فقد طُلب منه ذات مرة التوقيع على 35 صفحة من الاعترافات، والتي لم يستطع قراءتها بسبب عينيه المعصوبتين.

على أية حال، لم يكن لدى الجيدة سوى نسخة من القرآن. ويقول الجيدة "لم يكن لدي ما أفعله سوى قراءة القرآن والبكاء والصلاة".

مشكلة سياسية

خلال فترة احتجازه، تدهورت العلاقة بين قطر والإمارات بشكل كبير، فقد أُطيح بالحكومة التي تدعمها جماعة الإخوان المسلمين في مصر عن طريق انقلاب عسكري مدعوم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي قامت كل منهما بسحب سفيرها من قطر في مارس من عام 2014.

وفي نفس الشهر، مَثَلَ جيدة أخيراً أمام المحكمة في دبي، إذ وُجه له رسمياً اتهامٌ بدعم جماعة الإخوان المسلمين لوجستياً ومالياً.

وقبل فترةٍ وجيزةٍ من بدء المحاكمة، أرسل إلى سجن الريزين سيئ السمعة في الإمارات، حيث احتُجز العديد من سجناء الرأي الآخرون.
وعلى الرغم من أن الظروف هناك كانت أفضل مما كانت عليه في احتجازه السابق، إلا أنه ما زال مقيّداً بشدة فيما يتعلّق بخروجه إلى الهواء الطلق، وحضور صلاة الجمعة.

كما بات مدمناً على مضادّات الاكتئاب أثناء الاحتجاز. وبعد نقله إلى الرزين، حيث لا يمكنه توفير الدواء، عانى الكثير من الأرق بالليل، ومن أعراض الانقطاع عن مضادات الاكتئاب.

في وقتٍ لاحق، كان عليه أن يخضع لعمليةٍ جراحية لإزالة ورم، استغرق 52 يوماً لعلاجه على حدّ قوله.

واستمرت المحاكمة لمدة عام، وخلال تلك الفترة أبلغ النائب العام جيدة بأنّ قضيته "مشكلة سياسية".

حيث قال "ليس لدينا شيءٌ ضدّك، ولكن إذا تحسنت العلاقات الآن بين الشيخ تميم والإمارات، فسوف يُفرج عنك".

وبالرغم من كلّ شيء، قال جيدة إنّه يعتقد أنّ المحكمة ستبرّئه.

"لذا، عندما سمعتُ القاضي ينطق بالحكم سبع سنوات، لم أصدّق ذلك. لكنني كنت أبتسم حقاً، لم تصبني الصدمة، قلت لنفسي، أعتقد أنّ ثمّة يوم قضاء عادلٍ واحد، وسأواجهه هناك"، في إشارة إلى "يوم القيامة"

في نهاية المطاف، في أحد أيام مايو 2015، أُخرج جيدة من السجن، وعُصبت عيناه واقتيد إلى سيارة سوداء حيث سار لمدة ساعة.

في البداية، كان يخشى من أنه سيعود إلى زنزانته الأصلية في مركز الاحتجاز. ثمّ في مكانٍ ما، وكان لا يزال معصوب العينين، توقفت السيارة وغادر سائقوها لفترةٍ وجيزة.

يقول جيدة "فجأة، عندما خرجوا من السيارة، تركوا المذياع مفتوحاً، وكان ثمّة خبر قصير يعلن الإفراج عن اثنين من القطريين، من سجون الإمارات العربية المتحدة".

كان البثّ الإخباري هو أوّل إشارة يتلقّاها جيدة، بأنّه سيتمّ إطلاق سراحه في النهاية، يقول "ثمّ هتفتُ الله أكبر، ركضوا نحوي وسألوني عمّا أفعل، فقلتُ لا شيء، أنا فقط أقول الله أكبر".

نُقل جيدة إلى مطار دبي، حيث وُضع على متن طائرة ركاب مع سجينٍ قطري آخر. وقبل أن يُترك على متن الطائرة، طلب منه حارسه الإماراتي ألّا يغرّد عن محنته.

"قلتُ له أنّني لستُ نشطاً على تويتر، ولكنّي سأشكوكم إلى ربي. فأجاب: الله، لا مشكلة. ولكن لا تغرّد".

سيكون ثمّة ندوب 

 

بعد إطلاق سراحه، تمكّن جيدة من استعادة وظيفته القديمة في قطر للبترول. على الرغم من محنته، كان مرحاً وبشوشاً، واعترف أنّ أقاربه تفاجأوا بروحه المرحة، وهو الأمر الذي يعزيه جيدة إلى إيمانه القويّ، واعتقاده أنّ كلّ الأمور تسير بقدر الله.

ومع ذلك، فقد عانى من أرق في النوم بعد الإفراج عنه. وبينما كان مسروراً إزاء جهود الحكومة القطرية لضمان الإفراج عنه، فقد أدى انحسار العلاقات بين قطر وجيرانها إلى طلب عدم الإعلان عن الوقت الذي قضاه في السجن.

ولكن في عام 2017، وصلت العلاقات بين قطر والإمارات العربية المتحدة إلى أدنى مستوياتها، حيث قطعت العلاقات مع قطر، وانضمت إلى الحصار مع السعودية والبحرين ضدّها في يونيو/حزيران، وكان السبب الظاهري مرة أخرى، هو دعم قطر لمجموعات مثل جماعة الإخوان المسلمين.

يقول جيدة "لم أتوقّع أبداً أن يصل الوضع إلى ما هو عليه في دول مجلس التعاون الخليجي، فثمّة الكثير من العلاقات بين تلك الدول. أنا لديّ أخوات في البحرين، عمّتي في الكويت، ولديّ بعض الأقارب في السعوديّة".

وقال جيدة إن قطر تتلقّى الآن على المستوى الوطني، ذات المعاملة التي عانى منها على يد دولة الإمارات.

يقول جيدة "أنا مجرّد شخص، من السهل تأليف القصص المفبركة وقول الأكاذيب عنّي. ولكن هم يفعلون الأشياء ذاتها ضدّ الدول".

ومع ذلك، قال جيده أنّه متفائل بأنّ المشاكل بين قطر وجيرانها، بما في ذلك مشاكله الخاصّة، ستحل في نهاية المطاف.

"أظنّ أنّها ستحلّ أخيراً، ولكن بعض الجروح، حتى لو شُفيت، فسوف تترك ندوباً"

الكاتب