بين يدي ذكرى إعلان الاتحاد
أحمد الشيبة النعيمي
ما زلت أتذكر كلمات والدي رحمه الله وهو يحدثني عن اللحظات الأولى لإعلان الاتحاد وولادة دولة الإمارات، كانت كل كلمة من كلماته العميقة تنبض بعاطفة مرهفة بمشاعر إنسان عاش ضنك العيش وشغفه قبل أن تشرق شمس الاتحاد الحبيب فيفتح عينيه على حياة كريمة وآمال باسمة.
كانت نظرات والدي حينها تشرئب مع عيون جميع الإماراتيين إلى مستقبل واعد في وطن جديد يتأسس على مبادئ تعلي من شأن الإنسان وقيمته.
ومع النظرات المشرئبة إلى ميلاد دولة الإنسان، كان الآباء المؤسسون وهم يضعون اللبنات الأولى يؤكدون أن أولوية تنمية الإنسان هي أساس هذا البنيان الشامخ بحرية وكرامة جميع أبنائه، وكانت العدالة والكرامة من أبرز أهدافهم النبيلة والسامية.
كانوا يدركون أن الرفاهية يمكن أن تتحقق في أي دولة ولو كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال الخارجي، ولكنها تكون حينها رفاهية بائسة يعجز فيها الإنسان عن تحقيق إنسانيته وممارسة حقوقه وحرياته وتجسيد هويته الثقافية، وتغيب فيها جميع حقوق المواطنة المتساوية والمشاركة السياسية والاجتماعية، وحينها لا يجد المواطن في أفياء وطنه ذاته الإنسانية ولا دولة الحق والقانون التي تحمي كرامته، وتمنحه قضاءً عادلاً ومستقلا يلجأ إليه كلما شعر بطغيان البعض على حقوقه وحرياته، دولة الإدراة النزيهة الشفافة التي يأتمنها على ثروات الوطن وخيراته والتي تتوفر على مؤسسات للرقابة والمساءلة لتحمي حقوق المواطن وحرياته من أي إنتهاك.
فالسلطة المطلقة كما تؤكد العلوم الإنسانية والتجربة البشرية تخرج أخبث ما في النفس الإنسانية وتدفع صاحب السلطة إلى الطغيان واضطهاد الآخرين، وهذا ما أكده القرآن الكريم في قول الخالق جل شأنه: (كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى).
ومن هنا كانت قيمة الدولة ترتبط بقدرتها على منع الطغيان وتعزيز قدرة الإنسان على تحقيق كرامته وتجسيد إنسانيته في ظل دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية.
وجدير بنا اليوم مع الاحتفاء بالذكرى الرابعة والأربعين لإعلان الاتحاد أن نتساءل عن الإنجازات التي تحققت في مجال تنمية الإنسان مقارنة بالتنمية الاقتصادية، فالإنسان هو المعني أساسا بالتنمية الاقتصادية ولا يمكنه الاستفادة منها استفادة حقيقية دون أن يجد نفسها آمناً معززا كريماً يتمتع بحرياته وحقوقه في دولة الحق والقانون.
ونشير هنا إلى الاعتراف الرسمي قبل سبع سنوات، وبعد سبعة وثلاثين عاما من تأسيس الاتحاد بالتحول الذي حصل لدولة الاتحاد، و ذلك بالإخفاق في مجال حقوق الإنسان، كما أكد ذلك تقرير رسمي قدمته حكومة الإمارات للأمم المتحدة بتاريخ 4 كانون الأول/ ديسمبر عام 2008 وأشار إلى أهم التحديات التي تواجه الحكومة في مجال حقوق الإنسان، ومنها:
• مسايرة القوانين المحلية والدولية في مجال حقوق الإنسان، والتحديث المستمر لها، ومحاولة توفير الآليات المناسبة لتطبيقها في بيئة تناسب مجتمع الإمارات.
• تعزيز قدرات الدولة في مجالات التعليم والتثقيف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ووضع الخطط الوطنية لذلك.
• وضع قوانين مناسبة للعلاقة بين العامل وصاحب العمل؛ مما من شأنه أن يحفظ الحقوق والكرامة لكلا الطرفين، ويساعد على تسيير الأعمال بسلاسة أكثر.
فما الذي فعلته الحكومته بعد إصدار هذا التقرير لتعزيز واقع حقوق الإنسان؟ ولماذا تراجعت للوراء وتخلفت أكثر في المضمار ولم تتقدم إلى الأمام؟
ولماذا تصاعدت وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان بضراوة لم يعرفها من قبل تاريخ الإمارات؟
لمصلحة من يتم تهديم عزة الإتحاد وتخريب الأسس التي شادها الآباء المؤسسون؟
وما جدوى الحرب الشرسة التي تستهدف دعاة الإصلاح والتطوير؟ ولماذ يستميت بعض النافذين في تشويه رجال الإصلاح والتحريض عليهم وإذكاء نيران الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع الإماراتي؟
هل حان الوقت ليقف الجميع وقفة مراجعة للسياسات الأمنية الأخيرة والتي تجاوزت كل الأعراف الإنسانية والأخلاقية؟
وهل يمكن أن نحتفي بذكرى التأسيس بإحياء أهداف الاتحاد والعمل على تجديدها في النفوس والنضال من أجل تجسيدها على أرض الواقع؟
نتمنى أن تتضافر كل الجهود الخيرة للتذكير بأهداف الإتحاد والعمل معاً من أجل مستقبل أفضل تشرق في جنباته شمس الحرية والعدالة والكرامة.
(عربي 21)