عيال زايد وجماعة كولن
إسماعيل ياشا - إعلامي تركي
دولة الإمارات العربية المتحدة التي يقودها منذ فترة ولي عهد أبي ظبي محمد بن زايد وجماعة كولن التي يتزعمها المدعو فتح الله كولن المقيم في مزرعة بولاية بنسلفانيا الأمريكية بينهما تشابه كبير في بعض الجوانب. ولا يقل لي أحد مستنكرا: “إن الأولى دولة والثانية جماعة فكيف تتشابهان؟”، لأني لا أقول “بينهما تطابق تام”، بل أشير إلى صفات مشتركة تجمع “الولد المدلل” و”الخواجا المزيف”.
كلا الرجلين مثير للجدل، وكلاهما يرى “الإسلام السياسي” عدوه الأول ويحاربه بشتى الوسائل، وكلاهما يعتقد أن مفتاح قلوب الغربيين في إرضاء تل أبيب ويتواصل مع الكيان الصهيوني، كلاهما مهووس يريد أن يلعب دورا أكبر من حجمه، وكلاهما جبان لا يجرؤ على القتال وجها لوجه، بل يغدر ويتآمر ويتستر وراء الآخرين ويستقوي بهم.
ولكن الأبرز والملفت للانتباه في الصفات المشتركة بين الرجلين كرههم الشديد لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لدرجة الاستعداد لفعل أي شيء والاصطفاف مع أي أحد للنيل منه. ولكن هذا الفجور في الخصومة لم يضر أردوغان بقدر ما ضر كولن وألحق بجماعته خسائر فادحة، والعاقبة نفسها في انتظار عيال زايد إن لم يكفوا عن عداءهم لتركيا ورئيسها المنتخب.
جماعة كولن شنت ضد أردوغان والحكومة التركية حربا ضروسا بهدف إسقاطهما، وسخَّرت جميع إمكانياتها للانتصار، واستغلت وسائل الإعلام التي تملكها في ترويج الدعايات السوداء لتشويه صورة أردوغان، وحاولت أن تظهر حكومة حزب العدالة والتنمية أمام الرأي العام العالمي داعمة لــ”داعش” لتحريض الدول الغربية ضد تركيا، ولم تترك أحدا من خصوم أردوغان في الداخل والخارج إلا وتحالفت معه لتتآمر ضد الرئيس التركي. وقبل أن تكشف عن وجهها، ضربت تحت الحزام ودعمت أحداث “غزي باركي” والمظاهرات التي خرجت ضد الحكومة، ثم حاولت الانقلاب على الإرادة الشعبية عن طريق خلاياها في الأمن والقضاء بدعوى محاربة الفساد، ودعت إلى التصويت لحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحتى حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات المحلية والرئاسية والبرلمانية، إلا أنها فشلت في إسقاط الحكومة التركية والنيل من أردوغان، ومنيت بهزيمة مدوية، وتلقت ضربات قاتلة.
وفي بداية الأزمة وقبل اشتداد الصراع بين جماعة كولن والحكومة التركية، التقيت أحد الكتاب المنتمين إلى الجماعة، وقلت له إن الأفضل للجماعة أن تصبر وتنتظر إن كانت تشعر بأنها مظلومة وأن لا تفجر أبدا في الخصومة، ولكن الجماعة تمادت – مع الأسف الشديد – في أعمالها العدوانية ومؤامراتها التي تستهدف أمن تركيا واستقرارها، وكلما خسرت المعركة أمام إرادة الشعب التركي ووعيه اشتدت عداوتها لتركيا ورئيسها وحتى شعبها، وبدلا من الرجوع عن أخطائها مضت قدما حتى وصلت إلى نقطة لا يمكن العودة منها، وحكمت على نفسها بالتصفية.
الإمارات، مثل ما فعلت جماعة كولن، تشن حربا ضروسا ضد تركيا وحكومتها ورئيسها، وتسعى عبر وسائل إعلامها لتشويه صورة تركيا من خلال نشر الأكاذيب والمغالطات، وتقف إلى جانب كل من يعادي أردوغان. ولكنها هي الأخرى تطعم مرارة الهزيمة ووجع الصفعة كلما خرجت تركيا من المعركة منتصرة. وهي أيضا لا تجرؤ على مواجهة تركيا إلا من خلال النباح – كالجرو المزعج – متسترة وراء هذه الدولة أو تلك، كما تؤيد اليوم روسيا وتصطف معها وتدعو لها بالنصر أملا في أن ينال بوتين من أردوغان.
يسألني كثير من الإخوة الغيورين على تركيا وأمنها واستقرارها: “لماذا لا ترد أنقرة على استفزازات الإمارات؟”، وأقول لهم إن الجواب سهل للغاية لا يحتاج إلى تفكير طويل أو تحليل مفصَّل، وهو أن تركيا منشغلة اليوم بصراعها مع الكبار مثل روسيا، لأنه هو الأهم، وأما الجرو المزعج فمهما كبر إزعاجه لا يتعدى النباح، وكما قال العرب: “لا يضر السحاب نبح الكلاب”.
إن عدم رد تركيا على الإمارات اليوم لا يعني أنها سوف تسكت دائما على عدوانيتها واستفزازاتها، وأخشى أنها بقيادة “الولد المدلل” تسير نحو نقطة لا يمكن العودة منها، دون أن تتخذ عبرة من جماعة كولن وعاقبتها.