صحيفة لندنية .. السعودية والإمارات تسعيان بتفجير نموذج التعاون الخليجي

صحيفة لندنية .. السعودية والإمارات تسعيان بتفجير نموذج التعاون الخليجي

شكل الموقف الذي اتخذته كل من الإمارات والسعودية والبحرين خلال القمة الخليجية التي عقدت مطلع الشهر الحالي في الكويت وتخفيض تمثيل الدول الثلاث بشكل غير مسبوق في القمة، منعطفا كبيرا في تاريخ مجلس التعاون الخليجي ما يهدد بتفجير هذا النموذج الذي اعتبر الاكثر تماسكا في المنطقة العربية على مدى السنوات الماضية.

ومع دخول  الأزمة الخليجية التي  شهرها السابع من عمرها منذ فرضت ثلاث دول من مجلس التعاون وهي السعودية والإمارات والبحرين حصارا على قطر، مرحلة عميقة من التباين في المواقف، ونَزَعت نحو وجهة حاسمة، كرست بشكل جلي قطيعة نهائية بين الطرفين.

واتضحت من خلال مواقف السعودية والإمارات من القمة، وسعيهما لإفشالها بالرغم من المحاولات المستميتة التي بذلها أمير الكويت للمضي بهذا المجلس نحو المستقبل، في مواجهة التحديات التي تعصف باستقرار المنطقة، نوايا الثنائي الذي أعلن تزامنا مع الموعد المرتقب تشكيل لجنة مشتركة بينهما.

وتناقلت وسائل الإعلام الدولية خبرا عابرا بثته وكالة «أنباء الإمارات» صبيحة الموعد المحدد في الكويت، في وقت كانت عدسات الكاميرات موجهة نحو بهو المطار انتظارا للملك السعودي، الذي وردت أخبار مؤكدة من الرياض إعلانه المشاركة في الاجتماع.

لحظة الانتظار تلاشت سريعا مع تأكد أن ثلاثي الحصار، يبيّت نيته، في إفشال الموعد، بعد اقتصار مشاركة قادته، على مسؤولين من الدرجات الدنيا، فتبين الأمر، حقيقة مطلقة، ليجسد تشكل قطبين متنافرين، الأول يضم الكويت وقطر وعمان، يقابله ثلاثي الحصار.

اختتمت قمة الـ 90 دقيقة الأقصر والأسرع في تاريخ مجلس التعاون، لكن أبعادها كانت أعمق بكثير من زمن اللقاء الذي كشف تفاصيل وأبعاد الأزمة التي يفتعلها الثنائي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لزعزعة استقرار المنطقة، متجاوزين المخاطر المحدقة ببيتهما أولا، قبل أن تكون لها ارتدادات على العواصم الأخرى.

لم تكن حادثة القمة الخليجية، الرهان الأول والأخير للرياض وأبو ظبي في محاولاتهما المستميتة فرض الوصاية على دول المنطقة، فسريعا تكرست هذه النزعة مع قمة اسطنبول من أجل القدس بخفض تمثيلهما كالعادة بالرغم من أهمية الموعد لتجسيد مواقف عاجلة حيال الأزمة التي تشهدها القدس منذ إعلان ترامب قراره نقل سفارة واشنطن.

وتزامنا مع القمة التي حضرها قادة من عدة دول، وصلوا تركيا تحركهم التطورات الحاصلة في بيت المقدس، عقد الثنائي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لقاء مشتركا كشفا فيه علانية عن موقفهما من التطورات الحاصلة في المنطقة ليبتعدا أكثر عن الإجماع الحاصل حول القضايا المصيرية للأمة.

قمة اسطنبول لم تكن الأخيرة في مسار قادة الرياض وأبو ظبي لتعميق الشرخ في البيت الخليجي، والعربي، والإسلامي، فقد تلت الأمر سلسلة من القرارات والمواقف المتتابعة التي تجسد نهجهما وتفضح خططهما في تعزيز نفوذهما بما يخدم مصالحهما.

ومؤخرا سعى الثنائي لإعادة ترتيب البيت اليمني مجددا بمحاولة استقطاب تيار الإصلاح للعبتهما كمحاولة أخيرة لإعادة ترتيب المشهد الضطرب في البلد منذ قادت الرياض حربها تحت راية التحالف الذي تقوده بالشراكة مع أبو ظبي مع كل ما رافق المسار من تدمير للقدرات بكلفته المادية والإنسانية التي جعلت ملايين الأشخاص يعانون من الجوع وتفتك الأمراض بهم.

مقاطعة شعبية

دول الحصار لم تعد تكتفي بالبعد السياسي في أزمتها المفتعلة مع قطر، وهي تمضي في مسار طويل من القرارات التي تهدف إلى فرض المزيد من القرارات التي تصب في جعل المقاطعة شاملة ووصلت حد الخصومة في كل مناحي الحياة.

ونقلت وسائل إعلام عديدة خبر تنحية رئيس اتحاد الكرة الإماراتي السركال، بعد لقاء عابر جمعه بنظيره القطري في تجمع في تايلاند.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر مع موجة استياء شديدة من هذا النهج في معاقبة مسؤول لسبب واحد أنه احتضن شخصا من دولة تفرض عليه حكومة بلاده حصارا.

ورسخ الموقف الجديد من قيادة أبو ظبي، شرخا ليس بالسهولة علاجه بيسر مع ما سيترتب عنه من قرارات لاحقة، واتخذ السركال هدفا لتأكيد هذا الحصار ليصل حد المقاطعة الشعبية مع الدولة الشقيقة لهم وهي قطر.

دول الحصار لم تكتف بهذا القدر من القرارات التصعيدية، وأعلنت لاحقا رفضها المشاركة في البطولة الخليجية التي ارتأت الدوحة نقلها للكويت، كفرصة أخيرة تمنح الدول المفتعلة أزمة معها فرصة إنقاذ أحداث الكروي الذي علقت عليه شعوب الدول الست زائد اليمن والعراق آمالا بإمكانية تجاوز الخلافات السياسية.

وقررت الكويت والدوحة ومسقط وبغداد وصنعاء المشاركة في البطولة ولو تخلفت عنها الرياض وأبو ظبي والمنامة في تحد مباشر لمحاولات الأخيرة الغطرسة والتفرد في القرار الخليجي.

وتشي المؤشرات الأخيرة والرسائل الواردة من دول الحصار، أن مسار المصالحة، وقعت شهادة وفاته، متجاوزة جهود عدة رعتها عدد من الدول وعلى رأسها الكويت، ونسفت جميع المحاولات المبذولة من قبل عدد من الأطراف الدولية.


وغرست القرارات الأخيرة للرياض وأبو ظبي خنجرا ساما في جسم مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت نفسه وضحت بشكل جلي التحالفات الموجودة والتي تشكلت بحكم الواقع.

وتستعد الدول المتضررة من سياسات ثلاثي الحصار في البيت الخليجي التعامل مع الواقع الجديد بما أفرزه من تحديات، وتجابه المخططات التي يرسمها محمد بن سلمان مع حليفه محمد بن زايد والتابعين لهم من مجلس التعاون الخليجي، أو العواصم الأخرى التي تغرد معهم.

وتوصلت الدوحة لقناعة راسخة أنها ستستكمل مسارها بعيدا عن الإملاءات والضغوط التي تسعى لفرضها عليها جاراتها، بعد أن تجاوزت بإصرار مخططاتها الهادفة لزعزعة استقرار البلاد، وتمضي لتجسيد خططها التنموية لتحقيق نهضتها الشاملة التي جعلت منها قطبا استراتيجيا على المستويين الإقليمي والدولي.

وأعلن المسؤولون القطريون في مناسبات عدة تجاوزهم للحصار المفروض عليهم، وشيعوه بشكل نهائي، وطووا الصفحة للمضي نحو المستقبل بثقة وعزم بعيدا عن أي ضغوط مهما كانت.

الكاتب