صراع النفوذ للسيطرة على المهرة ما بين الامارات والسعودية

صراع النفوذ للسيطرة على المهرة ما بين الامارات والسعودية

تثير التحركات السعودية المتصاعدة في محافظة “المهرة” في أقصى شرق اليمن، على الحدود مع سلطنة عمان جدلاً محلياً وإقليميا، كما تسلط الضوء على "صراع النفوذ" بين الإمارات والسعودية في اليمن، وسعياً من قبل الرياض لاستنساخ تجربة أبوظبي في عدن، لا سيما لما تشكله محافظة المهرة من أهمية استراتيجية خاصة وأنها مجاورة لسلطنة عمان التي أعربت عن قلقها من التحركات العسكرية في محافظة المهرة التي تعتبرها سلطنة عمان امتدادا استراتيجيا لها، والتي ترتبط بها بتداخل تاريخي وجغرافي وعائلي.

وكانت مصادر محلية في محافظة المهرة شرق اليمن أكدت الأسبوع الماضي  أن السعودية دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة الى المحافظة تضم مدرعات وعربات مصفحة وسيارات شرطة وعربات نقل وأطقم ودبابات وحاويات ممتلئة بصناديق الذخيرة والقذائف متنوعة الأحجام.

ويحتدم السباق المحموم على فرض السيطرة والنفوذ بين الرياض وأبوظبي في المهرة، وسط مخاوف لدى سلطنة عمان من حالة العبث والتحشيد العسكري الذي تشهده المهرة باعتباره تهديداً للأمن القومي للسلطنة، خاصة من التحركات الاماراتية المشبوهة، وحالة العداء الخفي بين الجانبين.

وأفادت المصادر، أن 200 شاحنة نقل عسكرية عملاقة تحمل معدات عسكرية سعودية وصلت الى الغيظه عاصمة محافظة المهرة وتوزعت في بعض سواحلها ومديرياتها ، وتحمل على متنها عتاداً عسكرياً متنوعاً.

وقال إن العتاد الذي شملته التعزيزات تنوع بين سلاح الدروع والدبابات والعربات والأطقم العسكرية وسيارات الشرطة، وآليات أخرى تتبع الجهاز الإداري المدني.

وهذه هي المرة الثانية التي تدفع فيها السعودية بتعزيزات عسكرية الى المهرة، حيث وصلت دفعة سابقة في نوفمبر 2017.

وفيما تبرر وسائل إعلام سعودية وإماراتية أن التحركات السعودية الإماراتية في المنطقة تتم في إطار تحالف دعم الشرعية، وبالتنسيق مع سلطات “الشرعية” في المنطقة بغرض تنموي، وخيري،عبر “مركز الملك سلمان”، وقبل ذلك أمني لمنع تهريب السلاح من إيران للحوثيين عبر الحدود مع عُمان، هو ما نفته السلطنة مرات عدة.

وتعتمد وسائل الإعلام ذاتها في تبرير هذه الرواية على تقارير استخباراتية أمريكية وأممية، نفتها مسقط بشدة.

من جهتها أعطت وسائل إعلام محسوبة على إيران وحزب الله بعدا “طائفيا” أيضاً لتحرك السعودية بالذات في المنطقة وتنسيقها مع محافظ المحافظة راجح باكريتالذي ضغطت الرياض لتعيينهلإعطاء دور مؤثر لجماعات سلفية في مدينة قشن، ثاني أكبر مدن المحافظة، وذلك بالتزامن مع وفد عسكري”سعودي للمحافظة، التقى بشخصيات محسوبة على هذا التيارهناك.

في المقابل يرحب المحافظ بالدعم السعودي لتنمية المنطقة،وفك العزلة عنهما عبر إعادة تشغيل مطار “الغيضة” الدولي، الذي تم تدشين اول رحلة من السعودية قبل نحو أسبوعين.

 

وفي المقابل وفيما يأخذ محللون بعين الاعتبار كل هذه الأبعاد والمعطيات، فإنهم يقرأون التحركات السعودية، كذلك ضمن محاولة للضغط على مسقط في ما يخص موقفها من أزمة اليمن وأيضا قطر، وعلاقاتها مع إيران. كما لا يستبعد محللون أن تدخل السعودية “المتأخر” في المنطقة جاء للحاق بـ”التمدد” الإماراتي في المنطقة بعد “تمدد” مشابه، بل وأكثر تأثيراً في جنوب اليمن.

واللافت أن السعودية تحاول “استنساخ” في “مهرة” ما قامت به الإمارات في جنوب اليمن، وعدن بالذات، بتحريك قوات عسكرية محسوبة عليها وإعادة رسم الخارطة السياسية والأمنية في المنطقة لصالحها، مخاوف حتى من “عسكرة” المنطقة، التي ضلت في منأى عن الحرب اليمنية والسيطرة “عسكريا” على المنافذ الحدودية بين اليمن وسلطنة عٌمان، بكل ما لذلك من أبعاد وتداعيات.

بالمقابل تعزز الامارات حضورها العسكري الكبير في محافظة المهرة بين حين وآخر ، وسط سباق على السيطرة العسكرية، حيث أرسلت في نوفمبر الماضي قوات الى هناك وتدفع باتجاه تشكيل ما تسميها قوات النخبة المهرية الموالية لها على غرار تلك التي أنشأتها في شبوة وحضرموت وكذا الحزام الامني في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، ما يضاعف قلق سلطنة عمان التي تعتبر محافظة المهرة جزءًا من أمنها القومي.

المخاوف العمانية من تحركات الامارات بالقرب من حدودها في الجانب اليمني سبق وأن أشارت له صحيفة واشنطن بوست الامريكية حين قالت إن عُمان تعبر عن قلقها إزاء تطوير إماراتي محتمل لقاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى اليمنية عند مدخل خليج عدن وان ذلك قد يهدد استثمارات تمولها الصين في مشروع الميناء العماني بالدقم، أو بشكل عام لتطويق السلطنة بشكل استراتيجي.

وتعد محافظة المهرة ثاني أكبر المحافظات اليمنية لجهة المساحة بإجمالي 82405 كيلومترات مربعة بعد محافظة حضرموت، والأقل لجهة الكثافة السكانية، إذ يبلغ عدد سكانها وفقاً لآخر الإحصاءات 122 ألف نسمة، أي ما نسبته نصف في المائة من مجمل سكان البلاد.

اختلاف الاجندات

وطوال الثلاثة أعوام الماضية استطاعت الإمارات أن تجد موضع قدم لها في كل من إرتيريا والصومال، وتوصلت إلى تفاهمات مع الدولتين لبناء قواعد عسكرية وتحديث وإدارة بعض موانئها، أي أنها تسيطر تمامًا على الضفة اليمنية المشرفة على مضيق باب المندبمع سعيها للسيطرة على محافظة حضرموت اليمنية وميناء المكلا على بحر العرب؛ .

ووفق محللين تبدو الإمارات مصممة على المضي باستراتيجيتها الواضحة في السيطرة على جنوب اليمن، باعتباره منصة القفز الرئيسة إلى النفوذ البحري في الشرق الأوسط، وإقناع القوى الدوليّة الكبرى بأهليتها لممارسة الدور السعودي التاريخي كوكيل رئيسي في المشرق العربي والخليج، بينما تبدو السعودية بلا أي رؤية لما أرادته من حملتها العسكريّة، وبلا أي استراتيجية لمواجهة هذا التغوّل الإماراتي في اليمن والبحر الأحمر.

وتشير تقارير أنه في حال ما إذا قررت السعودية تدارك وضعها وقررت استرجاع ما بذلته للإمارات في مقابل دعمها؛ فهذا يعني تأجيل التسوية السياسيّة في اليمن. ويعني أيضًا قدوم معركة طاحنة بين السعودية والإمارات ستدور رحاها في اليمن أولًا، وستكون معركة هامّة؛ لأن مدى التوسع والتوغل والقمع الإماراتي في الجغرافيا والمجتمع السياسي اليمنيَّيْن، يؤكد أنها تضع كل ثقلها السياسي والمالي والعسكري لاغتنام هذه الفرصة التاريخيّة لوراثة التركة السعودية، وبوابة هذا الطموح هو إحكام السيطرة على الساحل اليمني الخَطِر.

الكاتب