القانون والتشريعات،، في خدمة قمع الحريات!!

القانون والتشريعات،، في خدمة قمع الحريات!!

القوانين وُضِعَتْ لِتُختَرَق!

هذه العبارة ترددت كثيراً عبر العصور بلسان الطغاة والجبابرة، وهي تُلخّص فعلاً ما كان يحدث ولا زال من اختراقٍ وانتهاكٍ للقوانين المدنية والجنائية والاجتماعية والإنسانية.

لكنَّ عصرنا الحالي، يشهد عبارة "أفظع" من تلك القديمة، فصار الشعار اليوم: (القانون في خدمة القمع)!

حيث أصبحت الحكومات والسلطات الظالمة تجري "تعديلات دستورية" على التشريعات لتخدمَ مخططات وأهداف السلطة التشريعية والحاكم، وشهدت الدول العربية العديد من حالات التعديل الدستوري خاصة بالسنوات الأخيرة، (أبرزها مصر وسوريا والإمارات والبحرين) التي ظهرت فيها حالات القمع السياسي وقتل حرية الرأي والتعبير بشكلٍ كبير، ما جعل هذه الدول تتصدر العالم في قمع الحريات.

ومن باب "التَّـفـلْسُف"، تجد الحكام يؤكدون توفير الحقوق للمواطنين، وحرصَهم عل نيل الشعب حقوقه الرئيسية، وهم فعلاً يقدّمون للمواطن حقَّ التعليم والصحة والتغذية، في حين أنهم يسلبونه حقَّ التعبير وحرية الرأي، وكان لا بدَّ هنا وللضرورة التذكير بأنّ خصائص حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة, فلا يمكن توفير الحق في التعليم والصحة وغيرها من المتطلبات، في حين تُمنَع الحقوق السياسية والاقتصادية, فالحقوق كلها واحد لا يمكن تجزئتها, وغير قابلة للتصرّف، بمعنى أنّه لا يمكن التنازل عنها.


"قمع الحريات" قانوني في الإمارات:

(إثارة الفتنة)، (الإضرار بالوحدة)، و(الإضرار بالسلم الاجتماعي)، هذه المسميات وغيرها استُخدِمت في الإطار التشريعي الإماراتي لقمع حرية التعبير، وتبرير ملاحقة أي شخص يحاول التعبير عن رأيٍ لا ينسجم مع الموقف الرسمي الإماراتي، بحسب العديد من المراقبين.

كما ثبتَ التحايل على ألفاظِ القانون في أكثر من حالة ومحاكمة غير عادلة بالفترة الأخيرة التي مرّت بها البلاد، فمثلاً تنصّ المادة (21) من  "قانون مكافحة الإرهاب" الإماراتي لعام 2014م على: (عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة لمن ينظم أو يدير "منظمة إرهابية")، ويسمح تعريف القانون للنشاط الإرهابي بشكلٍ "عائمٍ وفضفاض"، يسمح للسلطات بتحديد أيِّ فعلٍ تراه المحاكم معارضًا للدولة أو ينشرُ الخوف، أو يهدّدُ الوحدة الوطنية على أنه إرهاب!

وأيضًا تسمح المادة (180) من قانون العقوبات بعقوبة أقصاها 15 عامًا في السجن لِمَنْ (أدار جمعية أو هيئة أو منظمة... أو فرعًا لإحداها، تهدف أو تدعو إلى قلب نظام الحكم في الدولة)، ويسمح قانون مكافحة الإرهاب بعقوبة الإعدام للأشخاص (الذين تعتبر أنشطَتُهم تقويضًا للوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي)، ولا يُعرِّف القانون أي منها أبداً.

ثم اعتمدت الإمارات قانون "مكافحة التمييز" في يوليو/تموز عام 2016م، وهذا القانون (يُجرّم بثَّ أو نشرَ أو نقلَ أي مواد استفزازية بأي وسيلةٍ كانت، بما في ذلك وسائل الإعلام أو الإنترنت)، ليتسنى للدولة معاقبة كل من يستخدم وسائل الإعلام لإيصال فكرة أو هدفٍ لا يتماشى مع الحكومة.

أما التعديلات التي أُضيفَتْ لقانون العقوبات في ديسمبر/كانون أول 2016م، فيكفي القول إنّ المادة (182) المُدرجة فيها تنصّ على أنه: (يُعاقَب بالسجن مدة لا تقلُّ عن عشر سنوات كلُّ مَن استغلَّ الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكارٍ من شأنها إثارة الفتنة، أو الإضرار بالوحدة أو السلم الاجتماعي).

كما تسمح المادة (288) من قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" الإماراتي بعقوبةٍ تتراوح بين 3 و15 عامًا في السجن (لِمَن ينشر أي شيءٍ على الإنترنت من شأنه تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام)، بينما خصصت المادة (166) من قانون العقوبات الإماراتي بعقوبة أقصاها عشرة أعوام في السجن لأي شخص (يرتكب أيَّ عملٍ عدائي ضدَّ بلدٍ أجنبي يمكن أن يُعرِّضَ الإمارات لخطر الحرب، أو قطع العلاقات الدبلوماسية)، بما فيها تُهمة "الإساءة لرئيس أجنبي" التي اعتُقِلَ من أجلها الناشط الكبير "ناصر بن غيث" حين انتقد جرائم السيسي في ميدان رابعة بجمهورية مصر العربية، فاعتُبِرَ ذلك بمثابة إهانة لرئيس مصر تستحق العقاب "قانونيًّا"، وأُفرجَ عنه بعد 4 شهور ثم اعتُقلَ مجددًا لأنه انتقد بناء معبد هندوسي في الإمارات البلد المسلم، فتمّ تلفيق تهمة الارتباط بمنظمة إرهابية!!

وهناك غموضٌ كبير في عقوبة "سحب الجنسيات" التي تقع على مَنْ يثبت (تصرفهم بما يناقض واجب الولاء)، وهي اتهامات مُبهَمة وفاقدة للمعايير يتم استخدامها سلاحاً بوجه النشطاء الحقوقيين والإصلاحيين.
غموضٌ كذلك في بعض نصوص "قانون التجمعات"، والتي تُـتيحُ للسلطات فضَّ التجمعات (بناءً على أي سبب يُخِلُّ بالنظام العام)، في وصفٍ تغيبُ عنه المحدِّدات بما يفسحُ المجالَ لممارسةِ الكثير من التعسف والتضييق "القانوني"!.

ويؤكد "المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان" -ومقره جنيف- على أنه: (تعمّدت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة صياغة مواد التجريم والعقاب بشكل عام وفضفاض، من أجل التمكن بسهولة من ملاحقة الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدوّنين والمغرّدين وحبسهم لِـمُدَدٍ طويلة، فقد خلَا تعديل قانون العقوبات و"المادة/182 مكرر" من صياغة دقيقة تلتزم الضوابطَ المعتمدة في مجتمعات ديمقراطية حين تقييد الحريات، وأهمها الضرورة والتبعية والتناسب والهدف المشروع).

وفي تقرير المركز الذي نُشِر مطلع مارس/آذار 2017م، أكد المركز على أنَّ: (العام 2016م شهدَ انتهاكات خطيرة، تعرض لها مواطنون إماراتيون، وأيضًا أجانب)، وأحصى المركز محاكمة 116 شخصًا من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في ذلك العام، وجاء في تقرير المركز: (أوضاع حقوق الإنسان لم تتحسن في الإمارات خلال العام المنقضي، وأن الانتهاكات تضمنت ممارسة التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والحرمان من الجنسية)، واستشهد المركز في ذلك بالقضية المعروفة باسم (الإمارات 94)، التي حُوكِمَ فيها 94 ناشطًا بسبب تقديمهم عريضة موقعة من نخبة ورموز البلاد الفكرية والسياسية والاقتصادية والدينية توضّح انتقادهم سياسات السلطات الإماراتية، وفيها توصياتهم وخبراتهم للإصلاح السياسي وبكل المجالات.

يذكر أن غالبية سجناء الرأي في الإمارات يوضعون في سجن «الرزين» الذي احتلَّ قائمة السجون العشرة الأسوأ سمعة في الوطن العربي، حسب تقرير لـ"المركز الدولي لدراسات السجون" الصادر عام 2016م، إذ يتعرض المعتقلون للتعرية التامة من أجل الخضوع للتفتيش، ويخضعون للتعذيب كالضرب بالكرابيج، ووضع العصا في الدبر، ونزع الأظافر، والكي بالكهرباء، والضرب المبرح، والتبريد الشديد، وغيرها من أبشع طرق التعذيب النفسي والبدني.

ويُعقّب نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" السيد "جو ستورك" بالقول: (تلاحق السلطات الإماراتية كلَّ شخصٍ لا يلتزم بتوجهاتها، والفضاء الافتراضي أصبح مكانها المفضل لاصطياد المنتقدين والمعارضين، إنّ الانتهاكات المتعلقة بحرية التعبير، ومعاملة السلطات السيئة للمحتجزين، تُعدّ أسبابًا كافية للشعور بقلق كبير)، وقد أشارت "منظمة العفو الدولية" في تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2017/2016 إلى: (استمرار شيوع حوادث الاختفاء القسري بالإمارات، والمحاكمات الجائرة للناشطين ومعتقلي الرأي، وتعرض المحتجزين للتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة).

ومن جانبٍ آخر تجد السلطات والحكام يستخدمون الإعلام بكامل الحرية لتنفيذ وخدمة أفكارهم، لتنكشفَ -كلَّ يومٍ- دكتاتورية وفاشية النظام الحاكم، وإفلاسها في حل الأزمات التي تواجه الوطن والمواطن، ضمنَ غيابٍ تامٍّ لأيِّ رؤية إصلاح سياسي أو غيره، والاعتماد بشكلٍ كبير على الأبواق الإعلامية للسلطات؛ لتغييبِ العقول وتزييفِ الحقائق وتشويه صورة المعارضين وكل من يرفع شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وقد كان أحد المفكرين بالغرب صادقًا عندما قال: (إن لم تحترسْ من وسائل الإعلام المأجورة، فإنها سوف تجعلك تكره المظلومين وسوف تجعلك تعشق الطغاة!).

 

 

 

الكاتب