سجن الرزين: غوانتانامو الإمارات،، لقتل الكرامة والحريات!!

سجن الرزين: غوانتانامو الإمارات،، لقتل الكرامة والحريات!!

هو سجنٌ مثل أي سجون العالم، لكنه لا يشبه أي سجنٍ في هذه الكرة الأرضية، حيث تخطّت فيه الانتهاكات البشرية حدود المعقول، خاصةً وأنه في دولة يفترضُ أنها "مسلمة"، ولا يكاد يمتّ هذا السجن ومَنْ فيه مِنَ السَّجَّانين للإسلام بأيِّ صلة!

سبب تسميته "غوانتانامو الإمارات"، هو أنّ الأخبار المسربة عن طرق التعذيب فيه للمعتقلين أعادتْ للأذهان أكبرَ فضيحةٍ حقوقيّةٍ على مستوى السُّجون بالعالم، والتي كان بطلَها سجنُ غوانتانامو الأمريكي (سيء السمعة)، حيث عُذّبَ فيه العشرات من الأبرياء من مختلف الجنسيات (أفغان وهم الأكثرية قرابةَ الثُّـلث، وسعوديون ويمنيون وجزائريون، وجمعهم مسلمون من السُّـنَّة)، كلهم عُذِّبوا وتمَّتْ معاملتُهم بما لا يطيقه البشر حتى وصلت إلى موْتِ بعض السجناء داخل زنازينهم من التعذيب (منهم السعوديان: ياسر الزهراني وعبد الرحمن العامري).

ويقع المعتقل الأمريكي في "خليج غوانتانامو"، وبدأت السلطات الأمريكية باستعماله سنة 2002م، وذلك لسجن من تشتبه في كونهم إرهابيين، ويعتبر السجن "سلطة مطلقة" لوجوده خارج الحدود الأمريكية، في أقصى جنوب شرق كوبا، ولا ينطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان إلى الحد الذي جعل "منظمة العفو الدولية" تقول أنَّ معتقل غوانتانامو الأمريكي يمثل "همجية هذا العصر"!.

تماماً كما يحدث في الإمارات داخل أسوار "الرزين"، الذي يمثل همجية "محمد بن زايد" وأجهزته الأمنية ومرتزقته الذين يستعين بهم من خارج الدولة، ومكانه في قلب الصحراء على بعد نحو 100 كم من العاصمة أبو ظبي، أنشأه "محمد بن زايد" ليكون مقبرةً بحقِّ النشطاء والمعارضين السياسيين، دُشِّنَ عام 2010م ويخضع مباشرةً لإشراف وزير الداخلية "سيف بن زايد"، فكان اللقب بمنتهى الجدارة والحقارة "غوانتانامو الإمارات"، في حين سماه البعض "أبو غريب الإمارات"!.
ولكن الفارق أنَّ "غوانتانامو الأصلي" أطلق سراح الأغلبية من سجنائه، واحتفظ فقط بحواليْ 40 شخصاً (من أصل 800) في حين "غوانتانامو الإمارات" لا يوجد فيه أدنى احتمال لإطلاق سراح أي بريء، بل حتى من أنهوا مدة محكوميتهم لم يُفرج عنهم (مثل أسامة حسين النجار)!

من هم نزلاء الرزين؟!

إنَّ المعتقلين داخل هذا السجن، أغلبهم نخبة من علماء ومسئولين حكوميين ورموز لامعة في الدولة، قضَوْا حياتهم في خدمة الإمارات وشعبها، لكنّ جريمتهم العظمى كانت أنهم خالفوا رأيَ الحاكم الفعلي "محمد بن زايد"، وحاولوا تقديم مقترحات وتوصيات للإصلاح في البلاد بشتى المجالات، ضمن عريضة أسماها الشعب "عريضة الإصلاح"، نسبةً لهدفها وأنَّ مُقدّميها كانوا مِن دعاة الإصلاح، وعُرفت بـ"عريضة مارس".

كانت هذه الجريمة وما زالت هي السبب في زجّ هؤلاء الأبرياء والشرفاء من الأكاديميين والعلماء والحقوقيين والناشطين وحتى المغردين عبر تويتر، كلهم حوكموا في مسرحية هزلية من القضاء الإماراتي "المأجور"، وسُحبت جنسية بعضهم، وسُلِبَت أموالهم وصودِرتْ شركاتهم، وسُجنوا داخل هذا المعتقل البغيض، لأحكامٍ متباينة بين 3 سنوات مع غرامة مالية قاسمة، إلى 10 سنوات مع 3 أخرى إضافية للمراقبة، ومنهم من وصلت محاكمته إلى 15 سنة، وكلهم بتُهم ملفقة متعلقة بالإرهاب.

ماذا يحدث داخل الرزين؟!

يعتبر مراقبون أنَّ سجن الرزين تنمحي فيه جميع القيم الإنسانية وتنعدم فيه الأخلاق ويتم معاملة المعتقلين بقساوة شديدة مما أدى إلى احتجاج كافة المنظمات الحقوقية الدولية واستنكارها والمطالبة لوقف حد لهذه المعاناة.

ويعاني المعتقلون -بدايةً- في مراكز الاحتجاز التابعة لأمن الدولة في أبو ظبي "جريمة الإخفاء القسري"، إذ يخضعون لتحقيقات تستمر لأسابيع مصحوبة بعمليات واسعة من البطش والتعذيب، وهو ما تعرض له 204 معتقلين من 13 جنسية، وفقًا لمركز الإمارات للدراسات والإعلام، ثم يتمّ نقلهم إلى الرزين ليقيموا داخل زنازين "الموت البطيء"، وبعضهم يسجن بلا محاكمات، وهناك تبدأ أسوأ كوابيسهم الحقيقية من المعاناة والتعذيب والاضطهاد والتنكيل وخدش الحياء والإهانة وسلب الحرية الشخصية وكل ما فيه انتهاك لحقوق الآدميين (نفسياً وجسدياً).
أول الحقوق الآدمية المنتهكة خلف القضبان؛ هي تحويل معتقلي الرأي إلى مجرد أرقام بلا أسماء؛ حيث تعمدت سلطات السجن تجريدهم من الأسماء وإطلاق رقمٍ على كل سجين، وثانيها هو تشويه سمعتهم وصورتهم في المجتمع على أنهم إرهابيون يسعون لقلب نظام الحكم!

ولا توجد رقابة حقوقية أو إعلامية أو حتى نيابية، كما أنهم لا يرون نور الشمس وزنازينهم معتمة بلا تهوية، ولا تتوفر مياه صالحة للشرب ولا طعام لائق، وتخلو كل الوجبات من الكالسيوم لإضعاف عظام المعتقل، وإهمال طبي مع انعدام رعاية صحية لأي إصابات نتيجة التعذيب (ما يزيد انتشار الأمراض)، بالإضافة إلى منع المعتقلين من تغيير أو تنظيف ملابسهم الداخلية، كما يُمنعون صلاة الجماعة، فضلاً عن حفلات التعذيب التي تشمل الضرب بالكرابيج، ووضع العصا في الدبر، ونزع الأظافر، والكيّ بالكهرباء، والحرمان من النوم، ومنع الأضواء، أو تسليط الضوء الشديد المباشر، والتبريد القاسي، وسياسة التجويع، والتحرّش الجنسي، وتهديدهم بذويهم كأسوأ عمليات المساومة والابتزاز الأخلاقي، وغيرها مما لم يُعرف بعد، وكما يقولون: ما خفيَ كان أعظم!

ولمن يُبدي اعتراضاً أو حتى امتعاضاً يجد نفسه في السجن الانفرادي لأيامٍ طويلة مقيد اليديْن والقدميْن بلا حراك، فالمطلوب من المعتقل أن يُعذّبَ وتُنتهَك كافة حقوقه وهو صامت خانع ذليل، وهذا ما يرفضه أحرار الإمارات.

حتى أنّه بعد استشهاد 52 من جنودنا البواسل في معركة إعادة الأمل باليمن، قدّم المعتقلون واجب العزاء للشيخ خليفة ولأسر الشهداء، ممثلة بورقة تعزية خطيّة بسيطة، فكان الردّ من إدارة السجن بالهجوم على المعتقلين جميعاً (حتى من لم يشارك في التعزية) وضربهم وسجنهم انفرادياً مع مصادرة كل ما لديهم، ومنع الزيارة نهائياً من ذويهم، وتفتيشهم بشكلٍ مهين خادش للحياء والكرامة الإنسانية، وكل ذلك بإشراف الضابط المسئول "طارق المقبالي" ومعه 40 حارساً نيبالياً!

إنّ الرهائن لدى المختطفين ليعاملون بأفضل مما يواجهه أحرار الإمارات في الرزين، لدرجة أن بعض المعتقلين يعانون من أمراض نفسية وتلاحقهم الكوابيس جراء تعرضهم للتعذيب الوحشي المستمرّ، رغم إطلاق سراحهم!

إضراب عن الطعام (معركة الكرامة):

المحامي الإماراتي والناشط الحقوقي "جاسم الشامسي"، المحكوم عليه غيابيًا (15 سنة) لدفاعه عن المحكومين، كشف ما جرى في 25 مايو/أيار 2017م، حين دخل السجن ضباط إماراتيون ومرتزقة نيباليون وانهالوا على المعتقلين ضرباً وأجبروهم على خلع ملابسهم والتحرش بهم جنسيًا، اتخذت منه إدارة سجن الرزين منهجيةً لإذلال السجين السياسي وانتهاك عرضه وخصوصيته، ما دفع بعض المعتقلين لإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام.

كما أوضح "إيراهيم آل حرم" الناشط الحقوقي البارز في تغريداته وكتاباته عدة مرات، عمليات التعذيب والانتهاكات التي يقوم بها السجان تجاه معتقلي الرزين، خاصة الجنسية، والتي دفعت المعتقلين لإعلان "معركة الكرامة" بالأمعاء الخاوية، وكان من أوائل المضربين "عمران الرضوان" الذي رفض الإهانة ودخل في حالة "صدمة نفسية"، ورفض الطعام والشراب منذ مايو 2017م حتى الآن (إلا من الماء واللبن) فتدهورت صحته كثيراً، ولم يفنى عزيمته أو تفتر!
كما أضاف "آل حرم" أن الحراس عند التفتيش وجدوا "قصاصة ورق" من 5 أعوامٍ مهملة في زنزانة "عبد العزيز حارب"، فعاقبوه بالحبس الانفرادي مكبل اليديْن والقدميْن بعد الضرب المبرح.

كما فضح "آل حرم" سياسة السجان بمنع المعتقلين من صلاة الجماعة وصلاة الجمعة تحديداً، وأشار إلى حبس "عمران" انفرادياً لمدة أسبوع كامل عقوبةً له على خاطرة مدتها 7 دقائق!

معاناة أهالي المعتقلين:

لا تقلّ معاناة أهالي وذوي المعتقلين من الناحية النفسية، ذعراً وقلقاً على أحبائهم، خاصة وأنّ يد السلطات الإماراتية طالتهم بالظلم والبطش، واختطفت العديد من ذوي المعتقلين، أبرزهم شقيقات "السويدي" الثلاثة، و"أسامة" نجل حسين النجار، وراشد نجل المحامي الشهير د. محمد الركن، وغيرهم من الأهالي الذين اعتُقلوا بلا ذنب ولا تُهمة ولا محاكمة حتى!.

وهنا مواطنة إماراتية من عائلة أحد السجناء قدمت لوسائل الإعلام "تسريباتٍ" خطّها معتقلون كشفت قدرًا مفزعًا من الانتهاكات التي تعرض لها السجناء على يد عناصر أمن الدولة ومرتزقتهم، ورفضت ذكر اسمها خوفًا من أن ينالها بطش الأجهزة الأمنية.

فتقول المواطنة (م.ح.): "إن الأهالي يشعرون بالعجز والقهر لعدم قدرتهم على مساعدة المعتقلين ولو بالتعبير، بعد تهديد أيّ شخص بسحب الجنسية بدعوى نشر أخبار كاذبة، مع الاعتقال لمدةٍ لا يعلمها أحد".

يتضح مما سبق أنّ لا أحد ينجو من أجهزة الأمن الإماراتية إذا حاول التكلم عن المعتقلين السياسيين أو الانتهاكات الحقوقية في البلاد، مهما كانت قيمته الوطنية، وأكبر مثال هو اعتقال الشيخ "كايد القاسمي" من الأسرة الحاكمة، لأنه دافع عن الحق وطالب بالإصلاح.

 

حتى الأجانب لم يسلموا من بطش الرزين:

العديد من الجنسيات الأجنبية غير الإماراتية وقعت بين براثن "الرزين" لسببٍ أو لآخر، ومن بين هؤلاء تسعة رجال أعمال "ليبيّون" اختُطِفوا لأشهرٍ طويلة، وعذبوا قبل تبرئتهم والإفراج عنهم عقب "تدخل دولي" بسبب جنسيات بعضهم المزدوجة مع دول أوروبية وغربية، وعُذِّبَ هناك أيضاً (15 مصريًا) عملوا في تخصصات ووظائف مرموقة، ولم يُعرف السبب في اعتقالهم، فضلاً عن غيرهم من الفلسطينيين والبريطانيين والسوريين واليمنيين.

فيروي المهندس الفلسطيني "خالد أحمد" ما تعرض له من صنوف التعذيب، خاصة الصعق بالكهرباء قبل الإفراج عنه بعد ثبوت براءته، ولكن بالتأكيد كان عليه أن يتلقى اعتذارًا مما لحق به فكان ذلك بطرده من الإمارات!!.

وهذا رجل الأعمال البريطاني "ديفيد هيغ" بعد اعتقاله وتعذيبه 22 شهرًا خرج بريئًا، ويختصر المشهد بالقول إنه لا يمكن الحديث عن أي وجه من وجوه العدالة في الإمارات، إذ إن محاكمته استمرت دقيقة واحدة وباللغة العربية التي لا يفهمها، وانتهى الأمر!.
ويقول "هيغ" دمروا صحتي وحياتي، ثم قالوا لي: "أنت بريء"؟!، ويضيف: "طلبوا مني دفع المال لقاء إخراجي"، ويؤكد بأنّ: "كل شيء في هذا البلاد يمكن شراؤه بالمال، السيارات والأشياء الفخمة وكذلك الشرطة والقضاء والنيابة العامة".
ويقول "خالد أحمد" إن الكوابيس ما زالت تلاحقه، لكن أقسى كابوس ماثل أمامه (أن اختفاءه أربعة شهور أصاب والده بالعمى).
أما الطبيب القطري "محمود الجيدة" الذي ذاق الويل في سجن الرزين، فيقول بكل حسرة ودموعه تسيل على وجهه: "لا توجد كلمات تعبر عما يراه المعتقلون هناك، وإن مجرد ذكر اسم الإمارات يفتح جرحا في نفسي لا يبرأ، وحتى الآن لم أفهم لماذا حدث كل هذا لي ولغيري من الأبرياء؟!".

 

الجهات الرسمية:

يُذكر أنَّ "عهود الرومي" وزيرة السعادة في دولة التسامح والسعادة، تهربت في كل مرة يُطلب منها تصريحٌ بشأن سجن الرزين وما يحدث داخله، عبر كل وسائل الإعلام المتحدثة بهذا الشأن.

بل إنَّ الأسوأ من ذلك أن بعض الأهالي ممّن تجرؤوا وزاروا النيابة ووزارة الداخلية، تفاجئوا بأنّ الجميع تبرّأ من هذا السجن، ووصل الحال بأن صرّح أحد المسئولين: "هذا السجن بالأساس أصبح لا يخضع لسيطرة وزارة الداخلية!".

الكاتب