عُمان تحاول الحد من تغوّل الامارات والسعودية في المنطقة

عُمان تحاول الحد من تغوّل الامارات والسعودية في المنطقة

بعد الزيارة التي قام بها رئيس الانقلاب المصري عبدالفتاح السياسي إلى سلطنة عمان ولقائه السلطان قابوس وما تداولته وسائل إعلام عن وساطة عمانية بين القاهرة و الدوحة لحل الأزمة التي نشبت بين البلدين منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 وتفاقمت مع نشوب الأزمة الخليجية، وصف مراقبون هذه الخطوة العمانية بمثابة ردة فعل على السياسات الإماراتية والسعودية خاصة في اليمن والتي ترى فيها سلطنة عمان تهديداً لأمنها القومي.

وعلى مدى سنوات تعيش العلاقات الإماراتية – العمانية مرحلة من التوتر الصامت والذي تزايد مؤخراً على إثر التحركات الإماراتية جنوبي اليمن،  والتي تعبرها  مسقط تحركات استهدافاً  لأمنها القومي، إضافة إلى الخلافات حول السياسة التي تنتهجها أبوظبي تجاه الأزمة مع قطر وتهميش مجلس التعاون الخليجي، والعلاقات مع إيران واتهام سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة لمسقط بدعم الحوثيين في اليمن.

كما وجهت اتهامات للإمارات بشكل غير رسمي بالوقوف وراء أحداث «صحار» التي شهدت احتجاجات ضد النظام السياسي في سلطنة عمان ، في فبراير/شباط 2011، و الكشف عن عملية تجسس قادتها أبوظبي ضد السلطنة في عام 2011 ، حيث أشارت المصادر العمانية حينذاك إلى أن تلك الشبكة كانت تستهدف رصد مناطق عسكرية وحكومية، وهو ما نفته الإمارات.

وبعد سنوات من الغضب العُماني المكتوم، وتجاهل حضور اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، وجّه الملك سلمان بن عبد العزيز دعوة رسمية للسلطان قابوس لزيارة المملكة الشهر الجاري، لكنّ السُلطان العُماني قد يستقبلها بالتجاهل، مثلما تجاهله الملك أثناء جولته الخليجية الأخيرة العام الماضي بحسب ما أورده تقرير لموقع " ساسة بوست".

كما كانت صور التقطها القمر الصناعي كشفت عن وجود قاعدة عسكرية جوية سرية في العاصمة أبوظبي تقع في منطقة نائية على الحدود مع سلطنة عُمان والسعودية، حسب ما أفادت مجلتين دوليتين نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

مساعي عمان لإنهاء الحصار على قطر

عقب أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري من داخل الرياض قبل نحو ثلاثة أشهر، كان وزير الخارجية المصري قد بدأ جولة خليجية منعًا للتصعيد، خاصة بعدما أعلن السيسي موقف مصر من الأزمة المتعارض مع السعودية: «لا نريدُ حربًا ضد حزب الله أو إيران».

المثير أنّ محطات الزيارة شملت أيضًا عُمان التي تنتهج سياسة الحياد، وهو ما جعل القاهرة التي يعجُّ تاريخها بالصراعات والتحالفات تضعها في المنفى السياسي؛ لذا بدا أنها لم تكن زيارة في سياق الأحداث، وبحسب بيان الخارجية المصرية، فقد سلّم شكري رسالة من السيسي للسلطان قابوس، وطبقًا لقواعد المراسلات الدبلوماسية، فإنّ الرسائل التي تُسلّم باليد عن طريق وزير الخارجية، غالبًا ما تُحاط بالسرية والأهمية.

وبعدما توّجه السيسي لأول مرة منذ توليه السُلطة إلى عمان، ناقش مع السلطان قابوس تسوية أزمات المنطقة، رغم أنّه عندما زار الإمارات في سبتمبر (أيلول) العام الماضي شدّد مع ولي عهد أبوظبي على استمرار التكاتف الرباعي ضد قطر.

ويبدو أنّ مصر في طريقها لتغيير استراتيجيتها تجاه الحصار، وبحسب ما نشره موقع «الخليج الجديد»، فإنّ مصر حصلت بشكل غير مُعلن على وديعة عمانية بقيمة ملياري دولار لدعم احتياطاتها النقدية؛ ضمن تفاهمات سياسية واقتصادية بين القاهرة ومسقط، إضافة إلى دفعة ثانية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، في إطار صفقة ترعاها عُمان لتفكيك الأزمة الخليجية، اللافت للنظر أنّ الكاتب السعودي جمال خاشقجي أشار منذ البداية أن حلّ الأزمة الخليجية بسيط، قائلًا: «لو دفعت الدوحة مبلغ 4 مليارات دولار إلى مصر لانتهى الأمر».

وبحسب ما كشفته صحيفة «المصري اليوم»، فإن القاهرة تتفاوض مؤخرًا مع كلٍّ من السعودية والكويت بشأن تمديد أجل الودائع التي حصلت عليهما قبل عامين، بقيمة 4 مليار دولار، ويحل أجل استردادهما العام الجاري، وبينما وافقت الكويت مبدئيًا على تمديد أجل الوديعة، لازالت السعودية لم تحسم أمرها بعد.

ويجب التوضيح أنّ مصر مُطالبة بتسديد نحو 13 مليار دولار التزامات خارجية خلال العام الحالي في ظل وصول الدين الخارجي إلى 80.8 مليار دولار ، أي أن الأزمة الاقتصادية المصرية قد تكون الباب الضعيف لكسر التحالف، إما عن طريق الأموال التي شملتها الصفقة العٌمانية، وإما عن طريق ابتزاز السيسي للسعودية والإمارات للحصول على أموال لأزمته الاقتصادية.

ورغم عداء القاهرة للنظام السياسي في الدوحة، إلا أنّ الاستثمارات القطرية في مصر لم تتأثر بالأزمة الخليجية، فقطر لا تزال تحتلّ المركز التاسع من بين قائمة الدول المستثمرة في مصر، وبحسب تقرير البنك المركزي، فقد قفزت الاستثمارات القطرية في مصر خلال العام المالي الماضي من94.4 مليون دولار إلى 195 ملبون دولار.

وقد تغزلت الدوحة الشهر الماضي على لسان وزير خارجيتها: «نُقدّر مصر كدولة عربية مركزية، لها دور قيادي بين الدول العربية»، مضيفًا: «حدثت بعض الخلافات التي حاولنا تجاوزها، ولم ننجح، ليسيطر الفتور على العلاقات بين البلدين»، وفي الوقت الذي أظهرت فه الولايات المتحدة رغبة في إنهاء الأزمة، امتنعت مصر عن الهجوم على قطر.

من جانب آخر، حرصت عمان على إفشال سياسات السعودية والإمارات منذ البداية، فبعدما أعلنت دول الحصار قطع العلاقات مع قطر، وقررت إغلاق كافة المنافذ الجوية والبحرية والبري، توّجه وزير الخارجية العُماني للدوحة في زيارة غير مُعلنة، ثم سارعت بلاده لفتح خطين ملاحيين تابعين لها بين ميناء حمد ومينائي صحار وصلالة لكسر الحظر البحري، كما أعلنت بعض شركات القطاع الخاص العماني استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي للشركات القطرية المستوردة للمواد الغذائية. وهي خطوة أثارت غضبًا مكتومًا؛ لأن من شأنها أن تفسد خطط المملكة.

 

الملف اليمني

بعد تنازل علي عبد الله صالح عن الحكم بتوقيع «المبادرة الخليجية» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011، تحالف الرجل مع الحوثيين – أعدائه القُدامى الذين قتلوه لاحقًا – ضد الرئيس «هادي» الذي لم يكن محظوظًا بدعم السعوديين مثل غريمه السابق، فواجه وحده تظاهرات الحوثيين واعتراض الأحزاب، وتقدُّم «تنظيم القاعدة»، ودعوات الانفصال الجنوبية، حتى إن الأمور تطورت إلى إسقاط صنعاء ومحاصرة القصر الرئاسي وإجبار الرئيس على تقديم استقالته. لم تتدخل السعودية حينها لإنقاذ شرعية هادي، بعكس عُمان التي ففتحت حدودها للرئيس اليمني الذي عقد مباحثات سرية مع السلطان قابوس قبل أن ينطلق للرياض.

وبعد ما أعلنت السعودية انطلاق «عاصفة الحزم» عام 2015، وافق كل أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، عدا عُمان التي  فضلت التواجد السياسي فقط في تلك الأزمة، لكن الدولة التي تنتهج سياسة «حُسن الجوار» قامت بخداع السعوديين والإماراتيين بالإعلان عن الانضمام للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب بقيادة السعودية، ثم قامت بالتوسط بين الغرب والحوثيين معتمدة على نفوذها في الدخول كوسيط موثوق فيه في أي اتفاق لإنهاء الحرب في اليمن، وهو ما أغضب السعودية التي شنت حربًا على السلطنة من خلال وسائل الإعلام التابعة لها.

فيما كان الصحافيون العمانيون يُنادون بضرورة تدخل بلادهم للتوسط لإنهاء الحرب التي لم تحقق أهدافها بعد، في إشارة إلى تباطؤ الدور السعودي في إنهاء الحرب، دعت عُمان كل أطراف الأزمة – عدا السعودية والإمارات – في لقاءات سرية للوصول إلى تسويات جادة، كما أنها بعثت رسائل إلى الغرب مفادها أنها القادرة على الوصول لتسوية، مثل دور الوساطة الناجح في الإفراج عن الرهائن الأمريكيين الذين احتجزتهم القوات الحوثية في صنعاء، ثلاثة منهم كانوا يعملون في القطاع الخاص، ورابع من أصول يمنية ويحمل الجنسية الأمريكية.

وفي الوقت الذي هددت فيه الأمم المتحدة بإدراج التحالف الدولي على القائمة السوداء، كانت مسقط تنظم اجتماعات سرية وعلنية بين وزير خارجيتها، وبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إضافة إلى عقد لقاءات مع حكومة الرئيس هادي ممثلة في نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي.

 كما أن الصحف اليمنية سربت صورة لنجل صالح الأوسط «مدين» بجوار الدكتور أبي بكر القربي الأمين العام المساعد لحزب «المؤتمر الشعبي العام»، ونائف القانص، القيادي في حزب «البعث الاشتراكي» الموالي للحوثيين في العاصمة العمانية منتصف العام الماضي، وباتت عُمان رسميًا الوسيط الأنسب للأزمة لأنها تنفرد وحدها بقنوات اتصال مفتوحة مع الجميع.

ومؤخرًا أعلنت وكالة الأنباء العمانية أن 22 شخصًا من أفراد عائلة الرئيس اليمني السابق قد وصلوا إلى الأراضي العمانية، بالتنسيق مع الجهات المختصة في صنعاء، والتحقوا بأسرهم المقيمة في السلطنة منذ بداية الأزمة، ويجب التوضيح أنّ عُمان ترفض انفصال جنوب اليمن، وسبق للسلطان قابوس أن توجّه إلى اليمن عام 1993 عقب أزمة الانفصال، وهو بذلك يتفق مع الحكومة اليمينة التي باتت ترفض الوجود الإماراتي في الجنوب.

 إضافة إلى أنّ عُمان أيضًا منزعجة من الوجود السعودي الإماراتي في محافظة المهرة التي تتقاسم حدود واسعة مع السلطنة، وهو ما اعتبر تهديدًا صريحًا من جانب عُمان دفعها للتحرك إجباريًا للتهديد الأخير.

صراع النفوذ في المهرة باليمن

عقب تورط السعودية في الأزمة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة من صنع البشر في هذا العصر، تعهدت الرياض وأبوظبي بتقديم 1.5 مليار دولار في إطار حزمة مساعدات إنسانية، إضافة إلى فتح الموانئ وتسهيل دخول المساعدات، المثير أنّ تلك الخُطوة لم تمثل تراجعًا لسياسات التحالف في اليمن، فالتحرك الذي شهدته محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عُمان أضاف بُعدًا علنيًا للصراع الخفي بين الإمارات وعُمان.

محافظة المهرة هي ثاني أكبر المحافظات اليمنية، وتكمن أهميتها الاستراتيجية في موانئها الطبيعية، ويربطها مع سلطنة عمان أكثر من منفذ بري؛ وعمدت عُمان منذ الوحدة اليمنية عام 1990 إلى احتواء وتجنيس المحافظة وتركيز استثمارها في اليمن في تلك البقعة التي تعادل مساحتها مساحة دولة الإمارات.

كما أنها منحت سكانها امتيازات خاصة، وجنست الكثير من الأسر المهرية، وكان منهم محافظ المهرة السابق الشيخ محمد كدة الحليف الأبرز لسلطة عمان وحامل جنسيتها، قبل أن يقوم الرئيس هادي بعزله بعد شهرٍ واحد من استدعائه للسعودية؛ مما أثار احتمالات أن الإطاحة جاءت بضغوطٍ إماراتية؛ لأنه رفض السياسات التوسعية لأبوظبي.

الإمارات وجدت طريقها للدخول إلى المهرة عبر الهلال الأحمر الإماراتي غطاء لتوسيع نفوذها عبر شراء ولاءات قبلية، وكسب شخصيات سياسية واجتماعية وأمنية، ثم تحركت عسكريًا وأمنيًا بإنشاء معسكر تدريب، وتشكيل ما تسميها قوات النخبة المهرية، وقامت بتشكيلها على أساس قبلي، كما أنها استقطبت عددًا من زعماء القبائل ومنحتهم الجنسية الإماراتية.

عُمان كذلك لم تكن غائبة عن المحافظة منذ اندلاع الأزمة، فالمعابر التي تربط البلدين شهدت دخول آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية، إضافة إلى معونات نفطية مجانية وصلت لـ180 ألف لتر من النفط يوميًا، ولم تمنع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مسقط من إرسال المواد غذائية وأجهزة طبية وعقاقير.

ورغم أنها لم تكن بسخاء المساعدات الإماراتية، إلا أنّ أبوظبي يبدو أنها قد فشلت في إخراج المحافظة اليمنية من دائرة النفوذ الجغرافي والسياسي لعمان، فبعد يوم واحد من رفض شيوخ القبائل والجيش اليمني دخول قوات النخبة للمحافظة، قامت السلطات المحلية برفع صورة السلطان قابوس في شوارع الدينة تحت لافتات الشكر والامتنان، وحتى الآن فالتأثير العُماني يبدو جليًا.

العلاقات مع إيران

لا يقتصر الدور العماني على محاولة كسر حصار قطر، أو إفشال سياسة السعودية والإمارات في اليمن وحسب، فمسقط تعتبر طهران أهم شريك اقتصادي لها، وهو ما يغضب السعودية كون مسقط إحدى أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ومؤخرًا رفضت عُمان علانية إنشاء الاتحاد الخليجي، وألمحت بصورة غير مباشرة إلى إمكانية خروجها من مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يُغضب السعودية التي ترى فيها الشوكة التي تقف أمام سياساتها، وأبرزها: الانتقام من إيران.

أكبر طعنة تلقتها السعودية، كانت تلك اللقاءات السرية التي نظمتها مسقط بين دبلوماسيين وقادة أمنيين من إيران والولايات المتحدة في نوفمبر عام 2013؛ للتفاوض بشأن الوصول إلى أرضية مشتركة، وهو ما نتج عنه اتفاق «جنيف» الذي أسفر عن اتفاق إيران النووي في عام 2015، الذي كان بمثابة هزيمة كبيرة للسعودية التي كانت تسعى لإقناع الولايات المتحدة بشن هجمات على إيران لتجريدها من سلاحها النووي.

 الأزمة السورية كان لها نصيب آخر من الوساطة العُمانية؛ فمسقط رفضت التصويت على إيقاف عضوية «سوريا الأسد» من الجامعة العربية، وبالرغم من فرضها منذ نوفمبر عام 2011، إلا أنّ السعودية كانت تأمل في توحيد الصف العربي .بقرار واحد ضد الأسد

 وفي الوقت الذي كانت تضغط فيه السعودية للتدخل العسكري لحل الأزمة، كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم يتجه لمسقط عام 2015، في أول جولة خليجية يقوم بزيارتها منذ الأزمة؛ لإيجاد مخرج  دبلوماسي، ثم تلاه زيارة وزير الخارجية العماني، وهو ما أغضب السعودية حينها، التي وجدت نفسها مرة أخرى خارج الصورة، ومؤخرًا وقعت سوريا وعمان .مذكرة تفاهم في مجالات النفط والغاز، عقب الزيارة التي قام بها وزير النفط السوري علي غانم للسلطنة

وفي الوقت الذي يدور فيه الحديث عن أن منافسة قطر للسعودية هو أحد أسباب أزمة الخليج، تبدو عُمان مُنافسًا شرسًا آخر للرياض، فبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ ينظر لعُمان على أنها الشريك الفريد الذي يُمكنه من إعادة ترتيب سياسات الشرق الأوسط على خلاف الرياض، وسبق لمسقط أن توسطت لدى إيران من أجل إطلاق سراح ثلاثة رحالة أمريكيين اتهمتهم إيران بالتجسس.

وتزداد فرضية أن الولايات المتحدة قد تدفع عُمان للوصول إلى تسوية بشأن الأزمة الخليجية قبيل انعقاد قمة كامب ديفيد التي دعا إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مايو (أيار) المقبل، وتبدو عُمان هي الأكثر جدارة بتلك المهمة حتى الآن.

الكاتب