أهداف سياسية وراء الشراكة الاقتصادية بين الإمارات والصين

أهداف سياسية وراء الشراكة الاقتصادية بين الإمارات والصين

تمتلك الإمارات ثاني أكبر صندوق سيادي على مستوى العالم بعد النرويج، بحجم استثمارات يصل إلى 750 مليار دولار، وهذا الصندوق يخص إمارة أبو ظبي وحدها، وقد أُعلن مؤخراً عن إقامة صندوق استثماري مشترك بين الإمارات والصين بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي. 

وتشهد العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين، تطورات ملحوظة، حتى وصل حجم التبادل التجاري بينهما لنحو 60 مليار دولار سنوياً، بحسب تقارير نشرتها الأناضول الأسبوع الماضي. 

واستفادت الصين بشكل كبير من الحرية الاقتصادية في الإمارات، وبخاصة في المناطق الاقتصادية الخاصة في منطقة جبل علي وغيرها. 

ولا يمكن قراءة خطوة تأسيس الصندوق الاستثماري في إطاره الاقتصادي فقط، بل إن مغزى ودلالات أخرى، تحملها هذه الخطوة، وبخاصة في ضوء ما يشهده إقليم الشرق الأوسط، وتصاعد نجم الصين كقوة اقتصادية وسياسية عالمية، لها دورها المنتظر خلال الفترة القادمة. 

وحسب بيانات المركز الوطني للإحصاء بدولة الإمارات، فإن الصين تحتل المرتبة الأولى في إجمالي الواردات الإماراتية، وتستحوذ على نسبة 11.6%، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 10.1%، بينما تستقبل الصين نسبة 3% فقط من الصادرات الإماراتية غير النفطية، وهو ما يفسر طبيعة العلاقة التي تظهر تفوق الصين بالمعايير الاقتصادية. 

إن إجمالي التبادل التجاري بين البلدين يصل، حسب بيانات 2014، إلى 55 مليار دولار، منها 25 مليار دولار صادرات إماراتية للصين تتركز بشكل رئيس في المنتجات النفطية، بينما تصل الصادرات الصينية للإمارات إلى 30 مليار دولار، تتمثل في معدات وآلات ومستلزمات إنتاج، لاعتبارات إعادة التصدير من دولة الإمارات، واتخذت الصين من الإمارات منصة لتصدير منتجاتها لمنطقة الشرق الأوسط، عبر المناطق الاقتصادية الحرة فيها. 

وتتضمن العلاقات الاقتصادية بين البلدين وجود عدد ضخم من الشركات الصينية في الإمارات، وكذلك تتضمن وجودًا ملحوظًا للعمالة الصينية، وتدفقًا سياحيًا من الصينيين للإمارات. 

وإجمالاً، فإن العلاقات التجارية والاقتصادية تصب بصورة واضحة لصالح الصين، صاحبة الاقتصاد الأبرز على مستوى العالم منذ مطلع الألفية الثالثة، ويعود تفوق الصين لكثير من العوامل البشرية والطبيعية والعلمية وغيرها. 

ولا يخفى الخلاف الإماراتي التركي، منذ إطاحة الجيش بأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر،محمد مرسي، واعتراض تركيا على ما حدث ما أدى لموقف إماراتي ضد تركيا ظهر للعلن في أكثر من موقف، وبخاصة في حادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية اخترقت مجالها الجوي. 

ويتوقع أن تكون الخطوة الإماراتية لكسب الموقف الصيني ليدعم موقفها في القضايا الإقليمية، بحيث تكوّن موقفاً يجمع كلًا من روسيا والصين في مواجهة تركيا، سواء فيما يتعلق بالقضية السورية، أو ملفات دول الربيع العربي. 

فالإمارات على الرغم من علاقاتها الوطيدة مع أمريكا، إلا أنها تجد موقفاً من قبل أمريكا والغرب يدعم إلى حد بعيد موقف تركيا، ولذلك تسعى لجذب الصين وروسيا لإحداث حالة من التوازن، وإرباك الموقف التركي، وبخاصة بعد توتر العلاقات التركية الروسية، بسبب حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا. 

ومما يضعف البعد الاقتصادي للخطوة الإماراتية، أن الصين ليست بحاجة إلى مبالغ إضافية للاستثمار، حيث تحولت الصين منذ سنوات إلى دولة مصدرة للاستثمارات الأجنبية. 

مؤخراً، أعلنت الصين أنها سوف تدعم افريقيا بنحو 60 مليار دولار في مجال الاستثمار والتنمية، وبالتالي فمبلغ 5 مليارات دولار التي تمثل حصة الإمارات في الصندوق المزمع تفعيله مع الصين، لا يمثل قيمة تذكر في الحسابات الاقتصادية الصينية. 

وبالتالي فموقف كل من الإمارات والصين كدولتين مصدرتين لرأس المال، موقف تنافسي وليس تكاملي، وإن كان الأمر في النهاية سيصب في صالح الصين التي تمتلك التكنولوجيا والموارد البشرية، وحصة تصل إلى 50% من رأس المال، وكذلك مجالات متعددة لاستثمار، يمكنها بسهولة توظيف رأس مال الصندوق بالكامل. 

إهمال عربي 

في سبتمبر 2014 قدمت الإمارات ومعها باقي دول الخليج، الوعود بالاستثمار في تونس دون أن تتخذ خطوات عملية، لإنزال هذه الوعود لأرض الواقع، ولكن الأيام القليلة الماضية، شهدت سعي الإمارات لتوطيد علاقاتها الاقتصادية مع الصين، وتأسيس صندوق سيادي استثماري بقيمة 10 مليارات دولار. 

فقيمة صندوق استثماري بـ 10 مليارات دولار لا تشكل شيئاً بالنسبة للصين التي تمتلك نحو 4 تريليون دولار احتياطي نقد أجنبي، ولكنها تعني الكثير بالنسبة لدولة عربية مثل تونس، التي تعاني تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي، وضرب قطاعها السياحي في مقتل، بسبب أحداث العنف، وكذلك تجد نفسها مضطرة لتوقيع الاتفاق تلو الآخر مع صندوق النقد الدولي، للحصول على تسهيلات ائتمانية وقروض. 

وقبل الانتخابات الرئاسية بتونس في سبتمبر 2014، وعدت دول الخليج ومن بينها الإمارات بإقامة مدينة صناعية ومشروعات سياحية وعقارية في تونس، ولم يتطرق الأمر بالإشارة إلى أي تكلفة مالية أو استثمارية، أو جداول زمنية لهذه المشروعات. 

وانتهت الانتخابات الرئاسية بتونس بما يتوافق والهوى الإماراتي، وكذلك الانتخابات البرلمانية، ولكن دون أن يحصل الاقتصاد التونسي على الاستثمارات التي وعده بها الخليجيون ومنهم دولة الإمارات. 

وحتى في مصر، اقتصر الدور الإماراتي على مجرد تقديم الدعم، والودائع الدولارية بالبنك المركزي المصري، دون اتخاذ خطوة مماثلة لما اتخذته الإمارات مع الصين، بضخ هذا المبلغ من الدولارات في قطاع الاستثمار. 

وحسب ما هو منشور، فإن الصندوق الإماراتي الصيني سيتم تمويل رأسماله مناصفة، أي أن الإمارات ستدفع 5 مليارات دولار، ولو اتخذت مثل في هذه الخطوة في كل من مصر وتونس، لكان لها مردودها الإيجابي على اقتصاد البلدين بشكل كبير. 

وإن كانت كل من مصر وتونس تعانيان من أزمة تمويلية، لا تمكنهما من دفع حصص نقدية في إقامة مثل هذه الصناديق، ولكن لديهما من الموارد الطبيعية، والأراضي وغيرها ما يمكن اعتباره حصص في مشروعات استثمارية يحتاجها البلدان، لمواجهة الفقر والبطالة. 

إن ما اتخذته دولة الإمارات تجاه الصين، ومقارنته بما تمارسه تجاه النشاط التجاري والاقتصادي في الدول العربية، يبين مدى هشاشة العلاقات الاقتصادية العربية البينية، في الوقت الذي تتجه في الإمارات لمشاركات أكثر إيجابية مع دول وضعها المالي والاقتصادي أفضل بكثير مثل الصين، أو روسيا، فالاستثمارات الإماراتية في روسيا تصل إلى نحو 18 مليار دولار.   

الملاحظ أن التوظيف السياسي للمال الخليجي ومن بينه المال الإماراتي، قد أخفق في تحقيق حالة من الاستقرار السياسي والأمني لدول الخليج أو المنطقة.

 

(الأناضول)

الكاتب