مرارة السجون السرية في الإمارات .. شهادة حية !
تحدثت العديد من الشهادات الحية والتقارير الحقوقية الدولية والمحلية عن الانتهاكات اللاإنسانية التي تمارسها السلطات الأمنية في السجون الإماراتية، وذلك بحق أحرار الإمارات وخيرة شبابها من معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، الذين يبرع أمن الدولة في اختراع وتلفيق التهم لهم.
شهادة حية جديدة ينشرها موقع "الخليج الجديد" لـ"سعد البلوشي" المعتقل السابق في أحد السجون السرية الإماراتية، يروي من خلالها أشكال متنوعة من الانتهاكات وأساليب التعذيب الممنهج الذي يمارس بحق أبناء الإمارات في سجونها السرية، وننقل لكم في شؤون إماراتية هذه الشهادة كما وردت من المصدر:
انتهاكات السجون السرية
العديد من النشطاء ذاقوا مرارة السجون السرية التي لايعرف المعتقلون بها الليل من النهار ولا تدخلها الشمس إطلاقا.
يقول «سعد البلوشي» الذي مكث شهورا في أحد السجون السرية: هناك وحدة طبية مكونة من غرفتين في كل سجن، واحدة بها سرير للضرورة في حالة النوم المؤقت، والأخرى لتقديم الدواء للمعتقل بمعرفة الطبيب والممرض وبحسب وصفات الطبيب المقيم أو المناوب، تحت أعين اثنين من المراقبين العسكريين، أحدهما مواطن والآخر نيبالي أو كولومبي. وفي هذه الأثناء، يكون المعتقل معصوب العينين ولا يسمح له بأي حديث آخر مع الفريق الطبي المعاون، لأن العيادة تحتوي على كاميرات مراقبة، وكذلك كافة الممرات والطرقات التي تربط بين العنابر ووحدة العيادة والزنازين. ويتوسط فناء كل عنبر قفص فيه طائر «غراب» يصيح بين الحين والآخر منبها العسكر المناوبين. ومن غير المسموح به أن يلتقي المعتقلون مع بعضهم البعض أثناء التوجه إلى العيادة أو العودة منها، ويمنع على المعتقل حمل أي عقاقير دوائية في يده، أو اصطحابها إلى زنزانته التي تحوي كذلك كاميرا خاصة تنقل حركاته وسكناته.
ويضيف «البلوشي»: يقوم الطبيب المقيم أو المناوب بتخصيص فترتين لتناول العقاقير الدوائية، في الصباح بعد تناول الإفطار، وفي المساء بعد تناول العشاء. هذا إذا كان حال المريض يتطلب تخصيص فترتين، فإذا كان من مرضى السكري وسلس البول فيتم معاملته معاملة خاصة، ومن أبرز العقاقير المسكنة التي يتناولها المعتقلون بمعرفة الممرض البروفين والمراهم والاسبراي.
ويشير «البلوشي» إلى أن البرد الشديد الذي يتعرض له المعتقلون في زنازينهم يتسبب في إصابتهم فيما بعد بأمراض الأسنان نتيجة حالات الرعشة الدائمة، وكذلك ألام العظام والمفاصل. ونظرا لأن البروفين له تداعيات سلبية طويلة الأمد على المعدة، فإن المعتقلين يحرصون على اقتناء القرنفل، وإخفائه في ملابسهم واستخدامه كمسكن موضعي لآلام الأسنان.
ويلفت «البلوشي» إلى أن المعتقل إذا ساءت وتدهورت حالته الصحية يتم نقله إلى أي من المشافي الأربع (زايد العسكري أو المفرق أو توام أو خليفة) بدون غمامة على عينيه، وبمصاحبة قوات شرطية خاصة. ولا ينزل المعتقل من سيارته إلا بعد تأمين الممرات التي سيدخل عبرها إلى الطبيب مباشرة، ويعامل الطبيب المعتقل حسب الرقم المدون على ردائه، ويخضع المعتقل للفحص اللازم وسط هذه الإجراءات، حيث يجري نقله بكرسي متحرك منذ دخوله المستشفى، وهو مقيد القدمين بأساور حديدية ويوضع على الكرسي قطعة من القماش الأبيض، «ستار»، على الجزء السفلي من جسد المعتقل لإخفاء «الكلبشات» عن عيون المارة أو هيئة التمريض والإداريين أو الزائرين بالمستشفى.
منع الزيارة
ويستكمل «سعد البلوشي» شهادته الخاصة لـ«الخليج الجديد» بوصفه للحالة التي يكون عليها المعتقل المريض إذا اقتضت حالته الصحية إجراء عملية جراحية أو الإقامة في المستشفى، ويقول: «يقيد المريض بسلسلة طويلة في قدمه إلى السرير الطبي الذي ينام عليه، على أن يسمح طول السلسلة أن يدخل بها إلى الحمام الملحق داخل حجرته وتحت عين ومتابعة اثنين من الشرطيين على مدار الساعة يتناوبون كل ثمان ساعات على الخدمة، أحدهما داخل غرفته ويجلس على كرسي، والآخر يجلس خارج الغرفة ويجلس على كرسي آخر. وفي هذه الحالة لا يسمح له ولا لأحد من أسرته بزيارته، ولا يستطيع الطبيب أو الممرض سؤاله عن اسمه لأن الشرطي يقف محذرا من ذلك. ويجري تحذير المعتقل في بداية دخوله المشفى من أي أحاديث جانبية مع الأطباء أو الممرضين ،وإلا قد تضطر الجهات الأمنية إلى قطع فترة علاجه خارج السجن.
ويختم «البلوشي» حديثه بالتأكيد على أن الجهات الشرطية لا تكتفي بوجود حراسات على مدار الساعة على المعتقلين المرضى بالمستشفيات، بل تأتيهم زيارات تفتيش مفاجئة وفي توقيتات مختلفة من عناصر أمنية ترتدي الزي الوطني وليس العسكري.
وحول تحذير السيدة «فاطمة الصلاقي»، من أن زوجها، الدكتور «إبراهيم الياسي»، الممنوع عنه الزيارة يتعرض لخطر كبير، بعد أن علمت بنقله إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية دون إبلاغهم، وبعد شهر كامل من منعهم من زيارته في السجن، يعلق «البلوشي» قائلا: إدارة السجون تختلق أسباب وهمية تدفعها لمنع السجين من حقه في زيارات دورية من أهله. ولا تستطيع الأسرة أن ترفع شكواها لأي جهة لأن كافة المؤسسات الاتحادية والمحلية تنتشر فيها العناصر الأمنية.
يذكر أن الدكتور «إبراهيم الياسي» هو أحد معتقلي الرأي في القضية المعروفة إعلاميا الـ94 والموقعين على عريضة الثالث من مارس/آذار 2011 والتي نادت بتطوير تجربة المجلس الوطني الاتحادي. وهو الأمين العام للمجلس التنفيذي في إمارة عجمان سابقا، وخبير في التطوير الإداري. كما يحمل درجة الدكتوراه في التخطيط الإستراتيجي، وعمل كمدير لمركز الحوار بدبي. ونشرت له العديد من الكتابات بمجلة الإصلاح قبل إغلاقها، إضافة إلى البرامج التربوية والأسرية على العديد من شاشات التلفاز.
ويقضي «الياسي» مع عشرات آخرين عقوبة السجن، وسط ظروف حبس تصفها منظمات حقوق الإنسان بـ«المهينة» و«القاسية».
حفلات التعذيب وتداعياتها الصحية
يحكي لنا «البلوشي» أن الزنازين الانفرادية ذات مقاسات مختلفة، وأبوابها الحديدية بعضها باللون الأبيض والبعض الآخر باللون الأسود. يتعرض القابعون فيها إلى حفلات التعذيب بداخلها أو بإحدى الغرف المخصصة بنهاية الممر المؤدي إلى مخرج عنبر السجن، ويشمل التعذيب الضرب بالكرابيج ووضع العصا في الدبر ونزع الأظافر والكي بالكهرباء والضرب المبرح على القدمين بعصي سوداء غليظة كالتي تحملها قوات مكافحة الشغب في دول العالم، ووضع المعتقل في أوضاع أخرى شديدة البؤس سيجري الحديث عنها تباعا. حيث يصدر المعتقلون أصواتا عالية يسمعها كل من يجاورهم في الزنازين الأخرى، وفي حال تعرضه للإغماء يقوم العسكر النيباليين أوالكولومبيين بنقله إلى الحمامات لتعريضه إلى حمام الماء البارد في الشتاء ليرجع مرة أخرى لمواصلة حفلة التعذيب.
ويضيف «سعد» وهو يبكي عند سرد هذه الحالة قائلا: «كنا نبكي من شدة تأثرنا بما نسمعه ويستعد الجميع لدوره في الحفلة، وبعضنا كان يصرخ عندما تفتح عليه الزنزانة ليدخل كلاب العسكر ليعصبوا عين المعتقل قبل أن يدخل فريق التعذيب والتحقيق لجمع معلومات معينة تحت وطأة التعذيب بما لديهم من أدوات تعذيب متنوعة، وتتكرر هذه الحفلات في اليوم عدة مرات، ويعرف المعتقلون موعدها عندما تتناهى إلى مسامعهم حركة غير طبيعية خلف الأبواب ولا يستجيب العسكر المكلفون بخدمة المعتقلين حينها لأي نداء إلكتروني من أجراس التنبيه الموجودة في كل الزنازين لطلبهم عند الضرورة.
التعذيب بالتبريد ونزع الملابس والنوم على البلاط
ويذكر «سعد البلوشي» أن المعتقلين في السجون الفردية كانوا ينامون على دوشك أرضي «مراتب أسفنجية». وفي أوقات البرد الشديد، كانوا يتعرضون للتعذيب بنزع الأغطية والملابس الخارجية وإبقاء المعتقلين بملابسهم الداخلية والنوم على البلاط أياما متتالية أثناء التحقيقات. وتكون حفلات التعذيب هذه مصحوبة بتخفيض درجة التبريد لدرجة التجمد فيصاب الكثيرين بالتهابات في المفاصل وآلام شديدة في العظام فضلا عن صعوبة النوم بسبب القلق والإضاءة الشديدة على مدار الساعة. وبعد أن تهدأ حفلات التعذيب ويكون المعتقل قد أعطى لهم ما يرغبون فيه من معلومات، يتركونه عدة أيام بدون تحقيق للتأكد والتثبت من غيره لما استقصوه واستدلوا عليه من معلومات بوسائلهم الخاصة، وتتكرر بعدها هذه الانتهاكات حتى إنهاء ملف التحريات تمهيدا لرفعه إلى نيابة أمن الدولة.
التعذيب بالضرب على القدمين والأرادف
ويستطرد «البلوشي» قائلا: «تترك حفلات التعذيب والضرب على القدمين والأرادف وخلف الأكتاف أثارا سلبية كاحتباس الدماء في أطراف ووسط القدمين وتهتك الأنسجة الأمامية والخلفية أحيانا كثيرة»، فإذا اشتكى المعتقل للطبيب في عيادة السجن، فإنه لا يستطيع أن يقدم له سوى البروفين والمراهم المسكنة والتي سرعان ما تتلاشى فعاليتها. وقد يطلب بعض المعتقلين من الطبيب أن يمنحهم حبوب فيتامين ب المساعد على التغلب على آلام العظام وعدم التعرض لأشعة الشمس فيرفض بحجة أن الأمر يقتضي إجراء فحوصات مخبرية وتحاليل، وبعد إلحاح شديد فإنه يمنح حبة واحدة كل شهر والتي تعرف بـ«حبوب الزيت».
التعذيب بالمشي المقيد والمبتسر
ويشير «البلوشي» إلى أن هناك ممشى بين عنابر السجون السرية محكم الغلق بشبابيك حديدية وأعمدة خرسانية متقاربة من أعلاه وتحت المراقبة الشديدة بالكاميرات الأمامية والخلفية ومن كل الزوايا. وتمنح هذه الميزة لمن ترضى عنه إدارة السجون المؤتمرة من جهاز التحقيقات، فالمعتقلون ليسوا سواسية في الحصول على هذا الحق الضئيل والنادر والمبتسر. بل أحيانا يفاجئهم الحرس بفتح زنزانتهم فرادى ووضع الأساور الحديدية بأيديهم، ثم تعصب أعينهم بشارة سوداء تربط بمعرفة العسكري النيبالي من الخلف ويقتاده إلى المكان المخصص للمشي ويخلع العسكري عنه الغمامة ويتركه يمشي بمفرده وهو مقيد اليدين بالأساور الحديدية تارة من أمامه وتارة أخرى من خلفه لمدة عشر دقائق في المكان المخصص لذلك، والذي عادة ما يكون مجهزا بمادة الترتان الأزرق أو بلاط الأنترلوك.
التعذيب بتأخير الدواء والحقن المخدرة
وحول آلام الأسنان التي يشتكي منها المعتقلون بالسجون السرية، يخبرنا «البلوشي» أن أي شكوى بهذا الخصوص تكون في العيادة الطبية، وإذا قرر الطبيب حاجة المريض للكشف يجري تسجيله في كشف عيادة الأسنان المكتظ بأسماء المعتقلين إلى حين وصول طبيب الأسنان حاملا معه حقيبته العلاجية. وخلال هذه الفترة يتعاطى البروفين أو حبة القرنفل كما ذكرنا من قبل. وإذا كانت حالته تقتضي الذهاب لعيادة الأسنان للخلع وما يسبقه من فحص إشعاعي، فإن الحالة تتطلب المزيد من الوقت.
ويذكر «البلوشي» أن كثيرا من الحالات التي كانت تجاوره في الزنازين الأخرى كانوا يتعرضون لحالات الصرع وتشنج وصراخ من آن لآخر إذا تذكروا ما يتعرضون له في حفلات التعذيب، فتتدخل إدارة السجن وتأتي بالعسكر والممرض ليحقنوه حقنة مخدرة ينام على إثرها حتى مساء اليوم التالي. ويقوم العسكر بفتح نافذة بابه الصغيرة للاطمئنان عليه بين الحين والآخر.
التعذيب بنزع النظارة الطبية
ويختتم «البلوشي» شهادته الخاصة لـ«الخليج الجديد» حول ما يجري من انتهاكات طبية تتعلق بالمعتقل داخل السجون السرية في الإمارات فيقول: «أنظمة السجن تقتضي أن تنزع إدارة السجن النظارة الطبية من المعتقل سواء كانت معدنية أو حتى من البلاستيك أو المطعمة بكليهما بحجج أمنية واهية».
ويناشد «البلوشي» عبر «الخليج الجديد» المنظمات الحقوقية العالمية سرعة التدخل لرفع المظالم التي ترتكب في أقبية السجون السرية بالإمارات ضد النشطاء والحقوقيين وذوي الرؤى المخالفة للتوجه السياسي للسلطات الحاكمة.
يذكر أن تقريرا دوليا لمبعوثة الأمم المتحدة لشؤون القضاء والمحاماة أكدت وقوع انتهاكات بحق المعتقلين، وكان رد الإمارات على تقريرها إلقاء القبض على من التقتهم المقررة الخاصة وإلى يومنا هذا يقبع كثيرون منهم داخل السجون سيئة السمعة دون حراك دولي جاد.