من محمد بن زايد إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: الحاكم ظل الله على الأرض
نظام المهداوي
السلام على أمير المؤمنين ورحمة من الله وبركاته
أما بعد:
فقد بلغني يا مولاي كتابك الذي أرسلته إلى عمرو بن العاص بعد أن ضرب ولدك عبد الرحمن حداً لأنه شرب الخمر. وجاء فيه:“من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص: عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر عمن هو خير منك، واخترتك لجدالك عني وإنفاذ مهدي، فأراك تلوثت بما قد تلوثت، فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع.”
حمل لي خطابك يا مولاي رسولٌ لم يشأ أن يفصح عن الذي أرسله بكتاب يطلب فيه إصلاح أحوال المسلمين، وقد لاقى مني صنوفاً من التعذيب، وما كنت معذب رسول إلا لجرأته عليّ وعليك، وما ظلمته إنما ظلم نفسه حين وقف أمامي يلوم: أينك من عدالة عمر؟ وحسم عمر؟ وقوة عمر؟ وخشية عمر من الله سبحانه وتعالى؟.
ان هؤلاء الضالين يا مولاي قد زاد عددهم وازدادت فتنهم. يتجرأون باسم دين محمد على أولياء أمرهم. وما احتملت يا أمير المؤمنين وليّاً آنت وليته حين تجرأ عليك فخاطبت ابن العاص قائلاً: “عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ وخلاف عهدي”. فما بال الحاكم حين يتجرأ عليه العامة فتضيع هيبته وتفسد خططه؟!
وكنت علمت أن ابن العاص قد جلد ابن أمير المؤمنين عبد الرحمن في بيته مقيماً عليه الحدّ بعد أن جاءه يعترف بذنبه انه شرب الخمر مع أبي سروعة عقبة بن الحارث في مصر، ولو عهدت لي الأمر لجمعت لابن العاص مرتزقة من كولومبيا يأتوني بعرشه، وقد تجرأ على ابن الأمير لكنك غضبت لان ابن العاص لم يجلد ولدكم عبد الرحمن جهراً. وحين أتاك كما أمرت بلغني أنك فعلتها فضربته الحد جهراً.
كيف تفعل هذا يا مولاي وأنت أمير المؤمنين وولدكم حسب الأعراف الدولية أمير محصّن أينما ذهب حتى لو كان قاتلاً.
كان أخي عيسى طائشاً يجلد عبيده ويسومهم سوء العذاب ويوثّق ما يفعل حتى افتُضح أمره ولم يمسسه الضرر مني. ولو كنت حياً تُرزق لما خالفت لك رأيا، لكني أرى أنك دفعت دمك ثمناً لتجرؤ العامة عليك حتى غدرك المجوسي وطعنك وأنت تؤم المسلمين. ولو أنك لم تنم في الطرق مؤمناً وتصلي الفجر مكشوفاً لأعدائك بدون حراس كولومبيين لأصبحت آمناً في سربك.
منك تعلمت يا مولاي أن أناقض كل هفواتك في الحكم لئلا يغدرني أخوتي بعد أن غدرت بأخيهم وهذا ما وجدت عليه آبائي الأولين.
وقد سألت ذات يوم يا مولاي فقيهاً: “هل الحاكم هو الذي يطعم ويسقي ويشفي أم الله عز وجل؟” قال:”الله الواحد القهار يطعمنا ويسقينا” قلت: “فما بال أمير المؤمنين ابن الخطاب يبدّد بيت المال في إطعام الفقراء. وما بال أولئك القوم يسألونني عن مالي وفيما أبدده؟ قال الفقيه المتصوف: “لقد اصطفاك الله يا مولاي ووهبك مال قارون كي تقرر مصير الأمة في زمانك. إن الدين لله والدنيا على رحب سعتها ملك يمينك”
والدنيا هي غير الدنيا يا أمير المؤمنين تغيّرت أحوال البلاد والعباد لكن ظلت سيرتك تؤرق كل حاكم بعدك، وإني أرى أنك أفسدت الناس حين زهدتَ وجعتَ ومشيتَ في الأسواق ونمتَ على أرصفة الطرقات، وساويتَ بين الناس وجعلتَ أهلك يأخذون أقل ما تحصل عليه الرعية، والناس إلى الآن يتفاخرون يا أمير المؤمنين حين وصلت القدس ماشياً وغلامك يركب ركوبتك فبكى صفرونيوس قائلاً: “أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كتبنا يدخلُ ماشياً وغلامهُ راكباً وفي ثوبه سبعة عشرة رقعة”. وزمانك يا مولاي غير زماننا هذا فإن مشيت خطوة بلا حرس كولومبي لقتلت في ساعتي وفي قصري أو مخدعي.
ولو زهدنا بالحكم كما فعلت وعاملنا الرعية كما عاملتها لضاعت البلاد والعباد ولهاج الناس وتفرقوا وراء بدع قوم يخرجون عن طاعة ولي الأمر مردّدين قولك: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”. وما كنت مخالفك يا مولاي لكن الناس إن عاشوا أحراراً فسدوا واعترضوا على مشيئة الله التي تأتيهم بالحاكم والحمد لله أن اصطفاني لأحارب طاعون التمرد والفتنة والإرهاب الذي أصاب الأمة. وكانوا يحسبون يا مولاي أن لا قوة لي فاشتريت آلاف المماليك من نيبال وكولومبيا وطاردت دعاة الفتنة والثورة والتمرد ودعاة الإسلام كما لم يفعل معمر القذافي. وأشعلتُ ناراً في كل مكان يتجمعون فيه، وجعلت الفرقاء يتقاتلون ويتصارعون أُعطي لهذا سلاح وأشيطن الآخر كما تنبغي المصلحة. لم أوفر يا مولاي مطرحاً إلا وطاردتهم: في طرابلس عاصمة ليبيا التي أفشلتها وأشعلت فيها حرباً أهلية لا تنتهي حتى يقضي الله أمره وتنتهي دابرة الإسلاميين. وحاربت جماعة طالبان في أفغانستان وناصرت حلفائي الفرنسيين ضد المتمردين من نساء وأطفال مالي، وقصفت الداعشيين في العراق، وبعثت النفط إلى حاكم سوريا وفي اليمن أخوض حرب المماليك المقدسة ضد الحوثيين والإخوان في آن واحد، وفي مصر جرّمنا ثورتها وكسرنا حلمها الشيطاني ثم ضممناها إلي ولايتنا فلا تستطيع أن تمضي دون المعونة ولا يشبع كبار قادة جيشها. ومع اسرائيل أقمنا حلفاً واسعاً وتعاوناً مخفياً، وكان يجمعنا أعداء واضحون.
ليس من الصعب يا مولاي أن تجعل الناس يختارون بين الأمن أو الحرية التي ستأتي بالشيطان الأعظم داعش ولكن ليس من السهل التنبؤ متى يقرر الناس الانتحار فيتمردون، ولهذا جمعت أفضل المستشارين وأكثرهم دهاء ومكراً ولهم صولات وجولات بين أقوامهم في محاربة المتمردين من الإسلاميين وغيرهم.
وما ينبغي لهذه الحرب أن تنتهي حتى يدرك الناس أن دينهم لم يعلّمهم الدفاع عن الظلم، إنما علّمهم العبادة مثل معرفة ما ينقض الوضوء والمواظبة على الصلاة كل جمعة في المسجد المؤمن بالكاميرات ورجال المباحث، وعلّمهم دينهم طاعة ولي الأمر وعدم الركون إلى الفتن. وما كنت لأخالفك يا مولاي ولا مكذّبك حين قلت “إن الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم”. والأئمة يا أمير المؤمنين أفسدت الناس إلا من يتبعون سلطاني، والهداة حرّضوا الناس على الجهاد ضد حكامهم، وما كنت لأحارب الداعشيين أتباع أبي بكر البغدادي قبل أن أقطف رأس الفتنة من الإخوان وغيرهم الذين لا يزالوا يبيعون الناس أوهام قيامك من جديد لتقيم العدل والمساواة ويعودون أحراراً.
نحن كنا أذلّاء كما وصفت حالنا يا مولاي فاعزنا الله بالإسلام. فمن أخرج القوم إذن عن دينهم وأذلهم ونحن نبني لهم المساجد العصرية فيتخذونها منبراً للتحريض ونحن الذين نؤمن حياة الناس وأعراضهم وأموالهم إلا من عصى لنا أمراً، وهم يستدعون الفتنة والفوضى ونحن نستدعي لهم داعش.
بدهاء المستشارين صارت الرعية من المشرق إلى المغرب أمام خيارين: أنا الحاكم بأمري أم مغول داعش يقتلون رجالهم ويبيعون نساءهم في سوق النخاسة؟ لا خيار ثالت. لا مدنية ولا ديمقراطية ولا حرية والكرامة مصانة إن صان صاحبها لسانه ولم يشغل نفسه بأمور الحكم، ولم يتجرّأ على نصح ولي الأمر سراً أو علانية فيكسر هيبته ويفسد خططه، وقد بلغني ما فعلته “خولة بنت حكيم” مع أمير المؤمنين وأحدّث نفسي أن بنت الحكيم استمع لها الله وهي تجادل زوجها، لكن ماذا حين خطب خليفة المسلمين قائلاً: “أصابت امرأة وكذب عمر”. كان النصح أكثر ما يسأل أمير المؤمنين الصحابةَ والرعيةَ عليه، وكانت رعيته فاضلة، وكانت رعيتي من الجاهلين والشياطين. ولو أنني يا مولاي لا أعرف كم تحب النصيحة ما كتبت لك كتابي هذا.
وإن كنت قد أطلت عليك الحديث فذلك لأن بيننا النقيض في المكان والزمان والدين. فإلى كتاب آخر يبلغك مني، وأبشرك فيه بالنصر العظيم بتحويل دولتك العتيدة إلى مشيخات وطوائف، والكل يقتل الكل زاعماً بأمر الله حتى يدرك الناس أن الحاكم هو ظل الله على الأرض.
والسلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
(وطن)