حكام الإمارات يحتفون بالمرأة.. ويقمعونها أيضًا!!

حكام الإمارات يحتفون بالمرأة.. ويقمعونها أيضًا!!

حين يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، وتحتفل الإمارات بالمرأة شريكةً في التنمية ومربيةً للأجيال وصانعة للتغيير والتطوير في المجتمع، يخجل المواطن الإماراتي نفسه من حقيقة الانتهاكات الحقوقية التي ينتهجها الأمن ضد شرفاء وأحرار الإمارات.

وحين ترى رئيس مجلس الوزراء الإماراتي "محمد بن راشد آل مكتوم" يسير وهو يرتدي قبَّعة غربية بجوار زوجته أنيقة الملابس "هيا بنت الحسين" في العديد من المناسبات، تعلم أنَّ ذلك للتباهي بجهود دولته في تعزيز واحترام حقوق المرأة وتمكينها، فنجده تارةً يتفاخر بوجود وزيرة للسعادة في حكومته، وتارةً أخرى يُكرم امرأة في حقل العلم أو الرياضة أو حتى الفن، وتمضي تلك المشاهد أمام الكاميرات بـفضل رعاية ومساندة "القيادة الحكيمة"، لكنَّ ذلك ليس الواقع أبداً!

فبينما يركز الإعلام على إظهار صورة الحكومة الإماراتية متحضرة ومميزة في التعامل مع المرأة، تعكف مؤسسات حقوق الإنسان "المحظورة في الغالب داخل الإمارات"، لإثبات أنَّ تلك السلطات في الوجه الآخر لا تتورّع عن حبس النساء والفتيات الإماراتيات وإخفائهن قسريًا وتجريدهن من جنسيتهن الإماراتية تعسفيًا، وتخطى الموضوع حدود المرأة الإماراتية حتى وصل الأمر لحرمان الطالبات القطريات من استكمال دراستهن بعد الأزمة القطرية، بالإضافة لمنع التونسيات من الوصول إلى الإمارات.

وفي الواقع لا يبدو مستهجنًا لدى أيّ متابع لواقع حقوق الإنسان في الإمارات، أنَّ تلك الصورة الملمّعة إعلامياً، تغاير ما يحدث على الأرض الإماراتية وخارجها، فالحكومة التي لا تكفُّ عن الإطراء حول دور المرأة، مستمرة في "القمع والاعتداء" على حقوق المرأة، وهي تضع المرأة نصبَ عينها في سياسة القمع والاعتقال وانتهاك الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بدءًا بحالات الاختفاء القسري وتعذيب النساء، وليس انتهاء بالقوانين، إذ تسمح قوانين الإمارات بالعنف الأسري، فحسب (المادة 53) من قانون العقوبات يسمح بـ"تأديب الزوج لزوجته والأولاد القصر"، طالما أنَّ الاعتداء في حدود ما هو مقرر شرعًا أو قانونًا!!.

وفي وقت تنشئ الإمارات مؤسسات "وهمية ودعائية" لحماية حقوق المرأة، لا تزال ترفضُ ولا تصادقُ على الصكوك الدولية، التي من شأنها أن تكفل حقوق المرأة، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية لحماية الحقوق من جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.

فحسب تقرير المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان: (دولة الإمارات العربية المتحدة ورغم تباهيها بريادتها في التمكين للمرأة وبمركزها المتقدم في مؤشر المساواة بين الجنسين، ما زالت تمنع عن الناشطات الحقوقيات والمدوِّنات الحق في التنظيم والاجتماع وتشكيل جمعيات وأحزاب والحق في التعبير الحر عن آرائهن، لو خالفت آراء حكام دولة الإمارات وغير ذلك من الحقوق المدنية والسياسية، كما ما زالت سلطات الإمارات تضايق عائلات المساجين السياسيين والنشطاء الحقوقيين وزوجاتهم وأبنائهم، ولم تكتَفِ سلطات الإمارات بحبس نساء إماراتيات وإخفائهن قسريًا بل تعمّدتْ فضلًا عن ذلك تحميلهن وزر غيرهن وتجريدهن من جنسيتهن الإماراتية تعسفيًا بعد سجن الأب أو الزوج وهو ما حصل في مارس 2016م، مع أسماء ودعاء ابنتيْ الشيخ المعتقل "محمد عبد الرزاق محمد الصديق"، فلقد جُرِّدتا من جواز السفر وخلاصة القيد وبطاقة الهوية ورخصة القيادة والبطاقة الصحيّة، وحُرمتا فوق ذلك من الاطلاع على المرسوم القاضي بتجريدهن من الجنسية ومن حقهن في التظلم إداريًا وقضائيًا ضد التجريد التعسفي للجنسية وللوثائق الثبوتية).

النساء المعتقلات بالإمارات.. تعذيب وتنكيل وموتٌ بطيء:

("قالوا لأبي جهل، اقتحمْ بيت محمد، فقال: أخاف أن تُـعيِّـرَني العرب أني روَّعْتُ بنات محمد!!)،
ألا يخجلُ قومنا اليوم مما خجل منه أبو جهل أحد رموز الكفر، الذي لم يجرؤ على ترويع بنات العرب والعربدة عليهنّ، كما فعل أمن الإمارات وكلّ الأنظمة العربية المستبدة هذا الزمان.

خلْفَ أسوار سجن "الوثبة" سيئ السمعة يقبع جسدٌ منهكٌ للغاية، نهشَتْه أمراضٌ عدة كالسرطان وهشاشة عظام وتليف بالكبد، وقد أدْماهُ سوطُ السجان، هو جسد المعتقلة الإماراتية "علياء عبد النور" التي لم يرحمها النظام الجائر من هذا التعذيب.

ولدت الحرة الإماراتية "علياء" في 1977م، واعتقلت في يوليو 2015م، حيث تعرضت للاختفاء القسري في مكانٍ مجهول لمدة أربعة أشهر، قبل أن تظهر وتُعرَضَ على القضاء الذي حاكمها "10سنوات" بتهمةٍ ملفقةٍ وساذجة (تمويل الإرهاب والتعامل مع إرهابيين في الخارج)، فيما يؤكد ذووها والمؤسسات الحقوقية أنها مارست نشاطًا خيريًا اجتماعيًا تولت فيه جمع تبرعات وإرسالها للنساء والأطفال من الفقراء في سوريا، أو الأسر الفقيرة في الإمارات.

وحسب تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، تقبع "علياء" حتى اليوم في زنزانة انفرادية تفتقر لأدنى مقومات الحياة، إضافة إلى (تجريدها من ملابسها الخارجية)، ووضع كاميرات مراقبة في زنزانتها، مع تقييدها بسلاسل حديدية وتعصيب عينها بشكل مستمر، ويومياً كان يتمُّ التحقيق معها عن حياتها الشخصية ونشاطاتها والمواقع التي تتصفحها على شبكة الإنترنت.

وأكد التقرير تعرُّضَ حياة المريضة للخطر، بعد رفضِ الجهات الأمنية والقضائية بالإمارات الإفراج الصحي عنها أو السماح لأسرتها بمعالجتها على نفقتهم في مستشفى خاص، حيث تعاني من أورام سرطانية وهشاشة عظام وتليف بالكبد.

وتقول والدة "علياء" للمنظمة العربية: (تقدّمنا بأكثر من خمسة طلبات لديوان وليّ عهد أبو ظبي، للإفراج الصحي عن ابنتي التي تواجه الموت في كل لحظة بسبب السرطان، وفي كل مرةٍ يُرفضُ الطلب، بدون أي سبب!! كما أنَّ أوضاع الاحتجاز اللاإنسانية المفروضة على ابنتي تُساهم بصورة كبيرة في تدهور الحالة الصحية لها، حيث إنَّ علياء محتجزة في غرفة بمستشفى ولكنها كالسجن، صغيرة وضيقة ولا تدخلها شمس ولا تهوية ولا تخرج منها إلا لدورة المياه وبمواعيد محددة).

وقال الناشط الإماراتي "جاسم راشد الشامسي": (كانت علياء تسمع صراخ المعتقلين من شدة الألم جراء التعذيب وجعلوها توقع على أوراق القضية بالإجبار، وأرسلوها إلى "مسرحية قضائية"، حيث القاضي تحت الأمر والطاعة للنظام وحكموا عليها بـ10 سنوات دون أدلة واضحة ولا تهمة).

وأضاف في برنامجه "من الإمارات" متحدثاً عن "استقواء النظام هناك على النساء": (نعلم أنه لا قانون ولا رحمة ولا حقوق ولا عدالة في نظام ابن زايد وبالتالي لا نملك سوى نشر قضية "علياء عبد النور" بمواقع التواصل تضامنًا مع عائلتها التي أصبحت في حالة يرثى لها بعدما فقد أبوها بصره).

ونموذجٌ آخر من قمع النساء في الإمارات، الشريفة "أمينة العبدولي" وشقيقتها "موزة" أصغر معتقلة إماراتية 18سنة، وأخوهم "مصعب"، وهم أبناء العقيد السابق في الجيش الإماراتي "محمد أحمد العبدولي" الذي استُشهِدَ في سوريا 2013م خلال قتاله هناك مع المعارضة السورية.

ويبدو أنّ جهاده ضدّ بشار الأسد اعتبرته السلطات الإماراتية جريمة لا تُغتفَر، فقررت الانتقام من أبنائه وبناته، إذ تُعتقَـل أمينة وهي أم لخمسة أبناء منذ 19 نوفمبر2015م مع أشقائها، وقد وجَّهتْ لها المحكمة الاتحادية العليا تهمة ممارسة نشاط على تويتر "يُضرّ بسمعة الدولة ويحرض على الكراهية"، وحُكمت بالسجن خمس سنوات، وذلك ردًا على تغريدة لها انتقدت فيها المملكة السعودية والسياسة المصرية، كما كانت تهمة بنات العبدولي أنهنَّ كتبنَ تغريدات يتفاخرْنَ باستشهاد والدهنَّ البطل!.

وفي إطار الحديث عن معاناة المرأة الإماراتية مع الاعتقال، لا يمكن نسيان شقيقات المعتقل الحرّ "عيسى السويدي" الثلاث اللاتي خطفهنَّ الأمن الإماراتي للضغط عليه ومساومته بعرضه كي يبدّل كلامه ويشهد ضد دعوة الإصلاح، في أبشع الانتهاكات الحقوقية التي حصلت مع معتقلي الرأي!.

كما لا يُمكن نسيان زوجات وأمهات وبنات وأخوات المعتقلين السياسيين، اللواتي يتعرَّضْن للمضايقات والإهانات وسوء المعاملة أثناء زيارتهن لأقاربهن المحتجزين، فحسب تقرير المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان: (تُعاني زوجات المحتجزين أيضًا من التمييز الإداري والمضايقات لأنَّ هذه الإجراءات غالبًا ما تكون صعبة من قبل السلطات كوسيلة من أعمال الانتقام ضد أزواجهن المسجونين، فعلى سبيل المثال، أُبلِغنا بأنَّ السلطات تحرم الأطفال من الوصول إلى الوثائق الإدارية في حالة غياب والدهم حيث إنهم يحتاجون إلى وجوده أو بطاقة هويته من أجل المضي قدمًا، مما يؤدي إلى منع الزوجة من أخذ أطفالها في غياب زوجها، كما تتعرض زوجات المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين والمدونين وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم إلى سوء المعاملة باستمرار خلال زيارة السجون مثل المنع من الزيارة دون سابق إبلاغ بحيث تقطع الأسرة مسافة لا تقل عن ساعتين ونصف وتمكث ساعات أمام بوابات السجن، وتخضع بعدها لتفتيش مهين وحطّ من الكرامة ليتم إبلاغهن بعدها بالمنع).

الكاتب