"الإخوان المسلمين" في الإمارات .. جذور الصراع

"الإخوان المسلمين" في الإمارات .. جذور الصراع

نشر موقع ميدل إيست آي مقالاً مفصلاً للكاتبة كورتني فرير، تناولت من خلاله نشأة الإخوان المسلمين في الإمارات منذ بدايتها، مروراً بالعديد من المراحل المختلفة، ومحاربة السلطات الإماراتية الرسمية لها منذ زمن بعيد.

وتدرجت الكاتبة في مقالها عبر عدد من المراحل، ترجمها موقع "الخليج الجديد"، حيث بدأت بالتأكيد على أن الحملة التي تشنها دولة الإمارات العربية المتحدة على جماعة الإخوان المسلمين اكتسبت اهتماماً واسع النطاق منذ عام 2012، ولكن الحقيقة أن تلك الحملة ق بدأت في وقت مبكر جدا، وبالتحديد في منتصف التسعينيات.

أصول الإخوان في الإمارات

في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما في أماكن أخرى في الخليج، خلال الخمسينيات والستينيات، تم توظيف أعداد كبيرة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الوظائف ذات الطبيعة الفنية والأكاديمية. مع قلة عدد المتعلمين بين المواطنين، وقلة عدد السكان بشكل عام، فقد استلزم الأمر استيراد الخبراء لملء مجموعة متنوعة من الوظائف، خاصة في قطاعي التعليم والقضاء. وبالتالي فقد كان للمتعاطفين مع الإخوان دور كبير في التأثير على التنمية الثقافية في البلاد، وأصبحوا من الأعضاء البارزين في المجتمع الإماراتي، مما أدى في النهاية إلى ظهور مجموعة محلية من الإخوان الإماراتيين.

في بداية السبعينيات، عندما بدأ توافد الطلاب الإماراتيين العائدين من الدراسة في الخارج، فقد جلبوا معهم فكرة إنشاء فريق لتنظيم أنشطة مماثلة لتلك التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين في البلدان التي درسوا فيها. تم الإعلان التنظيم الرسمي لإخوان الإمارات عام 1974 تحت اسم جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي.

وكان فرع دبي من جمعية الإصلاح هو ثاني منظمات المجتمع المدني في البلاد التي تحصل على رخصة العمل الرسمية. عندما عاد الطلاب الإماراتيون الذين ذهبوا للدراسة في الخارج، فقد أحضروا معهم فكرة إنشاء فريق لتنظيم أنشطة مماثلة لتلك التي تقوم بها جماعة الإخوان. حاكم دبي، الشيخ «راشد آل مكتوم»، تبرع بنفسه بالمال من أجل إنشاء مقر للجماعة في تلك الإمارة، مما يشير إلى استعداد الحكومة وقتها لاحتضان جماعة إسلامية كحصن في مواجهة القومية العربية.

بعد تأسيس جمعية الإصلاح في دبي، تم تأسيس أفرع أخرى لها في رأس الخيمة والفجيرة وقد تبرع الشيخ «راشد» بالتكاليف المادية لإنشائها. كما ساهم الرئيس الإماراتي وحاكم أبوظبي الشيخ «زايد آل نهيان» بتوفير الأرض لإنشاء فرع للجمعية في الإمارة في أواخر السبعينيات. ومن المثير للاهتمام، أن الجمعية لم تفتتح لها أي أفرع في الشارقة إما بسبب بروز القومية العربية في تلك الإمارة، أو بسبب علاقاتها مع المملكة العربية السعودية كمصدر للإلهام الديني. في عجمان، على الرغم من عدم تأسيس فرع للجمعية، فقد عمل الإخوان تحت مظلة جمعية الإرشاد والاستشارات الاجتماعية (إرشاد).

مثل فروع الإخوان في أماكن أخرى في المنطقة، شارك الإخوان الإماراتيون في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية والخيرية. على حد تعبير المحلل السياسي الإماراتي «عبد الخالق عبد الله»: «كان الإخوان المسلمون على علاقة جيدة مع الحكومة وكانوا يحظون بدعم جيد لأعمالهم. لم يكن لدي القوميين العرب نفس الدعم لأنه كان ينظر إليهم باعتبارهم أصحاب ميول غربية».

في الواقع، فإن أول تشكيل لحكومة إماراتية مستقلة عام 1971 قد شهد وجود العضو المؤسس في جمعية الإصلاح من رأس الخيمة الشيخ «سعيد العبد الله سلمان» في منصب وزير الإسكان، كما تم تعيين «محمد عبد الرحمن البكر» وزيرا للعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في عام 1977 ليصبح ثاني عضو من جمعية الإصلاح يعين في منصب وزاري.

في عام 1979، أصبح الشيخ «سلمان» وزيرا للتربية والتعليم ومستشارا لجامعة الإمارات العربية المتحدة. ومنذ عام 1977 حتى عام 1983، كان الشيخ «سلطان بن كايد القاسمي»، رئيس التجمع اليمن للإصلاح في رأس الخيمة، يعمل موجها لتقسيم المناهج الدراسية الوطنية. باختصار، فقد ازدهر نشاط الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل تعليمهم الجيد ومهنيتهم وحركيتهم الدائبة. من خلال منح الإخوان مناصب في الحكومة، فإن الدولة قد سمحت لهم بمنبر يمكنهم من خلاله وضع سياسات بقيت في المكان لعقود من الزمن، وخاصة في قطاع التعليم.

انتشار أيديولوجية الإخوان في الإمارات

كان الجزء الأساسي ضمن جهود التوعية الإخوانية يتم عبر مجلتهم، الإصلاح، التي تم افتتاحها في عام 1978. قامت المجلة بمهاجمة المعارضة اليسارية والقومية، ملمحة في أكثر من مناسبة إلى أن الشيوعيين قد اخترقوا أجهزة الدولة. كان الإصلاح يرسخ صورته بوصفه الحافظ للقيم الاجتماعية التقليدية. توضح دراسة القضايا التي نشرتها مجلة الإصلاح خلال السبعينيات والثمانينيات أن أكثر المواضيع التي نوقشت عادة ما كانت تتعلق بتطوير التعليم الإسلامي، والرقابة على المواد الغربية، وتقييد بيع المشروبات الكحولية، والفساد في الإنفاق الحكومي، وزحف الشركات والثقافة في المجتمع الإماراتي.

بطريقة غير مؤسسية، امتد تأثير الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الشباب من خلال الأنشطة الطلابية مثل المخيمات الصيفية والمجموعات الكشفية. في عام 1982، وبوصفه رئيسا لجامعة الإمارات، أنشأ الشيخ «سلمان» اتحاد الطلاب الإماراتيين هناك. وتم إجراء انتخابات اللجان الطلابية بالجامعة اعتبارا من عام 1977، حيث سيطر حزب الإصلاح على الانتخابات الطلابية حتى عام 1992. وفي ذلك الوقت، بدأت الحكومة في محاولة منع تسييس الجامعات حيث استبدلت الاتحاد في عام 2012 بمجالس طلابية يتم المنافسة عليها من قبل أفراد وليس كتل سياسية. حتى إن هذه المجالس لم تكن منتخبة بشكل كامل.

تحركت الحكومة أيضا إلى محاصرة خطب الجمعة، ساحة النفوذ الأخرى للإخوان المسلمين مع نهاية الثمانينيات. في عام 1986، طلبت وزارة الأوقاف من الدعاة أن ينأوا بأنفسهم عن إثارة القضايا الخلافية. في يناير/كانون الثاني عام 1988 طالبت الوزارة الدعاة الالتزام بخطب منسوخة تقدمها الوزارة وحثتهم على الامتناع عن تناول الموضوعات المثيرة للجدل والحساسية الطائفية.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات، فإنه وبحلول التسعينيات، كان الإصلاح قد أصبح «الجهة الفاعلة غير الحكومية الأكثر تنظيما في البلاد»، مستندا إلى رأسماله السياسي الكبير بسبب مواقف أعضائه البارزين في قطاعي التعليم والقضاء. أصبح الإماراتيون المرتبطون بالإصلاح هم المشاركين الرئيسيين في دعوات الإصلاح السياسي على الرغم من أن الحكومة كانت قد حظرت المنظمات السياسية مما جعل الجدالات السياسية غير مشجعة. حصلت المجموعة شعبية متزايدة وأصبحت تدريجيا أكثر صخبا، ما دفع الحكومة إلى تأطيرها على أنها خطر على الاستقرار الوطني.

التصادم مع الحكومة

بسبب النفوذ المتزايد لجمعية الإخوان المسلمين في الإمارات، فقد بدأت في إثارة حفيظة الحكومة منذ بداية التسعينيات. في ذلك الوقت، كانت الحكومة تنظر إلى قطاعي التعليم والقضاء في الإمارات أنهما بمثابة دولة داخل الدولة. وضعت المنظمة أيضا أجندة الإصلاح السياسي إلى جانب برنامجها الاجتماعي، وبدأت في الضغط على الحكومة من أجل أن تكون أكثر تمثيلية مع توزيع أكثر عدالة للثروة. في وقت مبكر من مارس/أذار 1979، كتب مجلس إدارة جمعية الإصلاح رسالة إلى الحكام المحليين قبيل اجتماع المجلس الأعلى للحكام، أعلنوا خلالها دعم محاولات الحكومة للحد من الفساد وإنفاق أموال النفط بطريقة غير شفافة. البيانات التالية، كما تظهرها مجلة التنظيم عام 1982، كان أكثر وضوحا بشأن الدور المحتمل للمنظمة كحركة معارضة سياسية «بالإسلام نحرر بلاد الإسلام ونوقف الظلم فيها. الطغاة يخافون منا بسبب الإسلام».

في الوقت الذي كانت فيه الجماعة تسعى لتوسيع حضورها في المجال السياسي، كانت الحكومة ترصد بدقة هذا التحول. وربما دفع الخوف من سيطرة أكبر للإخوان على المجال السياسي الحكومة إلى اتخاذ قرار سحقهم قبل أن يصل تأثيرهم السياسي إلى المستوى المؤسسي. قدمت المزاعم حول سوء تصرفات المنظمة في دول أخرى فرصة مثالية للحكومة الإماراتية للتحرك ضد المنظمة.

في وقت مبكر من التسعينيات، زعمت التحقيقات من قبل الأجهزة الأمنية المصرية أن الأفراد المتورطين في الجهاد الإسلامي المصري قد تلقوا التبرعات النقدية من قبل لجنة الإغاثة والأنشطة الخارجية التابعة للإصلاح. أصبحت الحجة السائدة أن جماعة الإخوان المسلمين هي، في جوهرها، منظمة دولية يتحكم فيها المصريون وتستخدم الجماعات والأفرع الخارجية لتعزيز قبضتها بهدف إنشاء دولة إسلامية موحدة. الحكومة الإماراتية تنظر إلى يمين البيعة أو الولاء للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أنه بمثابة تحد للولاء لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد طالبت أعضاء جمعية الإصلاح بالتعهد بالولاء لبلادهم وحدها.

خلال نفس الفترة، بدأت السلطات الإماراتية التحقيق في تأثير أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في قطاع التعليم عندما تم رفض طلبات واعدة للمنح الدراسية، ولوحظ أن أعضاء جماعة الإخوان يسيطرون بشكل كبير على توزيع المنح التعليمية. في محاولة لاستعادة السلطة، قامت الحكومة بحل مجالس الجمعيات الإخوانية المنتخبة في عام 1994 ووضعها تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، وتجميد أنشطتها الخارجية. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة المركزية فرضت قيودا على النشاط السياسي لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومنعتهم من تولي المناصب العامة.

والجدير بالذكر، أنه قد تم استعباد فرع رأس الخيمة أيضا وإقصاء سيطرته عن أي مناصب وزارية رغم أن الجمعية قد ظلت مستقرة تحت حماية حاكم متعاطف معها هو الشيخ «صقر القاسمي»، الذي رفض حل جمعية الإصلاح لأنه رأى أنها قد لعبت دورا للحفاظ على الشباب. في نهاية المطاف، فقد هيمت السياسة العامة للحكومة وتم اعتقال الشيخ « سلطان بن كايد القاسمي» ابن عم حاكم الإمارة وزعيم التجمع اليمني للإصلاح فيها في حملة عام 2012.

أحداث 11 سبتمبر/أيلول والحملة الثانية ضد الإخوان

أصبحت العلاقة المتوترة بين الحكومة الإماراتية والإخوان أكثر صدامية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001. والحقيقة أن اثنين من المواطنين تورطوا في حوادث جعل الحكومة حريصة على تثبت للمجتمع الدولي أنها لن تتسامح مع التطرف الديني من أي نوع. وكجزء من هذا الجهد، زادت السلطات الإماراتية من تركيزها على الأمن الداخلي. قام جهاز أمن الدولة بالقبض على 250 شخصا متهمين بالإرهاب، أو بالأخص التعاطف مع الإسلاميين في عام 2002. بحلول عام 2004 كان معظم هؤلاء قد تم الإفراج عنهم.

في عام 2003، بدأت الحكومة في تنظيم مباحثات بين ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» والإخوان لإقناع المنظمة بوقف النشاط التنظيمي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وقطع علاقاتها مع التنظيم الدولي للإخوان، في مقابل أن تسمح الحكومة للجماعة بمواصلة عملها في الدعوة الإسلامية. من وجهة نظر السلطات الإماراتية، أنه إذا لم يكن للإصلاح نوايا تخريبية في المجال السياسي فإنها لن تتمسك بالحفاظ على قدراتها التنظيمية المستقلة. بعد شهور من المحادثات، رفضت جمعية الإصلاح دعوة الحكومة إلى مواصلة الانخراط في الدعوة دون هيكل تنظيمي رسمي.

بعد إدراك الحكومة أنها لن تستطيع إجبار جماعة الإخوان على حل نفسها، فإنها حاولت التخفيف من تأثيرهم وتحجيم نفوذهم. تم نقل نحو 170 من أعضاء جماعة الإخوان، بما في ذلك 83 من مسؤولي وزارة التربية والتعليم إلى دوائر حكومية أخرى. وعلى الرغم من هذه النكسة، واصلت الأفرع الثلاثة المتبقية للإصلاح (دبي والفجيرة ورأس الخيمة) إضافة إلى جمعية (إرشاد) في عجمان أنشطتها في استضافة المناقشات والمحاضرات ومسابقات تلاوة القرآن الكريم، بالإضافة إلى نشر مجلة الإصلاح.

وبحلول منتصف العقد الأول من الألفية، فقد أصبح واضحا أن نظام الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة لم يعد وديا تجاه الإسلاميين. وقد تم اعتقال الإسلاميين البارزين، ومنعوا من التدريس في الجامعات إضافة إلى مضايقات أخرى من قبل الحكومة. في مثل هذه البيئة، أصبح من الصعب على نحو متزايد لأعضاء جمعية الإصلاح متابعة أنشطتهم المستقلة، مما دفع بعض منهم للانضمام إلى الحركة الأوسع للإصلاح السياسي في البلاد.

الربيع العربي ومواصلة الحملة

في مارس/أذار من عام 2011، قام 133 شخصا من المثقفين، من بينهم أعضاء في جمعية الإصلاح، بتوقيع عريضة موجهة إلى الرئيس الشيخ «خليفة بن زايد» والمجلس الأعلى للاتحاد. والتي تبعتها الحملة الحكومية الأعنف على المعارضة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة. كان الحافز المباشر للعريضة هو اقتراح تقديم تشريع يوسع من سلطات المجلس الوطني الاتحادي ويحسن من طريقة انتخابه. والجدير بالذكر أن هناك 4 منظمات مهنية قد وقعت على العريضة هي جمعيات (الفقهاء والمعلمين والعاملين بالتراث وأعضاء هيئة التدريس الجامعيين) وهذه الجمعيات كانت معروفة بعلاقاتها مع الإخوان. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتحد فيها المعارضة الليبرالية والإسلامية في مثل هذا التعهد السياسي العام.

في أوائل إبريل/نيسان عام 2011، تم اعتقال 5 أشخاص من أبرز الموقعين على العريضة. وجهت إليهم تهمة «الإهانة العلنية» لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ولنائب الرئيس وولي العهد في تصريحات نشرت على منتديات الانترنت. تمت إدانة الخمسة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2011 في محاكمة فشلت في تلبية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وحكم عليهم بالسجن لمدد تصل إلى 3 سنوات. بعد وقت قصير من صدور الحكم، تم إطلاق سراح الخمسة (لم يكن أي منهم عضوا في جمعية الإصلاح) بعفو رئاسي بسبب اهتمام وسائل الإعلام الدولية، إضافة إلى التقرير الذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني من قبل المجموعة العاملة بالأمم المتحدة والذي أدان الاحتجاز التعسفي للمعتقلين. بعد أن أطلق سراحهم، واصل النشطاء التعبير عن آرائهم السياسية، في المقام الأول من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية.

على أمل خنق المعارضة من قطاع المجتمع المدني، قامت الحكومة أيضا بتسريح مجالس إدارات جمعيات الحقوقيين المستقلة واتحاد المعلمين، حيث أن كليهما كان قد أيد العريضة. من خلال محاكمة مجالسها التنفيذية وتعيين المرشحين الحكوميين محلهم، وتقويض استقلال المنظمتين، فإن الحكومة قد أرسلت رسالة إلى منظمات غير حكومية أخرى أنها ربما تكون على خطر تدخل حكومي مماثل.

في محاولتها لصرف الانتباه عن حوادث مثل محاكمة الخمسة، بذلت الحكومة جهودا محدودة للرد على المعارضة السياسية الداخلية، في حين قامت بزيادة المدفوعات المالية. وسعت الحكومة الناخبين في المجلس الوطني الاتحادي لنحو 12 في المائة من سكان البلاد لانتخابات سبتمبر/أيلول 2011، إلا أنه ظل مفتقرا لأي صلاحيات تشريعية حقيقية. الأهم من ذلك، منحت السلطات زيادات ضخمة في أجور القطاع العام (وصلت إلى 100% في بعض الحالات) وعززت استحقاقات الرعاية الاجتماعية بنسبة تصل إلى 20 في المائة، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية بقيمة 2.7 مليار دولار لمساعدة المواطنين الأكثر فقرا على سداد القروض المستحقة. وعلاوة على ذلك أعلنت الحكومة الاتحادية استثمارات جديدة بقيمة 1.6 مليار دولار من أجل تحسين البنية التحتية في الإمارات الشمالية الفقيرة.

دعمت جمعية الإصلاح قضية الإماراتيين الخمسة، والنشطاء المسجونين الآخرين. ونظرا لأن النشطاء الإسلاميين والليبراليين قد شاركوا معا في توقيع العريضة فقد بالغت الحكومة في تضخيم الروابط بينهما في محاولة لتهويل الخطر على النظام. اتهم الحكومة أيضا جمعية الإصلاح باستغلال الجدل الدائر حول قضية الإماراتيين الخمسة لزيادة نفوذها. وبينما ركزت الموجة القمعية الأولى على العريضة، فقد كانت الموجة الثانية موجهة بشكل خاص لجمعية الإصلاح.

الحملة الحكومية على الإصلاح

في عام 2012، أطلقت الحكومة حملة اعتقالات استهدفت جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها التهديد السياسي الأساسي. كانت الحركة أكثر شعبية من نظيرتها الليبرالية بسبب أنشطتها الاجتماعية. في أبريل/نيسان عام 2012 تم تجريد سبعة من أعضاء جمعية الإصلاح كانوا قد وقعوا على عريضة مارس/أذار 2011 من جنسيتهم. وفي ديسمبر/كانون الأول من نفس العام تم اعتقالهم بعد أن رفضوا مغادرة البلاد كما طلبت الحكومة.

وبحلول نهاية عام 2012، كان قد تم القبض على 94 عضوا مزعوما في جمعية الإصلاح، وحكم على 69 منهم بالسجن مددا تتراوح بين سبعة و 15 سنة. أعلن النائب العام «علي سالم الطنيجي» أن «الأمن القومي للبلاد كان مهددا من قبل مجموعة من الناس لها علاقات مع منظمات وأجندات أجنبية»، في إشارة واضحة إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر. اتهم «الطنيجي» هذه المجموعة بالتخطيط لـ«جرائم ضد أمن الدولة» ومعارضة «دستور دولة الإمارات العربية المتحدة والسعي لتقويض نظامها الحاكم»، ولكنه لم يقدم أي أدلة على ذلك.

ادعت الحكومة أيضا أنها حصلت على اعترافات من أعضاء جمعية الإصلاح المسجونين بأن منظمتهم كان لها جناح مسلح وتهدف إلى قلب النظام القائم لإعادة تأسيس الخلافة، وهو أمر لا تؤكده أي من وثائق الإصلاح المستقلة أو التصريحات العلنية لأعضائها. نفت جمعية الإصلاح جميع هذه التهم مؤكدة على أن الجمعية «سلمية مدنية معتدلة وأنها لم ولن تختار أبدا حمل السلاح».

وقد صحبت هذه السلسلة من الاعتقالات حملة إعلامية واسعة. تمت مصادرة الشركات وتجميد الحسابات المصرفية. بعد محاكمة 94، عقدت محاكمة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2013 ضمت 10 من مجموعة الـ94 إضافة إلى 20 مصريا (منهم 6 حوكوا غيابيا) ضمن ما يعرف بـ«الخلية المصرية الإماراتية». وجهت لهؤلاء تهمة إنشاء فرع دولي لجماعة الإخوان المسلمين وتسريب وثائق رسمية مصنفة. وقد أدينوا في يناير/ كانون الثاني عام 2014 بأحكام تتراوح بين عام إلى 5 أعوام على الرغم من الشكاوى من أنهم قد تم إجبارهم على الإدلاء باعترافات تحت التعذيب، كما شمل الحكم أيضا ترحيل المصريين منهم بعد نهاية فترة عقوبتهم.

وفي محاولة متواصلة لتدعيم موقف الحكومة الإماراتية ضد الإخوان، بل في واقع الأمر أي منظمة مستقلة، صدر قانون جديد لمكافحة الإرهاب في أغسطس/ آب 2014 لتعيل للتشريع الذي صدر عام 2004. يسمح التشريع الجديد بالتوسع في استخدام عقوبة الإعدام والعقوبات القاسية الأخرى. هذا التشريع، على الرغم من أنه قد يسهم في تضييق الخناق على الجماعات المتطرفة العنيفة في وقت يتزايد فيه القلق الإقليمي حول عودة النشاط الجهادي العنيف، إلا أنه قابل للتوظيف أيضا في مواجهة النشطاء والمعارضين السلميين للحكومة نظرا للنطاق الواسع لأحكامه، ومصطلحاته الغامضة، والتعريفات الفضفاضة للأنشطة المحتمل تصنيفها ضمن أعمال الإرهاب.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة ضمن 82 منظمة تعتبرها جماعات إرهابية. على الرغم من هذا السجل يشمل المنظمات العنيفة مثل القاعدة و«الدولة الإسلامية»، فإنه يضم أيضا منظمات غير عنيفة مثل حزب الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين في مصر إضافة إلى منظمات دعوية مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية.

الدعم الشعبي للإخوان الإماراتيين

تعد الحملة القاسية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة ضد الإخوان الإماراتيين أمرا محيرا. لا يبدو أن الجماعة تشكل تهديدا سياسيا كبيرا فضلا عن كونها تمثل خطرا وجوديا. فحص الوثائق الداخلية يكشف عن أن جمعية الإصلاح لم تكن تمتلك إلا تطلعات سياسية محدودة تتركز في تعزيز المشاركة الشعبية في الحكومة.

يبدو أن ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» على قناعة بأن الإخوان تشكل تهديدا سياسيا كبيرا. في وقت مبكر من عام 2004، أكدت رقية دبلوماسية لوزارة الخارجية الأمريكية، أكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد حصرت 700 من أعضاء جماعة الإخوان، وادعت أن مديرية أمن الدولة حصرت ما بين 50-60 شخصا من أعضاء جماعة الإخوان الإماراتيين ضمن صفوف الجيش. قدر الشيخ «محمد» في وقت سابق أن 50-80 في المائة من أعضاء القوات المسلحة الإماراتية البالغ عددهم 60 ألفا يمكن أن يستجيبوا بسهولة إلى دعوة مقدسة يطلقها رجل دين من مكة المكرمة، وذهب إلى القول أنه قد يرجم من قبل مواطنيه إذا قرر مناقشة بعض الأمور بشكل أكثر انفتاحا.

متأثرة بانعدام ثقة الشيخ «محمد» في الإخوان وقناعته بهيمنتهم في قطاعات هامة من الحياة السياسية، فإن الحكومة المركزية ومقرها أبوظبي، بعد أن استخدمت العريضة كذريعة لزيادة قبضة الأمن، فإنها قد عمدت إلى تعزيز سيطرتها في جميع أنحاء البلاد. تم حل جمعية الإصلاح وصنفت على أنها مجموعة إرهابية. وتواصل المنظمة، في المقام الأول من الخارج، نشاطها عبر موقعها الإلكتروني في المطالبة بالإفراج عن أعضائها المعتقلين ومحاكمة المسؤولين الحكوميين المتورطين في تعذيب المعتقلين من أجل انتزاع اعترافات كاذبة منهم.

المتعاطفون مع الإخوان داخل دولة الإمارات العربية المتحدة قد صاروا بدورهم أكثر حذرا وهدوءا وليس هناك أي دليل على تأثيرهم على السياسة. ورغم ذلك لا تزال الحكومة تتصرف بعصبية بعد أن رأت جاذبية أيديولوجية الإخوان المسلمين وقدرة أعضائها على التأثير على الوزارات الحكومية في الماضي. على الرغم من توقف العمل تنظيميا، يحتفظ الإخوان الإماراتيون بتلك الهيمنة الإيديولوجية على قطاعات من السكان، إلا أنه من غير المؤكد مدى ضخامة هذه الهيمنة. في محاولتها لمحاصرة ذلك، فإن الحكومة تقوم بتعزيز القومية العلمانية، حتى إنها تحد من طول اللحى لدى أفراد القوات المسلحة.

خاتمة ونتائج

في حملتها الأخيرة على الأفرع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، فإن الحكومة الإماراتية ساهمت فعلا في تضخيم النفوذ السياسي للإخوان واصفة إياه علنا أنه يشكل تهديدا خطيرا للنظام القائم لا يقل خطورة عن إيران. من خلال تضخيم الأهمية السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فإن الحكومة الإماراتية قد أجبرتهم على تفكيك التنظيم وزادت من مناخ الكراهية تجاههم بشكل عام فضلا عن سعيها لتصنيفهم على أنهم جماعة متطرفة تشكل خطرا على النظام السائد. في الواقع، كانت جماعة الإخوان المسلمين الإماراتية تهتم في المقام الأول بتعديل السياسات الاجتماعية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في مواجهة تزايد العلمانية والتغريب. تلك المحاولة لتعزيز المزيد من الممارسات الاجتماعية المحافظة، مع ذلك، تم النظر إليها على أنها تشكل خطرا على القيادة الإماراتية تحت سيطرة الشيخ «محمد بن زايد»، التي تعرف نفسها بشكل متزايد على أنها تقدمية وعلمانية.

ونتيجة لهذه الحملة القاسية، فإنه من غير المحتمل أن المجموعة سوف تحاول علنا التأثير في السياسات داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أنها ستبقى مؤثرة فكريا. بدلا من ذلك، فإنها سوف تواصل التركيز على تغيير السياسات من خارج البلاد بهدف تغيير المواقف تجاه الجماعة بهدف فك الحصار والسجن عن أعضائها في الداخل.

لقراءة المقال كاملاً .. اضغط هنا

الكاتب