تحركات يمنية لتشكيل ائتلاف وطني مساند للحكومة ضد الإمارات

تحركات يمنية لتشكيل ائتلاف وطني مساند للحكومة ضد الإمارات

في ظل التطورات التي شهدتها اليمن بعد سيطرة الإمارات على جزيرة سقطرى وما ظهر من توحد مختلف القوى اليمنية على إدانة ما وصفوه بـ"الاحتلال الإماراتي" للجزيرة، واستمرار المجلس الانتقالي الجنوبي في التمرد على قرارات الحكومة الشرعية، تسعى عدد من الأطراف اليمنية لتشكيل ائتلاف وطني مساند للحكومة اليمنية.

والأسبوع الماضي أعلن رسمياً  عن "الائتلاف الوطني الجنوبي"، والذي ضمّ أسماء لافتة لها خبرة سياسية كبيرة، والكثير منها معروفة بمواقفها المعارضة للإمارات و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يُكمل بعد أيام عامه الأول.

ويقود الجنرال علي محسن الأحمر نائب الرئيس اليمني مساعي حثيثة في أوساط الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، لإعلان ائتلاف وطني عريض يؤازر الجهود المبذولة من الحكومة الشرعية والتحالف العربي لاستعادة الدولة اليمنية وتحرير بقية أراضيها من قبضة المليشيات الحوثية.

وأسفرت جهود الفريق الأحمر أثمرت حتى الآن عن رسم الخطوط العامة التي سيتشكل بموجبها التحالف الوطني المزمع إعلانه فور الانتهاء من المشاورات القائمة مع قادة الأحزاب والقوى السياسية بحسب ما أورده تقرير لموقع " نون بوست"

وكشفت مصادر إعلامية مقربة من الجنرال علي محسن الأحمر أن المشاورات التي أجراها نائب الرئيس لإنشاء هذا التحالف شملت قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) وقيادات موالية للشرعية في حزب المؤتمر الشعبي، إضافة إلى قادة التجمع الوحدوي الناصري وقيادات من الحزب الاشتراكي اليمني وشخصيات محورية في الحراك الجنوبي.

وبحسب الخطة التي يعمل عليها نائب الرئيس اليمني، فإن هذا التحالف سيشكل في حال نجاحه المظلة الشاملة التي تتوحد تحتها مواقف الأحزاب والقوى اليمنية من القضايا المصيرية كافة، وفي المقدمة منها استعادة الدولة وتحرير اليمن من المليشيات وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإجراء المصالحة الشاملة.

والاتفاق المبرم تشكيل هيئة تأسيسية للائتلاف مكونة من 63 شخصًا يمثلون جميع المكونات المكونة للائتلاف، وتنظم اللائحة الداخلية تشكيل الأطر القيادية والتنظيمية للائتلاف.

يأتي هذا في الوقت الذي تصاعد التوتر بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا والإمارات العربية المتحدة بشأن جزيرة سقطرى، إضافة إلى المواجهات على الأرض بين كل من الجماعات التي تسيطر على تعز، إحداها تدعمها المملكة العربية السعودية وموالية للشرعية والأخرى سلفية تدعمها الإمارات العربية المتحدة.

لماذا تم تكوين هذا التحالف؟

منذ أن سيطرت الإمارات العربية المتحدة على العاصمة المؤقتة عدن، بدأت تمكن فيها قوات انفصالية متمردة على الحكومة اليمنية وعنصرية ضد أبناء اليمن الموحد، ووعدتهم بالانفصال عن اليمن، واضعة شروطًا على الانفصاليين تنفيذها بعد تحقيق المراد لهم وهو الانفصال عن الجمهورية الأم.

شرط الإمارات العربية المتحدة على الانفصاليين هو إدارة موانئ عدن العالمية بشكل دائم، ويحق لها حصريًا الاستفادة من مقدراته، ولا يجوز لأي كيان الاعتراض على طريقة إدارة الموانئ من الإمارات العربية المتحدة، وهو ما وافق عليه الانفصاليون الحالمون بتفريخ دولة في جنوب اليمن مجردة من الهوية اليمنية.

وعندما تم التفاهم بين قيادة تلك الجماعات الطامحين بالزعامة العصبوية والإمارات العربية المتحدة على شكل الجنوب اليمني في مرحلة ما بعد الحرب، بدأ الانفصاليون يمارسون إدارة الجنوب وكأنها دولة ليس لها انتماء لليمن، وأصبحت الدولة تعاني من انقلاب جنوبي وشمالي.

انتهكت القيادات الجنوبية وأفراد الحزام الأمني الذي شكلته الإمارات العربية المتحدة على حدود المحافظات الشمالية لليمن حقوق الإنسان، ومارست العنصرية المطلقة ضد أبناء المحافظات الشمالية في اليمن، فضلًا عن ذلك رفع المتمردون الانفصاليون أعلام دولة غير الدولة اليمنية واستباحوا الأرض وأبرموا اتفاقيات أمنية مع الإمارات خارج إطار الدولة.

بعد أن سيطرت الإمارات على عدن تعاونت مع قوات انفصالية بعضها مدعومة من إيران وأخرى مكونة من قوات محلية تم تدريبها في الإمارات للسيطرة على الوضع الأمني، وبدأت تحارب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) على اعتبار أنهم من أدوات الرئيس اليمني السابق، فضلًا عن إشرافها على ترحيل أبناء الشمال من عدن إلى مناطقهم على اعتبار أنهم "من تنظيم القاعدة أو أدوات لها" كما أطلق عملاؤها في عدن على ذلك.

تمكنت الإمارات من ترسيخ قوتها وسيطرتها على مطار عدن، واستمالت الجماعات الجهادية من السلفيين لعداء الإخوان المسلمين، وعملت توازنًا بين القوى المحلية وغذت إلى أفكارهم أهمية الانفصال عن اليمن وفقًا للاتفاق مع قيادات انفصالية، وفي نفس الوقت عملت على تمديد قواتها صوب حضرموت وسقطرى في البحر العربي ساعية منها لبناء قواعد عسكرية هناك.

وبعد النجاح الذي حققته عسكريًا في عدن والشريط الساحلي، سعت الإمارات بالضغط على الرئاسة اليمنية لتوقيع عقد لمدة 99 عامًا من خلاله تُحول جزيرة سقطرى اليمنية إلى قاعدة عسكرية إماراتية وإدارة الموانئ البحرية اليمنية لنفس المدة، وهو ما رفضته المملكة العربية السعودية وحثت هادي بعدم قبول ذلك.

كان نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اليمني حينها خالد محفوظ بحاح، وهو رجل الإمارات الأول في اليمن، قاب قوسين أو أدنى من توقيع تلك الاتفاقية، إلا أن الرئيس هادي أقاله قبل إبرام ذلك الاتفاق؛ ما اعتبرته الإمارات يشكل خطرًا حقيقًا عليها وأن أهدافها باتت معروفة، لكنها لم تستسلم في ذلك، وظلت تبحث عن الاستحواذ على المناطق الاستراتيجية اليمنية بطريقة قانونية، لأن ذلك قد يشفع لها حال فشل الانفصاليون في اليمن في فصل الجنوب.

حاولت الإمارات مرة أخرى بعد عودة هادي إلى عدن بإرسال عبد الله بن زايد إلى هادي، وبطائرة هبطت في فناء القصر الذي يمكث فيها هادي دون علمه إلا حين وصوله قبل ربع ساعة، إلا أن هادي رفض مقابلته.

 

لم تتوقف الإمارات العربية المتحدة في عدن، بل سعت لتشكيل تحالفات كبيرة في الجنوب ووسط اليمن، وصلت إلى أقصى الجنوب اليمني (سقطرى) وسعت لإنهاء الوجود الحكومي فيها، مستبدلة بقوات ومليشيات قد تشكل في المستقبل خطرًا على الدولة في اليمن، وربما تمهد لصناعة جهاديين أخطر من القاعدة وداعش.

وفي 22 من أبريل 2017 نظم أبناء حضرموت مؤتمرًا أطلقوا عليه "حضرموت الجامع" الذي دعمته الإمارات العربية المتحدة وأعدت له منذ أبريل 2016، عندما أطاح الرئيس اليمني برجلها في اليمن المهندس خالد محفوظ بحاح من منصب نائب الرئيس.

لكن المؤتمر فشل في أن يلبي طموح الإمارات بسبب الإجراءات التي اتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي حينما اتخذ قرارات بتقليم أظافر الإمارات، وعزل كل الشخصيات التي شاركت أو ساهمت من قريب أو بعيد في أعمال هذا المؤتمر.

وصلت الإمارات إلى تعز، وبدأت تدعم القيادي السلفي المكنى بـ"أبو العباس" بالمال والسلاح لتشكيل مليشيات تعمل وفق أجندة إماراتية بعيدة عن الشرعية.

دعمت الإمارات العميد طارق محمد عبد الله صالح الذي يرفض مغادرة اليمن إلى السعودية ويريد أن يقاتل في الأرض ثأرًا لعمه، وهو ما تعتبره الحكومة الشرعية يشكل خطرًا على شرعيتها.

ونتيجة لذلك بدأ الجنرال العجوز ونائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر نائب الرئيس اليمني بمساعٍ حثيثة في أوساط الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، لإعلان ائتلاف وطني ظاهره مؤازرة الجهود المبذولة من قبل الحكومة الشرعية والتحالف العربي لاستعادة الدولة اليمنية وتحرير بقية أراضيها من قبضة الميليشيات الحوثية، وباطنه مناهضة التحالفات التي شكلتها الإمارات والسعي لتفتيت اليمن.

مكزنات التحالف

ومن خلال النظر إلى أسماء أعضاء التحالف والمكون من 63 شخصية يمنية، يشير إلى قوة التخطيط من أجل القضاء على المليشيات التي ترفض الدولة اليمنية الواحدة، أو بالرئيس اليمني المعترف به دوليًا.

ويشكل هذا التحالف من كل من الأحزاب والجهات (الحراك الجنوبي السلمي - المقاومة الجنوبية - المؤتمر الشعبي العام - التجمع اليمني للإصلاح - حزب جبهة التحرير - حركة النهضة للتغيير السلمي - التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري - حزب البعث العربي الاشتراكي - حزب العدالة والبناء - اتحاد الرشاد اليمني - التجمع الوحدوي اليمني - حزب اتحاد القوى الشعبية - المستقلون "الشباب والمرأة والمجتمع المدني").

الساعون لتشكيل الائتلاف وضعوا له برنامجًا سياسيًا من أولوياته دعم الشرعية بقيادة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وتأييد التحالف العربي الداعم لها، والالتزام بالمرجعيات الـ3 (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل والقرارات الدولية ذات الصلة) والعمل من أجل تحقيق مشروع الدولة الاتحادية وفقًا لمخرجات الحوار الوطني الشامل، والتمسك بما يخص الجنوب وقضيته الوطنية وفقًا لمخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة، الائتلاف جزء من العمل السياسي الوطني السلمي وخطوة نحو تحقيق الشراكة السياسية والمجتمعية وإرساء دعائم الديمقراطية والمصالحة الوطنية.

بالنظر إلى الأحزاب والمنظمات المنضوية تحت هذا الائتلاف فإن أدوات الإمارات العربية المتحدة كالحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية المسلحة واتحاد الرشاد اليمني، فإنه من الواضح أن الحكومة الشرعية تسعى لاحتضان تلك الحركات تحت ظلها، وتسحب البساط من تحت الإمارات العربية المتحدة.

البرنامج السياسي يقول في أحد فقراته إنه شُكّل من أجل التمسك بما يخص الجنوب وقضيته الوطنية وفقًا لمخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة التي تدعو إلى أن يكون الجنوب جزءًا من الدولة الاتحادية وأقليمًا مستقلًا تابعًا للجمهورية اليمن، وليس دولة منفصلة كما تسعى إليه الإمارات العربية المتحدة.

قد لا يرضي هذا الطرف أي من القادة في الحراك الجنوبي أو المتمردين الانفصاليين لكونه يخالف توقعاتهم وأطماعهم السياسية والعسكرية، وكذلك يخالف التوجهات الإماراتية لكونه قد يهدم كل ما بنته في الجنوب اليمني، ويطيح بكل آمالها بالنسبة لوجودها في الجزر الاستراتيجية والموانئ اليمنية التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لموانئها العالمية التي كبرت بفعل انهيار الموانئ اليمنية.

من الداعم الإقليمي للتحالف؟

لا بد أن المملكة العربية السعودية على خلاف كبير مع الإمارات العربية المتحدة نتيجة لمواقف الأخيرة في اليمن، ولرفضها تنفيذ التوجيهات السعودية بتسليم جزيرة سقطرى التي تسيطر عليها، وكذلك لمواقف سابقة متمثلة بعرقلة أداء الحكومة الشرعية اليمنية في عدن.

وليس من المستبعد أن تكون المملكة العربية السعودية من تدعم هذه الفكرة بهدف تقويض الوجود الإماراتي في الأراضي اليمنية المحررة من قبل المليشيا الحوثية، وتعبيدًا لما بعد انتهاء الحرب المفترض أن يكون هناك حوارًا سياسيًا بين مكونات الأطراف السياسية المختلفة مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

هذا التحالف يرفضه قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي لأنه قد يحاصره وينهي وجوده، بل يفشله تمامًا، لأن مشروعه التلاحم والتصالح، وليس كالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشير أعماله إلى دمويته، وهو ما يخشى منه أبناء الجنوب، ومن أن يعيدهم إلى مربع الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي.

الإمارات العربية المتحدة بدورها تعلم ذلك يقينًا، لذا بدأت تخطط لأجندة أخرى وهي أجندة وجود قوات مناهضة للحوثي وفي نفس الوقت مناهضة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وتدعم الوحدة اليمنية، وهذا ما قد يرجح كف ميزانها السياسي في اليمن خلال المرحلة المقبلة، بحكم أن غالبية اليمنيين يرفضون وجود عبد ربه منصور هادي في أي عملية سياسية قادمة، لكونه من ساهم في إدخال الحوثيين إلى صنعاء واستدعى التحالف العربي لتدمير اليمن.

 

اليمن مقبل على تحالفات سياسية وعسكرية وحرب تكسير عظام بين الأطياف السياسية والعسكرية التي تتجاذبها دول التحالف العربي في اليمن، سيكون فيها المنتصر من يعمل على الأرض عسكريًا، لكن تلك التحالفات في الوقت الحاليّ قد تؤخر الحسم العسكري في اليمن، خصوصًا أن الحوثيين في مرحلة انهيار عسكري غير مسبوق.

ولأول مرة تنخرط القيادات المعارضة للإمارات و"المجلس الانتقالي" في كيان واحد بعد سنوات من المناشدات والمطالبات لتشكيل كيان موازٍ لمواجهة "الانتقالي" الذي يحاول الاستفراد بالقرار في الجنوب، وعمل على التنكيل بمعارضيه مستخدماً قوات أنشأتها له دولة الإمارات وتمولها بشكل كامل

وجود هذه القيادات إضافة إلى قيادات أخرى، قد يعيد خلط الأوراق على "المجلس الانتقالي" ويربك حسابات الإمارات، فالقادمون الجدد جنوبيون معارضون لسياستها ولوكيلها، وهم قادمون من أطراف عدة تكاد تمثل جميع شرائح الجنوب

الكاتب