كيف وجّه محمد بن زايد قِبلة المملكة السعودية نحو إسرائيل؟!

كيف وجّه محمد بن زايد قِبلة المملكة السعودية نحو إسرائيل؟!

لا غبار على خبث ودهاء محمد بن زايد، خاصة بامتلاكه حلولاً شيطانية لفك الأزمات أو افتعالها بحسب ما يلبي رغباته وأطماعه، وأهم حالة قائمة على دهائه، هو اقتناعه بأن حله الأمثل للسيطرة على ما يريد، يتمثل في التحكّم بقيادة المملكة السعودية، بصفتها القوة الأكبر خليجياً وعربياً في المنطقة.

وفي هذا المجال، نشر الصحفي الشهير "روري دوناجي"  قبل عام ونصف، مقالًا على موقع "ميدل إيست آي"، شرح فيه ما أسماه "خطة شيطانية" يقف خلفها ويدعمها محمد بن زايد لتنصيب ابن سلمان ملكا للسعودية، بدلًا من محمد بن نايف.

وقامت نصائح ابن زايد على محوريْن استراتيجييْن: الأول/ "إنهاء حكم الوهابية" في السعودية، والثاني/ فتح "قناة قوية من التواصل مع إسرائيل".

والمتتبع لتصريحات محمد بن سلمان أثناء زياراته المطولة للولايات المتحدة، حول الاعتراف بإسرائيل والتبرؤ من الوهابية، يدرك مدى دهاء ولي عهد أبو ظبي في نجاح مخططه لوصول محمد بن سلمان للسلطة، حيث يقول مراقبون: "وكأن ولي عهد أبو ظبي رسم خارطة طريق كاملة يسير بمقتضاها محمد بن سلمان لا يزيغ عنها".

ومؤكد النقاد والمراقبون أنّ: "محمد بن سلمان بات بمثابة القفازات التي يرتديها محمد بن زايد، لممارسة أدوار وسياسات لا ترضى عنها شعوب المنطقة، فيما يتعلق بعدد من القضايا التي وجد ابن سلمان نفسه متورطا فيها، أهمها حرب اليمن وعاصفة الحزم التي أنهكت السعودية مادياً وسياسياً وعسكرياً، لذلك يعتقد متابعون أنَّ "ابن زايد" بدأ يحصد ثمار "غرسه" في تلميذه فرحا، وسط صمت مطبق من جانب أبو ظبي إزاء كل مواقف بن سلمان التي أطلقها من واشنطن.

ويقول "دوناجي": (إن هذه الخطة التي دعمها محمد بن زايد، هي خطة مدبرة بشكل جيد من قبل شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة، وساهم في ترويجها بقوة سفير الإمارات في واشنطن "يوسف العتيبة"، إذ سيتم التركيز على محمد بن سلمان وتقديمه كالبطل من قبل الصحافة، والكونغرس، والأوساط الأكاديمية).

وكان "هيرست" رئيس تحرير موقع "ميديل إيست" وصف دور "العتيبة" بالغريب؛ فبإمكانه نشر إطراءاتٍ تخلو من النقد لمحمد بن سلمان، في صحيفتيْ "نيويورك تايمز وواشنطن بوست"، كما بإمكانه أن يَشْغَل أجزاءً من جدول ترامب الرئاسي، وترتيب لقاءاتٍ سرية مع الرئيس، إضافةً إلى تشويه سمعة "ابن عم" محمد بن سلمان الذي كان ينافسه، الأمير محمد بن نايف.

السيطرة على السعودية

ويضيف "هيرست": (يعتقد العتيبة بالفعل أنَّ "سيده" محمد بن زايد، قد سيطر على السعودية مع صعود محمد بن سلمان، الذي يُمثِّل كتلة الشمع اللينة المثالية لتنطبع عليها المُخطَّطات الإماراتية)، وقد كرّر "هيرست" أكثر من مرة آخرها في حوار برنامج "بلا حدود": (أنَّ ابن زايد له الدور الأبرز في الإطاحة بمحمد بن نايف، لصالح ابن سلمان القريب من توجهاته، وإنَّ ولي عهد أبو ظبي هو من يدير نظيره السعودي بن سلمان).

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" وصفت الروابط بين ابن زايد وابن سلمان كعلاقة المعلم بالتلميذ، كما كشفت مجلة "نيويوركر" الأميركية، عن تحذيرات مبكرة أطلقها "محمد بن نايف"، منبهاً فيها من مخاطر ما أسماها "مؤامرة إماراتية" لإثارة الخلافات بين أفراد الأسرة السعودية الحاكمة، وكشفت المجلة عن رسالة وجهها الأمير "بن نايف" إلى الملك "سلمان بن عبد العزيز"، حذر فيها من "مؤامرة يقودها ولي عهد أبو ظبي بن زايد لإثارة الخلافات داخل القصر الملكي السعودي".

وأكد "بن نايف" في الرسالة أنَّ: (محمد بن زايد يخطط لاستخدام علاقاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق مآربه ومخططه الرامي إلى التدخل في الشؤون الداخلية السعودية).

ومما لا شكّ فيه، أنّ بن زايد كان "موفقاً" في اختيار محمد بن سلمان، كتلميذ له، إذ نقلت "نيويوركر" عن مسئول أميركي سابق روايته عن "كيفية بحث إدارة ترامب عن عميل لتغيير المنطقة ووجدت ضالتها في الأمير ابن سلمان، فقررت احتضانه ليكون عميلها لتحقيق التغيير.

ومجددا تطرَّق تحقيق "نيويوركر" إلى دور سفير الإمارات في واشنطن "العتيبة" في حملة الترويج لمحمد بن سلمان في الدوائر الأميركية، مضيفا أن ابن زايد هو من ساعد ابن سلمان على تحقيق نفوذه، لأنه رأى فيه صورة "زعيم شغوف لمحاربة أعدائه".

وتكمن مشكلة في شخصية ولي عهد المملكة، حيث دأبت وسائل الإعلام الغربية على وصف محمد بن سلمان بقليل الخبرة والمتهور، وأكثر ما ينطبق على شخصيته هو "السذاجة" السياسية التي جعلت منه "ألعوبة" بيد الآخرين.

وقال "هيرست": (اجتمعت كل روافع السلطة الآن في يدِ شابٍ غير مُخضرمٍ يهوى المجازفة، كان قد أسَّسَ لنفسه، بالوقت القصير الذي قضاه على رأسِ وزارة الدفاع، سمعةً تلخصت في التهوُّر)،
كما أضيف وصف "مجرم حرب" على ما اقترفته أيدي بن سلمان وجنوده ضد أبناء اليمن الأحرار. وبعد ما سبق أثبت ابن زايد أنه رجل يصنع الحدث وإن كان غير أخلاقي، لم لا وهو صانع القيادة السعودية لسنوات قادمة طويلة تربو على الأربعين.

وقد ظهرت سذاجة "محمد بن سلمان" نفسه في ملفات وقضايا المنطقة بصورة لم يكن للرياض أن تتورط فيها، لولا اندفاع ابن سلمان للاستجابة لكل ما يُملى عليه، ولم يكن ليتصرف بهذه الطريقة لو تقاطعت توجهاته وسياساته تماما مع ولي عهد أبو ظبي.

فبحسب التسريبات، فإن "بن سلمان" قال: (إنَّ تركيا وإيران والقاعدة وداعش والإخوان هم محاور الشر)، وبحسب التصريحات الرسمية له، فقد أزال تركيا، واكتفى بذكر الإخوان، لأنه يعتقد أن لفظ الإخوان يشتمل على تركيا ضمناً، لذلك يرى المراقبون أنَّ ابن سلمان يستعدي تركيا وقطاعاً واسعاً من التيار الإسلامي الشعبي في العالم الإسلامي، وهي مواقف تتفق ومصالح حاكم أبو ظبي.
وبالنسبة لإيران، فإن "ابن سلمان" يعاديها من جهة، ولكنه يتقارب مع شيعة العراق من جهة أخرى، ويعتقد بحسب تصريحات له لصحيفة "تايمز" الأمريكية أنه من المهم أن يكون نظام الأسد قويا في سوريا، إلى جانب أن الإمارات هي ثاني شريك اقتصادي لإيران بمدفوعات تبلغ 9 مليارات دولار لعام 2017م، وهذا ما يؤكد قول البعض أنَّ أبو ظبي تعادي إيران من أجل السعودية فقط على سبيل المجاملة ليس أكثر، وما سبق يعني أن أجندة بن سلمان تتوافق تماما مع أجندة الإمارات فيما يخص نظام الأسد وشيعة العراق.

 ابن سلمان ينفذ أجندة محمد بن زايد للتطبيع

بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإنَّ "ابن سلمان" أنه ينفذ أجندة بن زايد في عدد من ملفات المنطقة، وخاصة في العلاقات مع إسرائيل ومواجهة السلفية والوهابية بعداء كبير، وعبّر بذلك في كتاب "السراب" الذي يطعن بالسلفية والوهابية أساس شرعية نظام الحكم في السعودية، لجمال السويدي، والذي يُدّرس اليوم لطلبة الثانوية العامة في الإمارات.

وكذلك، فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل ومكافحة "التطرف والإرهاب"، فحكومة الإمارات لا تخفي ميلها لإقامة علاقات مع إسرائيل بزعم مواجهة الإرهاب، وترى أن استمرار القضية الفلسطينية –وليس الاحتلال- هو عامل مغذٍّ للإرهاب والتطرف في المنطقة، لذلك من مصلحتها مواجهة ذلك.

حكومة أبو ظبي لا تمتلك الثقل المناسب للاقتراب من ملف القضية الفلسطينية، ولا تستطيع أن تطعن الوهابية والسلفية بأكثر من كتاب، لهذا لجأت لاستخدام بن سلمان وبما تمثله السعودية من ثقل، ليكون الشخص المناسب للقيام بهذه الدورين، ففي زيارته للولايات المتحدة، زعم أنه لا توجد وهابية في المملكة، وأنَّ نشر السلفية كان استجابة لطلب حلفاء السعودية أثناء الحرب الباردة منها أن تقوم بذلك لمواجهة الاتحاد السوفياتي، وعن القضية الفلسطينية، أعرب ابن سلمان أنه من "حق" اليهود أن يعيشوا في "أرضهم" (فلسطين) بأمن، مؤكدا وجود مصالح مشتركة بين الرياض وتل أبيب، معتبراً حماس إرهابية مثلها مثل داعش وتشكل تحدياً للسعودية.

وهذه القضايا، التي ترّفع ولي عهد أبو ظبي عن الخوض بها "مباشرة"، كونه يدرك مدى الخسارة الشعبية، ترك المهمة فيها لابن سلمان الذي أثبت مرة أخرى أنه قابل للاستعمال من قبل الآخرين.

وبهذا كان بن سلمان بمثابة بوصلة التطبيع الخاصة بحكومة الإمارات، لتكثيف وتوسيع العلاقات العلنية مع الكيان الصهيوني، تزامناً مع القمع والتنكيل والحرب العلنية على الإسلاميين في المنطقة!.

الكاتب