تحركات اماراتية في لتعزيز نفوذها في لبنان وكبح جماح حزب الله

تحركات اماراتية في لتعزيز نفوذها في لبنان وكبح جماح حزب الله

أثارت سلسلة المراسلات التي نسبت للسفارة الإماراتية في لبنان والتي كشفت عنها صحيفة "الأخبار اللبنانية" التساؤلات حول التحركات الإماراتية في لبنان ومساعي أبوظبي لتعزيز نفوذها عبر البوابة الاقتصادية أو السياسية، والسعي لمواجهة نفوذ حزب الله ضمن الاستراتيجية السعودية لمواجهة النفوذ الإيراني.

وكانت جريدة «الأخبار» اللبنانية نشرت ما وصفته بسلسلة مراسلات سريّة صادرة عن السفارة الإماراتية في لبنان، متضمنة أرقام هذه البرقيات، وتواريخها، وصورة ضوئية منها، تزامنًا مع ظهور السفير الإماراتي المتكرر في لبنان، سواء لافتتاح مشاريع إنمائية، أو إعلان تقديم دعم مالي للمؤسسة العسكرية وقوى الأمن بحسب ما أورده تقرير لموقع " ساسة بوست".

بوابة العمل الخيري

ومثل العمل الخيري إحدى المداخل الرئيسية للتحرك الإماراتي في لبنان حيث كان لبنان إحدى الدول التي أخذت اهتمامًا كبيرًا من جانب دولة الإمارات في إطار خطتها لمد نفوذها خارج حدودها؛ إذ تجلّى هذا الاهتمام في تدشين حجر الأساس لموقع سفارة الدولة الخليجية في منطقة الرملة البيضاء الجديد، في بداية العام الجاري، بحضور سعد الحريري رئيس الوزراء اللبنانيّ، والسفير الإماراتي في لبنان حمد سعيد الشامسي، الذي أكّد حينها أنّ الإماراتيين «عائدون وبقوة إلى بيروت».

أخذت الرغبة الإماراتية في صناعة نفوذ داخليّ في لبنان مظاهر متعددة؛ كان أبرزها الأعمال الخيرية، إذ موّلت الإمارات تأسيس سلسلة مدارس بكافة أنحاء المراكز والقرى اللبنانية كمدرسة الإمارات في بلدة القادرية، ومدرسة المرج في البقاع الغربي، بالإضافة إلى 32 مشروعًا إنمائيًّا في الضنية والمنية وقرى وبلدات عكار، فضلًا عن مشاريع تم افتتاحها في قرى البقاع الغربي (‏القرعون وبعلول ولالا)، ومستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في شبعا، وحديقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في صيدا، وذلك بهبات سخيّة، ومكرمات من مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية.

واحدة من الجمعيات الخيرية التي تتقاطع مهامها مع الدور الإماراتيّ هي «جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية» في بيروت، التي موّلت مؤسسات إماراتية رسمية أغلب المدارس التي أنشأتها الجمعية، وحضر رئيسها افتتاح أغلب المشاريع الإنمائية الإماراتية رفقة السفير الإماراتي في بيروت.

وحسب الموقع الرسمي للجمعية، فهي «جمعية خيرية إسلامية لا تبغي الربح، وتسعى لإنشاء مجتمع مقاصدي متميز مبني على القيم السامية، فخور بانتمائه الوطني. والمقاصد تعمل بمبادئ الدين الحنيف في سبيل تنمية قدرات مجتمعها وتربية أجياله، فتقوم من خلال مؤسساتها المختلفة بنشر التربية الإسلامية، وتأمين العناية الصحية، وتقديم خدمات تربوية واستشفائية وثقافية متميزة، وذلك بدعم تكاليف هذه الخدمات».

كما أخذت محاولات السعي الإماراتي الحثيث لصنع دوائر نفوذ لها بوابةً جديدة، عبر تقديم الدعم للجيش وقوى الأمن اللبنانية بما يعادل 200 مليون دولار، مناصفة بين المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية، وبرّرت آنذاك وزارة التعاون الدولي الإماراتية هذا الدعم الذي جاء بالمناصفة بين المؤسسة العسكرية وقوى الأمن، قائلة: «دعمًا لضمان استقرار لبنان وأمنه، وذلك انطلاقًا من وشائج الانتماء العربي المشترك، وضمن مسؤولية الإمارات الدولية تجاه الأمن والسلم الإقليمي والدولي».

أذرع الإمارات في لبنان 

وكانت المراسلات المنسوبة للسفارة الإماراتية أبرزت كلا من  سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، وأشرف ريفي، وزير العدل اللبناني السابق،  كشخصيتين تراهن عليهما أبوظبي عليها مستقبليًّا لتشكيل دوائر النفوذ الإماراتيّ في لبنان؛ إذ يظهر ذلك في البرقية التي بعث بها السفير الإماراتي في بيروت بتاريخ 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، والتي أوضح فيها: «الأصوات المؤيدة للسعودية ولدول الخليج في لبنان، اقتصرت على القوات اللبنانية التي قال رئيسها سمير جعجع إن الأولوية هي لمقاربة أسباب استقالة الحريري بمعزل عن وجوده في السعودية، كذلك فإن مواقف رئيس حزب الكتائب سامي الجميل تصب في الإطار نفسه».

ولم تنقطع زيارات جعجع إلى الإمارات، والتي كانت آخرها في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، ورافقته في هذه الزيارة زوجته النائب ستريدا جعجع.

يبرز كذلك أشرف ريفي، وزير العدل السابق، والسياسي اللبناني، باعتباره أحد الوجوه التي يُشار إلى أنها من متلقّي المساعدات المالية الإماراتية، للعب دور في لبنان لصالحها، هو الأمر الذي يراه السفير الأردني في لبنان مسألة في غير محلها، ويدعو الدولة الخليجية لعدم الاعتماد على أشرف ريفي وزير العدل السابق في طرابلس، وذلك لالتفاف الحركات الإسلامية حوله.

تتأكد العلاقة بين الريفي والإمارات من المواقف السياسية التي يدعم من خلالها سياسات الدولة الخليجية في المنطقة العربية، والتي كان آخرها دعمه قرار القطيعة مع قطر، حين ذكر في مقابلة صحافية: «أن العلاقة التي تجمعه مع دول الخليج علاقة احترام وتقدير ومحبّة» معلّقًا على الأزمة الخليجية بقوله: «أنا أعلنت سابقًا وبشكل واضح أني إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وآمل قريبًا أن يجد الإخوة في الخليج حلًّا لهذه المشكلة».

ويأخذ أشرف ريفي مواقف حادة في مهاجمة إيران وحزب الله ونهاد المشنوق، وتأييد السياسة السعودية والإماراتية في لبنان. كما يحظى دومًا بلقاءات خاصة مع سفيري السعودية والإمارات في أوقات الأزمات السياسية، دون الإفصاح عن نتائج هذه المقابلات.

ويوضح الموقع الرسمي لمؤسسة رجل الأعمال الإماراتي خلف أحمد حبتور، أن المساعدات الخيرية والمالية داخل لبنان تتم عبر أشرف ريفي، في دلالة تؤكد ما ذهبت إليه البرقيات حول تلقي الريفي دعمًا من الإمارات، وأنه أحد رهاناتها لرسم النفوذ في بلاد الأرز.

مواجهة حزب الله

تُشير البرقيات المُسربة إلى اكتشاف دولة الإمارات عدّة نقاط ضعف استغلّها حزب الله والشخصيات المحسوبة عليه، لكسب وجهة نظر الشارع اللبنانيّ في العديد من القضايا السياسية؛ والتي شكلت قضية احتجاز سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، أولوية لهذه القضايا في الشهور الأخيرة.

إذ تعتقد الإمارات، وفقًا لما جاء في ذات البرقيّة التي بعث بها السفير الإماراتي إلى بلاده، وتحدّث فيها عن التطورات في لبنان بعد اختطاف الرئيس سعد الحريري في الرياض، أن أحد نقاط الضعف الخليجي والإماراتي خصوصًا هو «تراجع دور الإعلام السياسي أو حتى غيابه، ويجب على دول الخليج اتخاذ مبادرة في اتجاه إيجاد منصات تتولّى المواجهة الإعلامية في الداخل اللبناني».

وقد شهد الشارع اللبنانيّ استياءً ملحوظًا من احتجاز الحريري، وتضامنًا مع خطاب الأمين العام لحزب الله في الإفراج عن الحريري، وأن احتجازه ينتقص من السيادة اللبنانية.

وتُعد جريدة الأخبار اللبنانية، الصحيفة اليومية، اليسارية الاشتراكية، كما تُعرف نفسها على الموقع الرسمي، قوية التأثير في الرأي العام اللبناني، وقد تحولت إلى منبر لحزب الله، إذ تدافع عن آرائه في القضايا السياسية، بينما يُعد موقع «جنوبية»، صاحب التأثير المحدود، دائم الدفاع عن سياسات الإمارات.

وذهبت آمال الإمارات نحو الاعتقاد بأن إطاحة الحريري من جانب السعودية، واحتجازه على أرضها خطوة مهمّة من شأنها حصر نفوذ حزب الله، وتقويض تحركاته الدائمة، وهي الآمال التي فشلت كلتا الدولتين في تحقيقها، بعدما اضطرت السعودية للإفراج عن الحريري، تحت ضغوط دوليّة عديدة على رأسها فرنسا.

مثّلت إحدى نقاط ضعف الإمارات في لبنان، خسارة رهاناتها على سعد الحريري في هذه المعركة بجانب السعودية، وبرّرتهبما وصفته بالانقسام في تيار «المستقبل» وعجز الإعلام الموالي لها عن مواكبة سياساتها، خصوصًا مع ارتفاع نفوذ نادر الحريري، الذي حمّلته الإمارات مسئولية حشد عناصر حزب المستقبل ضد السعودية بعد احتجاز شقيقه.

والشهر الماضي فرضت دولة الإمارات العربية المتحدة عقوبات اقتصادية على قيادات في "مجلس الشورى" لحزب اللبناني المدعوم من إيران.

وذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام) أن العقوبات تهدف إلى تقويض نشاطات حزب الله ونشاطات إيران في تمويل المليشيات المسلحة في المنطقة.

وأضافت (وام) أن العقوبات تأتي في إطار ما اتخذته الدول السبع الأعضاء بـ "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، من خطوات مهمة لتقويض نشاطات إيران وحزب الله.

وتابعت أن الدول السبع الأعضاء قررت فرض عقوبات اقتصادية على حسن نصر الله ونعيم قاسم ومحمد يزبك وحسين الخليل وإبراهيم الأمين السيد.

الكاتب