الزعابي: دولة الحق تبقى بعدلها لا بسياط جلاديها
رصد محمد بن صقر الزعابي المستشار القانوني والقضائي والرئيس السابق لجمعية الحقوقيين الإماراتية، الوضع الحقوقي في الإمارات خلال 2015، قائلًا: إن سوط الأمن خلال عام ٢٠١٥ لم يتوقف عن جلد ضحاياه من كل أطياف المجتمع، سواء كانوا من أبناء الإمارات أو ممن يقيمون فيها أو يعبرون أراضيها.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"شؤون خليجية"، أن الأمن نال ما نال من أطفال جريمتهم أن آباءهم نشطاء حقوقيون أو سياسيون أو أصحاب رأي، فحرموا من حقهم في أن يكون لهم أوراق رسمية تثبت هويتهم أو حقهم في التنقل والسفر مع أقاربهم وذويهم، بل البعض منع من حقه في التعليم أو المنحة الدراسية، رغم تفوقه "لدواع أمنية".
وعن وضع المرأة، قال "الزعابي": "الدولة تحاول أن تبتز المرأة في كثير من أنشطتها، ونالت نصيبها من العقاب الجماعي لأسر المعتقلين أو الملاحقين بسبب آرائهم، فخطفت بنات السويدي من قبل جهاز الأمن وأخفين في مكان مجهول لمدة ثلاثة أشهر، دون أن يعرف لهن مكان أو يسمح لهن بالتواصل مع ذويهن أو محامي يعرف ما هي جريمتهن، حتى أطلق سراحهن بعد طول عناء من تعذيب نفسي وجسدي عانت منه الأسرة والفتيات، في مجتمع لا يقبل هذا العدوان على النساء.
واعتبرها جريمة يرتكبها القائمون على جهاز الأمن في ترويع النساء وأسرهن، للسكوت عن الحديث عن ظلم واقع أو حق مسلوب، وهو شرخ لا يلتئم في مجتمع صغير لا يرضى أن يتعرض بناته لمثل هذه المعاملة المنحطة، بلا رادع من دين أو خلق أو قانون، مضيفًا: "ثم ما لبثنا أن أصبنا بمصيبة أخرى تقع على المرأة الإماراتية، باختطاف جهاز الأمن لبنات الشهيد العبدولي ولا يعلم لهن مكان إلى الآن، رغم أننا قاربنا الشهرين منذ اختطافهن مع شقيقهن الأول، وبعده بأسبوع شقيقهن الثاني الذي استنكر هذه الفعلة الشنعاء".
وقال "الزعابي": "عدا عن العشرات من النساء والفتيات اللاتي يمنعهن جهاز الأمن من حقوقهن في العمل أو الترقية، أو تجديد جواز السفر، أو الهوية والمنع من السفر، وغير ذلك مما ينقص على هذه المرأة الضعيفة معيشتها، ويجعلها في موقف الضعيف الذي لا يجد من ينصره من سلطات الدولة، التي تخلت عن أدوارها وصارت خادمة لجهاز الأمن، الذي أصبح خصمًا وحكمًا على الجميع".
وعن الاختفاء القسري بالإمارات، قال: "حدث ولا حرج وآخر ضحاياه الدكتور ناصر بن غيث، الذي أكمل أكثر من أربعة أشهر إلى الآن في مكان مجهول بلا جريمة ارتكبها ولا تهمة، ولا تمكين لأسرته من مقابلته، أو محام يدافع عنه، أو نيابة تعرف دورها في حفظ حق المجني عليهم تحت يد جهاز أمن الدولة، ومن محكمة لا تحقق في انتهاكات يتعرض لها د. ناصر وغيره في سجون أمن الدولة السرية، ثم إذا أحضروا أمامها بعد أشهر طويلة من الإخفاء غضت الطرف عن كل تلك الانتهاكات، وعاملتهم معاملة المجرمين دون النظر في دفاعهم ودفوعهم التي يقدمونها، وهناك الكثير ممن يتعرضون لجريمة الإخفاء القسري في سجون أمن الدولة، علمنا منهم القليل وكثير منهم لا نعلم عنهم شيئاً".
وأضاف "الزعابي": "إذا كنا نتحدث عن الشفافية والعدالة في عرض القضايا، فالإمارات تخفي الكثير ولا تريد لأحد أن يطلع عليه، ففي الدورة 29 لمجلس حقوق الإنسان خلال هذا العام، قدمت المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين غابرييلا نول، تقريرها عن زيارتها لدولة الإمارات، والتي قررت فيه أن القضاء غير مستقل وأنه يتبع السلطة التنفيذية، عدا أنها منعت من الوصول للسجناء الذين تعرضوا للتعذيب لسماع أقوالهم والتأكد مما أوردوه، وهو ما أثار الشك لدى المقررة الخاصة في صحة هذه المزاعم من وجود التعذيب في سجون الأمن السرية، ثم ما يليها من سجون سياسية مثل سجن الرزين".
وتابع: "تتأكد رواية التعذيب من خلال حرمان ممثلي المنظمات الدولية المشهورة من دخول الدولة، مثل ممثلي الهيومن رايتس، والأمنستي، وبعض الناشطين الحقوقيين والمحامين وكتاب الرأي، لأنهم فضحوا مثل هذه الممارسات التي تحاول الدولة أن تخفيها بكافة الطرق".
وأكد "الزعابي" أن الانتهاكات لا تزال مستمرة في كافة الاتجاهات تحت بند قانون مكافحة الإرهاب، الذي يعتبر مسوغًا لانتهاك حق وحرية أي شخص وإخفائه وتعذيبه لأشهر وربما سنوات، أو تحت بند قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يعتبر ورقة الضغط على أي شخص حر يريد أن يعبر عن رأيه في نقد أي سياسة خاطئة، أو فضح انتهاك خطير، بحجة المساس بأمن الدولة ووحدتها ورموزها واقتصادها، أو أي شيء يخطر على بال المخرج في جهاز أمن دولة الإمارات.
وبين أن المخرج الوحيد لهذه الأزمة الممتدة الآن لسنوات في ملف حقوق الإنسان في دولة الإمارات، هو الوقوف على أصل المرض، وهو ولوغ جهاز أمن الدولة وتطاوله على كل مكامن الحياة المدنية ومفاصلها في الدولة، أما العلاج فهو الأخذ على يد هذا الجهاز بواسطة أصحاب القرار، والأخذ بنصيحة الناصحين الصادقين في محبتهم لوطنهم.
وقال "الزعابي": إن ما تجره اليوم هذه الممارسات على البلاد بدأت تتضح آثاره السلبية على الجميع، وإن كان اليوم الصمت غالبًا بسبب أدوات القمع المستخدم، فنسأل الله السلامة من قادم الأيام، بسبب امتداد هذه الممارسات في كل مكان والتفنن في صناعة الأعداء. مشيرًا إلى أن الذي ينصح بزيادة هذه الممارسات ضد الأفراد إنما هو عدو للدولة وأبنائها المخلصين، الذين يريدون تحصينها من السقوط في براثن الظلم، الذي قاد أممًا ودولًا سابقة للهلاك، ما لم تتوقف عن غيها وظلمها.
واختتم قائلًا: "طريق الحق واضح والرجوع إليه أسلم، ودولة الحق تبقى بعدلها لا بسياط جلاديها".
(شؤون خليجية)