سقوط دبي الاقتصادي أصبح واقعاً.. ومسئولوها في تراشق بدلاً من وضع الحلول
خاص: شؤون إماراتية
عناوين عريضة خُطت على مواقع عربية وأجنبية عديدة، كانت تراقب عن كثب الوضع الاقتصادي المنذر بكارثة في إمارة دبي، والذي باتت تعاني منه بوضوح في الآونة الأخيرة بعد بيع أغلب الشركات الكبرى أصولها للبيع، واغلاق العديد من مراكز التسوق والفنادق والمدارس أبوابها، وأزمة طيران الاتحاد التي عرضت خمس طائرات من أسطولها للبيع، وكيف كانت السياسة سبباً من أهم الأسباب التي جعلت الاقتصاد يعاني.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على بعضٍ من أسباب الأزمة، وكيف كانت ردود الأفعال الرسمية والشعبية في الداخل الإماراتي ما بين النفي والـتأكيد المبطن، وانتهاءً بالتراشق الإعلامي ما بين مسئولي الإمارة، حيث كانت بداية شرارته من "ضاحي خلفان"، الذي حاول أن يخفف من حدة الأزمة واصفاً إياها بالشائعات ومطالباً المكتب الإعلامي الحكومي بدبي للخروج رسمياً ونفيها، الأمر الذي تبعه الكثير من علامات الاستفهام والتعجب!!.
مؤشر بنك الإمارات يؤكد الأزمة الاقتصادية
مؤشر بنك الإمارات دبي الوطني الشهري لمراقبة حركة الاقتصاد بدبي، هو مؤشر مركب تم إعداده ليقدم نظرة عامة دقيقة على ظروف التشغيل في اقتصاد القطاع الخاص غير المنتج للنفط، وهو مؤشر مشتق من مؤشرات تعميمية فردية تقيس التغيرات في الإنتاج والطلبيات الجديدة والتوظيف ومواعيد تسليم الموردين ومخزون السلع المشتراة.
وقد تأكدت الأزمة الاقتصادية بعد تراجع هذا المؤشر بما يبلغ 8% في الربع الأول ليسجل بذلك أسوأ أداء لفترة الربع الأول منذ 10 سنوات، بواقع فقدان أكثر من 6 مليارات درهم من قيمته السوقية.
ليتراجع بعدها بقوة أكبر ليصل إلى نحو 14,4% منذ بداية 2018م، مما جعله أحد أسوأ المؤشرات أداء في المنطقة، وبقيَ على تراجعه مع حلول الأسابيع التالية بعد أن تقدمت مجموعة أبراج كابيتال – أكبر مطور عقاري بالإمارات – بطلب تصفية مؤقتة، مما اضطر هيئة الرقابة المالية في دبي لفتح التحقيقات في مزاعم بسوء الإدارة في شركة أبراج.
وبتسليط الضوء على قضية أبراج دبي وهي أحد العوامل الرئيسية في التراجع الاقتصادي الذي تشهده الإمارة، فإنها تملك أصولاً بقيمة 13,6 مليار دولار، في حين تصل الأموال التي تستثمرها المجموعة في الصناديق لأكثر من 8 مليارات دولار.
وتتوزع استثمارات الشركة حالياً على أكثر من 200 مشروع استثماري، بينما أنجزت استثمارات يتجاوز عددها 100 مشروع سبق أن انتهت منها.
واندلعت أزمة "أبراج كابيتال" في أواخر العام 2017م، عندما قدّم بعض المستثمرين بها –من بينهم بيل وميلندا غيتس ومؤسسة التمويل الدولية– اتهامات للمؤسسة بإساءة إدارة أموالهم في صندوق الرعاية الصحية، باستخدامها في تمويل أعمالها الخاصة، إلى جانب التباطؤ في استثمار 545 مليون دولار، تمَّ تحويلها للصندوق في أبريل/نيسان 2016م، لبناء مستشفيات في عدة دول.
وأثارت تلك الادعاءات أزمة مالية في الصندوق –الذي يُعَدُّ أكبر صندوق استحواذ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا-، وازداد الأمر سوءًا بعد أن تقدمت "أبراج" الشهر الماضي بطلب تصفية مؤقتة في "جزر كايمان" في مسعى للتوصل إلى اتفاق مع دائنيها من خلال بيع جزء من أصولها، مما أثار المخاوف بشأن انكشاف الشركات الأخرى المدرجة بالبورصة على خلفية تلك الأزمة المالية.
وكدلالة على سوء الأحوال المالية بالمجموعة، قامت "أبراج كابيتال" ببيع كامل حصتها (والتي كانت تُمثل 5,4% من الأسهم) في شركة «أوراسكو مكونستراكشون» في مصر بقيمة 52 مليون دولار، وفي الوقت نفسه كشفت وكالة «بلومبيرغ» الاقتصادية، عن تعثر القائمين على هيكلة الشركة في إيجاد السبل لسداد مستحقات الموظفين والبالغة -بحسب تقديراتهم- 20 مليون دولار، فضلاً عن فواتير أخرى مترتبة لشركات استشارية وبدل إيجارات.
هذا ومازالت محكمة الشارقة الجزائية تنظر في قضية "عارف نقفي" مؤسس مجموعة «أبراج كابيتال»، الموجود حالياً في المملكة المتحدة، و"محمد رفيق لاخاني" العضو المنتدب في المجموعة، بتهمة إصدار شيك مرتجع بقيمة 48 مليون دولار، مُوقَّع من المتهميْن لصالح "حميد جعفر"، وهو مساهم مؤسس في أبراج، وقد استخدم الشيك كضمان جزئي لحوالي 300 مليون دولار من القروض التي قدَّمها جعفر إلى أبراج.
كيف أثَّـرت أزمة «أبراج كابيتال» على الشركات المُدرجة بسوق دبي؟
طلبت هيئة الأوراق المالية والسلع الإماراتية من الشركات المدرجة بسوقي دبي وأبوظبي الإفصاح عن حجم انكشافاتها على شركة "أبراج كابيتال"، لقياس الأثر الواقع على تلك الشركات –التي عانت كثيراً خلال الفترة القصيرة الماضية من تراجع أسعارها بالبورصة– وبالفعل نفت العديد من الشركات المُدرجة (ومنها: إشراق العقارية، والواحة كابيتال، والخليج الاستثمارية، وأبو ظبي الإسلامي، وطيران أبو ظبي، وأدنوك، والدار العقارية، والاتحاد العقارية)، جميعها نفتْ وجود أيّ استثمارات لها في مجموعة أبراج أو أي من المشروعات أو الصناديق التابعة لها.
أما شركة دانة غاز –وهي شركة تعمل بصورة رئيسية في السوق المصري– فأشارت إلى أنَّ استثماراتها في "أبراج كابيتال" تقتصر على مبلغ قدره 6 ملايين دولار في صندوق البنية التحتية التابع لأبراج، والذي تتم إدارته من قبل أبراج لإدارة الاستثمارات المحدودة.
وعلى الرغم من ذلك، عانت الكثير من الشركات المُدرجة بسوق دبي المالي من تراجعات حادة، كان أبرزها شركة «دريك أند سكل إنترناشيونال» التي تراجع سهمها ما يُقارب 46% في نحو 5 جلسات فقط، وذلك برغم أنَّ الشركة نفتْ انكشافها على أزمة أبراج، بل وأرجعت الشركة التراجع العنيف بالسهم إلى عمليات بيع هامشية نتيجة قيام إحدى المؤسسات المالية -والمقصود هنا هو مصرف عجمان الذي تراجعت حصته بالشركة إلى نحو 13%– ببيع أسهم بعض المستثمرين بالشركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هي مشكلة أبراج أم أن هناك عوامل أخرى؟
الدراسات والمؤشرات تقودنا إلى أنَّ الأمر لا يقتصر فقط على "أبراج كابيتال"، وإنما الأمر تخطاها عندما خرجت الأخبار بأنَّ "طيران الاتحاد" تعرض لخسائر بلغت أكثر من مليار ونصف في عام واحد!!.
حيث بلغت خسائر الشركة ما يقرب3,4 مليار دولار خلال عاميْ 2016 و2017م، وفقاً لميزانياتها المنشورة، الأمر الذي يهدد تعاقداتها المستقبلية مع شركتيْ «بوينج» و«أيرباص»، وكدلالة على تفاقم الأزمة، أبلغت "شركة الاتحاد" طياريها بإمكانية انضمامهم لمنافستها "طيران الإمارات" بشكل مؤقت لمدة عاميْن، وذلك تقليصاً لنفقاتها.
ويزداد الأمر سوءًا مع إعلان خطوط "فيرجين أتلانتيك" الجوية (وهي شركة طيران بريطانية خاصة تعمل على تشغيل رحلات جوية بين بريطانيا والإمارات منذ عام 2006م) عن نيّـتها إيقاف الرحلات الجوية بين دبي ولندن، اعتباراً من نهاية مارس/آذار من العام 2019م، مُرْجِعةً أسباب ذلك إلى مجموعة من العوامل الخارجية التي جعلت الأمر غير مُجْدٍ اقتصادياً.
وفي مايو/آيار الماضي، أعلنت خطوط "رويال بروناي" الجوية هي الأخرى عن توقف الرحلات بين دبي ولندن، معلنة عن إطلاق رحلات مباشرة بين لندن وبروناي، وعلى الرغم من أن المسار الجديد سيقلل من الوقت الذي يستغرقه السفر بين هاتيْن المدينتيْن بمقدار ثلاث ساعات ونصف، فإنَّ ذلك يشكل ضربة للعديد من المسافرين من دبي، الذين كانوا يعتبرون هذه الشركة بمثابة الناقل الموثوق به ذي السعر المعقول للسفر إلى لندن.
فمن المسئول عن الانهيار وهل يمكننا القول بأنَّ ما تزرعه السياسة يحصده الاقتصاد؟
الركود الاقتصادي الذي تعاني منه الإمارة أصبح واقعاً ملموساً لدى المواطنين الإماراتيين وسكان الإمارة تحديداً، وذلك بعد إغلاق الكثير من الفنادق ومراكز التسوق أبوابها، وإعلان شركة إعمار عن عرض أصول المدارس والعيادات للبيع، والذي أتبعَه انخفاض في معدلات التضخم، في ظلِّ توقعاتٍ باستمرار انخفاضه مما يؤثر بشكل سلبي على معدلات النمو وتنافسية الاقتصاد المحلي وقدرته على جذب مزيد من الاستثمارات.
وحسب تقرير "الثروة العالمية" الذي صدر مؤخراً عن مؤسسة «كابجيميني» الفرنسية، تراجعت ثروة الأثرياء في الإمارات لنحو 190,2 مليار دولار خلال العام 2017م، بتراجع بلغ نحو خمسة مليارات دولار عن العام 2016م.
ويقود القطاع العقاري فعلياً سلسلة الانهيارات التي حدثت بسوق دبي، حيث تدهور حجم الاستثمارات في العقارات والمباني التجارية بنسبة كبيرة، كما شهدت أسعار العقارات وإيجارها انخفاضاً ملحوظاً، حيث ذكر تقرير وكالة «بيوت» العقارية، أن إيجار الشقة من غرفة واحدة في حيّ ديرا، انخفض بنسبة 15,38% في النصف الأول، كما تراجعت أسعار الإيجارات في الحي نفسه لشقة من غرفتيْن بنسبة 10%، ويأتي ذلك مع معاناة مبيعات "الفيلات الفاخرة" في دبي من تأثير الحصار المفروض على قطر، الذي حظر على أثريائها شراء العقارات، كما أجبرهم على بيع بعض عقاراتهم.
كذلك تأثرت سوق العقارات في دبي من حملة الاعتقالات التي نفذها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" على الأمراء والأثرياء، والرقابة المشددة على تحركات أموال طبقة رجال الأعمال في السعودية.
وبحسب تقريرٍ بدائرة الأراضي والأملاك في دبي، بلغت قيمة الصفقات العقارية للنصف الأول من العام 2018م، نحو 111 مليار درهم، متراجعة بنسبة 16% بالمقارنة مع 132 مليار درهم، خلال النصف الأول من 2017م، مما يعني أنَّ القطاع العقاري بدبي يواجه أزمة حقيقية في ظل الضعف الاستثماري الأجنبي بالإمارة.
وبذلك نستطيع إجابة التساؤل بالإيجاب "نعم"، أسباب الأزمة محرّكها هو العوامل السياسية والتي أثرت بشكل كبير على القطاع الاقتصادي، رغم محاولات حكومة دبي اليائسة لطمأنة الرأي العام معللة الركود الاقتصادي سببه خروج العديد من المستثمرين من البلاد لقضاء العطلات الصيفية، وربما ذلك لا يتماشى تماماً مع الأسباب الكثيرة التي تداولها العديد من المحللين والاقتصاديين حول العالم.
فوفقا ًلما تناولته قناة CNBC العربية، المتخصصة في المال والاقتصاد، في تقريرها عن تراجع مؤشر سوق دبي المالي، قالت: (إنَّ ما حدث هو نتيجة طبيعية لنظامٍ تخلَّى عن التوجه الاقتصادي إلى التوجه العسكري ضدَّ دول المنطقة، حتى أصبحت الدولة بيئة غير آمنة لرجال الأعمال).
وهذا يقودنا إلى توجيه دائرة الضوء على الرأي العام الإماراتي والذي ظهر جلياً عبر تغريدات موقع تويتر، والتي انقسمت ما بين طرفٍ يؤكد بأنَّ السياسة هي مَن أفسدت الاقتصاد، وآخر مازال يدافع بشكل أعمى متجاهلاً الوضع القائم الذي آلت إليه الإمارة.
أما على الصعيد الرسمي فيما يتعلق بتغريدات تويتر، فقد أشعل المثير للجدل "ضاحي خلفان"، شرارة بين المسئولين عندما حاول إنكار تراجع الاقتصاد في دبي، ومؤكداً على أنَّ كل ما صدر من هنا وهناك ما هو إلا شائعات، مطالباً المكتب الإعلامي لحكومة دبي بالخروج رسمياً ومواجهة الشائعات واصفاً إياه –المكتب الإعلامي- بأنه يغطُّ في سبات عميق، مما أدى إلى تدخل الكثير من المسئولين للرد عليه تمجيداً بأداء المكتب وقدرته على التعامل مع الأزمات.
التغريدة التي على ما يبدو لم ترقْ للكثير من المسئولين قابلها تراشق وردود عديدة كان أبرزها:
فهل هذا ما كان ينتظره المواطن الإماراتي من أجل حلّ المشكلة الكبرى المتعلقة بالاقتصاد في دبي، الذي وصفه أحد الخبراء الاقتصاديين بكرة الثلج التي تذوب شيئاً فشيئاً، من خلال المهاترات الإعلامية والتراشق أم كان ينتظر إجراءات ومواقف جدية حقيقية من أجل العمل على الوقوف على أسباب الأزمة والعمل على إيجاد الطرق اللازمة للسيطرة عليها؟.