الأستاذ أحمد غيث السويدي، رحلة من الكفاح والصمود في وجه التعذيب

الأستاذ أحمد غيث السويدي، رحلة من الكفاح والصمود في وجه التعذيب

" أعلم أن ما أقوله قد يكلفني حياتي ولكني أنكر التهم وأطلب من المحكمة حمايتي وحماية أهلي " بهذه الكلمات واجه الأستاذ أحمد غيث السويدي محكمة أمن الدولة، أثناء محاكمته مع عدد من أحرار الإمارات في القضية الأكثر شهرة "الإمارات 94".

الأخبار الواردة من داخل سجن الرزين حيث يقبع الأستاذ السويدي رفقة عدد كبير من معتقلي الرأي وأحرار الإمارات، تفيد بتدهور حالته الصحية بشكل مثير للقلق، وأنه بات بحاجة إلى أن ينقل لمستشفى خارج "غوانتنامو الإمارات" نظراً لعدم توفر الرعاية الصحية اللازمة له في عيادة السجن، وشدد النشطاء على تحميل السلطات الأمنية الإماراتية المسؤولية الكاملة عن حياته.

هو أحمد غيث السويدي، مربي فاضل عرف بتسامحه وصفاء قلبه، محب لوطنه غيور على دينه، ساعياً للخير ولا يرضى بالفساد، عقلية فذة جمعت بين عديد التخصصات، مهندس بترول وماجستير في الاقتصاد وخبير في العمل التربوي، شغل العديد من المناصب الأكاديمية والعملية منها كبير مراقبي الميزانية في دائرة المالية بحكومة أبوظبي، ورئيس لجنة تطوير وتحديث إدارة الموازنة، إلى جانب كونه عضواً في مجلس إدارة جمعية الإصلاح الإماراتية، وكان أحد الموقعين على عريضة الإصلاحات في مارس 2011.

كل أنواع التعذيب والانتهاكات مورست بحقه، ويعرف بأنه أكثر مواطن إماراتي تعرض للتعذيب الوحشي واللاإنساني طوال فترة الاعتقال، وتعرض لفترات طويلة للحبس الإنفرادي.

تقرير سابق نشره مركز الإمارات للدراسات والإعلام "إيماسك" سرد قصة اعتقال السويدي، وجاء فيه: "تحركت سيارات جيمس أسود مساء 26 آذار/مارس 2012 وتوقفت أمام محطة (أدنوك) على مدخل أبوظبي بإتجاه إمارة دبي، أحاطت السيارات الست على سيارة تُقل أحدهم مع زميلة، ونزل مسلحون بلباس مدني مدججون بالأسلحة ، أنزلوه وهددوه ثم أغلقوا هواتفه وهواتف أهله ، وأخذ الناشط أحمد غيث السويدي والقاضي السابق الدكتور أحمد الزعابي إلى مكان مجهول".

وذكر التقرير أن "السويدي" هو أحد المواطنين السبعة الذين سُحبت جنسياتهم في ديسمبر/كانون الأول 2011 ، وأحد أبرز دعاة الإصلاح، وعضو في مجلس إدارة جمعية الإصلاح الإماراتية ، وأحد الموقعين على عريضة الإصلاحات مارس/آذار 2011 م.

وكانت بداية الاعتقال قضية مرورية، ثم أصبحت بعد عام من الإخفاء القسري قلب نظام الحكم.

من جانبها قالت السلطات أنها أخذت "السويدي" بداية اعتقاله إلى سجن الشهامة، وفي 26 أبريل/نيسان2012 زعمت السلطات في الشهامة أنها نقلته إلى سجن الصدر، إلا أن المسئولين في الصدر ادعو عدم العلم بمكانه، حين حاول شقيقه زيارته بعد ذلك بقليل.

وازداد الأمر سوءًا عندما رفضت السلطات الكشف عن مكانه، في نفس الوقت لم تنكر أنها لازالت تحتجزه، وقتها كان "السويدي" يتم تعذيبه في سجون أمن الدولة.

ويحمل "السويدي" شهادة الماجستير من جامعة جنوب كاليفورنيا، وكان يعمل في وزارة المالية بحكومة أبوظبي طوال 17 عاماً حتى تقاعد في 2007.

وبين التقرير أنه في يونيو/حزيران2012 صرح مصدر أمني رفيع أن "السويدي" يتعرض لتعذيب عظيم على يد مسئول كبير بإمارة أبوظبي لم يسمه، لإرغامه على التوقيع على أوراق تدين دعوة الإصلاح، وتتهمها بتهم تورطها.

وقال المصدر إن التعذيب الذي يتعرض له "السويدي" بناء على تقارير تقول بأنه من قيادات دعوة الإصلاح وأنه يملك معلومات كثيرة، وان محاولات البحث عن أدلة لتوسيع حالات القبض مستمرة، مضيفاً أن هناك هدفاً أخر للتعذيب الذي يتعرض له "السويدي" وهو إجباره على التوقيع على أوراق تدينه وتدين مجموعة من الإصلاحيين.

وأشار إلى أنه إذا وافق السويدي التوقيع على هذه الأوراق سيطلب منه بعدها تسجيل اعترافات وسيتم تصويره، موضحا أن الأوراق التي يطلب من "السويدي" التوقيع عليها تحت التعذيب هو هيكل تم إعداده أمنيا لما يسمى داخليا (تنظيم الإخوان المسلمين)- والقول للمصدر الأمني.

ووصف المصدر في تصريحات منتصف مايو/أيار 2012 الأوراق المطلوب التوقيع عليها بالخطيرة جدا جدا، والتي يُراد منها أن تكون مبررا لتحركات قادمة ضد الإصلاحيين، مضيفا سيطلب منه التوقيع على هذا الهيكل الافتراضي لتنظيم "الإخوان المسلمين" في الإمارات يساعد المؤسسة الأمنية في عدة جوانب، وبعد التوقيع على الهيكل تحت التعذيب سيطلب من "السويدي" حفظه بشكل تام ، ليتم بعدها تصوير اعترافاته عن الهيكل.

وفي يوليو/تموز 2012 شنّ جهاز الأمن حملة اعتقالات طالت عدد كبير من الناشطين الحقوقيين وصل عددهم حتى 2014م 79 معتقلاً من أعضاء جمعية دعوة الإصلاح، وهناك 28 من التيار السلفي ليصل عدد المعتقلين حتى اللحظة 108معتقلا. 

وفي 27 يناير/كانون الثاني 2013 نُسب الاتهام إلى المعتقلين السياسيين الأربع وتسعين بتأسيس وتنظيم وإدارة منظمة تهدف إلى قلب نظام الحكم في الدولة بالمخالفة للمادة 180 من قانون العقوبات. يُعاقب على هذه الجريمة بالسجن بحد أقصى 15 عاماً. ولا يوجد حق في الطعن في القضايا التي تنظرها المحكمة الاتحادية الأمنية الخاصة. تتكون مجموعة المدعى عليهم من 81 إماراتياً، بينهم سبعة بدون جنسية، و13 سيدة وهن الوحيدات اللائي خرجن بكفالة. وقعت الاعتقالات على مدار الشهور الاثني عشر السابقة على بدء مداولات المحاكمة. بعض المتهمين الأربع وتسعين  لم يُقبض عليهم ووصفوا بأنهم هاربين. وتناقلت التقارير احتجاز بعض المحتجزين في مراكز اعتقال سرية و/أو الحبس الانفرادي وأنهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية.

وبحسب التقرير فإنه وسط تعتيم إعلامي شديد على القضية أعلنت المحاكمة الأولى يوم 4 مارس/آذار 2013 ، تم عقد المحاكمة تحت ظروف أمنية قصوى، وكانت جميع الطرق المؤدية إلى المحكمة تحت سيطرة نقاط تفتيش الشرطة، وتم السير على الأقدام للوصول إلى قاعة المحكمة، لقد منع مراقبون دوليون حتى من محاولة الاقتراب من المنطقة سيراً على الأقدام، وتم فحص جوازات سفرهم قبل إبعادهم عن المنطقة. كما ظهرت علامات على تفتيش  الغرف بالفنادق التي أقام فيها المراقبون بينما كانوا يعملون على الوفاء بالإجراءات المطلوبة.

منعت أجهزة أمن المحكمة العليا المراقبين القانونيين الدوليين من دخول المحكمة لمراقبة مداولات القضية. كما مُنع من الدخول أعضاء من الإعلام الدولي. من ثم حدث خرق للالتزام بعقد المحاكمة علناً وبأن يرى العموم إحقاق العدالة.

ولقد ظهر من خلال أقارب المعتقلين أن سكرتير القاضي رئيس المحاكمة هو "حامد المزروعي"، أمين السر السابق بفريق ادعاء أمن الدولة، وأن هذا السكرتير دأب على زيارة المعتقلين في مراكز احتجازهم السرية. ربما كان إذن متواطئاً في المعاملة السيئة والتعذيب بحق المعتقلين.-بحسب بيان لتحالف منظمات دولية مطلعة على القضية.

وظهر "السويدي" للمرة الأولى في محكمة أمن الدولة يوم المحاكمة الأولى وبدا مثيراً لقلق وصدمة أقاربه: فقد بدا غير قادر على الوقوف باستقامة، وفقد الكثير من الوزن، وحسب ما ذكره أقاربه إنه بدا وكأنه شبحاً باهتاً للشخص الذي كانوا يعرفونه فيما مضى. تقدم السويدي بطلب للقاضي مطالباً بحماية نفسه وأسرته. قال كذلك إن أجهزة الأمن هددت بقتله هو وأسرته إذا لم يغير رده على الاتهامات ليصبح الرد "مذنب". قائلاً: "تم تعذيبي منذ اعتقالي-في مارس/آذار 2012- ، لانتزاع اعترافات وتسجيلها باسمي من أجل إدانة جمعية دعوة الإصلاح، والتخلي عن المطالبة بالإصلاحات، أعلم أن هذا الكلام سيكلفني حياتي أنفي التهمة  وأطلب من المحكمة حمايتي وعائلتي".

نقل تحالف من أربع منظمات دولية أقوال عائلته ووجهت الاتهامات تلّو الاتهامات لجهاز أمن الدولة بتعذيبه.

وبحسب التقرير يقول الدكتور "محمد الركن" أحد أبرز المعتقلين الإماراتيين والمحامي المعروف في الوطن العربي لقاضي المحكمة: لم أتعرف على "أحمد غيث السويدي" إلا بصعوبة من شدة التعذيب الذي تلقاه، وطالب المحكمة بعرض المعتقل غيث على فريق طبي محايد ومعاقبة كل المتورطين بتعذيبه.

لكن جهاز الأمن تمرّد على قرارات القاضي، ولم يحدث شيء مما طالب به الدكتور "الركن".

وأعيد "أحمد غيث السويدي" إلى مكان مجهول مرة أخرى في زنزانة انفرادية رغم توجيه القاضي بإدخال كل المعتقلين في سجون أمن الدولة إلى سجون تابعة للمحكمة، وكان غيث في زنزانة انفرادية طوال مدة 2012، وتعرض فيها للتعذيب والاستجواب المطول، والركل، والصعق بالكهرباء، وتناول أدوية لا يعرف محتواها في محاولة لإرغامه على الاعتراف بأكاذيب خلقها جهاز الأمن لمكافحة الإصلاحات؛ ثم أعيد إلى "سجن الرزين" السياسي بعد شهر من بدء المحاكمات أي إبريل/نيسان 2013م.

ولم يعر القضاء الإماراتي أي اهتمام لحالة "السويدي"، ولم يأخذ مزاعم التعذيب على محمل الجد، وهي مزاعم تكررت لدى 61 معتقلاً في نفس القضية، ووسط التعتيم الإعلامي الشديد أعلن القرار الأمني بلسان قاضِ المحكمة العليا المستشار "فلاح الهاجري": بالسجن 10 سنوات بحق "أحمد غيث السويدي"، و60 من رفاقه يوم 2 يوليو/تموز 2013م، مؤذناً بحالة سخط شعبي متواصل.

ولم تنفك ماكينة الاعتقالات الأمنية من الإمارات السبع ونقلهم إلى العاصمة أبوظبي، واستمرت الانتهاكات في السجون الرسمية وحتى اللحظة يعاني المعتقلون في "سجن الرزين": الاضطهاد والتعسف، والضرب، والتجويع، والحبس الانفرادي.

وطبقا للتقرير المنشور فإنه يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وضعت إدارة "سجن الرزين" المعتقل "أحمد غيث السويدي" في السجن الانفرادي لمطالبة بوقف الانتهاكات بحقه ورفاقه في السجن سيء السمعة، ليتلطخ القضاء الإماراتي وجهاز الأمن بعار الأحكام السياسية العبثية.

قضية أحمد غيث السويدي تمثل نموذجاً صارخاً لما يتعرض له معتقلي الرأي في السجون الإماراتية، حيث تمارس بحقهم كل أنواع التعذيب والانتهاكات والممارسات اللاإنسانية، ورغم المطالبات الأممية و الحقوقية الدولية، لم تستجب السلطات الإماراتية وتواصل أفعالها دون حسيب أو رقيب.

حياة الأستاذ السويدي باتت في خطر الآن، وحالته الصحية الحرجة تستدعي أن يتخذ أبناء الإمارات الشرفاء وأحرارها موقفاً حازماً تجاه سياسات حكومتهم التعسفية، وعلى كل المؤسسات الحقوقية والدولية أن تمارس كل وسائل الضغط من أجل إجبار الدولة على الإفراج عن السويدي وباقي معتقلي الرأي القابعين في أقبية السجون الإماراتية.

الكاتب