حكومة محمد بن زايد .. تُسَخّر الدستور لانتهاك حقوق الإنسان بشكل قانوني!!

حكومة محمد بن زايد .. تُسَخّر الدستور لانتهاك حقوق الإنسان بشكل قانوني!!

القوانين وُضِعَتْ لِتُختَرَق!
هذه العبارة ترددت كثيراً عبر العصور بلسان الطغاة والجبابرة، وهي تُلخّص فعلاً ما كان يحدث ولا زال من اختراقٍ وانتهاكٍ للقوانين المدنية والجنائية والاجتماعية والإنسانية.
لكنَّ عصرنا الحالي، يشهد عبارة "أفظع" من تلك القديمة، فصار الشعار اليوم: (القانون في خدمة القمع)!

حيث أنه وفي بادرة ليست الأولى من نوعها، بادرت سلطات دولة الإمارات بتعديل المواد 26 و28 و42 من القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012م، بشأن جرائم تقنية المعلومات وذلك بمقتضى القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2018م، لتضيف مواد قانونية "فضفاضة" في صياغتها وواسعة وغير واضحة تُجرّم الحق في حرية التعبير وحرية التنظم وتكوين الجمعيات من خلال التذرع بمكافحة ومنع الإرهاب وتعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر.

ويمثّل التعديل المرسوم بالقانون الاتحادي عدد 2 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات تقويضًا لدور التكنولوجيا الرقمية في تعزيز حرية التعبير والوصول إلى المعلومات وتوفير فضاءات للخطاب المعارض ولرصد وتوثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وهو ما أكد عليه الإعلان المشترك لعام 2016م حول حرية التعبير ومكافحة التطرف العنيف الصادر عن الخبراء الدوليين الأربعة المكلفين من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.

إذ تتخذ سلطات دولة الإمارات من التصدي للإرهاب ذريعة لانتهاك حق الإماراتيين في حرية التعبير وفي انتقاد السلطة القائمة وفي التنظم وإنشاء جمعيات ترصد الانتهاكات وتطالب بتعقب المسئولين وإنصاف الضحايا وجبر ضررهم.

وتنتهك سلطات دولة الإمارات بهذا التعديل حق كل شخص في الْـتِـماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونشرها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

ويجد المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان في هذا التعديل خلطاً بين الإرهابيين والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين وتسوية بين التنظيمات الإرهابية والتنظيمات التي اتخذت من الدفاع عن ضحايا الانتهاكات ورصد تجاوزات سلطات دولة الإمارات في مجال الحقوق والحريات هدفاً لها.

فلقد حرصت المادة 26 بعد تعديلها بمقتضى القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات على تجريم الجماعات الإرهابية وغيرها من المجموعات والهيئات والمنظمات غير المشروعة وشدّدت في تجريم إنشاء أو إدارة مواقع الكترونية والإشراف عليها ونشر المعلومات وتسهيل الاتصال بقادتها وترويج أفكارها ورفعت العقاب إلى مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن خمس وعشرين سنة، مع غرامة مالية لا تقل عن مليونيْ درهم ولا تتجاوز أربعة ملايين درهم!!.

غير أنّ سلطات دولة الإمارات تنتهك بشكل ممنهج حرية التنظم وتمنع تأسيس الأحزاب والجمعيات إلاّ ما كان منها مواليا لها، ويكمن الخوف في أنْ يكونَ المقصود من المجموعات والمنظمات والهيئات غير المشروعة هي تلك التي تنتقد سلطات دولة الإمارات وتوثق انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتتعاون من أجل ذلك مع المنظمات والهيئات والآليات الدولية لفضح الاعتداء على كرامة الإماراتيين وغير الإماراتيين وعلى حقوقهم وحرياتهم.

وفضلا عن ذلك، جرّمت المادة 26 جديد من القانون كلّ من حمّل محتوى أي من المواقع أو أعاد بثها أو نشرها بأي وسيلة كانت أو تكرر دخوله إليها لمشاهدتها أو نشر أي محتوى يتضمن التحريض على الكراهية وجعلت عقوبة ذلك: الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات مع غرامة مالية لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز المليون درهم.

وأعرب المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان عن خشيته وقلقه البالغ مِنْ أنْ يكون القصد من تعديل المادة 26 هو تهديد الإماراتيين وتخويفهم في حال تصفحوا منشورات تهم دولة الإمارات وما تقترفها من انتهاكات على شبكة الإنترنت وذلك بقصد التعتيم على ما يتم تداوله على الشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقترفها سلطات دولة الإمارات داخل دولة الإمارات وخارجها.

على صعيد آخر يرحب المركز باستبدال العقوبة البدنية في المادة 26 في فقرتها الثالثة بإيداع المتهم إحدى دور المناصحة، على الرغم مِن أنَّ المركز نبَّهَ في بيانات سابقة من خشية تعسف سلطات دولة الإمارات في استعمال هذه المراكز وتحويلها إلى مراكز اعتقال تعسفي لتمديد العقوبة تحت غطاء المناصحة والإرشاد، حيث وردتْ على المركز مجموعة من الحالات التي ثبت فيها تمديد اعتقال نشطاء ومعتقلي رأي في مراكز المناصحة بدعوى "الخطورة الإرهابية" ويُذكَر في هذه الحالة فوراً قضية الناشط "أسامة النجار" و "عبد الله الحلو" و "فيصل الشحي" و "بدر البحري" و "أحمد الملا"، وقد أثارت قضية النجار جدلاً كبيراً بعدما أنهى محكوميته (الظالمة أصلاً ومدتها 3 سنوات) فلَمْ يُفرَج عنه منذ 7 شهور كاملة، بداعي المناصحة، حتى أن بعض التخوفات تقول بأنه قُتل على يد الأمن الأماراتي من التعذيب.

كما حرصت سلطات دولة الإمارات من خلال تعديل المادة 28 بمقتضى القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2018م، على منع انتقاد مأموري الضبط القضائي أو أي من المكلفين بتنفيذ أحكام القانون من خلال الشبكة المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل التقنية ولو برسوم كرتونية.

وجعلت عقوبة ذلك السجن مع غرامة مالية تصل إلى مليون درهم، وهو ما يمثل دعما من سلطات دولة الإمارات لكل من ينتهك حقوق الإنسان من مأموري الضبط القضائي والمكلفين بتنفيذ أحكام القانون وطمأنة لهم بحمايتهم من كل انتقاد وإفلاتهم من كل مساءلة أو محاسبة أو عقوبة.

ويذكر المركز بأن هذا التعديل للقانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012م، بشأن جرائم تقنية المعلومات يضاف إلى عدد من القوانين الأخرى التي تشدد الخناق على حرية التعبير مثل قانون مكافحة الجرائم الإرهابية وقانون العقوبات.
كما دأبت سلطات دولة الإمارات على الرقابة المشددة على الانترنت وتركيزها لمنظومة عين الصقر لاختراق الحسابات والمواقع على الانترنت والبريد الالكتروني والتجسس على المستخدمين ولأجل ذلك اقتنت تقنيات حديثة وتعاقدت مع شركات كبرى (من بينها شبكات تجسس إسرائيلية) وانتدبت خبراء كما كلّفت الهيئة الوطنية للأمن الالكتروني بعمليات التسرب والاختراق في انتهاك لخصوصية مستخدمي الانترنت وحرية الرأي والتعبير على الانترنت.

ويهم المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان أن يدعو سلطات دولة الإمارات إلى:

1. مراجعة القانون الاتحادي بشأن جرائم تقنية المعلومات بما يجعله مطابقا للمعايير الدولية ذات الصلة بحق كل شخص في التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونشر ونقلها إلى الآخرين والحق في حرية الرأي والتعبير والإعلام والنفاذ للإنترنت والحق في الخصوصية وصياغة المواد التي تنتقص من هذا الحقوق بشكل واضح ودقيق ووضعها تحت رقابة قضاء مستقل ونزيه.

2. الإفراج دون تأخير عن معتقلي الرأي والذين تمّ اعتقالهم ومحاكمتهم في انتهاك لحقهم في حرية الرأي والتعبير وحقهم في الحرية والأمان الشخصي وفي محاكمة عادلة.

3. السماح للمقرر الأممي الخاص المعني بالحق في حرية الرأي والتعبير والمقرر الأممي الخاص بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية بزيارة السجون في دولة الإمارات العربية المتحدة.

4. التصديق على الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختياريين الملحقين به، والبرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

ويُعقّب نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" السيد "جو ستورك" بالقول: (تلاحق السلطات الإماراتية كلَّ شخصٍ لا يلتزم بتوجهاتها، والفضاء الافتراضي أصبح مكانها المفضل لاصطياد المنتقدين والمعارضين، إنّ الانتهاكات المتعلقة بحرية التعبير، ومعاملة السلطات السيئة للمحتجزين، تُعدّ أسبابًا كافية للشعور بقلق كبير)، وقد أشارت "منظمة العفو الدولية" في تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2017/2016 إلى: (استمرار شيوع حوادث الاختفاء القسري بالإمارات، والمحاكمات الجائرة للناشطين ومعتقلي الرأي، وتعرض المحتجزين للتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة).

ومن جانبٍ آخر تجد السلطات والحكام يستخدمون الإعلام بكامل الحرية لتنفيذ وخدمة أفكارهم، لتنكشفَ -كلَّ يومٍ- دكتاتورية وفاشية النظام الحاكم، وإفلاسها في حل الأزمات التي تواجه الوطن والمواطن، ضمنَ غيابٍ تامٍّ لأيِّ رؤية إصلاح سياسي أو غيره، والاعتماد بشكلٍ كبير على الأبواق الإعلامية للسلطات؛ لتغييبِ العقول وتزييفِ الحقائق وتشويه صورة المعارضين وكل من يرفع شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وقد كان أحد المفكرين بالغرب صادقًا عندما قال: (إن لم تحترسْ من وسائل الإعلام المأجورة، فإنها سوف تجعلك تكره المظلومين وسوف تجعلك تعشق الطغاة!).

الكاتب