السعودية تعمل على اجهاض نفوذ الإمارات في اليمن

السعودية تعمل على اجهاض نفوذ الإمارات في اليمن

جاءت زيارة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى  حضرموت نهاية الأسبوع الماضي لتسلط الضوء على صراع النفوذ بين السعودية والإمارات في محافظة حضرموت والتي ترزح تحت نفوذ أبوظبي، التي غابت عن الاحتفالية، في خطوة أثارت تساؤلات كثير من المتابعين عن مستقبل حضرموت، وفق المعطيات المستجدة على الأرض.

هذه الزيارة التي تعتبر الأولى للسفير السعودي إلى مدينة المكلا منذ التدخل العسكري لـ«التحالف» الذي تقوده الرياض في اليمن قبل أربعة أعوام، جاءت تحت عنوان تدشين المنحة السعودية لدعم قطاع الكهرباء في المحافظة التي بلغت حصتها 17 مليون دولار في الشهر الواحد ولمدة عام، حيث كان السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، جالسا إلى جانب السفير الأميركي، ماثيو تولر، متصدراً منصة احتفال في قاعدة "الريان" العسكرية، شرقي مدينة المكلا، يوم الخميس الماضي.

ويرى مراقبون أن الدور السعودي في المحافظات الشرقية من اليمن يهدف لتحجيم الدور الإماراتي في محافظة حضرموت الذي سيطرت عليها أبو ظبي بعد خروج تنظيم «القاعدة» من مدن الساحل الحضرمي في أبريل 2016م والذي سرعان ما هيمنة الإمارات على المواقع الاستراتيجية أبرزها ميناء الضبة النفطي ومطار الريان الدولي وميناء المكلا، إضافة إلى سيطرتها على مفاصل الحياة داخل المحافظة.

و يوماً بعد آخر، تتسع رقعة الصراع على النفوذ بين الإمارات والسعودية في اليمن، مع صحوة تبدو متأخرة للأخيرة، لخطر الهيمنة الإماراتية في جنوب البلاد، حيث توجد أبرز الموانئ البحرية والثروات النفطية.

لكن ثمة أمر آخر قد يكون السبب الرئيسي لزيارة السفير السعودي، وهو البحث عن توطئة قدم للرياض في حضرموت للتمدّد حتى الوصول إلى بحر العرب لتصدير النفط عن طريق السيطرة على المحافظات الشرقية في إطار السياسة التوسعية للسعودية من أجل الفكاك من تهديدات إيران في مضيق هرمز.

وبعد عدن  ومحافظة المهرة  باتت حضرموت كبرى محافظات البلاد، محطة تنافس جديدة بين أبوظبي والرياض، بدت ظواهره واضحة للعيان خلال الأيام الماضية. فمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، والتي كانت وعلى مدى عامين أشبه بمحمية إماراتية، أصبحت في مقدمة اهتمامات المملكة التي أيقنت على ما يبدو أكثر من أي وقت مضى، مآلات فقدان سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد، لصالح حليفتها الطامعة لتوسيع نفوذها خارج الحدود، ضمن منهجية دأبت عليها منذ عام 2011 لكبح جماح ثورات الربيع العربي.

ومن المكلا، أعلن آل جابر، وهو أعلى مسؤول سعودي يزور المحافظة منذ اندلاع الحرب، عن مشاريع مقبلة ستنفّذ بدعم من الرياض، وهي رسالة أكد عليها آل جابر أكثر من مرة في خطاباته وتصريحاته، ما يعني أنّ حضرموت ستكون مسرحاً لتنافس محموم على النفوذ بين الرياض وأبوظبي.

وقبل قدوم السفير السعودي إلى المكلا، كانت ملامح التنافس السعودي الإماراتي قد بدأت برفع لافتات شكر عملاقة للمملكة العربية السعودية من دون حليفتها الإمارات للمرة الأولى، لكنها لم تدم طويلاً، إذ أقدم شباب تحت أعين قوات الأمن الموالية للإمارات بتمزيقها في اليوم التالي، قبل أن يغادر محافظ حضرموت، اللواء الركن فرج البحسني، إلى الإمارات في زيارة غير معلنة أثارت جدلاً كبيراً. لكن البحسني قطع زيارته بعد يومين فقط، عائداً إلى المكلا، ليستقبل السفير السعودي محمد آل جابر ويدشّن معه منحة نفطية مقدمة من المملكة في حفل احتضنه ميناء المكلا، فازدحمت المدينة مرة أخرى بيافطات عملاقة تحمل صور العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، محمد بن سلمان، وعبارات الثناء للمملكة.

لم يكن قدوم السفير آل جابر إلى المكلا، وحده دليلاً على وضع الرياض ثقلها في حضرموت، فالحشد الإعلامي الكبير واستقدام مندوبين لوكالات عالمية ووسائل إعلام أجنبية لتغطية احتفالية تسليم حماية ساحل حضرموت لقوات محلية، وتدشين منحة نفطية سعودية لكهرباء المحافظة، تبدو شواهد أخرى على احتدام التنافس بين الحليفين في المحافظة الأهم اقتصاديا وجغرافياً، في بلد تتآكل سيادته يوماً بعد آخر.

من جهتها بدت الإمارات مستاءة إلى حدّ ما من الوضع الجديد، فبالتزامن مع الحضور السعودي، أعلنت قوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتياً انطلاق عملية عسكرية تحت اسم "القبضة الحديدة" لملاحقة تنظيم "القاعدة" في المناطق الغربية لمدينة المكلا بدعم وإسناد إماراتي، في خطوة بدت تأكيدا من أبوظبي على نفوذها العسكري في المحافظة، بحسب مراقبين.

وفي سياق الامتعاض الإماراتي، لا يمكن فصل تصريحات رئيس الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن، أحمد بن بريك، والتي هدّد خلالها بقلب الطاولة على الجميع، بعد رفع العلم اليمني إلى جانب العلم السعودي في مدينة المكلا، معتبراً لك استفزازا للجنوبيين، عن هذه التطورات.

يذكر أنّ الوجود السعودي المكثّف في حاضرة محافظة حضرموت والذي يتزامن مع قرب عقد مشاورات السلام بين أطراف النزاع اليمنية، كان قد سبقه حضور مماثل في مدينة عدن ومحافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان، تحت لافتة البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن، وهو نهج سيشمل محافظات أخرى على ما يبدو.

ويبدو أن الكفّة ترجح لمصلحة السعودية في بسط نفوذها في حضرموت في ظل السمعة السيئة التي لحقت بالإمارات في ساحل حضرموت من خلال إدارتها الملف الأمني، وإقامتها سجوناً سرية وارتكابها مباشرة او من خلال الميليشيات الموالية لها انتهاكات بحق معتقلين.

وكان مسؤولون محليون في حضرموت أكدوا استمرار السعودية في عملية التجنيد في وادي حضرموت عبر شيوخ مقربين، وأن معسكرات التدريب مستمرة، إن الآلاف من المقاتلين يتم تدريبهم عبر قادة عسكريين يمنيين بإشراف سعودي؛ وأن التدريبات كبيرة على حماية المنشآت النفطية والموانئ وخطوط النفط.

 وبحسب مسؤول في المخابرات اليمنية فإن السعودية تريد إخراج الإمارات قبل حدوث مفاوضات سلام جدية بين الأطراف اليمنية، لذلك تسرع في الخطوات بغطاء من الحكومة اليمنية في عدن، وأبدى المسؤول خشيته من نقل تجربة سقطرى والمهرة إلى حضرموت، وتحولها إلى معركة كبيرة بالوكالة بين ثلاث دول الإمارات والسعودية وسلطنة عمان

كما نقل المصدر اليمني عن السفير الأمريكي تصريحه المسؤولين اليمنيين والموالين للإمارات إلى أن استعادة الحكومة اليمنية لمؤسساتها في المحافظات المحررة، سيقنع المجتمع الدولي بوجود حكومة قادرة على فرض هيمنتها ما يضعف حجج الحوثيين. وأن الإدارة الأمريكية منزعجة من التقارير عن وجود قوات خارج سلطة الحكومة في حضرموت مثل قوات “النخبة”، وطلب تعديلاً على بيان يتحدث “عن النخبة الحضرمية”، وقال إن من المفترض أن يكون البيان والواقع أن تكون القوات الشرعية فقط.

الكاتب