التايمز .. لندن تتعامى عن جرائم أبوظبي الحقوقية

التايمز .. لندن تتعامى عن جرائم أبوظبي الحقوقية

نشرت صحيفة "التايمز" مقالا للمعلق ديفيد أرونوفيتش، يتهم فيه بريطانيا بالتعامي عن جرائم أصدقائها، مستعرضاً ما تهرض له الاكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز من اعتقال تعسفي وحكم بالسجن المؤبد بتهمة التجسس قبل أن يتم إطلاق سراحه لاحقاً

ويشير الكاتب في بداية مقاله إلى أن ماثيو هيجيز، الذي حكمت عليه الإمارات العربية المتحدة بالسجن مدى الحياة، بعد توجيه تهمة التجسس، قال: "هل هذه هي الطريقة التي تعامل فيها حليفا لك"، ويجد أرونوفيتش أنه "كان الأحرى القول: هل هذه هي الطريقة التي تعامل فيها أي شخص". 

ويلفت أرونوفيتش في مقاله، إلى مقابلة هيجيز مع "التايمز" يوم الأربعاء، التي تحدث فيها بعد العفو عنه وعودته إلى بريطانيا عن إساءة معاملته، قائلا إنه محظوظ لكون أمه موجودة في المطار، حيث طلب منها الاتصال بالسفارة البريطانية في أبو ظبي إن حدث له شيء، و"إلا لما عرف أحد مصيري". 

ويقول الكاتب إنه "مع ذلك فإنه لم يسمح له بالاتصال بها إلا بعد أسابيع، ولم تسمح سلطات الأمن للسفارة بزيارته إلا بعد ستة أسابيع من اعتقاله، وأول زيارة لزوجته الشجاعة المتعبة حصلت بعد 3 أشهر، وهذا كله بعد معاناته من التحقيق اليومي الذي استمر 15 ساعة، ولم يسمح له بالجلوس خلاله، وظل محتجزا في زنزانة انفرادية تحت الضوء الساطع الذي سبب له صداع الشقيقة، ما اضطره للبقاء في الظلمة، إلا عندما كانوا يحضرون له الطعام".

ويكشف المعلق عن أن ماثيو تعرض للتهديد بنقله إلى قاعدة عسكرية في الخارج وتعذيبه، وأجبر في النهاية على توقيع اعتراف مكتوب باللغة العربية ولا يفهم ما فيه، وقال إن صديقا إماراتيا اعترف كذبا ضده، لكنه تفهم موقفه، "ففي بلد مثل هذا تحدث مثل هذه الأمور فربما هددوه بعدة خيارات". 

ويعلق أرونوفيتش قائلا إن ما قاله هيجيز يذكره بشيء قاله أكاديمي إماراتي على "بي بي سي"، فقال قبل الإفراج عن الطالب البريطاني إنه متأكد من المعاملة الجيدة التي تلقاها هيجيز أثناء اعتقاله، وأن أي إشارة إلى غير هذا هي مجرد كذب، مشيرا إلى أنه حصل على محاكمة جيدة، والقول بغير هذا هو كذب، وقال إنه بالتأكيد كان جاسوسا وغير هذا كذب

ويصف الكاتب حديث المسؤول الإماراتي بالبائس والوقح، وأعاد له الحرب الباردة التي كان يقوم فيها مخلوق ما بالدفاع عن احتجاز معارض في مستشفى مجانين في الاتحاد السوفييتي السابق.

ويقول أرونوفيتش إن "السؤال هو إن كانت هذه هي الطريقة التي تعامل فيها الإمارات حليفا فبربك كيف تعامل أي شخص؟، والجواب صادم، فتقرير منظمة (أمنستي إنترناشونال) الأخير كشف صورة عن الاعتقالات التعسفية، واحتجاز الدولة أي شخص تعتقد أن سلوكه ليس جيدا، وسجن أشخاص في أماكن مجهولة وفي زنازين انفرادية لمجرد نشر أمور على (فيسبوك)، وتعرض بعضهم للتعذيب، ولسوء حظهم فقد جاءوا من مناطق لا تهتم الإمارات بنيل رضا حكامها

ويفيد الكانب بأنه "بالنسبة لبريطانيا فهي شريكة تجارية رائعة لحكام الإمارات، وعندما زار وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان بريطانيا، في أيلول/ سبتمبر، فإنه أعلن عن زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 12%، أي 17.5 مليار دولار، في وقت كان فيه ماثيو هيجيز في زنزانة انفرادية".

ويقول أرونوفيتش: "مدحنا افتتاح اللوفر في أبو ظبي، وربحنا من عائلة أبو ظبي المالكة، التي أصبحت أكبر مالك في الحي الراقي في ماي فير، وبعنا الإماراتيين فنادقنا، ومبنى نيوسكتلند يارد، و16% من مطار غاتويك، و10% من شركة (تيمزووتر)، ومركز المؤتمرات (إكسل) في لندن، وشعر مشجعو البريميير ليغ بنجاح فريقهم مانشستر سيتي، الذي اشترته العائلة الحاكمة في أبو ظبي، التي ضخت الملايين في النادي، وربما في خرق لقواعد اللعبة النزيهة، لكن لا تتوقع اهتماما من المشجعين، خاصة أن خزانة الكؤوس مليئة بالفضة".

وينوه الكاتب إلى أن زوجة هيجيز دانييلا تيخادا اتهمت وزارة الخارجية البريطانية بالتردد في التحرك نيابة عن زوجها، حفاظا على العلاقات التجارية، مشيرا إلى أن القصة ذاتها حدثت في الولايات المتحدة، حيث اتهم هذا الأسبوع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الإدارة الأمريكية بغض النظر عن تواطؤ محمد بن سلمان في جريمة مقتل جمال خاشقجي

ويعلق أرونوفيتش قائلا إن "لدي الحق في التعبير عن اشمئزازه، خاصة أن الرئيس الأمريكي قال قبل عدة أسابيع معلقا على مقتل خاشقجي: (أكره هذه الجريمة)، و(أكره التستر وأقول لكم ولي العهد هذا يكره التستر أكثر مني وقد نفاها بشدة) ولي العهد يكرهها مع أنه هو المسؤول عنها، ومع ذلك فإنه عندما سئل الرئيس عن المسؤول عن الجريمة كانت إجابته بالقول: (ربما كان يعلم بها وربما لم يكن.. لأن العالم مكان خطير جدا جدا)".

ويرى الكاتب أن "هذا يعني عدم تحميل أي شخص المسؤولية، فالحماسة التي تلقاها ولي العهد في قمة العشرين من الرئيس فلاديمير بوتين هي ترحيب في نادي الماسونية التي لا تخشى العقاب". 

ويقول أرونوفيتش: "ربما كان التحفظ للتعامل مع دول الخليج دافعه المال أو اللامبالاة، لكن هناك طريقة لدى الغرب لعقاب من يخطئ، (في إشارة لقانون ماغنستكي لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، الذي أطلق على اسم محام روسي مات في سجن في موسكو)، ولو تم تمرير هذا القانون في بريطانيا وطبق على وزير الداخلية الإماراتي وشلته فإنه سيترك أثره الكبير". 

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن ماثيو هيجيز تساءل عما إذا كانت بريطانيا تقدم التجارة والمال على القيم التي تقف من أجلها.

وكانت صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية كشفت إن الأكاديمي البريطاني "ماثيو هيدجز"،  الذي عاد لبلاده عقب عفو  إماراتي عن إدانته بالتجسس لصالح بريطانيا، يعاني من أعراض انسحاب حادة؛ بعد إجباره على بلع أقراص مخدرة خلال فترة  احتجازه في السجون الإماراتية.

جاء ذلك في مقال لكبير المراسلين بالصحيفة البريطانية، "روبرت ميندريك" تحت عنوان "ماثيو هيدجيز أرغم على تناول المخدرات في السجون الإماراتية ويعاني من أعراض حادة لانسحاب المخدر".

واحتجز "هيدجز"  البالغ من العمر (31 عاما)، لما يقرب من 6 أشهر فى حبس انفرادي، بعد إلقاء القبض عليه في مطار دبي في مايو/أيار؛ للاشتباه في قيامه بالتجسس لحساب جهاز الاستخبارات البريطاني "إم.آي-6".

وفي أول مقابلة إذاعية منذ عودته إلى المملكة المتحدة، قال طالب الدكتوراة إنه أُجبر على الوقوف طويلاً والقيود في يديه وقدميه بعد احتجاجه معلناً براءته.

وقال لراديو هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي. 4) إن حالة من الذعر دفعته إلى الاعتراف بأنه عميل في جهاز المخابرات الخارجية MI6 بعد أسبوع من تزايد الضغوط النفسية من جانب المحققين.

قال: "لم أستطع تحمل الأمر أكثر من ذلك؛ حتى أنهم قالوا إنك إذا اعترفت بأشياء وأخبرتنا ما نريد سماعه، فسوف نسهل عليك الأمر".

وقد تمت إدانة "هيدجز"  وحكم عليه بالسجن  مدى الحياة، لكن أطلق سراحه منذ أكثر من أسبوع بعد حصوله على عفو رئاسي.

وقال الكاتب البريطاني، إن "هيدجز" كشف أنه يكافح الآن من أجل التعافي من الأدوية العشوائية التي تم إجباره على تعاطيها خلال فترة أسره في دولة الإمارات.

وكان الباحث الأكاديمي في العلاقات البريطانية الخليجية الدكتور "ديفيد ويرينج" انتقد سياسة الحكومة البريطانية تجاه انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان، وأشار إلى أن الحكومة البريطانية متواطئة في صمتها حول انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات بسبب علاقاتها الطويلة مع الدولة الخليجية، مؤكداً أنه إذا أرادت بريطانيا فعلاً يمكنها وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.

وفي كلمته أثار الصحفي البريطاني المتخصص في قضايا حقوق الإنسان "بيل لو" الأوضاع السيئة لحالات اعتقال العديد من النشطاء السياسيين في الإمارات مثل الدكتور "ناصر بن غيث" والصحفي "تيسير النجار" والناشط الحقوقي" أحمد منصور" وغيرهم من الحقوقيين المعتقلين في سجون الإمارات بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير،

واعتبر "لو" أن ذلك يعد مثالاً واضحاً لحملة الإمارات الممنهجة ضد الأكاديميين والصحفيين وجميع الأصوات المعارضة في المجتمع الإماراتي، كما ذكر الحقوقي في منظمة العفو الدولية سابقاً "دروري دايك" أن هناك ارتفاعاً حاداً في حالات الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري للعديد من النشطاء والحقوقيين في الإمارات خلال السنوات القليلة السابقة، حيث واجه ملف حقوق الإنسان في الإمارات انتقادات حادة من قبل هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ورغم ذلك تجاهلت سلطات الإمارات العديد من التوصيات المقدمة من قبل الهيئات الدولية بهدف تحسين أوضاع السجناء ووقف الانتهاكات غير الإنسانية بحق السجناء السياسيين والمعارضين في الإمارات، مؤكداً "دايك" في كلمته أن الإمارات فشلت في التجاوب مع آليات الأمم المتحدة لتحسين ملف حقوق الإنسان لديها.

الكاتب