مجلة نيو ريببليك .. الإمارات والسعودية أثرتا على القرار الأمريكي بأموالهم

مجلة نيو ريببليك .. الإمارات والسعودية أثرتا على القرار الأمريكي بأموالهم

قدمت مجلة “نيو ريببليك” دليلا عن التأثير السعودي والإماراتي  في واشنطن والذي يتراوح من دعم فنادق ترامب لتبرعات إلى وكلاء أجانب، وتمويل مراكز أبحاث وشراء ولاء شخصيات سياسية.

وقالت إيما أشفورد إن هناك أدلة في الوقت الحالي تشير لمعرفة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجريمة مقتل جمال خاشقجي. فبعد استماع الشيوخ لمديرة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) جينا هاسبل أخبر السناتور بوب كوركر الصحافيين إن هيئة محلفين ستدين ولي العهد السعودي في نصف ساعة لكن العقبة هي الرئيس الذي لا يزال متمسكما بموقفه، وهو أننا قد لا نعرف كل الحقائق بشأن الجريمة.

ولم يتزحزح ترامب عن دعمه للسعوديين حتى في ظل المعارضة من الكونغرس والإعلام والمخابرات الأمريكية. وتقول إن تحقيق روبرت موللر في التدخل الروسي بانتخابات عام 2016  والتي جلبت ترامب للبيت الأبيض ركز بصورة أو بأخرى على المال الخليجي والدعم المستمر من ترامب للسعوديين والإماراتيين في المواقف الإقليمية والدولية لدرجة قد تقود البعض  للإعتقاد أن هذه الدول هي من تمارس على الرئيس التأثير لا روسيا.

ورغم عدم وجود عملية مقايضة بين الرئيس وأصدقائه في الخليج إلا أن علاقات الظل التي أقيمت أثناء انتخابات عام  2016 وما بعده والتي رافقتها شبكة واسعة من المال والعلاقات الشخصية واتفاقيات حقيقية في شؤون السياسة أدت لظهور ما يمكن وصفها أكثر إدارة مؤيدة للسعودية في التاريخ الأمريكي.

وهذا لا يعني أن أمريكا لم تكن مؤيدة للسعودية في الماضي بل على العكس تبنت الإدارات بشكل عام سياسة داعمة للسعودية في محاولات لمنع تقدم السوفييت لمنطقة الخليج في أثناء الحرب الباردة. واعتمد الأمريكيون على السعودية كعامل مرجح لأسعار النفط والحفاظ على استقرار السوق العالمي. وحتى بعد الكشف عن مشاركة 15 سعوديا في هجمات إيلول (سبتمبر) 2001 قررت إدارة جورج دبليو بوش الحفاظ  على الحلف مع السعودية والضغط عليها سرا لمواجهة التشدد.

اعتمد الأمريكيون على السعودية كعامل مرجح لأسعار النفط والحفاظ على استقرار السوق العالمي. وحتى بعد الكشف عن مشاركة 15 سعوديا في هجمات 9/11  قررت إدارة  بوش الحفاظ  على الحلف مع السعودية

وتشير الكاتبة هنا إلى ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في أيار (مايو) 2018 حول حرف موللر التحقيق نحو صلات شرق أوسطية ودور دبلوماسيين من الإمارات في ترتيب لقاء  بين مسؤولين روس ومرتزق للإيجاراسمه إريك برينس وأعضاء في فريق نقل السلطة التابع لترامب.

وتوسعت عدسة التحقيق لتشمل رجل الأعمال الأمريكي- اللبناني جورج نادر الذي ساعد على تنظيم لقاء في برج ترامب حضره مبعوث  من  السعودية وقادة إماراتيون ومسؤولون بارزون في فريق ترامب مثل ستيفن بانون وجارد كوشنر. واهتم موللر بعمل نادر نيابة عن القادة السعوديين والإماراتيين وضخه حوالي 2.5 مليون دولار من المال الخليجي لمتبرع جمهوري اسمه إليوت برويدي حيث استخدم جزء منه في حملات ضد قطر التي فرض عليها السعوديون والإماراتيون حصارا في حزيران (يونيو) 2017.

 

وكشف تقرير “نيويورك تايمز” عن تنظيم مؤتمرين معارضين لقطر نظمهما في واشنطن معهد هدسون ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية. ويحقق المحقق الخاص برسائل الكترونية لجون هانا، المستشار البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية والمستشار السابق لديك تشيني، والمسؤول في فريق الإنتقال لترامب على خلفية علاقاته مع نادر.

 فخلال الفترة التي قضاها مع فريق نقل السلطة ناقش مع نادر ومستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين والجنرال السعودي أحمد عسيري قضية تتعلق بإمكانية تغيير النظام في إيران.

وترى أشفورد وهي باحثة بارزة بمعهد كاتو إنه لا يوجد ما يشير لاتفاق بين ترامب ودول الخليج أو تواطئ للأخيرة في الإنتخابات.  إلا أن لقاء جرى بين نادر ودونالد ترامب الإبن أخبره فيه أن محمد بن سلمان والحاكم الفعلي لأبو ظبي محمد بن زايد راغبان بفوز والده في الإنتخابات.

ولا يوجد ما يدل على دعم مادي منهما للحملة الرئاسية. إلا أن هناك أشكالا واضحة لشراء التأثير وبطريقة سرية. بالإضافة إلى شبكة موثقة من الأموال التي تربط السعوديين والإماراتيين مع الإدارة وداعميها المقربين وعائلة ترامب نفسها. وبعض هذه العلاقات هي عبارة عن علاقات تجارية شرعية. فعلى مدى العقود جنى ترامب الملايين من تجار العقارات الخليجيين. وكان واضحا في حملته الإنتخابية في الحديث عن علاقته الجيدة معهم وتفاخر في عام 2015 قائلا ” يشترون الشقق مني وينفقون 40 مليون، 50 مليون فهل علي أن أكرههم؟” وتعتبر دول الخليج الأكثر إنفاقا في فنادق ومنتجعات ترامب منذ انتخابه.

وفي آب (أغسطس) حسن فندق ترامب في نيويورك من أوضاعه بعد تراجع شهده على مدى العامين الماضيين عندما اختار محمد بن سلمان الإقامة فيه ودفعوا السعر الممتاز نظرا لأن الحجز فيه جرى باللحظة الأخيرة. فيما كانت الحكومة السعودية الأكثر إنفاقا في فندق ترامب الدولي بواشنطن ودفعت في عام 2016 فاتورة بقيمة 270.000 دولارا. ورغم تعهد منظمة ترامب بتبرع ما تجنيه من أرباح من المال الأجنبي للخزانة إلا أن خبراء الأخلاق يناقشون أن الطريقة التي تتم فيها حسبة الأرباح تعني أن ترامب لا يزال يتربح من المال الأجنبي.

واستفاد عدد من مقربي ترامب مثل برويدي وتوم باراك من عقود جيدة مع دول الخليج. ونظرا للسرية التي تحيط بهذه العقود فمن الصعوبة بمكان معرفة طبيعة الصلات المالية بين ترامب ودول الخليج. ففي بداية العاصفة التي أعقبت مقتل جمال خاشقجي كتب الرئيس ترامب تغريدة نفى فيها أية علاقة مالية أو تجارة مع السعودية.

وكما لاحظ البعض فهذه التغريدة قد تكون صحيحة من ناحية عدم وجود استثمارات له داخل حدود المملكة، ومن جانب آخر فهي مضللة خاصة أن السعوديين هم زبائن على فنادقه بالإضافة لوجود عائلة الرئيس التي تعقد من الصورة. فقد حاولت عائلة كوشنر في السنوات الماضية الحصول على تمويل لمشروع سكني فاشل في نيويورك، منها محاولة فاشلة مع قطر وهذا يفهم العداء الذي أظهره كوشنر لها.

حاولت عائلة كوشنر في السنوات الماضية الحصول على تمويل لمشروع سكني فاشل في نيويورك، منها محاولة فاشلة مع قطر وهذا يفهم العداء الذي أظهره كوشنر لها

 كما أن المال ليس العامل الوحيد الذي يربط الإدارة بدول الخليج. فقد فرش السعوديون لترامب البساط الأخضر عندما زار الرياض عام 2017 وعرفوا من خلال برنامج  الإستقبال كيف يشترون رضا الرئيس المتقلب. وأقام صهر الرئيس جارد كوشنر علاقات قوية مع ولي العهد السعودي. بالإضافة لتقارب حقيقي في المواقف السياسية،  فإدارة ترامب تحفلبالصقور الكارهين لإيران من المستشار السابق للأمن مايكل فلين إلى الحالي جون بولتون وهو ما يفرح دول الخليج.

وساعد موقف الإدارة المحابي لإسرائيل والمؤيد لليكود على بناء تحالف إقليمي بين دول الخليج وإسرائيل ضد إيران. ولكننا بانتظار ما إذا كان تحقيق موللر سيكشف عن شبكة المال التي تربط السعودية والإمارات بدول الخليج إلا أن الشبكة أنتجت عوائد وفوائد. فهناك إدارة تدعم كل أولوية للسياسة الخارجية السعودية.

ففي إيران قررترامب الخروج من الإتفاقية النووية وأعاد فرض العقوبات عليها وضغط على الحلفاء في أوروبا وآسيا. وعارضت الصين وروسيا ودول أوروبا وخبراء التحكم بالسلاح بل ووزير الدفاع لكنه لقي دعما من السعوديين والإماراتيين الذين استعدوا لزيادة انتاج البترول وسد الفراغ الذي سينجم عن توقف انتاج النفط الإيراني.

ونفس الأمر في الأزمة الخليجية حيث دعم ترامب الموقف السعودي ضد قطر إلا أن وزيري الدفاع جيمس ماتيس والخارجية في حينه ريكس تيلرسون كانا يعيان مخاطر الموقف على الجنود الأمريكيين في قطر وحاولا التوسط. وتدخل تيلرسون لمنع هجوم عسكري سعودي- إماراتي على قطر. واكتشف أن السعوديين والإماراتيين استخدموا علاقتهم مع كوشنر للتأثير على موقف الرئيس في الأزمة.

دعم ترامب الموقف السعودي ضد قطر إلا أن وزيري الدفاع جيمس ماتيس والخارجية في حينه ريكس تيلرسون كانا يعيان مخاطر الموقف. وتدخل تيلرسون لمنع هجوم عسكري سعودي- إماراتي على قطر

وفي اليمن لم تتخل الإدارة عن دعم التحالف الذي تقوده السعودية هناك رغم تزايد الأدلة عن جرائم حرب فيه. وحتى قرار وقف تزويد الوقود للطيران السعودي المغير على اليمن جاء بعد ضغوط شديدة. وكذا محاولات الكونغرس للحد أو تعليق ووقف صفقات السلاح للسعودية والإمارات يراها ترامب ضد مصالح الصناعة العسكرية الأمريكية. ولكن الصفقات ليست مفيدة للأمريكيين بقدر ما هي مفيدة للسعوديين الذين تسمح لهم بالحصول على السلاح المتقدم وتجديد ترسانتهم. واقترحت تقارير صحافية أن كوشنر طلب تضخيم حجم صفقات السلاح للتأكيد على أهمية الشراكة مع السعودية. ولعل أهم ملمح عن دعم غير المشروط للرياض هو رفض ترامب شجب المملكة على ما جرى لخاشقجي.

ففي وقت آخر كان هذا الفعل مدار شجب أما في زمن ترامب فقد أظهرت الإدارة شكها بما تقدمه وكالاتها الإستخباراتية. وتتساءل الكاتبة في النهاية عن المدى الذي سيكشف فيه تحقيق موللر عن العلاقات المالية بين ترامب والمقربين منه والإدارة مع السعوديين والإماراتيين. وتجيب أننا قد لا نعرف التفاصيل الحقيقية نظرا لسرية العلاقة وتعقيدها ولأن معظم هذه الأمور خارج نطاق تحقيق موللر. ولكن سيقدم إضاءات حولها. وتقول إنه صار من الصعب التفريق بين التأثير ومحاولات شراء التأثير السياسي عبر جماعات الضغط.

فقد أظهر تقرير المركز للسياسة الدولية أن السعودية وسعت من جهودها وأنفقت خلال عام 2017 27.3 مليون دولار على جماعات الضغط. ودعمت مراكز البحث والجامعات والمؤسسات التي يمكنها التأثير على السياسة الأمريكية. رغم القيود على تلقي الدعم الأجنبي إلا أن بعضها حسب تقرير المركز يذهب إلى بعض السياسيين.

 

فثلث النواب في الكونغرس ممن جاءتهم اتصالات من شركات لوبي مثل غلوفر بارك ودي أل إي بايبر تلقوا لاحقا مساهمات مالية لحملاتهم من وكيل مسجل مع هذه الشركات، أي مواطن أمريكي ولكن المال أجنبي. وتقول إن وجود المال الأجنبي والتحايل من أجل استخدامه للتاثير يترك الكثير من الآثار على استقلالية القرار الأمريكي في السياسة الخارجية. وقد وعد آدم شيف،  النائب الديمقراطي الذي سيتولى لجنة الإستخبارات في مجلس النواب التحقيق في علاقة المال الخليجي وترامب وعائلته.

ولا أحد ينكر أهمية المال. وفي الوقت الذي يضع فيه موللر الروتوش الأخيرة على تقريره فإننا نعرف أن التدخل الروسي ليس الخطر الذي يجب أن نحاف منه بل تدخل المال الأجنبي.

الكاتب