بيان المركز الدولي للعدالة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان والحريات المهددة في الإمارات

بيان المركز الدولي للعدالة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان والحريات المهددة في الإمارات

يحتفل العالم اليوم بالذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 لتكريس القيم والمبادئ الأساسية كالحرية والمساواة.

و ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه 1 و 2  على ان "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق [...] و ان "لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات [...] دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر [...] أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي".

و رغم تكريس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لهذه القيم، لم تلتزم دولة الامارات باحترامها او تطبيقها حيث يعتقل كل شخص من شانه ان يعبر عن آرائه السياسية و احيانا تسحب منه و من عائلته الجنسية الاماراتية. كما يتعرض للاختطاف والاعتقال في السر لعدة اشهر دون اعلام عائلته عن مكان احتجازه. و ترتكب قوات الامن الاماراتية هذه الجرائم دون محاسبة او مساءلة، فهي تعذب و تنتزع اعترافات تحت التعذيب و يحاكم على اساسها الضحايا انتهاكاً لكل ضمانات المحاكمة العادلة و يقع ايداعهم تعسفيا بالسجن. هذا هو وضع حقوق الانسان في دولة الامارات و هذا ما يتعرض له عشرات الناشطين السياسيين هناك.

و لا يقتصر الامر على المعارضين السياسيين فقط، فكل شخص قد ينقد حكام البلاد و سياساتهم يصبح مستهدفا من قبل السلطة و عرضة لمثل هذه الممارسات. فدولة الامارات تميز بين مواطنيها و تخترق أحكام الاعلان العالمي لحقوق الإنسان و تنتهك حقوقهم الأساسية. و تميز السلطات الاماراتية بين مواطنيها على أساس العرق والجنسية ايضا حيث يعاني العمال الاجانب من ظروف عمل غير إنسانية ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. ومنهم  العمال المنزليون الذين يتعرضون لسوء المعاملة والاهانة (ساعات عمل مفرطة ، ظروف سكن سيئة ، سوء المعاملة الجسدية...) في انتهاك صارخ للمادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ويُحرمون بشكل ممنهج من الوصول إلى قضاء مستقل و نزيه و فالقضاء يحكم عادة لصالح الكفيل الاماراتي.

ومن الحالات الأخرى الجدير ذكرها قضية ماثيو هيدجز ، وهو طالب بريطاني اعتُقل في مايو 2018 وحُكم عليه في نوفمبر 2018، في محاكمة لم تتجاوز الخمس دقائق، بالسجن المؤبد بتهمة التجسس على دولة الإمارات. و في النهاية، تم منحه عفواً رئاسياً و الإفراج عنه بعد بضعة أيام من إصدار حكمه عقب تدخل دبلوماسي من السلطات البريطانية.

هذا و لا يزال العديد من المواطنون الإماراتيون رهن الاعتقال في ظروف سيئة للغاية، على غرار مجموعة الامارات 94 وسجناء رأي آخرين. فبعضهم لا يزال يقبع في السجن رغم انقضاء مدة عقوبته و منهم سعيد البريمي وعبد الواحد البادي وعثمان الشحي  وخليفة ربيعة وأسامة النجار، بعد ان قررت السلطات الإماراتية ايداعهم بمراكز مناصحة عوض الإفراج عنهم.

فقد القي القبض على أسامة النجار سنة 2014 وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات على خلفية تدويناته على موقع تويتر التي ينتقد  فيها الاعتقال التعسفي الذي تعرض له والده و بسبب تعاونه مع منظمات دولية غير حكومية وآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

و يعتبر كل من الدكتور محمد الركن وأحمد منصور من ابرز الشخصيات الحقوقية التي تسعى الى تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها في دولة الإمارات. حيث دافع الدكتور الركن عن مجموعة الامارات 94 بينما رفض محامون آخرون البت في قضيتهم و عمل أحمد منصور على  تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عن ضحاياها في البلاد، الى حد اعتقاله في مارس 2017 بعد ان كان الصوت الوحيد الحر المتبقي في البلاد. و حكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة "التحريض على الفتنة والطائفية والكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي".

كما يجدر الإشارة ايضا الى قضية علياء عبد النور ، التي اعتقلت سنة 2015 بتهمة تمويل الإرهاب بعد أن شاركت في جمع التبرعات لفائدة عائلات سورية محتاجة في دولة الإمارات و مساعدة نساء وأطفال متضررين من الحرب في سوريا. وقد وضعت في زنزانة انفرادية و تعرضت للمعاملة المهينة و سوء المعاملة كما حُرمت من كامل ضماناتها وحُكم عليها بالسجن لمدة عشر سنوات استناداً فقط إلى اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب. و رغم تشخيصها بمرض السرطان  تجاهلت السلطات الطلبات المتكررة التي قدمتها عائلتها من اجل الإفراج عنها لأسباب طبية أو حتى نقلها إلى مستشفى متخصص في علاج السرطان. ولا تزال تقبع تحت حراسة الشرطة في مستشفى المفرق بأبو ظبي الذي يفتقر للتجهيزات اللازمة لمعالجتها، في انتهاك جسيم للمادة 5 التي تحظر التعذيب و سوء المعاملة والمادة 25 التي تمنح الحق في الرعاية الطبية المناسبة.

انه من المريب ان نلاحظ استمرار السلطات الإماراتية في انتهاك أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خاصة بعد مرور 70 سنة على اعتماده، و اصرارها المتواصل على عدم منح مواطنيها حقهم في الحرية والكرامة. فوضع حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة مثير للقلق علماً ان جل المدافعين عن حقوق الإنسان مرمي بهم في السجون الاماراتية.

و بمناسبة الذكرى 70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يود المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان ان يؤكد على ضرورة التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة في البلاد، خاصة ان دولة الإمارات تعتبر نفسها دولة حديثة توفر جميع الحقوق والحريات الاساسية لمواطنيها. وعليه، يدعو المركز الحكومة الإماراتية إلى التحرك الفوري لمراجعة حالة حقوق الإنسان داخل أراضيها والالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من المعاهدات. كما يأمل ايضا أن يتغير المشهد الحقوقي في دولة الامارات و يشهد تحسنا مع حلول الذكرى السنوية القادمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الكاتب