تعاون الموساد مع الإمارات لاغتيال المبحوح ،، وصمة عار لا تُمحى!

تعاون الموساد مع الإمارات لاغتيال المبحوح ،، وصمة عار لا تُمحى!

خاص- شؤون إماراتية

(اغتيال القائد الفلسطيني البارز "محمود المبحوح" في دبي فندق البستان 19/01/2010م).

تصدر هذا الخبر كل العناوين في تلك الفترة، ربما لأهميته الإستراتيجية والقومية، وحتى العسكرية من الجانب الصهيوني الذي انتصر في جولة خارج أرضه، وللأسف على أرضٍ عربية مسلمة، باغتياله أحد أهم رموز المقاومة الفلسطينية، ولكنّ السبب الأبرز للخبر هو "خطره الأمني" على الإمارات التي ثبت تورطها في أكثر من مرة مع الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد"!.

وفي ذكرى استشهاده التاسعة، تلوح ذكرى الشهيد الفلسطيني "محمود المبحوح" في الأفق، لتعيد ذكريات مؤسفة تورَّط فيها الأمن الإماراتي مع الموساد الإسرائيلي، حيث لم تكن تلك هي السابقة الأولى للموساد بعملياته القذرة خارج الحدود، ففي عام 1973م قتل عملاء لجهاز "الموساد" نادلًا مغربيًا كان يعمل في مدينة نرويجية تسمى "ليلهامر" اعتقادًا منهم أنه الزعيم الفلسطيني "علي حسن سلامة" الذي كان وراء الهجوم على الفريق الرياضي الإسرائيلي المشارك في الألعاب الأولمبية التي احتضنتها مدينة ميونيخ الألمانية عام 1972م وأدى الهجوم إلى مقتل 11 رياضيا إسرائيلياً.

واعتُقِل اثنان من أعضاء فريق الاغتيال في اليوم التالي بسبب استخدامهما لنفس المركبة أثناء توجههما إلى المطار، وكان أحد المعتقلين متطوعا من مواليد الدنمارك وتنقصه الخبرة المطلوبة قد زود الشرطة بوثائق وفواتير أدت إلى اعتقال وسجن بعض زملائه ونشوب أزمة دبلوماسية.

وفي قضية "المبحوح"، نجحت السلطات الإماراتية اعتمادًا على سجلات الهجرة وإيصالات صادرة بسبب استخدام 14 مشتبهاً فيهم بطاقات ائتمان، في رصد حركة 26 مشتبهاً فيهم خلال دخولهم وخروجهم من دبي في تاريخ سابق وخلال وجود المبحوح في دبي، ويقول مسئولون رسميون في دبي إنَّ المشتبه فيهم قدموا إلى دبي من أوروبا يوم 18 يناير/كانون الثاني 2010م، في حين أن خمسة مشتبه فيهم غادروا دبي بعد أقل من 24 ساعة على إقامتهم فيها عندما حصلت عملية الاغتيال بينما غادر آخرون في اليوم التالي، واتضح أن أسماء وتفاصيل 8 من أصل 12 جوازا بريطانيا تعود إلى مواطنين بريطانيين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعيشون في إسرائيل، ولكنهم أنكروا صلتهم بعملية الاغتيال.
واتهمت حماس الموساد بالمسئولية عن اغتيال "المبحوح" قبل أن تظهر صلة إسرائيل بالعملية، وقال الفريق "ضاحي خلفان" رئيس شرطة دبي، والمقرب جداً من محمد بن زايد في يوم 15 فبراير/شباط، إنه: ("شبه متأكد" من أن عملاء الموساد نفذوا عملية القتل!).
وتشمل قائمة البلدان التي استخدمت جوازاتها في تنفيذ عملية الاغتيال بريطانيا وإيرلندا وفرنسا وألمانيا وأستراليا والتي بدورها عبرت عن غضبها وطالبت فورا تفسيرا من الدبلوماسيين الإسرائيليين المعتمدين لديها، لكن الدبلوماسيين الإسرائيليين قالوا إنه لا توجد أدلة على تورط الموساد في العملية رغم أنهم لم ينكروا ذلك اتساقا مع سياسة الحكومة الإسرائيلية في إبقاء الأمور "غامضة"!.

وقد أشادت وسائل إعلام إسرائيلية وعملاء سابقون في الموساد بالجهاز بسبب تنفيذه عملية ناجحة أخرى في الخارج لكن دبي كشفت النقاب بسرعة عن معلومات غير مسبوقة بشأن عملية الاغتيال، واتضح أن هويات الإسرائيليين مسروقة، وأنّ المنفذين وجدوا الأمر أسهل بكثير مما تصوروا في الإمارات وتحديداً دبي، ما يترك نقاشاً كبيراً وتساؤلاً مهماً حول الاعتبارات الأمنية في الإمارة التي تُعتبر قِبلةً سياحية كبرى في المنطقة، فلماذا تمت هذه العملية فقط ولم يحصل أي شيء آخر؟!
وكتب "يوسي ميلمان" في صحيفة "هاآريتس" متسائلا: (26 وربما 30 شخصاً أرسلوا إلى دبي لقتل شخص واحد؟ ولو سلّمنا أن بإمكانهم الهروب جواً من مسرح العملية، كيف يمكن الاعتقاد أن عملاء الموساد اختبئوا في إيران كما يقول مسئولو الإمارات؟ هل يمكن أن يتمّ حدث كهذا بدون تعاون إماراتي؟)، في إشارة إلى إعلان سلطات دبي مغادرة اثنين من المشتبه فيهم إلى إيران عن طريق البحر، لتنفي عن نفسها التورط بالجريمة!.
ونفى عميل سابق في جهاز الموساد يدعى "رامي إيجرا" قيام الجهاز بعملية الاغتيال دون مساعدة، بسبب فشل فريق الاغتيال في تعطيل كاميرات المراقبة في الأوقات الحرجة واستخدام جوازات تعود إلى مواطنين أجانب يعيشون في إسرائيل، قائلا: (في الموضوع غباء، لا يمكن أن تكون إسرائيل وحدها مسئولة عما حصل، فلا يمكن أن تتجاوز السرعة المسموح بها عندما تكون كاميرات المراقبة مثبتة في مكان ما لأنها ستلتقط صورك، هذه العملية كلها تظهر أن من قام بذلك تنقصه المهنية!!).

تورط وتواطؤ إماراتي!!

فيما أكد تقرير صادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، أنَّ اثنيْن على الأقل من الفريق الذي اغتال "المبحوح" القيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام، في فندق البستان بدبي، يعيشون في دولة الإمارات ولم يقدما للمحاكمة بتهم تقديم الدعم اللوجستي لفريق الاغتيال، والأدهى أن السلطات الإماراتية لم تنفِ ذلك، ولم تعارضه أبداً.
ولفتت إلى أن أحد التسجيلات في صالة الاستقبال في مطار دبي أظهرت أحد عناصر الموساد المشاركين في عملية الاغتيال يلتقي شخصاً، تبين لاحقاً وفق ما عرض من أدلة أن المذكورين قدما دعما لوجستيا وعرّفا فريق الاغتيال على الهدف.
وأكدت المنظمة بناء على الأدلة التي توافرت لدى شرطة دبي في تورط المذكورين في العملية وأنهم يعملان في شركة عقارية تملكها شخصية فلسطينية "مثيرة للجدل"، تقدمت شرطة دبي بطلب استرداد للحكومة الأردنية حيث جرى تسليمهما للسلطات الإماراتية بعد ثلاثة أسابيع من تاريخ الاغتيال.
وبينت أن السلطات القضائية في دبي لم تقدم المذكورين لمحاكمة عادلة وشفافة تظهر دورهم الحقيقي في عملية الاغتيال وجرى التعتيم على القضية وتأكد لاحقا أنهما يعيشان أحرارا في دولة الإمارات بلا حسيب!
وفي شكوى للمنظمة، قالت عائلة "المبحوح": (إن تعامل السلطات الإماراتية وخاصة الأمنية منها مثير لكثير من الشبهات حيث أنها لم تطلعنا على مجريات التحقيق مع من ألقي القبض عليهم ولم تطلب منا حضور أي جلسات كما هو معتاد في مثل هذه القضايا، حتى أن المقتنيات الشخصية للشهيد لم تسلم لنا حتى هذه اللحظة، وحتى عندما سافر ولدنا إلى دبي لاستلام جثمان أبيه جرى التحقيق معه وكأنه أمام ضابط مخابرات إسرائيلي ولم يسألوه أي أسئلة تصب في مصلحة كشف المتورطين في الاغتيال بل كان همهم معرفة علاقات محمود في الإمارات!).
وأكدت العائلة: (أن ما بثه قائد شرطة دبي "ضاحي خلفان" من تسجيلات لاغتيال محمود يشبه فيلماً مشوقاً لتبرئة الذمة ومنعا للأقاويل التي تحدثت عن تورط الإمارات، حيث تم بثه على أجزاء يجلس الناس كل يوم متشوقين أمام شاشات التلفاز لمعرفة الجديد، ثم تم دفن القضية ولم تقم سلطات الإمارات بأي إجراء جدي للقبض على المتهمين أو محاسبة من تم القبض عليهم وهنا تكمن الريبة والشك من هذا السلوك).
ولفتت المنظمة، في تأكيد على تهاون السلطات الإماراتية في القضية، إلى أن أحد المتهمين في الاغتيال وهو ألماني الجنسية يدعى "برودسكي" اعتقل في بولندا بتاريخ 4/06/2010م، وطالبت السلطات الألمانية بتسليمه وخلال الإجراءات التي استغرقت شهرين لم تتدخل السلطات الإماراتية ولم تقد طلبا لاستلامه، وعقب تسليم "برودسكي" للسلطات الألمانية بتاريخ 11/08/ 2010م، أيضاً لم تحرك السلطات الإماراتية أي ساكن إلى أن قام قاض في مدينة كولونيا بتاريخ 13/08/2010م، بالإفراج عن "برودسكي" بكفالة وفق ما أفاد به المتحدث باسم النيابة العامة "راينر فولف" وقتها، الذي قال: (إن مذكرة التوقيف علقت بعد التوصل إلى اتفاق بين المحكمة ومكتب المدعي العام، وباستطاعة برودسكي العودة إلى إسرائيل).

وهكذا تبخَّر "برودسكي" وضيعت السلطات الإماراتية -بإهمالها أو تهميشها- فرصة ذهبية في القبض على متهم بجريمة خطيرة، وهذا المسلك غريب على السلطات الإماراتية التي أرسلت طائرة خاصة وضغطت على الحكومة الإندونيسية بكل ما تستطيع، من أجل تسلم معارض إماراتي (عبد الرحمن خليفة بن صبيح السويدي) وقامت باستلامه يداً بيدٍ وحكمت عليه عشر سنوات في سجن الرزين مع ثلاث سنوات أخرى إضافية للمراقبة، لمجرد أنه مؤيد لعريضة الإصلاح!.
ودعت المنظمة الحقوقية السلطات الإماراتية إلى احترام حقوق عائلة "المبحوح" واطلاعهم على مجريات التحقيق مع من تم إلقاء القبض عليهم في إطار التزاماتها القانونية في مكافحة الجرائم المنظمة والخطيرة كما دعت المنظمة إلى تسليم كافة المقتنيات الشخصية التي حرزت عقب عملية الاغتيال، ولكن دون جدوى!.

ليست الأولى: "المبحوح" تعرض لمحاولة اغتيال مرتيْن في دبي قبل أن تنجح الثالثة!

كشفت "صحيفة الدايلي ميل" البريطانية النقاب عن أن المخابرات البريطانية المعروفة اختصارًا بـ MI6 قد نما إلى علمها قبيل وقوع حادثة المبحوح الأخيرة بأن عملاء إسرائيليين سينفذون "عملية خارجية" باستخدام جوازات سفر إنكليزية مزورة، وتمضي الصحيفة لتنقل في هذا الإطار عن مصدر أمني بريطاني نقلاً عن أحد أعضاء جهاز الموساد الإسرائيلي كشفه المثير كذلك عن أن وزارة الخارجية البريطانية أخبرت بالمسألة قبيل ساعات من اغتيال المبحوح في دبي، ومع ذلك لم تهتم السلطات الإماراتية بالموضوع مطلقاً، وكأن الأمر لا يعنيها ولا يؤثر على سيادتها الدولية!.

وأشارت الصحيفة إلى أن المعلومات التي تلقتها الحكومة البريطانية لم تكشف تفصيلاً عن هوية الشخص المستهدف أو مكان التنفيذ بالتحديد، لكن ذلك يكشف دراية الحكومة المسبقة بإساءة استعمال جوازات سفر بريطانية، ويكشف تعرض حياة المبحوح إلى الخطر، وكان الأولى على السلطات الإماراتية أن تحميه بدلاً من تسليم رقبته للموساد!.

وفي تصريحات خصّ بها الصحيفة، قال المصدر الأمني البريطاني الذي التقى عميل الموساد الإسرائيلي وتحصل منه على هذا القدر الكبير من المعلومات: (هذا الشخص ما زال يخدم في الاستخبارات الإسرائيلية، وقد قال إن الحكومة البريطانية أُخطِرت بالأمر قبيل وقوع الحادثة بفترة وجيزة للغاية، لم يكن هناك تورط  بريطاني، ولم يعرف المسئولون البريطانيون هوية الشخص المستهدف، لكنهم علموا بأن هؤلاء الأشخاص كان يسافرون بجوازات سفر بريطانية، وإن اطلاع الحكومة البريطانية على تلك المعلومات لم يكن طلبًا للحصول على إذن باستخدام جوازات سفر بريطانية، بل كان الأمر أشبه بـ "دعوة للمجاملة" من أجل السماح للأجهزة الأمنية بمعرفة أن الموقف قد يتأزم!!).

أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" الناطقة بالعبرية أوردت نبأ تحت عنوان "عميلة في الباب" أن المبحوح كان يعرف تمام المعرفة ضرورة أن يكون شديد الحذر في حله وترحاله وحركته وسكونه كونه مستهدفاً من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية التي تتهمه بالمسئولية عن خطف ومقتل جنديين إسرائيليين عام 1988م (آفي ساسبورتاس وإيلان سعدون)، إضافة إلى اعتباره- وفقا لتصنيف الموساد- رجل الاتصال الأول في شراء الأسلحة من إيران وجهات أخرى وتهريبها لقطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة حماس.
ولم يستبعد محلل شؤون الاستخبارات "يوسي ميلمان" إمكانية تسلل عملاء الموساد إلى الإمارات مع الوزير "لنداو"، مستذكرا أن الموساد استعان في العام 1961م بطائرة وزير الخارجية آنذاك "آبا إيبان" في تهريب القيادي النازي "آدولف آيخمان" من الأرجنتين إلى فلسطين المحتلة، حيث حوكم وأعدم، وبينما اكتفى لنداو في معرض التأكيد "أن الوفد توجه إلى ابو ظبي للمشاركة في مؤتمر حول جودة البيئة، ولا غير ذلك"، لم ينس وزير حزب إسرائيل "بيتنو" العنصري أن يغدق المديح والثناء على رئيس الموساد "مائير ديغان"، في موجة مديح تتردد على ألسنة النخبة الإسرائيلية منذ الإعلان عن اغتيال الشهيد "المبحوح".
وأضاف ميلمان قائلا: (حتى وإن نفت إسرائيل، وهي لا تنفي، الرواية السائدة في وسائل الإعلام والرأي العام العالمي والعالم كله، بأن الموساد يقف وراء اغتيال محمود المبحوح، فالعالم يؤمن بأن هذا طابع عمل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهذا الطابع السائد منذ عشرات السنين، وهو طابع إصرار جهاز الموساد على تنفيذ مهماته بدقة عملياتية ناجعة، وإذا كان حقاً لم يتم الكشف عن الفاعلين، وأنهم لم يبقوا من خلفهم آثارا، فبالإمكان وصف العملية على أنها ناجحة، وبشكل طبيعي ستتم نسبتها لرئيس الموساد "ديغان" شخصيا).

ما سبق من تصريحات وفخر يهودي بالعملية الإجرامية "الناجحة" يؤكد أن نجاحها كان صعب الحصول لولا مساعدات وتورط إماراتي وحتى فلسطيني –بالإشارة إلى دحلان- في الجريمة، ولم تكن هذه الحلقة الوحيدة –ولن تكون الأخيرة- في التواصل والعلاقات بين الإمارات بقيادة محمد بن زايد وبين الموساد، خاصة في عمليات التجسس على المواطنين من تعتبرهم السلطات الأمنية "معارضين" وهم مؤيدو الإصلاح والموقعون على عريضة 3 مارس، والملاحقون أمنياً داخل وخارج الإمارات، في تأكيد كامل على تسمية الحكومة بحكومة السعادة والحريات

الكاتب