تقرير: حكومات الخليج والتكوينات السنية العربية أمام معركة "البقاء" مع إيران

تقرير: حكومات الخليج والتكوينات السنية العربية أمام معركة "البقاء" مع إيران

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا، رفع العقوبات على إيران، هذا الأسبوع، مما يشير إلى مزيد من التفاهم بين هذه الدول وإيران بشأن منطقة الشرق الأوسط.

ومنذ بداية ظهور معالم التسوية النووية، رأت الدول السنية، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، أن الاتفاق سوف يقلب موازين القوى في المنطقة لمصلحة "المحور الشيعي"، وسيعطي إيران الضوء الأخضر للعودة إلى المجتمع الدولي برغم ما تشكله عليها من خطر.

يقول الباحث الفرنسي فرانسوا بورجا، مدير قسم الأبحاث في معهد الدراسات والأبحاث عن العالم العربي والإسلامي إن "التوازن الجديد يأتي بالضرورة على حساب الموقف الغربي من الممالك النفطية العربية في المنطقة".

ورغم معرفة دول الخليج والحكومات الكبيرة- مثل السعودية والإمارات- بانتشار التمدد الإيراني والعلني في محيط أمنها القومي و وضعت الخليج في كماشة من الشمال سوريا والعراق واليمن من الجنوب، والبحرين بالقرب جداً نحو الشرق والغرب، فقد ظلت الاستراتيجيات ساكنة لمواجهة هذا التهديد، بل و وجدت نفسها في عداء (غريب) مع "مطالبات الإصلاح السياسي في بلدانها" وأوسع ضد التنظيم السني الأبرز في الشرق الأوسط "الإخوان المسلمين".

هذا التساهل الذي نتج نتيجة حتمية لغياب هذه الدول المهمة والمؤثرة عن المشهد السياسي، أخلّ بميزان القوى لصالح طهران، المنتشية بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، والتي ترغب باستثماره مع وجود اللهفة الأمريكية لإنجاز الاتفاق مهما كانت التضحيات في علاقاتها مع الدول الخليجية، وحتى مؤتمر "كام ديفيد" العام الماضي كان تطمين لبقاء الخوف لا لزاوله.

 

النتيجة الحتمية

هذه النتيجة الحتمية هي التي أوجدت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، في مواجهة مباشرة مع النفوذ الإيراني، وتحت هذا العنوان دخلت دول الخليج ضمن التحالف العربي بقيادة الرياض في حرب اليمن، بعد أن انقلب الحوثيون وأعلنت إيران تطويق الخليج من الجنوب.  فدول الخليج الغنية صرفت مئات المليارات لتعزيز قدراتها العسكرية في العقد الأخير، وتضاعف الصرف بعد الربيع العربي، لكن هذه القدرة العسكرية لا يبدو أنها كافية لتعويض غياب المشروع السياسي العربي، أي أن أزمة الفراغ ما زالت قائمة، ولا يبدو أنها في طور الحل، ولا أدل على ذلك من تضارب المواقف السياسية العربية، بل حتى الخليجية منها.

إن دول الخليج مطالبة من قبل شعوبها أن يكون لها مشروع مؤسَّس له بشكل صحيح، يحفظ في الحد الأدنى أمنها القومي في صيغة مجلس التعاون الخليجي مجتمعا وليس في صيغة الدول بشكل فردي، فالصيغ بشكل فردي هو سبب استمرار واستقواء نفوذ إيران مع استمرار الخلافات داخله.

دولة الإمارات تمثل نموذجا آخر للعلاقة بين المشروع الإيراني والموقف الخليجي، فأبو ظبي مثلا تناست احتلال إيران لجزرها الثلاث، وانتشار عشرات التنظيمات الإيرانية الإرهابية داخل أراضيها، فالمخابرات الإيرانية تقوم على أساس بناء علاقات خيطية مع الأقليات الشيعية في البلدان العربي، وتمثل نسبتها في الإمارات 15%، بينها دول مثل البحرين يصلون إلى 60% والكويت إلى قرابة 30% والسعودية إلى 15% في أحسن الأحوال. إضافة إلى كون أبوظبي الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران في المنطقة وتشير الإحصاءات الإيرانية إلى وجود نحو 8 آلاف شركة إيرانية تمارس أنشطة تجارية في الدولة، وشكَّلت الصادرات الإماراتية نحو 31% من إجمالي الواردات الإيرانية لعام 2011؛ حيث أصبحت إيران ثالث أكبر سوق تصديرية للإمارات مستحوذةً على ما يقارب 11% من إجمالي صادراتها.

لذلك فدول الخليج بحاجة أولاً إلى تمميز من "العدو" و "الصديق" في المعركة، فيبدو أن المملكة العربية السعودية حسمت خيارها أخيراً لمواجهة هذا النفوذ الإيراني في المنطقة، ويجب أن تكون دول الخليج متوحدة خلفها في استراتيجية واضحة المعالم بدون تعقيدات، فاستثناء فصيل قادر على مواجهة إيران ومحاربته بشكل مُخجل يوضح مدى التخبط في تحديد الخطر تجاه الأمن القومي لدول الخليج.

ويظهر ذلك واضحاً في اليمن حيث تعاني "أبوظبي" من حساسية مفرطة تجاه "حزب الإصلاح الإسلامي"بالرغم من أنه يشكل القوة الأكثر فعالية "المقاومة الشعبية" لمواجهة إحدى أدوات إيران في المنطقة "مليشيات الحوثي" وهذا بالطبع يؤثر في المواجهة، وعرقل جهود حسمها بشكل أكبر.

 

الإصلاح السياسي

"الإصلاح السياسي" لا يمثل تهديد للأمن القومي، بقدر كونه حاميّ فاعل لمواجهة "إيران"، فإيران التي تتحرك تحت شعار "نصرة المستضعفين"، تستميل الشعوب العربية عندما تلاحظ أن الحكومات تهاجم أبناء جلدتها بسبب "تغريدات" على "تويتر"، وتسجن وتختطف المغردين وعائلاتهم بسبب رأي.

هذا التهديد يبدو أكثر خطراً من التهديد الإيراني، فيجب ردمه قبل البدء في المواجهة، باراك أوباما يشير إلى ذلك في مقابلتين مع توماس فريدمان في ابريل الماضي بالقول: " “نحن ملتزمون بالدفاع عن دول الخليج وضمان عدم تهديدهم من الخارج، ولكن ما لا أستطيعه هو الالتزام تجاه قضاياهم الداخلية دون أن يقوموا بتغييرات تستجيب لمواطنيهم… فإذا كان الأمر يتعلق بالعدوان الخارجي فسنكون بجانبهم وسنعمل على بناء قدراتهم الذاتية لمواجهة أي تهديد خارجي، ولكن أكبر خطر تواجهه دول الخليج قد لا يكون غزوًا إيرانيًا، بل من حالة الاستياء داخل مجتمعاتهم. نعم الخليج يواجه تهديدات خارجية حقيقية، ولكن هناك تهديدات داخلية تتمثل في شعوب تشعر بالغربة في أوطانها وعدم وجود قنوات مشروعة للتعبير عن مطالبهم، وشباب عاطل، وأيديولوجية تدميرية عدمية… لذلك؛ فبالإضافة إلى البحث في تطوير قدراتهم العسكرية لمواجهة التهديدات الخارجية، علينا أن نبحث معهم كيف نطور الأنظمة السياسية بشكل يجعل الشباب في الخليج يجد بديلًا أفضل من داعش“.

وفي المقابلة الثانية في يوليو الماضي يشير أوباما إلى نفس الموضوع: “حينما تشاهد الأخبار من المنطقة تبكي، ليس فقط لحال أطفال سوريا المهجرين أو أطفال اليمن الذين يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة؛ بل لحال الشباب الإيراني والسعودي والكويتي والذين يسألون أنفسهم لماذا لا نملك ما يملكه شباب فنلندا وسنغافورة والصين وإندونيسيا والولايات المتحدة؟ لماذا ليس لدينا ذات الإمكانات ونفس الشعور بمستقبل أفضل؟“، ويكمل أوباما حديثه: “هذا هو ما يجب على قادة هذه الدول التركيز عليه. نعم علينا أن نستمع لحلفائنا السنة، ولكن يجب ألا نقع في فخ إلقاء كامل اللوم على إيران؛ فمواطنو بعض دول الخليج هم أكثر المشاركين في التنظيمات الجهادية“.

و يوجه أوباما حديثه للحكومات الخليجية بأن “تمنع نشوء فرص تستغلها إيران؛ وذلك من خلال العمل على تعزيز تماسك مجتمعاتهم واحتواء الجميع ومعالجة شعور المواطنين الشيعة بالتهميش“.

 

من هو العدو الحقيقي؟!

يأتي بعدها نزعة الحساسية المفرطة والمقيتة من التكوينات السنية في المنطقة، والتحالف معها لوقف هذا التهديد، فإيران تتحرك من منظور "طائفي" "شيعي" مقيت، وتملك آلة دعائية عملاقة توجهها نحو الشرق الأوسط، وبدون محاولات كسب الأقليات "الشيعية" ودمجها في المجتمع، وإيجاد تكوينات سُنية "حركية" لمواجهة الألة الإيرانية الضخمة، ستفشل معها كل أساليب المواجهة مع إيران، ويجب أن تكون تلك ضمن استراتيجية المواجهة، لا ضمن تكتيك "الاستخدام". ففي كل الأحوال فالتمدد الإيراني خطر على الحكومات وخطر على التكوينات "السُنية" في المنطقة فالهدف والمشروع واحد هو "معركة البقاء".

بإيجاد الاستراتيجية الموحدة لدول الخليج ترتب ماهو خطر الأمن القومي الحقيقي؟، وما هي أولويات المواجهة؟، وبتماسك شعبي وإصلاحات جذرية عندها ستتهاوى مبررات وقلاع "إيران" اتباعاً أمام هذه الاستراتيجية، عدا ذلك هو تكتيك مرحلي سيتهاوى ولن يصمد.

 

(إيماسك)

الكاتب