جورج نادر رجل أبوظبي بين أيدي القضاء الأمريكي بتهم أخلاقية

جورج نادر رجل أبوظبي بين أيدي القضاء الأمريكي بتهم أخلاقية

هذه المرة لم تنقذه فيما يبدو علاقاته الواسعة ونفوذه المثير للجدل من يد العدالة الأمريكية بعدما أمرت قاضية فيدرالية بنقله في حالة اعتقالٍ إلى ولاية فيرجينيا ليمثل أمام القضاء في التهمة القديمة التي عادت لتوقع به مجددًا، وهي حيازة صور جنسية لأطفال تتراوح أعمارهم بين العامين والـ14 عامًا.

إنه جورج نادر، مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعرَّاب اتصالات بين مسؤولين عرب وروس حاولوا التقرب من حملة ترامب الرئاسية، وهو أيضًا شاهد في تحقيقات مولر ومنظم قمة سيشل المثيرة للجدل.  

بدأت القصة في مطار دالاس في ضواحي واشنطن منتصف يناير/كانون الأول من عام 2018، حينما أوقف عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي رجل الأعمال جورج نادر المعروف بنفوذه الكبير وعلاقاته الواسعة، وهو قادم من دبي، وصادروا هاتفه المحمول الذين كان يحوي أشرطة فيديو إباحية لأطفال.

ضُبطت هذه المواد مصادفةً خلال عملية كان غرضها التفتيش عن مواد متعلقة بتحقيق روبرت مولر في تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، لكنهم أبقوا ذلك طي الكتمان بغية أن يتعاون في التحقيقات بشأن تورط روسي محتمل في الانتخابات الأمريكية وعلاقات ذلك بحملة الرئيس ترامب.

وبعد اعتقاله اكتسب ملف جورج نادر، وهو رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني، أهمية خاصة في الإعلام الأمريكي، وبرز اسمه مع تحوله إلى شاهد متعاون طيلة تحقيقات مولر على مدى الأشهر الماضية، وتمكن بعدها من مغادرة الولايات المتحدة والعودة إلى الإمارات في انتظار إغلاق تحقيق مولر على ما يبدو، لكنه اُضطر للعودة يوم الاثنين الماضي لإجراء عملية جراحية فاُعتقل في مطار نيويورك بتهمة حيازة الأشرطة الإباحية للأطفال، وهي تهمة يعاقب عليها القانون بالسجن 15 عامًا على الأقل و40 عامًا كحد أقصى.  

وبالنظر إلى الدور التي لعبته شخصية نادر في أكثر من محطة وملف، يبدو هذه المرة أن النهاية ستأخذ منعطفًا مختلفًا، فالتهم الثقيلة التي يواجهها جورج نادر وطبيعتها الأخلاقية ستكون عقوبتها محفوفة بمخاطر حقيقية، لأن نزلاء السجن في أمريكًا ينظرون لمرتكبي جرائم الاغتصاب على أنهم أكثر الناس حقارة، وقد لا تعرضه لعقوبة السجن لمدة طويلة فحسب بل تلقي بظلالها السلبية أيضًا على علاقاته الواسعة في أروقة صنع القرار من أبوظبي إلى العاصمة الأمريكية.

وبالإضافة إلى أن التهم الجديدة قد تعصف بنادر وبسمعة أصدقائه المؤثرين في أمريكا وخارجها، فإنها تكشف عن مدى التحقيقات الجارية التي تركها مولر خلفه ضمن تبعات تحقيقه الخاص، والتي قالت "نيويورك تايمز" نقلاً عن مصادر دبلوماسية إنها حملت ولي عهد ابوظبي على تجنب زيارة الولايات المتحدة خوفًا من احتمال استجوابه وأي من مساعديه ضمن تحقيق مولر وتوابعه.  

 

توقيت هذا الاتهام يأتي بعد يوم واحد من نشرت صحيفة "نيويروك تايمز" الأمريكية لتقرير على صفحتين في عددها الأسبوعي حول محمد بن زايد، وكيف سعى للتأثير على السياسة الأمريكية، وهذا يزيد من إلقاء الضوء على علاقة ابن زايد "المشبوهة" بإدارة ترامب وحملته الانتخابية قبل أن يصبح رئيسًا.  

إذا ظهرت مستقبلاً تهم جديدة تُضاف إلى التهم الحالية، قد لا تتوقف التداعيات المحتملة للمحاكمة المرتقبة لجورج نادر وارتباطاته السياسية عند حد ولي عهد أبوظبي، فهناك احتمال آخر، وهو أن يبدأ نادر في الحديث عن أي شركاء له في واشنطن كان يتبادل معهم المواد الإباحية الخاصة بالأطفال.

انتقل جورج نادر من مسقط رأسه في مدينة البترون اللبنانية إلى كليفلاند الأمريكية عام 1975 قبل ان يتم الـ16 من عمره، وبعد 4 سنوات فقط أسس مجلة تُعنى بشؤون الشرق الأوسط، وانتقل إلى واشنطن أولائل الثمانينات وسجل مجلته كمؤسسة غير ربحية، ما يعني حمايتها من الكشف عن مصادر تمويلها.  

تهم حيازة الشرائط الإباحية للأطفال رافقت جورج نادر منذ ثمانينيات القرن الماضي في أمريكا وخارجها، فهو مدان بسوابق متعلقة بحيازة أفلام إباحية والاعتداء على أطفال في بلدين على الأقل وفق الإعلام الأمريكي، وتمكَّن من توظيف علاقاته النافذة لإسقاط تهم أخرى أو تخفيفها في حالات أخرى بدعوى مساعدته الحكومة الأمريكية في مجال الأمن.

وفي مارس/آذار 2018، كشفت مجلة "أتلانتيك" الأمريكية أن ما وصفته بالقائم بأعمال اللوبي الإماراتي في واشنطن خضغ عام 1985 للتحقيق بعدما ضُبطت بحوزته مواد إباحية للاطفال، وذكرت المجلة أن نادر كان بحوزته صور لصبيان عرة، وفُتح تحقيق بحقه، وتم تدوينها في سجله الفيدرالي.

وعلى خلفية الفضائح الإباحية، لم يعد لنادر أثر في واشنطن، فظهر في العراق كمستشار لمالك شركة "بلاك ووتر" الأمنية إريك برنس، الذي استقر في أبوظبي على خلفية ارتكاب قواته "مذبحة ساحة النسور" في بغداد عام 2007، وأصبح مستشارًا أمنيًا لولي عهدها، وخلال تلك الفترة أصبح أسس نادر لعلاقة وطيدة مع الإمارات.

بعد سنوات قليلة ظهر نادر جورج نادر كمستشار لولي عهد أبوظبي ووسيط يمثل السعودية أيضًا، ووفق صحيفة "نيويرك تايمز" نسَّق إريك برنس لاجتماع سري في برج ترامب حضره النجل الأكبر لترامب ونادر الذي كان برفقه إسرائيلي أسترالي يُدعى جويل زامل يمتلك شركات مختصة بوسائل التواصل الاجتماعي، وعمل مستشارًا لولي عهد أبوظبي.

خلال اللقاء أبلغ جورج نادر نجل ترامب أن الأمراء الذي يحكمون السعودية والإمارات توَّاقون لمساعدة والده على الفوز بالانتخابات بعد 3 أشهر. بعد ذلك الاجتماع أصبح جورج نادر مقربًا من فريق ترامب الانتخابي، فرتَّب لاجتماع سري ثانٍ في برج ترامب حضره ولي عهد أبوظبي، وشارك فيه من فريق ترامب مايكل فلين وستيف بانون وجاريد كوشنر، كما كشفت صحيفة "واشنطن بوست".

لم يحل السجل الجنائي لجورج نادر دون نشاطه السياسي، فرغم التهم الموجة إليه، وصل نادر إلى البيت الأبيض والتقي بأقرب المقربين من ترامب مثل صهر الرئيس الأمريكي ومستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر والابن الأكبر لترامب والمستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمؤيد للتيارات القومية اليمينية ستيف بانون.

وفي يوم تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، التقى جورد نادر بشخص آخر لديه سجل جنائي في ولاية نيويورك تتعلق بقضية دفع رشاوي عام 2009، وهو إليوت برويدي، رجل الأعمال المقرب من ترامب وبنيامين نتياهو، أحد أبرز ممولي حملة ترامب ترامب الانتخابية ومسوؤل باللجنة المالية للحزب الجمهوري.

برويدي غَرَف من مال الإمارات، فالأحداث التي تلت تعارفهما هي أشبه بنسج الخيال، وبحسب تحقيق شهير لوكالة الأنباء "أسوشيتدبرس"، اتفق مستشار ولي عهد أبوظبي مع برويدي على بدء "مغامرة" يمولها محمد بن زايد ومحمد بن سلمان بموجب علاقة نادر الوثيقة بهما، وكان الهدف وراءها هو التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية مقابل عائد مادي ضخم لبرويدي.

بدأ تنفيذ الخطة، وكان هدفها أن يسعى برويدي لإقناع ترامب وإدارته باتخاذ مواقف متشددة من قطر وفرض عقوبات عليها والتحريض على اتهامها بدعم الإرهاب، وكان هذا مطلب ولي عهد أبوظبي وولي العهد السعودي، ولأجل تنفيذه كانا على استعداد لدفع أي ثمن.

توسع طموح برويدي للغرف من مال السعودية أيضًا، فالتقى نادر بولي العهد السعودي، ثم أبلغ برويدي بأنه ناقش معه عقودًا لكليهما بمليار دولار، في حين رصدت الإمارات 12 مليار دولار لحملة برويدي ضد قطر.  

وفي الـ9 من يونيو/حزيران، وخلال ترحيبه بالرئيس الروماني، زج دونالد ترامب عبارةً ضد قطر، وكانت خارجة عن سياق الترحيب بالضيف، وفي ذلك اليوم ظنت دول الحصار أن حملتها نجحت، لكن واشنطن تداركت ما حدث خلال ساعات، وأعلنت بعد أقل من أسبوع عن صفقة لبيع الدوحة مقاتلات بـ12 مليار دولار.

نادر كان أيضًا حلقة وصل بين دائرة ترامب ومقربين من الرئيس الروسي، فرتب اجتماعات سرية كانت محور تحقيقات فريق مولر، الذي نُقل عن فريقه نبأ منح نادر حصانة مقابل إدلائه بكل ما يعرف.

كان من بين الاجتماعات السرية التي رتبها نادر لقاء مثير للجدل في يناير/كانون الثاني 2017 (قبل 9 أيام قليلة من حفل تنصيب ترامب)، وعُقد بعيدًا عن الأنظار في أحد أحد فنادق جزر السيشل بدعوة من ولي عهد أبوظبي الذي كان حاضرًا هناك، وشارك فيه مؤسس شركة "بلاك ووتر" الأمنية إريك برنس وكيرل ديميتريف مدير الصندوق الاستثماري الروسي الخاضع للعقوبات الأمريكية.

كما ساعد الرجل في تنظيم أحد أهم الاجتماعات السرية في تاريخ المنطقة العربية في أواخر عام 2015، وهو ما عُرف بـ"قمة اليخت"، وجمعت 5 من الزعماء العرب في المنطقة، من بينهم ولي عهد أبوظبي وولي ولي العهد السعودي آنذاك محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في محاولة لتشكيل نواة تحالف عربي يعيد رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط تحت سيطرة السعودية والإمارات وفي مواجهة دائمة مع كل من تركيا وإيران.

ونُقل عن نادر استعداده لحشد تأييد في واشنطن للتحالف الجديد الذي أُريد له أن يكون قوة يمكن للحكومة الأمريكية الاعتماد عليها، وتوكل إليه مهمة اتخاذ القرارت المصيرية في المنطقة ليحل محل كل من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.

لكن المخطط مُني بفشل ذريع كما فشل المخطط ضد قطر، ومع سقوط جورج نادر في قبضة سلطات الأمن الأمريكية بسبب فضيحة أخلاقية يندى لها الجبين، يوشك دور رجل ولي عهد أبوظبي وولي العهد السعودي في أروقة صنع القرار في واشنطن على الانتهاء، فلم تعد الحماية التي تمتع بها من أشخاص نافذين على مدى عدة عقود بذريعة دوره المهم في حماية الأمن القومي الأمريكي موجودة الآن.

الكاتب