السعودية والإمارات تعيدان النظر في سياستهما تجاه نظام السيسي

السعودية والإمارات تعيدان النظر في سياستهما تجاه نظام السيسي

نشر المعهد الألماني للدراسات الدولية ورقة بحثية أعدها الباحث الألماني ماتياس سيلر بعنوان "الأولويات المتغيرة في الخليج"، تناول من خلالها تأثيرات ذلك على العلاقات الخليجية المصرية، مشيراً إلى أن السعودية والإمارات تسيران باتجاه تغيير سياستهما في التعامل مع نظام السيسي في مصر.

و يشير سيلر في الورقة البحثية إلى أن سياسة السعودية قبل وفاة الملك عبدالله، كانت تهدف مع الإمارات إلى منع تقدم الربيع العربي، وبدا واضحاً أن السياسة الخارجية لكليهما أصبحت “معسكرة”، وبدا الطابع العسكري في رد السعودية ودول الخليج على ثورة البحرين، وكانت مهمة قوات ردع الخليج هي منع انتشار الثورة، التي اتهمت فيها العائلة الحاكمة في البحرين إيران بالتحريض عليها.

ويستدرك البحث بأنه رغم التدخل في البحرين، إلا أن الرياض وأبو ظبي اعتبرتا أن مصدر التهديد لا يأتي من إيران بشكل رئيس، ولكن من جماعة الإخوان المسلمين، التي خرجت منتصرة في انتخابات مصر ما بين عامي 2011 و2012،

وتطرق الباحث إلى العلاقة بين الإخوان المسلمين والسعودية والإمارات، مشيراً إلى أنه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي هرب عناصر الإخوان وقياداتها إلى دول الخليج، وأسهم هؤلاء اللاجئون السياسيون والمتعلمون بدعم القطاع التعليمي في البلدين، واستطاعوا -كونهم مدرسين- نشر أيديولوجيتهم، وأصبحوا ناشطين في قطاع العمل المدني، خاصة الجمعيات الخيرية، ولكن الإمارات والسعودية قامتا في التسعينيات من القرن الماضي بتقييد نشاط الإخوان في الجمعيات الخيرية.

ويشير سيلر أنه بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، خشيت الدولتان من انتشار تأثير الجماعة على القطاعات الخليجية، التي تأثرت بأفكار الإخوان، وتزامن هذا مع الاتهامات التي وجهتها الحكومة في أبو ظبي ضد ناشطين إماراتيين اتهموا بإنشاء منظمة سرية مرتبطة مع الإخوان.

وينوه البحث إلى تصريحات بعض قادة الإخوان المسلمين، التي هاجموا فيها الخليج، بأنها كانت محفزة للإمارات والسعودية كي تتحركان ضد الجماعة.

كما يعتقد الكاتب أن التحالف السعودي الإماراتي ضد الإخوان انتهى بصعود الملك سلمان إلى السلطة، وبذلك حرمت مصر من أهم داعميها، فقد غير الملك سلمان المعادلة في السياسة الإقليمية، من خلال تبني سياسة تقارب مع الإخوان المسلمين وقطر وتركيا، بشكل أثر على العلاقات السعودية الإماراتية التي شهدت بروداً، وحدث تقارب مع حركة الإصلاح التي تضم فرع الإخوان في اليمن.

وبحسب البحث أن الإمارات لم تقم بتغيير موقفها من الإخوان المسلمين، لكنها قامت بتعديل مدروس لنظرتها لهم، وبحسب الظرف، مستدركاً بأنه مع أن العلاقات مع السعودية لا تزال جيدة، إلا أن هناك إمكانيات للخلافات، وما يجمع بينهما اليوم هو الحرب في اليمن.

ويقول سيلر عن مستشارين كبار في أبوظبي قولهم إنه في حال انتهت الحرب، فقد تتعقد العلاقات بينهما؛ نظراً للمواقف المختلفة من الإخوان. وبالمقارنة، فإن العلاقات بين الإمارات وقطر لا تزال باردة؛ بسبب موقف الأخيرة من الإخوان.

و يضيف سيلر أن تغيير أو تعديل السياسات تجاه الإخوان وبين الدول نفسها أثر على الموقف من مصر، ولهذا ترى السعودية والإمارات أن الإخوان ضعفوا بعد قمع وملاحقة عامين قام بهما النظام العسكري في مصر ضدهم، مستدركاً بأن أيديولوجيتهم لا تزال تمثل تهديداً عليهما.

وبحسب البحث، أن المقت للإخوان لا يزال قوياً في أبوظبي، رغم تقارب التقييم حول وضعهم الحالي من تقييم السعودية. فلا يزال المستشارون الكبار من رئيس الإمارات وولي عهده يؤكدون المخاطر النابعة من الإخوان.

ويؤكد الباحث أن قرار السعودية ترك الكتلة المعادية للإخوان يأتي في محاولة لتشكيل تحالف سني واسع ضد إيران، مستدركاً بأن رغم تقبل كل من السعودية والإمارات باتفاق فيينا حول الملف النووي الإيراني، إلا أنهما تعتقدان أن التهديد الإيراني لا يزال قائماً، خاصة فيما يتعلق بطموحاتها الإقليمية. كما أن هناك اعتقاداً بأن إيران تقوم بإثارة المشكلات الطائفية في دول الخليج.

أن علاقة السعودية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ارتبطت بالحرب ضد الإخوان المسلمين، ولم تعد أولوية بسبب تغير مفهوم الرياض لتهديدهم الذي لم يعد خطيراً، وانعكس هذا من الطريقة التي هاجم فيها معلقون مصريون المملكة، كما في حالة إبراهيم عيسى، الذي هاجم السعودية وتشددها ووصفها بالإرهاب.

وهو ما دفع إعلاميين سعوديين للهجوم بشكل علني على السيسي، خاصة بسبب موقفه من سوريا، فيما رحب وزير الخارجية المصري سامح شكري بالتدخل الروسي هناك، وهو موقف يتباين مع الموقف السعودي، الذي يرى في التدخل الروسي دعما للموقف الإيراني وللنظام في دمشق.

و أنه بالمقارنة مع الرياض، فإن القاهرة تتقبل حلاً سياسياً للأزمة السورية، حتى لو بقي الأسد في الحكم. وعلى خلاف الموقف السعودي، لم تتخذ الإمارات موقفاً حاسماً من سوريا، فمن جهة تخشى من الدور الإيراني هناك، ومن جهة أخرى تخشى من وجود الجماعات الإسلامية.

ويقول الباحث إن مصر على ما يبدو راضية بالدور الصغير الذي منحته دول الخليج لها، ولو تدخلت مصر بشكل كامل لكانت لدى السيسي الفرصة للتحلل من الاعتماد الكامل على دول الخليج. وبحسب مسؤول بارز في أبوظبي، فإنه لم يتم الطلب من مصر أداء دور في الحرب. وهذا يؤكد رغبة دول الخليج بالاعتماد على نفسها في اليمن بشكل عام.

وبحسب الباحث , أن دول الخليج تشعر بالإحباط من سياسات السيسي الاقتصادية والمالية والأمنية.

وينقل عن مستشار بارز لأمير قطر قوله إن السعودية تشعر بالخيبة من فشل السيسي، وتشعر بالقلق على استقرار مصر، وتناقش الصحافة السعودية ذلك بشكل علني، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر، شجب المعلقون في السعودية بشكل صريح الوضع الاقتصادي والمالي لمصر، لافتاً إلى أن الوضع في مصر يدعو إلى النقد، فالاحتياطي من العملة الصعبة لم يتجاوز 16.5 مليار دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، ولم يرتفع عما كان عليه الحال في وقت عزل الرئيس السابق مرسي (14.5 مليار دولار). ومنذ ذلك الحين ضخت السعودية والإمارات أموالا تتراوح ما بين 25- 41.5 مليار دولار ونفط وغاز.

إن هناك شعوراً في أبوظبي بأن، وبعد الانقلاب أرسلت الإمارات قوة للمهام الخاصة من أجل أن تبدأ بمشاريع تخلق فرصاً، وتؤدي إلى تطورات ملموسة. لكن أبوظبي لا تعتقد أن هذه المشاريع قادرة على حل مشكلات مصر المالية والسياسية. ويعتقد المستشارون الكبار في أبو ظبي أن الوضع الاقتصادي وقطاع التوظيف لن يتحسنا في المستقبل القريب؛ بسبب الزيادة المستمرة في عدد السكان.

ويرى سيلر بأن عاملاً مهماً في تغير أولويات دول الخليج يتعلق بانخفاض أسعار النفط الخام وزيادة ميزانية الإنفاق العسكري، الذي أدى إلى انخفاض موارد دول الخليج.

حيث يعتقد الباحث أن دول الخليج ستقوم بقطع دعمها المالي لمصر، كما أن العلاقات السعودية المصرية تمر بمرحلة صعبة اليوم، خاصة أنه لا يمكن تقريب وجهتي نظرهما حول الإخوان، فبالنسبة للسعودية فإن التقارب مع الإخوان هو جزء من استراتيجيتها ضد إيران، التي تراها الرياض تهديداً أخطر من الإخوان، كما أن موقف السيسي من سوريا انحرف عن الموقف السعودي، يضاف إلى هذا كله الوضع المالي والاقتصادي غير المستقر لمصر.

وأنه في الوقت ذاته فإن انخفاض أسعار النفط سيقلل من قدرة السعودية على توفير الدعم المادي لمصر، مستدركاً بأن الرياض ستقلل من الدعم، إلا أنها لن تقوم بوقفه بشكل كامل، وهو ما سيهدد استقرار مصر، ويقلل من تأثير السعودية هناك.

وبحسب البحث فالعلاقات بين القاهرة وأبوظبي أقل توترا، لكنها مثقلة بالمشكلات، فالعامل الذي يوحدهما هو كراهية الإخوان، ففي سوريا يتقارب الموقف المصري مع الإماراتي، ولكن أبوظبي لا تبد صبراً مع بطء الحكومة المصرية بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية وحل مشكلة الإرهاب، وستواصل الإمارات دعمها المالي لمصر، لكن ليس كالسابق.

ويشير الباحث إلى أن هذا يمثل فرصة للاتحاد الأوروبي وألمانيا، فحتى هذا الوقت كان السيسي يعتمد على دول الخليج، التي قدمت له الدعم دون شروط، ومن هنا فإن دعماً مشروطاً من دول الاتحاد الأوروبي سيكون فرصة لمنع تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي، وبالتالي تحول مصر إلى دولة فاشلة.

وينوه الباحث إلى أنه مع تراجع الدعم السعودي والإماراتي، فإن مصر ستجد صعوبة في تغطية نفقاتها، وستجد نفسها مضطرة للبحث عن مصادر أخرى لتلبية احتياجاتها.

الكاتب