هل قلّصت الإمارات تواجدها العسكري في اليمن ولماذا؟

هل قلّصت الإمارات تواجدها العسكري في اليمن ولماذا؟

توالت الأنباء عن سحب الإمارات بعض قواتها من مدينة عدن جنوبي اليمن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وهو تحرك وُصف بالمفاجئ وأثار تساؤلات عن دوافعه وخلفياته وسط تشكيك بتوقيت هذا الانسحاب، في ظل بروز مؤشرات عن خلافات بين أبوظبي والرياض، وعقب التصعيد الإماراتي ضد الحكومة اليمنية.

وبينما نقلت وكالة رويترز عن مسؤول إماراتي رفيع قوله إن هذه الخطوة لا تمثل إعادة انتشار للقوات الإماراتية في اليمن، كشف دبلوماسيون عن قيام الإمارات بسحب الكثير من معداتها العسكرية وقواتها التي كانت تتمركز في ميناء عدن والساحل الغربي لليمن، استعدادا لتحصين دفاعاتها الداخلية من أي تهديدات محتملة.

وتداولت وسائل إعلام يمنية محلية أخبارا تؤكد مغادرة عدد من الآليات العسكرية الثقيلة -التي استقدمتها الإمارات إلى عدن عام 2015 (20 دبابة ومدرعة)- وذلك خلال الأيام الماضية، حيث تم شحنها من ميناء عدن على سفن لم تُعرف وجهتها.

وفيما كانت المعلومات الأولية قد ربطت التحركات العسكرية للتحالف في عدن والساحل الغربي، بتصعيد عسكري محتمل في مدينة الحديدة غربي البلاد، جاءت التسريبات عن تقليص الإمارات تواجدها العسكري في اليمن، لتثير قراءات مغايرة لتطورات الأسابيع الأخيرة يمنياً، بما فيها التصعيد الإماراتي المفاجئ في كلٍ من محافظتي سقطرى، الجزيرة الاستراتيجية شرقاً، ومحافظة شبوة جنوباً.

وشهدت المحافظتان اشتباكات متقطعة بين القوات المدعومة من الإمارات (الحزام الأمني في سقطرى والنخبة الشبوانية في شبوة) وقوات موالية للحكومة اليمنية الشرعية، على نحوٍ ملفتٍ يعزز من وجود إجراءات إماراتية مستعجلة تستمد عواملها من الأزمة اليمنية ومن التصعيد مع إيران في منطقة الخليج عموماً.

ومن أبرز الملابسات التي سبقت التسريبات عن "تقليص الوجود العسكري" الإماراتي في اليمن، تواتر مؤشرات عن تفجّر خلافات غير مسبوقة مع السعودية بشأن الموقف في اليمن، إذ تلقّت أبوظبي انتقادات حادة وشديدة اللهجة من مسؤولين يمنيين يتواجدون في السعودية، على خلفية تصعيدها ضد الحكومة الشرعية في شبوة وسقطرى، وما تردد عن مخططٍ أعدته أبوظبي عبر "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، لإكمال الانقلاب وسيطرة الانفصاليين في عدن.

وعلى الرغم من نفي هذه المعلومات، جاءت التطورات في سقطرى وشبوة لتشير إلى تحركات إماراتية غير محسوبة، أُقرت على ما يبدو على عجلٍ، لحسابات مرتبطة بمسار الحرب في اليمن أو التصعيد في الإقليم.

فيما أفادت تصريحات صحفية لمسؤول حكومي يمني بأن هذا قد يكون تكتيكا تحاول من خلاله أبو ظبي تحسين صورتها في الظاهر بعد الدعوات التي وجهها مسؤولون يمنيون والضغوط الشعبية التي تطالب بإنهاء دور الإمارات في التحالف السعودي الإماراتي باليمن.

تصعيد عبر الميليشيات الموالية لأبوظبي

ويرى المسؤول الحكومي أن الإمارات بهذه الخطوة تسعى أيضا لترك الباب مفتوحًا على مصراعيه لأدواتها الأخرى التي تدعمها في اليمن كالمجلس الانتقالي والحزام الأمني وقوات النخبة من أجل الاستمرار في تصعيد أكبر استكمالا لما حدث خلال الأسابيع الماضية في شبوة وسقطرى من أعمال تخريبية ومظاهرات مناهضة للحكومة الشرعية.

في حين ربط محللون سياسيون بين هذا الانسحاب والتطورات المتعلقة بتصعيد محتمل مع إيران، والمخاوف المتعلقة من استهداف القوات الإماراتية في اليمن من قبل الحوثيين كرد على أي هجوم عسكري تتعرض له إيران من قبل الولايات المتحدة، مع تصاعد الهجمات التي يشنها الحوثيين على أهداف داخل المملكة السعودية والتلويح باستهداف مناطق حيوية في الإمارات.


ويبدو أن ما فاقم الخلاف بين السعوديين والإماراتيين، توقيت التصعيد الإماراتي ضد الحكومة اليمنية جنوباً، في أعقاب الهجمات غير المسبوقة للحوثيين في الأراضي السعودية، على نحوٍ خلق حالة من الإرباك في أوساط السعوديين، الذين فتحوا أعينهم على الأخطاء والإخفاقات المرتبطة بحربهم المشتركة مع الإمارات، لتظهر في المحصلة، ومن خلال الحراك العسكري للحوثيين، وكأن ميليشيا الحوثيين باتت في وضع أقوى، بعد ما يقرب من أربع سنوات ونصف من الحرب.

من زاوية أخرى، وبما لا يتعارض مع حسابات أبوظبي المرتبطة بالتصعيد الأميركي مع إيران والخلافات مع الرياض، تبرز تساؤلات عن توقيت التصعيد الإماراتي المفاجئ في الأسابيع الماضية، إذ نفذت محاولات متكررة لبسط سيطرة أتباعها على ميناء جزيرة سقطرى الاستراتيجي، بعدما فشلت باحتلاله بواسطة قواتها مباشرة منتصف العام 2018، بسبب رفض الحكومة اليمنية وتقديمها شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي.

كما سعى حلفاء الإمارات إلى إكمال بسط السيطرة في محافظة شبوة النفطية ومهاجمة مدينة عتق (مركز المحافظة)، وما رافق ذلك من تفجيرات متكررة استهدفت أنبوب تصدير النفط والغاز في مناطق سيطرة قوات "النخبة الشبوانية" (الذراع الإماراتية في المحافظة).

كلها تطورات أظهرت كما لو أن أبوظبي وحلفاءها يتصرفون بإجراءات متهورة ومكشوفة يحاولون مسابقة الزمن فيها، استباقاً لتحولات لن تكون على الأرجح في صالحهم، وهو ما تعزز من خلال الإعلان الإماراتي عن سحب جزئي للقوات من اليمن.

وبالتزامن مع هذه التطورات، أفادت مصادر يمنية مطلعة بأن السعودية قامت خلال الفترة نفسها التي انسحبت فيها القوات الإماراتية بإرسال تعزيزات جديدة إلى عدن، ووصلت مدرعات ودبابات تابعة لها إلى معسكر التحالف، إضافة إلى نشرها دفاعات الباتريوت في المدينة.

ويرى مراقبون أن الوضع في عدن -التي تتخذ منها الحكومة الشرعية مقرا لها- مرشح للانفجار خلال الأيام القادمة لا سيما وأن الوضع متأزم بين الشرعية وتشكيلات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، وسط توقعات بحدوث معركة عنيفة داخل عدن، وهو السبب الذي جعل الإماراتيين يفكرون في سحب قواتهم من المدينة خشية أن تتورط في أي مواجهة وتكون عرضة للانتقام من أي جهة.

تصاعد الخسائر المادية والسمعة الدولية

وخسرت الإمارات كثيراً، خلال السنوات الخمس التي شاركت فيها في حرب اليمن ضد الحوثيين، سواء من جنودها أو من سمعتها الخارجية التي أصبحت سيئة الصيت، وكذا الخسائر المادية، وسط تزايد القرارات التي اعلنت عنها عدد من الدول الاوروبية إضافة للولايات المتحدة حول حظر تصدير السلاح للإمارات بسبب الحرب على اليمن وسط اتهامات بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين.

وتتحدث التقارير عن إنفاق الإمارات قرابة 1.3 مليار دولار شهرياً، على تدخُّلها في اليمن (16 مليار دولار سنوياً)، منذ انضمامها إلى تحالف عسكري تقوده السعودية في اليمن منذ مارس 2015، فيما رصد جانب كبير من تلك الأموال لبناء تشكيلات عسكرية عدة في الجنوب مناهضة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته، أي إن أبوظبي عملياً تصرفت ضد أهداف التحالف المعلنة.

وتدعم الإمارات مليشيات متمردة على السلطة مثل "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يدعو إلى انفصال جنوبي اليمن، وتنضوي تحته تشكيلات هي "النخبة الشبوانية، والنخبة الحضرمية، والحزام الأمني".

وتجنّد أبوظبي 64 ألف مجنَّد في قوات تحت إمرة الضباط الإماراتيين والمرتزقة الأجانب، إضافة إلى التشكيلات المسلحة اليمنية التي تأتمر بأمرها.  

كما تلاحق القضايا والإداناتُ دولةَ الإمارات بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب في اليمن، والتعذيب. وهذه القضايا لا تطارد السلطات الإماراتية وحدها، بل شركات مرتزقة عملت مع الإمارات في اليمن.

في شهر مارس 2019، تقدَّم مكتب محاماة فرنسي بدعاوى قضائية ضد مرتزقة فرنسيين يعملون لمصلحة شركة أمريكية خاصة، لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب ضمن النزاع اليمني، بتمويل من الإمارات.

وجاءت هذه الدعاوى بعدما كشف موقع "BuzzFeed" الإعلامي الأمريكي، أن الإمارات استعانت بشركة عسكرية أمريكية خاصة، نفذت عمليات اغتيال استهدفت قيادات حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، في اليمن .

تصاعد الانتقادات ضد أبوظبي

وواجهت الإمارات انتقادات من يمنيين في السعودية وحتى من سعوديين، على غرار تصريحات تلفزيونية للأكاديمي السعودي تركي القبلان، والذي اعتبر أن سعي الإمارات وراء مصالحها الضيّقة على الجغرافية اليمنية يتناغم مع "المشروع الإيراني" في المنطقة، واعتبار ما تقوم به غير منسجمٍ مع أهداف التحالف، على خلفية تصعيد المليشيات والمجموعات المسلحة المدعومة من أبوظبي جنوباً في الأسبوعين الأخيرين.

وسبق أن اعترف وزير الخارجية المستقيل خالد اليماني، مطلع أبريل الماضي، بوجود "خلل" بين بلاده والتحالف بقيادة السعودية، قائلاً إن الحكومة "الشرعية" لم تستطع إقامة شراكة حقيقية مع التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وأواخر فبراير الماضي، دعا نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، إلى "تصويب" العلاقة مع التحالف، وقال إن خللاً يشوبها، مشيراً إلى أن جهات تنازع سلطات وزارته بالتحكم في الملف الأمني بعدن.

كما وُجِّهت الاتهامات إلى الإمارات بالتسبب في منع عودة الرئيس اليمني إلى بلاده، إضافة إلى محاولتها المستمرة السيطرة على جزيرة سقطرى، والتي فجرت أزمة كبيرة بين الحكومة اليمنية وأبوظبي منتصف العام الماضي.

في الأشهر الأخيرة، تصاعدت في اليمن المطالبات بطرد دولة الإمارات من التحالف، بسبب استمرارها في دعم المليشيا الانفصالية، ومحاولتها السيطرة على المناطق الجنوبية باليمن.

ومؤخراً أطلق ناشطون في اليمن حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل وسم (هاشتاغ) "#طرد_الإمارات_مطلب_شعبي"، لمطالبة رئيس البلاد بتحقيق هذا الأمر.

الكاتب