في ظلال رحيل سعيد سلمان..حين يعادي الحكام الوطن .. بقلم: ياسر سعد الدين

في ظلال رحيل سعيد سلمان..حين يعادي الحكام الوطن .. بقلم: ياسر سعد الدين

بعد سبع سنوات قضاها في منفاه في المانيا، بعد أن ضاقت البلاد -بفعل حكم بائس واستبداد غاشم- بخيرة أبنائها فتوزعوا بين المنافي والسجون، رحل د سعيد سلمان عن هذا الدنيا الفانية صبيحة يوم السبت 29/6/2019. الإعلام الإمارات الرسمي تجاهل الخبر بشكل تام، فيما تكفل الذباب الالكتروني بنقل والتعبير عما لا يستطيع إعلام الدولة البائس فعله، بوصف الراحل بالخيانة وبما لا يليق وصفه للإحياء فما بالك بالراحلين عن الدنيا إلى حيث العدل الرباني والفصل الحق.

‏د سعيد سلمان كان شخصية استثنائية ومميزة في الميزان الدولي فما بالك في ميزان المنطقة العربية والخليج بل والإمارت تحديدا، فللرجل إنجازات كبيرة ولافتة، كما شغل مواقع هامة ومتقدمة في وقت كانت أعداد المتعلمين فيه بالإمارات المتصالحة قليلة للغاية. الراحل والذي حصل  على شهادة دكتوراه في الحقوق والعلوم الإنسانية من جامعة باريس الثانية عام 1986، شغل مناصب هامة ما قبل الاتحاد كقاض مساعد في محكمة رأس الخيمة، وكان الأمين العام للمجلس الاستشاري لإمارة أبو ظبي، حين كان حاكمها الآن والذي ضيق على الراحل غلاما، لا يكاد يجيد القراءة والكتابة.

‏ومع قيام اتحاد الإمارات في ديسمبر عام 1972، كان سلمان ضمن الكفاءات الشابة التي اضطلعت بدورها في بدايات تأسيس الدولة، حيث تولى منصب وزير الإسكان وتخطيط المدن في أول حكومة اتحادية إماراتية، ثم وزير الزراعة والثروة السمكية لاحقا. سلمان كان أول سفير مقيم لدولة الإمارات في باريس والسوق الأوروبية في بروكسل. وشغل منصب وزير التربية والتعليم والشباب حين كانت الإمارات تستخدم المناهج الكويتية في أواخر السبعينيات فكان أن تأسست المناهج الوطنية لإول مرة في الدولة التي لم تكمل عامها العاشر بعد برعاية الوزير الشاب. كما كان الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات، وعضوا في المجلس التنفيذي لليونسكو في دورتين متتاليتين.

‏من أهم إنجازات الراحل إنشاء كلية عجمان للعلوم والتكنولوجيا في عام 1988، لتتطور بعد ذلك إلى شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا والتي صادرتها منه حكومة أبوظبي ظلما وعدوانا. وقام بإنشاء كرسي الإعجاز القرآني في جامعة عجمان مستقطبا جمع من العلماء والخبراء في مجال الإعجاز القرآني ومكونا مجلس خبراء لكرسي الإعجاز من مختلف التخصصات والمجالات. أنشأ أيضا جامعة البحر الأبيض المتوسط للعلوم والتكنولوجيا (MUST) في فلنسيا ـ اسبانيا، وأسهم في إنشاء كلية مسقط للعلوم والتكنولوجيا وجامعة ظفار في صلالة بسلطنة عمان. كما شغل الراحل منصب رئيس رابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي.

‏سيرة الرجل الذاتية ومكانته العلمية يمكن للقارئ الإطلاع عليها من خلال مقال وتقرير نشرته صحيفة البيان الإماراتية في 22 سبتمبر 2009 والمعنون "د.سعيد سلمان مسيرة عطرة في خدمة العلم والمجتمع"، لمناسبة اختيار الرجل شخصية العام القرآنية للدورة الثالثة لجائزة مرتل الفجيرة، هذا الإعلام نفسه الذي تجاهل رحيل التربوي والدبلوماسي والسياسي الإماراتي. كم شخصية في الإمارات بل على المستوى الدولي تمتلك هذه السيرة الذاتية العامرة والإنجازات الكبيرة. إن حكم وحكومة تتعامل مع خيرة أبنائها بهذه الطريقة والإسلوب هي من تعادي الوطن وتدمر أعظم إمكاناياته وهو الإنسان بعدما عبثت بثرواته ومقدراته ودوره ومكانته. الدول الغربية المتقدمة تستقطب الكفاءات العربية وغير العربية وتفتح لها أبواب الهجرة، فيما الأنظمة العربية الفاسدة والقمعية تتعامل مع المواطن المثقف والواعي كخصم وعدو ينبغي التخلص منه أو تشويه سمعته والحط من مكانته.

‏حكومة الإمارات التي تنشر الحروب في كثير من الدول العربية والإسلامية، الحكومة التي تعلن عاما للتسامح فيما تتعامل مع خيرة أبنائها واعظمهم إنجازا بحقد شديد ولؤم مستغرب. يحارب الحكم في الإمارات المثقفين والاكاديميين فيما يتسقطب أهل اللهو والعبث ويتم شراء علماء سوء والذي يقدمون الفتوى ونقيضها دون أن يجف لهم طرف. حروب على شعوب عربية، وحرائق هنا وهناك، وأعمال فنية تمجد الالحاد، وعلاقات وثيقة مع الصهاينة وتهافت كبير للتطبيع فيما خيرة ابناء الوطن ملاحقون ويتعرضون لحملات تشويه مسمومة ومحمومة ولمحاكمات هزلية ساقطة.

‏لا عجب حين يطارد ويحاصر أمثال د سعيد سلمان ويتعرضون للتشويه وللتجاهل حتى في رحيلهم أن يكون أمثال جورج نادر –المتهم بحيازة مواد إباحية لإطفال- مستشارا مقربا ووسيطا نافذا....لإن الجهلة ومن في قلبهم مرض يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.

الكاتب