استراتيجية الإمارات التوسعية تصطدم بالواقع وتنكمش

استراتيجية الإمارات التوسعية تصطدم بالواقع وتنكمش

تذهب الدولة نحو خفض سياسة التوسع الخارجية ودعم الجنرلات والانقلابات العسكرية والميليشيات المسلحة بعد أن أصبح الوضع في منطقة الخليج "ملغوماً".

لذلك يبدو أن تخفيض وجود الإمارات في اليمن لن تقتصر على زعزعة تحالفها مع السعودية، في مرحلة تشهد توترًا شديدًا مع إيران، في نفس الوقت يعتقد خبراء أن هناك محاولات لتفرغ إماراتي في ليبيا بعد الهزائم المتلاحقة التي تعرض لها حليف الدولة الجنرال خليفة حفتر.

وأعلنت الدولة عن انتقالها من إستراتيجية عسكرية إلى خطة تقوم على تحقيق السلام أولاً، في ظل حديث عن تدخل مسؤولين سعوديين لمحاولة ثنيها عن قرار الانسحاب، وشعور الرياض بخيبة أمل كبيرة.

والإمارات ثاني أكبر دولة في تحالف عسكري عربي تتزعمه السعودية منذ مارس/آذار 2015، وينفذ عمليات في اليمن دعمًا للقوات الموالية للحكومة في مواجهة الحوثيين.

كلفة الحرب الكبيرة في اليمن، يراها خبراء سياسيون وعسكريون سببًا رئيسًا في قرار أبو ظبي تخفيض قواتها، ضمن مراجعة شاملة لسياساتها الخارجية تمهيدا لإعادة تموضع إقليمي إستراتيجي.

خلافات مع السعودية

وعزا الخبراء ذلك إلى كون الإمارات ليست بـالدولة الكبيرة التي يمكنها التعاطي مع أكثر من ملف في آن واحد، وهو ما أظهرته أوراقها المبعثرة بالمنطقة التي تشهد استقطابًا حادًا السنوات الأخيرة.

وأفادت صحيفة نيويورك تايمز الجمعة بتدخل مسؤولين بالديوان الملكي السعودي لمحاولة ثني الإمارات عن سحب قواتها، مشددة على أن السعوديين شعروا بخيبة أمل كبيرة من قرار أبو ظبي.

تضارب المصالح واختلاف الأهداف بين الرياض وأبو ظبي -وفق الخبير السياسي كامل عبد الله- يقف خلف قرار الإمارات.

وتحدث الخبير عبدالله لوكالة الأناضول مضيفاً: أن مراحل العمليات في اليمن تعري التحالف العربي الذي كان يتم تقديمه إعلاميًا على أنه كيان وتكتل متماسك ومتوافق الأهداف.

واستشهد بممارسات كانت تشير إلى خلافات تتسع بين البلدين مع إطالة أمد العمليات في اليمن، كمحاولات تقسيم ذلك البلد العربي بين شمال وجنوب.

وشهدت الفترة الأخيرة مساعي خارجية لتسويق فكرة انفصال جنوب اليمن عن شماله بإيعاز من الإمارات، وفق منتقدين.

متفقًا مع الطرح السابق، قال الخبير العسكري الأردني قاصد محمود لوكالة الأناضول إنه يوجد تعارض في السياسات السعودية الإماراتية باليمن، في ظل عدم وجود رؤية واضحة لنهاية الحرب (بدأت قبل خمس سنوات) والتي باتت كلفتها عالية جدًا.

 

في الاتجاه ذاته، ذهب الخبير العسكري المصري صفوت الزيات إلى أن الإمارات باتت أمام نقطة انعطاف حادة بشأن جدوى المشاركة خارج حدودها سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا.

وأضاف الزيات أن إعلان الخروج بهذا الشكل المفاجئ يعد تعبيرًا عن إدراك بعدم جدوى الحل العسكري في اليمن، بجانب الخلافات الشديدة مع السعودية في أسلوب إدارة العمليات منذ الأيام الأولى.

انكماش تدريجي

يتوقع الخبيران العسكريان انسحابا وانكماشا تدريجيا من جانب أبو ظبي خلال الفترة المقبلة في سياستها التوسعية بالمنطقة خاصة في ليبيا والسودان، على غرار اليمن.

ورأى الخبير العسكري الأردني أن الإمارات في مرحلة إعادة ترتيب لملفاتها الخارجية بطريقة أكثر قبولًا لشعبها وللعالم العربي.

وتوقع في الوقت ذاته انسحابًا إماراتيا من الملفين الليبي والسوداني، إذا كانت سياسة التخفيض باليمن مبنية على تخفيض النفقات المترتبة على التدخل هناك.

واستشهد بأن الملف الليبي أقل وضوحًا من نظيره اليمني، وكُلفته أكبر من الناحيتين المادية والعسكرية على الإمارات، خاصة وأن دورها العسكري في ليبيا أكثر وضوحًا على أرض الواقع.

لكنّه شدد على أن الاهتمامات الإماراتية في ليبيا إستراتيجية تصل إلى المستوى الحيوي، واستدرك: أبو ظبي غير قادرة على الاستمرار في الملف الذي لا يوجد به أي ضوء في نهاية النفق المظلم.

أما عن السودان، فرأى أنه من المبكر الجزم بوجود تدخل إماراتي مباشر هناك، قد يكون تدخلًا استخباريًا من دون تورط مادي ومعنوي وعسكري، على عكس اليمن وليبيا.

ويتهم سودانيون كلًا من الإمارات والسعودية ومصر بدعم المجلس العسكري الانتقالي في مواجهة قوى إعلان الحرية والتغيير التي تطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين.

أما الخبير العسكري المصري فقال إن تورط الإمارات بأكثر من ملف في خريطة الشرق الأوسط دفعها لمراجعة حادة لتدخل لا تتحمله ويفوق عمقها السكاني والجغرافي والاجتماعي، وتوقع أن تدفع الدروس المستفادة من الحرب اليمنية أبو ظبي إلى مراجعة موقفها من ليبيا.

تفرغ للملف الليبي

على خلاف الطرح السابق، ذهب الخبير السياسي كامل عبد الله إلى أن الانسحاب الإماراتي من اليمن هدفه التفرغ لدعم مستخدمها في ليبيا (حفتر) بعد تعثر حملته العسكرية على العاصمة طرابلس.

ومنذ 4 أبريل/نيسان الماضي تشن قوات حفتر هجومًا متعثرًا للسيطرة على طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني.

 

واستشهد عبد الله في طرحه بما ذكره وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش -في مقال بصحيفة فرنسية مؤخرًا- من أن ليبيا تمثل أولوية بالنسبة للإمارات في الوقت الراهن.

وتابع أن الإماراتيين يرون ليبيا ملعبًا سهلاً يمكن من خلاله تحقيق الأهداف من دون كلفة، واختبارا لعملية عسكرية سياسية في التأثير الإقليمي.

وشدد على أن الإمارات لا يمكنها التعاطي مع أكثر من ملف في توقيت واحد.

ثمة نتيجة أخرى محتملة لسحب الإمارات قواتها من اليمن -وفق محمود- وهي تعميق أزمات منظومة دول مجلس التعاون الخليجي بالمستقبل، وسيكون ثمنه كبيرًا.

وأردف أن الإمارات بدأت تبتعد قليلًا عن المواجهة الإعلامية مع إيران وتقليل فرص مواجهتها، وهو ما لن يرضي الحليف السعودي، وفق قوله.

الكاتب