تطوير العلاقات الإماراتية مع الصين كيف يؤدي لمزيد من النفوذ ؟

تطوير العلاقات الإماراتية مع الصين كيف يؤدي لمزيد من النفوذ ؟

تواصل أبوظبي مساعيها لتعزيز العلاقات مع الصين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية منها عبر قرار تدريس اللغة الصينية في مدارس الإمارات، إضافة لتكثيف الزيارات المتبادلة بين البلدين في مسعى من الإمارات لاستثمار هذه العلاقات في تعزيز نفوذها في المنطقة.

وشرع ولي عهد أبوظبي ذو النفوذ الكبير، محمد بن زايد، في حملة دبلوماسية أخرى الشهر الماضي بهدف التقرب من الرئيس الصيني شي جين بينغ ومحاولة تعزيز العلاقات مع قوة اقتصادية عالمية مزدهرة. وخلال زيارته التي استغرقت ثلاثة أيام للعاصمة الصينية بكين، ناقش بن زايد مع الرئيس الصيني سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين

واتفقا على زيادة روابط الاستثمار والتجارة، مثل زيادة التعاون في القطاع المصرفي وقطاعات النفط والسياحة والعلوم، وهي استثمارات قد تصل قيمتها إلى 70 مليار دولار بحلول نهاية العام القادم. كذلك أشاد بن زايد بما سماه «خارطة الطريق» لقرنٍ من الازدهار بين الإمارات والصين، مشيراً إلى أن العلاقات بين البلدين قد تتعاظم بشكل أكبر.

وتُعد هذه التطورات بمثابة تحصين للعلاقات القائمة بين البلدين، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني. إذ أقامت الصين والإمارات علاقات دبلوماسية رسمياً عام 1984، وازدادت استثمارات الصين في الإمارات بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي، بالتزامن مع التوسع الاقتصادي للصين في المنطقة والنمو السريع للإمارات بصفتها إحدى الجهات الفاعلة في المنطقة.

وفي العام الماضي، اقترحت شخصيات بارزة من كلا البلدين تعميق العلاقات الاقتصادية بينهما وإبرام اتفاقية للتجارة الحرة. ترى الصين الإمارات كلؤلؤة مشرقة في مبادرتها «الحزام والطريق» للتنمية العالمية، إذ وقعت الإمارات في أبريل/نيسان الماضي على اتفاقية مع الصين قد تجعلها بمثابة مركز تجاري بري وبحري حيوي لرؤية بكين.

الهيمنة الاقتصادية

 وكان على جدول الأعمال في يوليو/تموز الماضي مناقشة احتمال زيادة التعاون الإقليمي والدولي بين البلدين، والمنصوص عليه في 16 مذكرة تفاهم سلطت الضوء أيضاً على زيادة التعاون الدفاعي بينهما. تسعى كلٌ من أبوظبي وبكين للهيمنة الاقتصادية باستخدام نفوذيهما المالي لتصبحا قوتين هائلتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومن المعروف للجميع أن لكلتا الدولتين تطلعات واستراتيجيات إقليمية مختلفة للحفاظ على نفوذيهما. إذ تسعى أبوظبي للتعاون مع جهات فاعلة سياسية استبدادية وتمكينها تحت ستار الأمن والإنسانية. على عكس الصين، التي قد تتحمل مباشرةً العواقب السياسية لأي تغييرات في نظام الحكم الديمقراطي؛ مما قد يثير دعوات إلى إجراء إصلاحات داخل الإمارات نفسها.

في الوقت نفسه، تُعد بكين أقل تأثراً بالتطورات الإقليمية وتزعم أنها تفضل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مع تقديم مشروعات التنمية والبنية التحتية في الدول الفقيرة. ونتيجة لذلك، نمت استثمارات الصين بشكل كبير في إفريقيا والشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.

المنفعة المتبادلة عظيمة بين الطرفين

 

 دعم الإمارات للأنظمة الاستبدادية «المستقرة» يمكن أن يفيد الصين. كذلك تستفيد الإمارات من نفوذ الصين المتزايد، وتقف إلى جانب بكين لتعزيز طموحاتها الإقليمية الجيوستراتيجية.

ولضمان حصولها على دعم دولي قوي، قد تتجه الإمارات أكثر نحو الصين. وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يمكن للصين أن تمنح الإمارات حصانة إضافية ضد الانتهاكات التي ترتكبها في اليمن ودعمها لاعتداء القائد الليبي خليفة حفتر على طرابلس، ومساعيها الإقليمية الأخرى، مثل السودان.

 وفي اجتماع الشهر الماضي، أعلن شي جين بينغ أن «الصين تدعم التزام الإمارات بالحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة. وأشار أيضاً إلى أن الصين ترغب في تحويل المنطقة إلى «واحة من الأمن» بدلاً من «مصدر اضطراب» جديد. تعكس كلمات الرئيس الصيني بشكل ما خطاب الإمارات عن الاستقرار، الذي تتبناه أبوظبي لتبرير دعمها للقوات الاستبدادية المناهضة للديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 ويمكن للصين والإمارات مواصلة تعاونهما لدعم الجهات الفاعلة السياسية في المنطقة. إذ ربما يسعى كلاهما لإعادة بناء سوريا الممزقة بالحروب الأهلية منذ ثورة عام 2011 التي فشلت في إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. ومع رفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإعادة بناء الدولة المضطربة، وافتقار حلفاء الأسد -روسيا وإيران- إلى القدرات المالية اللازمة للعب دور القيادة، أُثيرت تساؤلات حول من يمكنه تمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية في سوريا.

تشير التكهنات إلى أن الصين والإمارات مرشحان محتملان لهذه المهمة، خاصةً مع إعادة فتح الإمارات لسفارتها في العاصمة السورية دمشق ديسمبر/كانون الأول الماضي. في نهاية المطاف، سيؤدي هذا إلى استمرار الحكم الاستبدادي في سوريا. ومع دعم نظام الأسد، ستتضاءل آمال الإصلاحيين.

دعم الأنظمة القمعية

وفي السودان، سعت الإمارات والسعودية لتمكين المجلس العسكري الانتقالي وعرقلة أي محاولات للإصلاح. ويمكن أن تلعب الصين دوراً أكثر حزماً من خلال الاستثمار في أي نظام سوداني مستقبلي، مع عدم دعم أي من الجانبين بشكل خاص، ولكن في وقت يحتاج فيه المتظاهرون إلى دعم دولي أكبر؛ قد يؤدي هذا إلى تقويض رغباتهم. ورفضت الصين وروسيا مؤخراً تأييد تجميد الإنهاء المزمع لمهمة قوات حفظ السلام في دارفور.

كذلك دعمت الصين بشكل مثير للجدل برنامج «إعادة تثقيف» الملايين من مسلمي الإيغور؛ مما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، رغم أن عدداً كبيراً من الدول ظلت صامتة تجاه الأمر.

وباستخدام ذريعة مكافحة الإرهاب لاستهداف أقلية الإيغور المسلمة، تتطابق سياسات الصين بشكل ما مع سياسات الإمارات في حملتها الإقليمية ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ ولذلك أيدت الإمارات حملة الصين، ووجه الرئيسالصيني الشكر للإمارات على دعمها لسياسات بكين في إقليم شينجيانغ، في حين قال ولي عهد أبو ظبي إن الإمارات مستعدة للاشتراك مع الصين في ضرب القوى الإرهابية المتطرفة.

 وكما هو الحال مع دعم الدول الأخرى لأداء الصين، تضع أبوظبي الازدهار الاقتصادي قبل القيم الأخلاقية، إذ إن دعمها لحملة قمع الإيغور يضمن علاقاتها الاقتصادية مع بكين والمزيد من الدعم لأجندتها الإقليمية. وبصفتها دولة إسلامية ذات نفوذ، هذا يمنح الصين الضوء الأخضر للمضي قدماً في برنامجها «لإعادة تثقيف» مسلمي الإيغور.

 لكن هناك منطقة تشكل مخاطر على العلاقات الإماراتية الصينية، وهي منطقة القرن الإفريقي. إذ تسعى كلتا الدولتين للسيطرة على الموانئ في الصومال ومناطقها الخاضعة للحكم الذاتي، في محاولة لزيادة النفوذ في البحر الأحمر، وخاصةً على طول مضيق باب المندب الاستراتيجي.

ويهدد نفوذ الصين الاقتصادي المتزايد في هذه المنطقة نفوذ الإمارات. إذ أممت جيبوتي ميناء دوراليه، الذي كان خاضعاً لسيطرة الإمارات، ثم سمحت لاحقاً لبكين بامتلاك حصة فيه. ورغم أن هذا لن يهدد على الأرجح اتفاقياتهما الأخيرة، فإنه لا يزال سيناريو قد يختبر مدى قوة العلاقات الصينية الإماراتية.

في الوقت نفسه، فإن هذه الاتفاقيات الأخيرة يمكن أن تبشر ببداية تعزيز العلاقات بين أبوظبي وبكين؛ مما قد يؤثر على التطورات في المنطقة. ومع استخدام الإمارات لنفوذها الدبلوماسي بشكل متزايد للتقرب من الدول الأخرى -من روسيا والصين إلى حلفائها التقليديين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة- ربما نشهد بداية عصر تكون فيه الإمارات أكثر هيمنة على المنطقة.

الكاتب