الدور الوحشي للإمارات في دعم الثورات المضادة
جمال سلطان
على الرغم من جهود الإمارات للظهور في العالم العربي كنموذج متحضر وإنساني للتطور المدني والتنظيم العمراني والثراء والرفاهية ورعاية الفن والأدب والثقافة و"الحنان" الأخوي تجاه الشعوب العربية التي تحتاج إلى العون ، إلا أن الغرور المتزايد لم يعد ينجح في إخفاء الوجه الآخر البشع لها كشريك في الثورات المضادة في عدة عواصم عربية وشراكتها في العنف الدموي ضد الشعوب والتدخل الخطير في صراعات سياسية داخلية حولها من صراع سياسي سلمي إلى دموي كما هو الحال في ليبيا ، وأوشك على إسقاط المشروع الديمقراطي في تونس .
عقب نجاح الثورة الليبية ، وإطاحة نظام الطاغية معمر القذافي ، واتجاه الشعب الليبي لبناء دولته الجديدة ، رغبت الإمارات في الاستحواذ على ليبيا ، سياسة وأمنا واقتصادا ، غير أن ذلك لم يكن ممكنا بوجود أبناء الثورة في قيادة الدولة ، فكان التخطيط لدعم ثورة مضادة تنهي آثار ثورة فبراير ، وتدخلت ـ كالعادة ـ بشحنات الدولارات الضخمة لشراء البرلمان الجديد ، وتأسيس فضائيات ليبية بسخاء مذهل لا نهاية له وصناعة إذاعات وصحف ومراكز أبحاث عميلة لها ، وهي طريقة مكررة في عواصم عربية أخرى ، ثم بدأ الانقلاب يظهر كاملا بتجريم كل قوى الثورة الليبية ووصفها بالإرهاب وإصدار القوانين التي تجرم وتعتقل كل المعارضين وبشكل خاص المعارضين لنفوذ الإمارات وتصفية الرموز والقيادات التي خاضت المعركة ضد القذافي ، فكان أن تفجرت ليبيا بالغضب بعد أن بدا أن ثورة مضادة تستولي على السلطة لحساب الإمارات ، ولما كان السلاح الذي أسقطوا به القذافي ما زال حاضرا ، فكان أن دافع الثوار عن ثورتهم بالسلاح ، ومن جانبها قامت الإمارات بدعم وتسويق الجنرال خليفة حفتر لينهي كل شيء بالدم والسلاح ، فتحولت ليبيا إلى حرب أهلية مأساوية جديدة ، وما زالت.
في ذات السياق ، كانت الإمارات تحاول ترويض عدد من رجال الأعمال الليبيين المقيمين على أرضها من سنوات ، لكي يكونوا جزءا من مخططها في ليبيا ، إلا أن بعضهم أبدى تحفظه ورفض أن يكون عميلا مأجورا ، فكان أن تم اعتقال حوالي اثني عشر رجل أعمال منهم وتغييبهم في معتقلات بشعة وإخضاعهم للتعذيب وعزلهم عن العالم لشهور طويلة ، قبل أن تضطر للإفراج عن بعضهم تحت ضغوط دولية كبيرة ومتوالية ، من هؤلاء الضحايا ، رجل الأعمال الليبي رفعت حداقة، والذي كشف عن تفاصيل اعتقاله وتعذيبه من قبل جهاز أمن الدولة الإماراتي بعد أكثر من 12 سنة من إقامته في البلاد، ونيله للعديد من الجوائز والشهادات التكريمية من قبل مسؤولين إماراتيين من الصف الأول.
وبحسب رواية حداقة لوكالات الأنباء على هامش مشاركته في ندوة عقدها البرلمان الأوروبي في بروكسل، ناقشت ملف المعتقلين الليبيين في الإمارات يوم 13 (أكتوبر) الجاري، قال : أنه لا زال يعاني من آثار الصدمة بعد 10 أشهر من إفراج السلطات الإماراتية عنه، متسائلا "كيف يمكن أن يحدث ذلك في دولة كالإمارات؟ وهي المعروفة بطيبة أهلها وكرم ضيافتهم، ودستورها وقوانينها التي تحرّم هذه الأفعال الإجرامية"، حسب تعبيره. وقال حداقة "لقد تسبّبوا لي بمشاكل صحية ونفسية وخسائر مادية كبيرة؛ لقد أرهبوا عائلتي واحتجزوا جوازات السفر الخاصة بأفرادها"، مستطردا "لا أستطيع نسيان صوت بكاء زوجتي وأطفالي وحالة الفزع التي أصابت إبني الصغير أثناء هجوم قوات جهاز أمن الدولة الإماراتي عليّ واعتقالي أمام مرأى عائلتي، كل ذلك وأنا لم أرتكب أي جرم ولم أخالف القانون بأي شكل من الأشكال". وذكر حداقة، أنه فوجئ يوم 3 أيلول (سبتمبر) من عام 2014 الماضي، وهو يستعد للسفر في رحلة عمل، على متن الخطوط الجوية "الإماراتية" مستخدما مقاعد الدرجة الأولى، ليفاجئ بأحد أفراد طاقم الطائرة بالطلب منه معادرتها، بسبب أمر من السلطات الأمنية، وذلك قبل أن تقوم قوات إماراتية يرتدي أفرادها لباس مدني، بمحاصرة سيارته واختطافه من بين زوجته وأطفاله الذين وصلوا إلى المطار لإرجاعه، ومن ثم دهم منزله وتفتيشه بشكل دقيق، دون الحصول على إذن من النيابة، ومن عقبها تحويله إلى "سجن سري يشرف عليه نيباليون"، حيث ظل قابعا فيه لمدة 4 أشهر كاملة، ولم يسمح له خلال الأشهر الثلاثة الأولى بالاتصال بعائلته.
ويضيف حداقة، وهو يصرّ على تسمية ما تعرّض له بـ "عملية اختطاف وليس اعتقال، "لقد عشت في الإمارات قبل اعتقالي 12 سنة، حظيت خلالها بصداقة وتكريم من قيادات إماراتية من الصف الأول (نشر صورة له وهو يكرم من قبل الفريق ضاحي خلفان)، ولم أقترف في يوم من الأيام أية مخالفة لأي من قوانين الإمارات، بل كانت لي علاقات حميمية مع عدد من المسؤولين الإماراتيين، حتى تم اعتقالي على حين غفلة من دون أسباب ولا ذنب اقترفته، حيث دخلت في دوامة مازلت عاجزا عن تفسير سببها حتى هذه اللحظة".
وأضاف "وضعت في زنزانة إنفرادية بها ضوء قوي جدا ومزعج للغاية مُنار على مدار الساعة، وكنت أفترش الأرض عقب مصادرة السجانين للفراش ، شتموني وأهانوني واستهزأوا بي وبالشعب الليبي، ورأيت من صنوف العذاب ما أعجز الآن عن سرده، ليس لأنه كان مفاجئا لي فقط ومن غير مقدمات، ولكن لأنه كان وحشيا للغاية التي بلغت حد حرماني من النوم لأكثر من أسبوع، مع ما يرافق ذلك من عمليات تعليق وضرب لم أتوقعها في يوم من الأيام"، مستطردا "مازال أزيز سياط الأمن وعصيهم يرن في مسامعي".
وأشار حداقة، إلى أن الأسئلة التي تم توجيهها إليه طيلة فترة اعتقاله والتحقيق معه، كانت تدور حول بلده وشأنها الداخلي ومؤسساتها وقياداتها السياسية والقبلية، معتبرا أن الهدف من هذه الأسئلة كان الحصول على معلومات حول القيادات السياسية الليبية، في حين لم يوجّه أي اتهام مباشر لي ولا استجواب بأي أمر أو مخالفة ارتكبتها، وبقيت على ذلك الحال حتى الإفراج عني وترحيلي قسرا.
وقال رجل الأعمال الليبي، "لقد عرضوا علي اطلاق سراحي واغروني بالمال وتمكيني من منصب سياسي مهم في ليبيا مقابل ان أكون عميلا لهم، لكنني رفضت ذلك، وقناعتي هي أن العذاب والخسارة المادية الكبيرة وتشريد أهلي أهون علي من أن أخون بلدي"، كما قال. وأشار حداقة، إلى أن "الذاكرة الأليمة لاعتقاله وتعذيبه، لن تحول دونه ومتابعة المسؤولين عن اعتقاله، ليس فقط لإنصاف نفسه ورد المظالم التي اقترفت بحقه، وإنما أيضا من أجل رفع الظلم عمّن تبقى من رجال أعمال ليبيين معتقلين في سجون الإمارات، ومنع تكرار هذا النهج غير الإنساني الذي يسيء إلى سمعة الإمارات وتاريخها وشعبها الطيب قبل اي يسيء إلى أي شخص آخر"، على حد وصفه.
وعن سبل الدفاع عن نفسه، قال حداقة "رغم ما لحق بي وبأهلي تواصلت مع بعض المسؤولين الذين أعرفهم في الإمارات وحاولت معالجة الأمور بهدوء وحكمة ولكني لم أفلح في إنصاف نفسي، أو اطلاق سراح باقي رجال الأعمال الليبيين والآن بدأت في التوجه لمؤسسات الإنصاف الدولي في البرلمان الأوروبي والقضاء الدولي. انتهى كلام الضحية الليبي ، وما زالت المنظمات الدولية تحاول الإفراج عن باقي الليبيين المختطفين هناك .
فيديو منظمة هيومن رايتس ووتش عن مأساة الليبيين المختطفين في الإمارات :